رشاد كامل
مصطفى أمين وانفرادات صحفية فى «روزاليوسف»
فى ذكرياتها الصحفية كتبت السيدة «روزاليوسف» عن تلامذة مدرسة روزاليوسف قائلة: «كان مصطفى أمين بالذات أكثرهم نشاطاً وأكثرهم إصراراً على النجاح وكان تفوقه عليهم ظاهراً».
وهو منذ اللحظة الأولى يحلم بامتلاك دار صحفية كبيرة». ويواصل الأستاذ «محمد السيد شوشة» تفاصيل أيام الشاب مصطفى أمين فى روزاليوسف فتقول:
كان «مصطفى» هو الأرشيف الحى للمجلة، إنه يحفظ كل ما فى الجريدة منذ صدورها، يعرف مكان نشر كل صورة، ويعرف الصفحة التى نشر فيها أى خبر، وكان «صاروخان» - رسام الكاريكاتير - يعجب بقوة ذاكرته وكثيرًا ما يذهب إليه ويقول: هل تذكر متى رسمت صورة «القيس» مدير الأمن العام، فيقول «مصطفى» نشرت فى مجلة كذا فى صفحة كذا!!
ولم يكن فى مجلة «روزاليوسف» أرشيف ولا دوسيهات لصور الساسة ولا معلومات عنهم، ولهذا كان كل محرر يلجأ إليه ويستعين بهذه الذاكرة الغريبة.
ويظل مصطفى يقوم بكل هذا بلا أجر ثلاث سنوات كاملة، ثم تقرر روزاليوسف، والتابعى منحة ثمانية جنيهات فى الشهر، غير أن ما كان يحصل عليه من هذا الراتب فعلا هو ثلاثة جنيهات فقط! كان مصطفى يقتسمه مع سائق رئيس الوزراء على أن يتقاضى السائق خمسة جنيهات شهرياً ليوافيه بأنباء رئيس الوزراء «عبدالفتاح باشا يحيى».
وكان التابعى لا يعرف أين تذهب الجنيهات الخمسة، ولا أحد يعرف هذا، زيادة فى كتمان اسم المصدر الخطير الذى لا يجوز ذكر اسمه فى دفاتر الحسابات، أما اسم «مصطفى أمين» نفسه فلم يكن فى دفاتر الحسابات، إن الاسم المسجل فيها هو «مصطفى محمد»!
••
ولكن ماذا جرى «لحسن» الذى كان «البرافان» الذى يتستر خلفه التوأم؟!
إن مصطفى أمين لم يخبر التابعى أبدًا بسر «حسن» وبعد عام من اشتغال «مصطفى» مع التابعى استدعاه رئيس التحرير وقال له:
- عندى ظاهرة غريبة فى المجلة، يبدو أن أحد المحررين قضت عليه امرأة كان هذا المحرر أبرز محرر فى المجلة وكان يأتى بضربات صحفية ممتازة ولكن منذ عام حدث شىء عجيب، أخباره الضخمة أصبحت تافهة! ضرباته الصحفية الكبيرة تحولت إلى أكاذيب صغيرة، نشاطه الممتاز انقلب إلى كسل غريب، فلا بد أنه أحب امرأة، ولا بد أن هذا العشق قضى على نشاطه الصحفى وملكة الابتكار فيه.
وسأله مصطفى عن اسم هذا المحرر؟! فقال التابعي: إن اسمه «حسن»!
وسكت مصطفى ولم يقل للتابعى شيئا، لم يقل إنه هو الذى كان يكتب كل شيء، وأنه كان التيار الكهربائى الذى يدير المروحة، فلما انقطع التيار توقفت المروحة عن الدوران!
وبعد شهور استدعى مصطفى وقال له إنه استغنى عن خدمات «حسن» وأنه احتمله طول هذه المدة تقديراً للمجهود الضخم الذى بدأ به عمله فى المجلة، ولكنه الآن لم يعد يحتمل أكثر من هذا، وأنه فصله بأغرب خطاب «فصل» فى تاريخ الصحافة وهذا نص الخطاب:
عزيزى الأستاذ «حسن» نظرا لازدحام المجلة بالإعلانات قررنا الاستغناء عن خدماتكم شاكرين لكم ما أديتم من خدمات».
رئيس التحرير محمد التابعى
حاول مصطفى إقناع التابعى بإعادة حسن ولكن التابعى رفض.
