الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
فى يوم الشهيد.. سلام للشهيد

فى يوم الشهيد.. سلام للشهيد

سلام للشهيد.. فى يوم الشهيد. 



ويبقى الأثر. يبقى أثر فضل رجال من معادن خاصة.. «ممتد وباق».. فى كل لبنة من لبنات مصر الجديدة. إنهم فتية آمنوا بربهم.. فزادهم الله هدى. 

زاد الله هؤلاء الرجال، أكثر من هدى، فحفظوا البلاد والعباد فى أوقات عصيبة، حاول فيها غيرهم بيع البلد.. وعرضه فى المزاد العلنى.. مرة بحجة التغيير، ومرات بحجة الديمقراطية.

ستر ربنا نزل.. بهؤلاء الرجال.

 

فى فترات ما على مر التاريخ المصرى كان هناك من يجيدون التشكيك، ومن يزيدون من نعيق البوم فى محطات تاريخية فاصلة، كان لهم فيها رجال بالمرصاد. 

من أكتوبر، وما قبلها، إلى 30 يونيو 2013 وما بعدها. حفظ ولاد البلد ذلك البلد، مضحين بالغالى والنفيس.. فيما كان آخرون يتلاعبون.. ويتلوى بعضهم مثل الحيات على أرضية الشارع.. يمارس الخديعة هنا.. ومحاولات التضليل هناك. 

سطر رجالُ، منهم من سقط شهيدًا ومنهم من ينتظر أعلى ملاحم البطولة.. فى اللحظات الفاصلة والمحطات الحرجة من تاريخ هذا البلد.

لذلك يبقى الشهيد.. وتبقى سيرة الشهيد.. وتبقى تفاصيل البطولة والفداء فى قصص الشهيد.. الذى آمن بتراب مقدس، فى حين كان آخرون لا يتوقفون عن حيل تجار الأوطان والأديان. 

(1) 

للآن.. لا تتوقف محاولات التشكيك.. ومحاولات الفت فى عضد شعب طيب.. ودولة قوية. 

لكن لا تسقط الدول ما دام فيها الرجال. ولا تتهاوى الشعوب، ما دام هناك فتية مستعدون باستمرار ودائمًا أن يقدموا أرواحهم.. فى لحظات.. رخيصة فداء للتراب. 

ارتقى شهداء فى مراحل تاريخية ملهمة، وبأرواحهم نقلوا مصر من حال لحال.

للشهيد نصيب أكبر فى ما تصل به البلاد على طريق التنمية والبناء. فى مرحلة ما كان أهم من التنمية والبناء.. الأمن والاستقرار.

كبيرة كلمة الاستقرار لو تعلمون.

إرساء الاستقرار فى مجتمع كان يترنح ما بعد عام 67 وحده إنجاز. الملاحم الكبرى فى حرب الاستنزاف ما قبل 73 هو الآخر ملحمة من الإنجازات على خطوط وطنية من نوع خاص.

بعد 2011 كانت إزاحة الإخوان بعدما دخلوا الاتحادية وحدها إنجازًا. رسم الشهيد على أرض مصر اسم البلد بدماء ذكية، فيما كان هناك من هو مستمر فى نصب الفخاخ للوطن.. والضرب بمشاعر الانتماء عرض الحوائط.. ومسح بها أسفلت الشوارع. 

على الأرض تختبر الرؤى كما يخُتبر الرجال. كل شهيد ارتقى فى كل محطة فارقة مر بها هذا الوطن كان يعرف جيدًا أن الواقع ليس ممهدًا.. والأجواء لا تفوح منها عبير الورود.. ولا روائح الزنبق وعبق الأوركيد.  لكن بقى هؤلاء الرجال على عهدهم.. وسيظل آخرون على نفس العهد. 

 

 

 

(2)

تزداد الصعوبة فى الإقليم.. وتتغير الخرائط فى العالم.

من كان يدرى فى الماضى، أنه سوف يأتى زمن تتغير الجغرافيا، وأنه سوف يظهر من يحاول أن يغير التاريخ.. أو أن هناك من سيعمل على صناعة تاريخ.. من لا شىء؟ 

جاء اليوم الذى ظهرت الطموحات الإقليمية المبنية على القوة أحيانًا.. والقائمة على تزييف الحقائق أحيانًا أخرى. 

المشكلة الاقتصادية ليست هى الأزمة كلها.. أو ليست هى محبس الأزمة ومنتهاها. المشكلة الاقتصادية العالمية، رد فعل.. وانعكاس للأزمات الأصلية.. وهى رد فعل لتفاعلات السياسة، وشدة الأنواء على نقاط محددة على خرائط العالم.. والمنطقة.. والدول المجاورة.. والدول المحيطة.

