
وليد طوغان
ماذا نريد من الحكومة الجديدة؟
يريد المواطن من الحكومة الجديدة.. مزيدًا من الاستقرار، ومزيدًا من الاستثمارات، ومزيدًا من فرص العمل، ومزيدًا من ضبط السوق، إضافة إلى مزيد من دعم إجراءات السلام الاجتماعى.. فى إطار منظومة الدولة المصرية للأمن القومى.
كلها إجراءات مهمة ومطلوبة فى مرحلة جديدة تتولى فيها المسئولية حكومة جديدة. واجهت الحكومة السابقة صعوبات وتحديات كثيرة.. استطاعت أن تجتاز أكبرها مثل ضبط العملة الصعبة وجلب الاستثمارات.. وهنا الكلام عن رأس الحكمة.
لكن للأسف، لم تستطع الحكومة ضبط السوق أو ضبط الأسعار فى كثير من الأسواق، ضبط الأسواق هو التحدى الأكبر الفترة المقبلة مع كوادر جديدة.. يكون لها القدرة عليه.
مشكلة الأسعار تؤرق كل بيت مصرى.. وللإنصاف، فإن هناك فجوة لا نستطيع السيطرة عليها فى السوق.
ماذا تعنى الفجوة؟
تعنى الفرق بين سعر السلعة بشكلها الخام، ثم سعرها عندما تصل للمستهلك.. الأسعار متباينة بشدة.. وكثيرًا ما يكون هذا التباين غير مبرر وبلا أسباب واضحة، وأحيانًا غير مسببة.
أسعار الأسواق أهم تحد للحكومة الجديدة.. السبب أنها على علاقة مباشرة بالمواطن.. الناس تشتكى من الأسعار، والحكومة الحالية لم تنجح فى موضوع الأسعار بشكل كامل.
لكن لمزيد من الإنصاف، نجحت الحكومة الحالية فى ملفات أخرى.. يبقى ملف الأسعار إلى جانب ملف الأمن والاستقرار.. تحديا أكبر.
(1)
العصر عصر التحديات.. هذه الجملة سليمة مائة فى المائة، التحديات واسعة وكبيرة فى إقليم أقل ما يقال عنه أنه ملتهب شديد الاشتعال.
لذلك فإن أمام الحكومة الجديدة تحديا أساسيا وهو الأمن القومى.
الأمن القومى مفهوم واسع.. يبدأ من استمرار السلام الاجتماعى ويمتد حتى يدعم سلامة جميع اتجاهات الدولة الاستراتيجية.
نظرة على الخريطة تجد نقاط اللهب فى كل مكان. فى الجنوب وفى الشرق وفى الغرب، وفى الشمال حيث البحر المتوسط يموج بالمياه وبكثير من التغيرات الإقليمية التى تحفزها طموحات وتشعلها رغبات السيطرة.
التحدى الاقتصادى هو وجه العملة الآخر.. أو هو الوجه الآخر لعملة الأمن القومى والاستراتيجى.
العالم قبل كورونا غير العالم بعدها. العالم بعد كورونا أصابته أزمة روسيا وأوكرانيا، تغير العالم بعدها وأصبح على صورة لم يكن عليها من قبل لا فى السياسة ولا فى الاقتصاد.
العدوان على غزة هو الآخر، بتلك الصورة، وعلى مدى تلك الفترة غيّر المنطقة، وغيّر المعادلات.
كل هذا انعكس على زيادات الأسعار وانعكس على التضخم.
تنعكس الحروب على الاقتصاد بالدرجة الأولى. حرب غزة لم تنعكس على أمور المال وحدها، إنما انعكست على صورة الإنسانية ومفاهيمها للإنسانية كلها. انهزمت الإنسانية فى حرب غزة.
نعود للاقتصاد.. التحدى الذى ترتبط به تحديات التعليم والصحة والنهوض بالخدمات.
أمام الحكومة مزيد من الإجراءات فى دعم ملفات الصحة والتعليم، والخدمات بشكل عام.
توجيهات الرئيس كانت واضحة فى هذا الاتجاه. والغرض حكومة جديدة من ذوى الكفاءات لمواصلة مسار الإصلاح الاقتصادى والعمل على زيادة محفزات الاستثمار فى الداخل والخارج.. التكليف رسالة طمأنة للمواطن المصرى.
(2)
مطلوب فى تشكيل الحكومة الجديدة أن تضم مجموعة اقتصادية من الشخصيات الاقتصادية رفيعة المستوى. يتطلب الأمر فى تلك الشخصيات القدرة والكفاءة فى صياغة استراتيجية اقتصادية جديدة لمصر.
ليس خفيًا أن الدولة المصرية تواجه تحديات ضخمة بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية وتداعياتها السلبية على الاقتصاد العالمى. مصر جزء من هذا الاقتصاد العالمى. الأزمة الاقتصادية ممكن التعامل معها بالخطة والبدائل المبتكرة.
يعود التحدى للمجموعة الوزارية الاقتصادية. مطلوب فى المرحلة الجديدة خططً وسياسات وبرامج جديدة.
مطلوب برامج تكفل مواجهة جميع التحديات التى تواجه الاقتصاد المصرى. التصورات الاشمل أن على أولوية المسئوليات هى الإجراءات والتدابير اللازمة لتشجيع وجذب الاستثمارات المحلية والعربية والإفريقية والأجنبية، ودعم قطاعات الصناعة والزراعة والسياحة والاتصالات، إضافة إلى إجراءات فاعلة لاحتواء ارتفاع معدلات التضخم.
تتطلب آليات مكافحة التضخم، إجراءات جديدة لتعظيم الموارد.. وتعظيم الموارد ينعكس بالضرورة على تقليل عجز الموازنة.
