الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
هيكل وتوفيق الحكيم  يدخلان السينما من ستة لتسعة!

حكايات صحفية

هيكل وتوفيق الحكيم يدخلان السينما من ستة لتسعة!

«هيكل وتوفيق الحكيم» معًا فى كتاب واحد يناقش ويحلل أزمة المثقف المصرى فى حوالى (424 صفحة) كتبه ببساطة وجرأة الصديق الكاتب الصحفى الأستاذ «إبراهيم عبدالعزيز».



أخطر وأجمل ما فى الكتاب هى تلك الحكايات التى رواها «الحكيم» عن هيكل، وما رواه «هيكل عن الحكيم» وقد استمع إليها مباشرة من الاثنين الأستاذ «إبراهيم عبدالعزيز».

الكتاب ممتع، والحكايات مدهشة وغريبة ومذهلة أيضا حتى إنك تحس إنك تشاهد فيلمًا سينمائيًا بطلاه الحكيم وهيكل وحكاياتهم التى لا تنتهى.

 

 

 

فى واحد من أجمل فصول الكتاب وهو بعنوان «هيكل والحكيم من الصداقة إلى القصف المتبادل بعد «عودة الوعى» يكتب إبراهيم عبدالعزيز كواليس وأسرار أظنها تنشر لأول مرة فيقول:

فى أثناء زياراتى للأستاذ «هيكل» لإهدائه كتبى إليه، كان يحدثنى عن صداقته لشيخ الكتاب «توفيق الحكيم» الذى خصص له أكبر مكتب بين كُتاب الأهرام فى الدور السادس فقال لى: إنهما كانا يتناولان الغداء يوميًا بكافتيريا الأهرام، ويدخلان السينما من السادسة إلى التاسعة مساء!

وقد كشف لى «توفيق الحكيم» أيضا عن قوة علاقته بهيكل وقال لى إنه كان يراسله وطلب منى محاولة استرداد خطاباته، وقد وعدنى هيكل ولم يف بوعده، وقد توترت العلاقة بينهما بعد أن أصدر توفيق الحكيم كتابه القنبلة «عودة الوعى» نقدًا لعصر عبدالناصر، وقد تبادلا الرسائل على صفحات الصحف، بعضها قصف وقذف، وبعضها همز ولمز وعتاب!

 

وحينما أصدر «هيكل» كتابه «خريف الغضب» انتقامًا من الرئيس السادات الذى أصدر قرار اعتقاله ضمن حملة اعتقالات سبتمبر الشهيرة سنة 1981، كتب الحكيم رسالة مفتوحة إلى هيكل «رفض الأهرام نشرها فنشرتها صحيفة «الأهالى» ومعها رد «هيكل» الذى حكى فيه بعض ذكرياته مع الحكيم.. جاء فيها:

 

 

 

هل تذكر حكايات زمان حتى من قبل أن تجمعنا معا تجربة «الأهرام» تذكر أيام كنت أنا صحفيا شابا، وكنت أنت أديبا كبيرا يشار له بالبنان، وكان بيننا ما أسميته أنت بالثوابت.  المحبة والمودة.. كان كلانا مشدودا إلى الآخر ربما بحكم اختلاف الطبائع والتوجهات.

كنت أنت باحثا عن الحقيقة بإلهام الفن! وكنت أنا باحثا عنها فى خضم الحوادث، وهنا يكمن الفرق بين الفنان والصحفى، الصحفى لا يتعدى أمسه وماضيه وربما يومه، ولكن الفنان يتعدى الأمس واليوم والغد ويتجاوز زمنه الذى يعيش فيه إلى زمن آخر قد لا يكون موجودًا فيه!

إن رؤية الفنان أبعد وأوضح وأشمل، إنه يرى بالبصيرة وبما ما كان لا يزال مجهولًا فى رحم الغيب! أما الصحفى فمحدود ببصره فى حدود ما حدث أمس وما يحدث اليوم، ولذلك رأينا أعمالا فنية تستشف المستقبل وتتنبأ به، كما أن الصحفى متواجد فى دائرة الضوء كلما كانت لاتزال فى عمره بقية من حياة الروح والجسد، أما الفنان فحياته موصولة بأعمار أخرى طالما عاش فنه وظل مقروءًا».

وهذا ما يوضحه «الحكيم» الكاتب الكبير خلال صحبته لمحمد حسنين هيكل، الصحفى الشاب سنة 1948 تقريبًا: «فى هذا العام كنت كاتبًا فى جريدة أخبار اليوم وكان معى الصحفى «محمد حسنين هيكل»

وسمعنا فى أثناء الرحلة إلى أسيوط بنوع جديد من الجرائم المتصلة بفرض الإتاوة بعد الخطف، كانت حادثة نادرة ملخصها إن إحدى العصابات خطفت راعى إحدى الكنائس دون أن تشعره أو تخدش قداسته، ثم أعيد إلى الكنيسة أيضا بعد استلام الفدية، بكل الأدب الجم!

