الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
كيف أكتب عنك وأنا أعمل معك؟!

أحمد عباس صالح لإحسان:

كيف أكتب عنك وأنا أعمل معك؟!

«فى بلاط روزاليوسف» كان  عنوان الفصل الممتع والمهم من كتاب «عمر فى العاصفة.. سيرة ذاتية» للأستاذ الكبير أحمد عباس صالح، الذى خصصه بالكامل لفترة عمله واشتغاله في روزاليوسف وصباح الخير. لقد وصف تلك الفترة بأنها كانت جميلة وقضى فيها وقتا سعيدا، خاصة ذكرياته مع السيدة روزاليوسف هذه المرأة الذ كية الفاهمة.



لكن النهاية لم تكن كذلك فى رحلة  أحمد عباس صالح مع روزاليوسف!

والحكاية بكل تفاصيلها يرويها على النحو التالى:

«مضى عملى فى «صباح الخير» و«روزاليوسف» مع شىء من المشاكل  ويبدو أننى لم أكن اجتماعيا بالشكل الكافى، وكان المطلوب الكثير من التنازلات سواء على المستوى السياسى بالنسبة للسلطات أو بالنسبة للمجتمع الثقافى، لكننی أظن أن فى مصر شيئًا مثيرًا للدهشة هو حماية المواهب على الرغم  من كل الظروف المحبطة.

ولست أدرى كيف تعمل هذه الآلية على أرض الواقع، إذ كنت عضوا فى كل التنظيمات الثقافية، وكنت  أكتب للإذاعة بشكل منتظم، ثم كتبت للسينما دون أن تقف أمامى عوائق مستحيلة أو بالغة الصعوبة وعندما أمضيت سنوات النفى الاختيارى التى قاربت الثلاثين عاما حدثنى البعض عن اهتمام المجتمع الثقافی بكتاب جدد كنت أعرفهم من قبل ولا أتوقع أن  ينتجوا عملا جيدا، ولكن عندما قرأت هذه الأعمال الجديدة وجدتها بالفعل تستحق الاهتمام.

والآن، تقترب مذكرات أحمد عباس صالح مما وصفه «شىء من المشاكل» صادفه فى روزاليوسف وقد رواه على النحو التالى:

 

 

 

«كان إحسان عبدالقدوس يكتب قصصا أبعد ما تكون عن اهتمام جيلنا، بل حتى الجيل الذى سبقنا، إذ كنا قد استوعبنا الإنجازات الكبرى فى الرواية سواء فى الأدب الروسى أو الفرنسى أو الإنجليزى والأمريكى والألمانى، وكان طموحنا إلى هذا النوع، ولم يكن الأدباء الصحفيون أمثال إحسان عبدالقدوس أو يوسف السباعى أو أمين يوسف غراب أو محمود كامل المحامى - هكذا كان يكتب اسمه - يشد انتباهنا.

وكان إحسان ناجحا على المستوى الشعبى وكان يغيظه أن النقاد الجدد لا يلتفتون إليه ولا يكتبون عنه، وفى إحدى الليالى وكنت سهران فى المجلة لأنهى المواد المتراكمة عندى فى الموعد، وكان  «إحسان» فى حجرته يكتب دون أن أعرف، وفى حوالى الساعة الثانية عشرة تقريبا، وأنا أهم بالخروج من المجلة، وجدت «إحسان» قادما نحوى، تبادلنا التحية ولكننى وجدته مكفهر الوجه وكأنه يعانى شيئا من الضيق أو التعب فسألته:

- مالك يا  إحسان؟!

كان بالفعل متوترا وكان قد أمضى خمس أو ست ساعات فى الكتابة ولعله عندما وضع قلمه شرح فى تلك المقاطعة- التى بدت له غريبة- من جانب النقاد، بل أيضا من النخب الثقافية! ولعله كان يعتقد أن المجتمع لا ينظر إليه نظرة الاحترام التى يتوقعها، ولعله كان يظن أن ذلك بسبب أمه وشهرتها كممثلة، فراح يهاجم المجتمع ونفاقه وادعاءاته الكاذبة بالالتزام الأخلاقى، بينما الفجوة هى جوهر حياتهم، وأن رسالته فى الحياة ككاتب أن يكشف عوراتهم ولا أخلاقياتهم ويفضحهم!!

كان - إحسان - غاضبًا جدًا وعصبيًا ولكنه بالنسبة لى كان شاباًطيبًا مجتهداً فى مجاله، وكان صحافيًا مهنيًا جيدًا، حقًا، كان أكبر منى بعدة سنوات، لكنه أثار إشفاقى وتألمت لألمه ورؤيته السوداوية، ورأيت أن من واجبى أن أعمل على إزالة توتره وغضبه.