وهنا فقط اعترف مصطفى له بالحقيقة التى أخفاها عنه أكثر من عام، وحاول أن يرجو «التابعى» إعادة «حسن» وإسناد أى عمل آخر له فى الترجمة التى كان يجيدها.
لكن التابعى رفض وغضب منه لأنه أخفى عنه هذا السر وخدعه!
ولم يغفر التابعى أبدًا لمصطفى هذه الخديعة، ولم يكن يخطر بباله طوال هذه السنوات أن مصطفى لم يكن هذا العبقرى الذى اكتشفه من أول مقال كتبه وأن هذه العبقرية لم تكن إلا عملاً متواصلاً بالليل والنهار فى الجريدة التى يرأس تحريرها».
ولكن هذا الخصام لم يستمر طويلاً، ولم يلبث مصطفى أن استعاد ثقة «التابعى» وحصل على ضربات صحفية ضخمة»!
••
حرص الأستاذ «محمد السيد شوشة» فى كتابه المهم والممتع «أسرار على أمين ومصطفى أمين» أن يروى نماذج من الضربات الصحفية التى حصل عليها «مصطفى أمين» فيقول:
حدث فى شهر سبتمبر سنة 1932 أن ذهب الصحفى الصغير «مصطفى محمد يزور «على ماهر» وزير الحقانية - العدل - فى وزارة «إسماعيل صدقى»، وجرت بينهما دردشة، وفهم «مصطفى» أن هناك أزمة فى الوزارة وأن «عبدالفتاح يحيى» و«توفيق دوس» و«إبراهيم فهمى» سيخرجون من الوزارة!
وأسرع مصطفى ونشر الخبر فى مجلة «روزاليوسف» وهاجت الحكومة ونفت الخبر، وقالت إنه خبر كاذب لا أساس له من الصحة!
وبعد أسبوعين تماماً استقال الوزراء الثلاثة!
وعرف الناس أن «روزاليوسف» صادقة وأن الحكومة هى الكاذبة!
وكتب الأستاذ التابعى فى مجلة «روزاليوسف» يوم 9 يناير سنة 1933 يقول:
- كنا أول صحيفة كتبت عن تعديل الوزارة، فقد كتبنا فى صفحة عشرة من العدد 254 الصادر بتاريخ 25 ديسمبر أى قبل أن تنشأ الأزمة الوزارية.
كتبنا مقالا عنوانه «بين الوزراء».. هل يجرى تعديل فى الوزارة؟
وذكرنا فى المقال أسماء الوزراء المنتظر خروجهم من الوزارة وهم:
«عبدالفتاح يحيى باشا» و«توفيق دوس باشا» و«إبراهيم فهمى باشا» وعرضنا للأسباب وللخصومة القائمة بين فريقى الوزراء!
وأحدث سبق روزاليوسف الصحفى ضجة ضخمة فى الدوائر السياسية!!
وقبل ذلك كان مصطفى مع «عزيز صدقى» - ابن رئيس الوزراء صدقى باشا - فى سينما رويال، وقال «عزيز» إن بابا سيجتمع بالخديوى السابق «عباس حلمى» فى مدينة فيشى!
وكتب «مصطفى» الخبر فى روزاليوسف، وغضب «إسماعيل صدقى» رئيس الوزراء ونشر تكذيبًا فى جريدة «المقطم»!
وبعد أسابيع تمت المقابلة!
وارتفعت أسهم «مصطفى فى روزاليوسف» عدة أبناط، ثم حدث أن تعارف مصطفى مع ابنة أحد الوزراء، كان عمره يومئذ 18 عاما وكان عمرها 20 عاماً ونشأت بينهما علاقة أخوية ويصفها أصدقاؤه بأنها قصة غرام عنيفة، ويظهر أن الفتاة عرفت أن مصطفى يشتغل بالصحافة أو يظهر أن الحب بينهما وصل إلى درجة إنها كانت تبلغه أسرار الدولة أولاً بأول».
وتقول السيدة روزاليوسف فى مذكراتها: أذكر أننى سألته - مصطفى أمين - يوماً إلى أين هو ذاهب فقال: إنه ذاهب إلى الإسكندرية لأن سيدة تنتظره فى ميدان المنشية لتعطيه خبراً».
وللحكاية بقية!