إجراءات تعظيم الموارد يعنى زيادة الإنتاج المحلى، وزيادة الصادرات، وإيجاد بدائل لتوفير النقد الأجنبى.
الدولة جادة فى مزيد من دعم نطاقات عمل القطاع الخاص.
فى المقابل، يبقى أمام الحكومة الجديدة تقديم خطط واضحة وقابلة للتنفيذ لتفعيل دور القطاع الخاص بالتبعية، وكذلك لتوسيع مشاركة القطاع الخاص فى خطة التنمية الاقتصادية المستدامة.
المعنى، أيضًا، دعمه وتشجيعه للاستثمار فى القطاعات الإنتاجية خاصة الصناعة والزراعة.
مطلوب أيضًا مزيد من تعزيز جهود الدولة لتوطين الصناعة. مطلوب من الحكومة دعم تعميق التصنيع المحلى، وإيجاد بدائل لأغلب المستورد من مواد التصنيع.
إذا لم يكن تعظيم الصادرات وحده، فالغرض تقليل نسب الواردات.. يعنى الحد من الاستيراد توفيرًا للنقد الأجنبى.
تعمل الحكومة فى نطاق واسع من المجال الجاذب للاستثمار وسط بنية تحتية غير مسبوقة على قدر أكبر من الكفاءة المتاحة أمام جميع الفرص.
على الحكومة الجديدة استغلال هذا الوضع، بمزيد من الإجراءات الفورية لتذليل معوقات الاستثمار وتدفق رؤوس الأموال الأجنبية، مع كل ما من شأنه أن يزيد ثقة المستثمرين.
عام 2014 كانت نسبة البطالة تقترب من الـ 15 %. حجم البطالة الآن يقترب من 7 %. الإنجاز كبير.. والمطلوب البناء عليه.
مطلوب خطة واضحة لزيادة معدلات التشغيل والحد من تلك النسبة المئوية، بالتوسع فى إقامة ودعم المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر.
لابد من إجراءات هذا وقتها لحظر استيراد أى سلع ومنتجات لها بديل محلى. لم يعد ذلك الأمر رفاهية.. ولم يعد هناك وقت لتأجيله.
(3)
مزيد من المضى فى إجراءات الإصلاح الاقتصادى مطلوب، مطلوب أيضًا مزيد من الإجراءات التى تدعم الإصلاح للهيكل الإدارى فى مصر.
منح أولوية قصوى لدعم قطاعى الصناعة والزراعة على رأس الأولويات. الاهتمام بهذين القطاعين السبيل الوحيد لتحقيق الاكتفاء الذاتى من مختلف السلع والمنتجات الزراعية والصناعية.
هناك من اقترح تأسيس الحكومة الجديدة لشركة إدارة أصول تابعة لوزارة قطاع الأعمال تئول إليها كل الأراضى الفضاء والمبانى الفضاء فى كل الشركات القابضة، وتطرح هذه الأراضى باعتبارها ملكًا للمصريين للاستثمار.
مفترض أن يتم الطرق وفقًا لضوابط وأسعار السوق، بنظام حق الانتفاع، لضمان تشغيلها من المستثمر الذى سيحصل عليها.
هذا ممكن.. وربما يجوز التفكير فيه فى إطار الأفكار الجديدة والابتكارات.
المعنى، أنه لم يعد هناك بدائل عن اتخاذ أى إجراءات من خلالها تتم تنمية الموارد الذاتية للدولة.
أمام الحكومة الجديدة عدد من الملفات الاقتصادية العاجلة وشديدة الأهمية.
على رأس الأوليات يأتى تكثيف العمل فى القطاعين الزراعى والصناعى لخفض فاتورة الاستيراد التى تجاوزت الـ 87 مليار دولار سنويًا.
الزراعة ملف آخر.. وتحدٍ آخر.. والفرصة الملائمة التى يطرحها هذا الملف، بشكله الجديد، وبعد إنجازًا أكبر من الدولة المصرية بتوسيع الرقعة الزراعية هو فرصة كبرى لأفضل استغلال.
على رأس الأولويات تقديم الدعم اللازم لقطاع الزراعة، لتحقيق الاكتفاء الذاتى من المحاصيل الزراعية الاستراتيجية.
أمام الحكومة الجديدة تحدٍ كبير فى تلك الناحية، إذ أنه إضافة إلى أن المزيد من الحوافز التشجيعية للقطاع الصناعى والزراعى مطلوبة، فإن مواجهة جميع أنواع الروتين والبيروقراطية على رأس قائمة المطالب.
فى تكليف الدكتور مدبولى بتشكيل حكومة جديدة، أشار الرئيس إلى عدة أولويات، فى مقدمتها الحفاظ على محددات الأمن القومى المصرى فى ضوء التحديات الإقليمية والدولية.
ملف الأمن القومى.. هو أول الأولويات. والأمن القومى مفهومه واسع. ضمن محددات الأمن القومى وضع ملف بناء الإنسان المصرى على رأس قائمة الأولويات.
بناء الإنسان يبدأ من الصحة والتعليم، مرورًا بتطوير مشاركته السياسية.. وتطوير ملفات الثقافة والوعى الوطنى.
يبدأ الوعى الوطنى من خطاب دينى معتدل.. وتنمية فى نزعة الانتماء. يرسخ الانتماء مفاهيم المواطنة والسلام المجتمعى.
هزمت مصر الإرهاب.. وحققت كل الخطوات اللازمة على الأرض لاستمرار التنمية. مطلوب من الحكومة الجديدة استغلال ما تم.. والبناء عليه.
مصر كبيرة