كان للشهيد كل فضل فى بقاء مصر على العهد.. وعلى خط سير يبدأ من الأخلاق.. وينتهى عند حدود الشرف.

ربما للآن لا نزال فى معاناة ما بعد هوجة ما أسموه وقتها «الربيع العربى».

مراحل الفوضى فى التاريخ البشرى لا تنتهى بسرعة، وآثارها لا يمكن للزمن استيعابها إلا بعد عقود.

يواجه العالم أزمات كبرى.. ويواجه أزمة ثقة فى الدول الكبرى.. وفى مسالك الدول الكبرى وسياستها نحو العالم الأقل قدرة.. ونحو قضايا أزلية تحتاج إلى نظرة.. وعدل فى الرؤى.. وفى الاستنتاجات وفى أهداف التحالفات. 

كم هائل من التحديات لا يمكن أن ينفع معها كلام «المثقفين» على مقاهى الزمالك.. أو فى أروقة البارات الشعبية.

بعض ما واجهنا من عيوب، كان فى ثقافة أحلام مصطنعة، ومحاولات تلاعب بالكلام فى مصائر الشعوب.. وفى أولويات الوطن. 

كانت الأزمة فى الذين تاجروا بالوطن، وبالشعب، ورفعوا السلاح فى وجه الدولة، ثم لما سحقتهم الدولة، ادعوا «المظلومية».. وطاروا على الاستعانة بالخارج ومارسوا ألعاب البهلوانات.

فى مصر جيش دولة لا تعتدى.. فيما يحوز فى الوقت نفسه كل الكفاءة والقدرة على حماية الحما وصون الثغور.

بروح الشهيد.. تعمل مصر وفق ثوابت وأخلاقيات.

(3) 

لا تدخل الدول مراحل الاستقرار بالحظ، ولا تستمر فى طريق التنمية بالصدفة. 

لم تستعد مصر مكانًا ومكانة بعد مرحلة ما بعد 2011 وحتى 2013 إلا بذكرى الشهيد وروح الشهيد.. وقيادة وطنية وتفكير للمستقبل وفق فهم جيد لمعادلات السياسة والطموحات الإقليمية شمالًا وشرقًا وغربًا، ووفق مفهوم حقيقى عملى لمعنى التنمية والبناء. ووفق أسمى معانى الفداء.

مصر دولة ذات سيادة، لا تُمس، ولم تمس، ولن تمس. 

ومصر.. لم يحدث أن وقفت ساكنة أو عاجزة عن صون كرامتها وهيبتها وأرضها فى كل ما دخلته من معارك على مر التاريخ

هى مصر التى استعادت الهيبة فى حرب أكتوبر عندما شعر المصرى أن كرامته مست وأن أرضه سلبت. لذلك.. فالمعهود أن يرد جند مصر الصاع صاعين، والضربة ضربتين.. والبادى أظلم.. من أيام حور محب.. حتى ما بعد اليوم.

تبقى روح الشهادة حاضرة، فيما تتعقد وتتشابك خريطة المنطقة. تبقى روح الشهيد نبراسًا جعل البلد لا تتوانى عن الزود عن حق ذاتى أو حق عربى، بثوابت شريفة، وبأطر سليمة حاسمة، يحددها هذا الوطن وهو يرسم ما يرسم وفق المقتضى. 

رسمت روح الشهيد على قلب الوطن خطوطًا عريضة من نور.

 فى تاريخ الشعوب محطات فاصلة، تغير وجه الواقع، وتتحداه، وتهزمه، وتخلق واقعًا جديدًا.. وعالمًا جديدًا.. بملامح جديدة.. وآفاق جديدة.

غيرت روح الشهيد فى مصر وجه التاريخ.. وغيرت الجغرافيا والحسابات والمعادلات. 

 عادة ما تضيف محطات التاريخ الفاصلة، بدماء الشهداء إلى المستقبل آفاقًا جديدة.. كثيرًا ما لم تكن تلك الآفاق فى أوقات الأزمة والملمات.. والظروف الصعبة متصورة.. أو محتملة.. أو مسبوقة.

فى أكتوبر 73.. كسر الجندى المصرى المعادلات.. وحطم الأساطير.. وفى تلك المحطة غير مصطلحات التكتيكات والاستراتجيات العسكرية. 

تغير منحنى التاريخ فى أكتوبر 73، حيث استعادت مصر الكرامة.. والأرض. وبعد ما اقترب من 40 عاما من نصر أكتوبر المجيد، أعاد المصريون الكرّة من جديد فى 30 يونيو 2013.

كما لو أنها نفس الروح.. ونفس القدرة. أعاد المصريون تغيير الواقع، وأعادوا ترسيم الخرائط وأوقفوا عجلة النار. 