 

 

 

أعجبتنى الحادثة وكتبت عنها قصة قصيرة بعنوان «معجزات وكرامات» وعدنا إلى القاهرة وقابلت «على أمين» وسلمته القصة، فإذا بى أعلم أن «هيكل» كتب تحقيقا صحفيا كبيرا عن هذا الموضوع بالذات، ولما طلبت من «على أمين» وقف نشر القصة حتى لاتتكرر الحكاية فى جريدة واحدة، رفض «على أمين» طلبى ونشرها مباشرة، وما حدث بعد ذلك أن هذه القصة ترجمت إلى ثلاث لغات أوروبية بينما مقال «هيكل» ظل حبيس الخبر والحادثة.

وهذا هو الفرق الذى يدافع عنه «على أمين» وقتها، علمًا بأن مقال «هيكل» كان جيدا جدًا لكن الأثر الأدبى يبقى ويستمر من جيل إلى جيل!

المقالة الصحفية إذا قرأتها بعد يومين تصبح مثل الخبز البايت أو الخضار الذى ذبل، ذلك أن الإبداع الفنى يعنى أولا بالحالة الإنسانية ومدى تأثيرها فى قلوب الناس، تظل ممتدة فى الزمن.. إذا أهملت فترة فإن وقتا أفضل منه سوف يأتى».

ويمضى إبراهيم عبدالعزيز فى سرد الحكاية فيقول:

لقد كان كل من «الحكيم» و«هيكل» يعرف حدوده، يقول هيكل موجهًا كلامه إلى الحكيم: أنت تملك بخيال فنان ملهم ومبدع أن تضع نفسك على أجنحة النسور وتحلق فى السماوات العلا، أما أنا فلم اقترب من هذا الملكوت الواسع، أنا أعرف حدودى الفنان شيء والصحفى شيء آخر: أولهما يملك آفاق النجوم تحمله إليها أجنحة النسور، وأما الثانى فمكانه على الأرض وسط تضاريسها وتخومها ودروبها يبحث وينقب ويحلل ويقارن.

ولعل فهم «الفنان الحكيم» والصحفى هيكل كل منهما لدوره هو ما قرب بينهما وجعل صداقة تنشأ بينهما، تدعمت بقيام ثورة يوليو 1952 ورئاسة «هيكل» للأهرام ونجاحه فى ضم الحكيم إلى كوكبة كتابها الكبار، وكان ذلك بعد محاولات من الإقناع، فقد كان «الحكيم» مترددًا كعادته فى اتخاذ أى قرار!

يقول هيكل مخاطبًا الحكيم: «كان يومًا من أسعد أيامى حين أستطعت أن أقنعك بأن تنضم إلينا فى تجربة الأهرام، كان العصفور خائفا من القفص وأظنك تشهد إنه لم يكن قفصًا.

 

 

 

ويشهد الحكيم بأنه كان «حرًا فى كل ما يكتب وينشر بالأهرام خلال رئاسة هيكل - حتى عام 1967 - فقد كان «هيكل» يرى حرجا فى نشر بعض كتابات الحكيم، وإن كان الحكيم قد لجأ فى بعض الأحيان للتحايل لنشر بعض ما يشعر أن هيكل يتباطأ فى نشره مثل ما أسماه «مسراوية» بنك القلق والتى يتناول فيها تحليل مظاهر القلق والتحلل وعدم استقرار نظام الاشتراكية فى مجتمع «برجوازى» داخل قماط اشتراكي!

اشتراكية قوانين ولوائح وليست بعد «اشتراكية روح».

كتب الحكيم ذلك عام 1966 منبهًا إلى أن المجتمع المصرى بوصفه «الهش» فى ذلك الوقت غير قادر على الدخول فى أى مواجهة رخوة مريضة.

وأعطى «الحكيم» مخطوطة «بنك القلق» لهيكل وقال له إنه كتبها ليقول لعبدالناصر إياك أن تدخل حربًا لأى الشعب غير مهيأ لحرب، وقد أبلغ هيكل هذه الرسالة لعبدالناصر وعاد يقول للحكيم: الرئيس عبدالناصر يقول لك.. تلميذك واع ولن يدخل أى حرب»!

كان هيكل دائما هو الوسيط بين الحكيم وعبدالناصر ينقل للأخير كل ما يقوله أو يكتبه الأول، فعندما منح عبدالناصر قلادة النيل لتوفيق الحكيم سأل عبدالناصر هيكل: توفيق الحكيم هل أعجبه الوسام؟! فقال هيكل لعبدالناصر: توفيق الحكيم قال لى: ما هو مقدار الذهب فى الوسام لأبيعه؟ وأخذ عبدالناصر المسألة على إنها دعابة»!

ولحكاية «الحكيم» و«هيكل» بقية!