وأشرت إلى أن الناس تحبه على عكس ما يتصور، وإنه كاتب ناجح، وأنه مقاتل أيضًا، وقد دفع ثمن شجاعته عندما نقد ضباط الثورة لكن عندما تحدثت عنه ككاتب ناجح صرخ:

- إذن لماذا لا تكتبون عني؟!  أنت مثلا لم تكتب عنى حرفًا واحدًا مع أنك كتبت عن توفيق الحكيم ويحيى حقى ونجيب محفوظ؟

فوجئ أحمد عباس صالح بما يقوله إحسان له ويمضى قائلا:

قلت له: كيف أكتب عنك وأنا أعمل معك؟ إن الناس سوف يقولون إنى أجاملك وأنا لا أحب أن أبدو أمام القراء بهذه الصورة!

فقاطعنى مسرعاً: اكتب خارج المجلة فى أى مكان آخر!

كان مجهدًا وحزينًا ومحبطًا، وتضايقت من أجله كثيراً، ولعلى وعدت بأننى سأفعل حتى أهدئ من ضيقه وغضبه، وبالفعل لم أتركه إلا بعد أن «انفثأ» غضبه!!

 

 

 

لم يكن شخصًا كريهًا بل كان وسيماً، وكان له معجبات كثيراً يأتين إلى المجلة لرؤيته، وكان جليسًا ظريفاً، لكنه لم يكن فى حماقة جيلى الذى ضيع عمره فى القراءات الصعبة وفى الأحلام الكبرى والنظريات المعقدة والطموحات المبالغ فيها، وبالتالى كانت قراءاته محددة إلا فيما هو منشغل به، وقيل إنه نجح فى امتحانات الحقوق من خلال مذكراته مع زميل له كان يقرأ له الكتب المقررة بصوت عال، وكان هو يستمع إلى هذه القراءة ويدخل الامتحان بناء عليها!

ولم يكن الصحفى الناجح يحتاج إلى أكثر مما يمتلكه «إحسان» من علم أو ثقافة وكانت علاقاته الاجتماعية جيدة، وهى أساس للعمل الصحفى الجيد، على أية حال كنت ميالا له وبالتالى مشفقًا عليه، وأشعر أن من واجبى أن أعمل على إزالة توتراته ومساعدته على تقبل الحياة بشكل رحب.

ويمضى أحمد عباس صالح قائلا: انتهت هذه الليلة وأنا أشعر بأننى خففت عن صديق، على أنه بعد أيام قليلة استدعانى إلى مكتبه لأجد عنده يوسف السباعى وقال لى إنه اتفق مع «يوسف» على أن يخصص لى الصفحات التى أريدها لكتابة المقالة التى وعدته بها لتنشر فى مجلة «الرسالة الجديدة» التى يرأس تحريرها «السباعى»، وهى مجلة استُعير اسمها من مجلة «الرسالة» الشهيرة التى كان يصدرها «أحمد حسن الزيات» ويكتب فيها كبار الكتاب فى مصر والعالم العربي.

لا شك أننى تضايقت من هذه الطريقة، ولعلى وعدتهما بأننى سوف أكتب ولم يتركانى إلا بعد أن حددا لى موعدا لتسليم الموضوع، وهكذا وجدت نفسى فى مأزق وعليّ أن أكتب، وكنت - دون ادعاء أو مباهاة - قد اعتبرت أن الكتابة للناس شيئا مقدسا وأن الصدق شرط لابديل عنه للكتابة، بل كنت عرفت أيضا أن الصدق يستلزم التحرى والتدقيق والإلمام الجيد بالموضوع الذى اتطرق إليه، وأنه يستلزم دربة طويلة ومجالدة لكل غوايات النفس، فماذا أفعل وأعمال إحسان عبدالقدوس لا تلقى القبول عندي؟!

كنت قد قرأت أغلب أعماله ولكننى قررت أن أعيد قراءة أحسنها وبالفعل أمضيت أكثر من أسبوع فى هذه القراءة، وأنا أنبه نفسى إلى أننى ربما أكون قد غمطت حقه فيما مضى، وكانت قراءة مضنية، ولم أستطع أن أغير رأيى السابق، فشرعت فى الكتابة برفق وباحتياط شديد ولكننى قلت ما أعتقد أنه صحيح. وأعطيت المقالة بالفعل إلى «يوسف السباعى» الذى نشرها فى الموعد، ولكن «إحسان» لم ترقه المقالة واعتبرها معادية له وخاصمنى خصاما شديدا تعداه إلى إيذائى فى عملى، وكان لابد أن أترك العمل فى دار روزاليوسف».

وللحكاية بقية!