فى 73 تغيرت خرائط الشرق الأوسط، وأعيدت موازين القوى للتموضع على خرائط الإقليم الملتهب، فاستعادت خطوط الحدود وضعها الصحيح، واستعاد المصرى كرامته.. قبل أرضه.

أعاد ولاد البلد الكرّة مرة أخرى فى 30 يونيو 2014.. حيث أوقفت العملية الشاملة عجلة النار فى سيناء. عجلة نار ما بعد 2011 كانت كبيرة ورهيبة.. حارقة خارقة. أوقف المصريون الزمن، وأوقفوا الشمس فى الأفق، واستعادوا الدولة والهوية. 

فى 73 كان الجيش المصرى درعًا وسيفًا. أعاد الواقع نفسه، فتكررت المعادلة، ووقف الجيش المصرى بقيادة قائد كاريزما اسمه عبدالفتاح السيسى متوحدًا مع إرادة المصريين دفاعًا عن المصريين.

كانت المواجهة مع غول إرهاب بدا فى الأفق، وأسنانه المدببة تسيل منها دماء الشعب.. وتتساقط تحتها أحلامه.. وآماله.. وتنسحق تحت أضراس الإرهاب كل أمل فى مستقبل أفضل.. أو حتى الأمل فى مجرد دولة.. بمعنى الدولة. 

فى أكتوبر 73 كان هناك من يسعى لتغيير الخرائط باحتلال الأرض. وفيما بعد 2011 كان هناك من سعى لتغيير الخرائط من القلب.. من الداخل، باختطاف الدولة، واختطاف الشعب.. واختطاف الوطن.

حقق محمد أنور السادات معجزة بكل المقاييس العسكرية فى أكتوبر 73. وفى 30 يونيو، حقق عبدالفتاح السيسى معجزة شعبية سياسية بكل المقاييس أيضًا.

استعادت مصر الأرض فى 73، واستعادت مصر نفسها فى 30 يونيو 2013. 

يظل كل تاريخ إشارة إلى ما استطاع رجال قضوا نحبهم ومنهم من ينتظر تحقيقه مع أقرانه من انتصارات كانت أشبه بالمعجزات. 

لا تُبنى الدول بالحروب هذا صحيح.. لكن الصحيح أن التنمية لا تؤسس إلا على الاستقرار.. لذلك تظل الحروب لأجل الأرض والعرض هى الباب الواسع للطريق للمستقبل.

مرة أخرى استعادت مصر الأرض فى 73.. وفى 2013 استعادت الدولة.. واستعادت الهوية.

بروح أكتوبر.. هزم المصريون إخوان الإرهاب، وبروح أكتوبر أكمل عبدالفتاح السيسى تطهير جيوب مصر من براثن الأذى فى معارك ضروس ضد سرطان الإخوان والإرهاب.

أنزل عبدالفتاح السيسى إخوان الإرهاب عن كرسى اغتصبوه.. واستحوذوا عليه فى الطريق لاختطاف وطن والاستحواذ على دولة. 

بدأ عبدالفتاح السيسى.. بروح أكتوبر ملاحم التنمية، واستراتيجيات إعادة تأسيس الدولة.. بمعنى الدولة. واجب هنا فى تلك المناسبة التأكيد على اعتياد المصريين محاولات التشكيك، ومحاولات إثارة الرأى العام بالباطل، واعتياد محاولات دائمة على التقليل مما أنجزته الدولة بقيادة صادقة جسورة خلال سنوات صعبة مرت.. لم تخرج منها البلد إلا بإرادة سياسية صادقة، وعمل دؤوب.. وجهود مضنية كل هذا بعد تضحيات كثيرة على الأرض. 

يعرف المصريون جيدًا ماذا جرى، وما الذى حدث. 

صحيح.. هناك كثير مما لم يأت أوانه من تفاصيل أخرى.. لكن على ما جرى، فإن المصريون يعرفون جيدًا أن هناك من سعى، ويسعى للفوضى باسم الحرية، وأن هناك من حاول وما زال يحاول أن يلبس الشيطان مسوح الرهبان.

علم المصريون من أوقات سابقة لم يكن يعلم بها إلا ربنا، أن هناك من حاول التحايل على الشعب، وأن هناك من صنع القنابل المحلية وثبتها تحت مقاعد محطات الأتوبيس العامة فى الخفاء، بينما كان يرفع فى العلن شعارات الحرية والعدالة الاجتماعية. 

ويعلم المصريون أيضًا.. أن هناك فى المقابل.. من بقى على العهد.. بعدما قدم النفس والدم.. كى نرفع نحن الرأس.. وكى تنفتح فى وجوهنا الطرق للمستقبل.