الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
الثوابت المصرية فى الأزمة الفلسطينية

الثوابت المصرية فى الأزمة الفلسطينية

فى مؤتمر صحفى بالبيت الأبيض.. طلب أحد الصحفيين من الرئيس بايدن تعليقه على تقارير أمريكية تقول إن ذاكرته ضعيفة.. وقدراته العقلية سيئة.



رد بايدن على الصحفى بقوله: السيئ أنك أنت هنا. 

وانقلبت القاعة بهمهمات.. وهمسات.. وكلام بصوت منخفض، لأن الموضوع «كبير وخطير».. ولأن التقارير التى تكلمت عن صحة بايدن العقلية.. ليست من اختراع الصحافة.. وليست من خلق الإعلام الأمريكى.

المشكلة والأزمة ليست فى قدرات بايدن العقلية وحدها.. إنما فى قدراته السياسية أيضًا.. ومسالك الولايات المتحدة فى الشرق الأوسط.

منذ فترة نشرت الواشنطن بوست تقريرًا أثار ضجة فى الولايات المتحدة. 

التقرير صدر فى حوالى 345 صفحة ناقش علميًا مدى قدرة بايدن على الاحتفاظ بمواد حساسة خاصة بالحكومة الأمريكية.. وما إذا كان مؤهلًا لهذا. 

وكأن التقرير نكأ جُرحًا يحاول الديمقراطيون تجاهله أو إخفاءه. 

كتب التقرير المستشار روبرت هوك.. ووصف بايدن بأنه رجل مسن.. يكافح كى يتذكر ماذا أكل صباحًا.. وما عليه أن يأكل ليلًا؟!

أعاد الجمهوريون التقرير للسطح بعد الحرب الإسرائيلية الوحشية على غزة.. وانفجر جناح كبير من الديمقراطيين فى وجه حزبهم.. يتساءلون: هل هذا هو الشخص الذى يمكن أن يظل رئيسًا للولايات المتحدة لمدة رئاسية أخرى؟

الأزمة كبيرة.. والمشاكل التى يواجهها الرئيس الأمريكى كثيرة.. والأسئلة فى الموضوع أكثر وأكبر.

(1)

فى الولايات المتحدة تتراجع شعبية «بايدن» بقوة، الرئيس الأمريكى فى مأزق سياسي وإنساني كبير.. تمامًا كما أن «نتنياهو» وقادة الحرب فى إسرائيل فى تنويعة مختلفة من الأزمات المقبلة تسعى.

المسألة ليست شعبية «بايدن» فى الشارع الأمريكى ودمتم.. إنما المسألة فى صورته وأسهمه داخل حزبه.. وبين الديمقراطيين.

الانقسامات تضرب الحزب الديمقراطى بشدة. والنغمة المتزايدة الآن تدفع فى اتجاه مطالبات بضرورة العمل بطريقة ما على فرض إجراءات عقابية على تل أبيب.

إجراءات عقابية؟

صحيح.. هذا ما بدأ الديمقراطيون يتكلمون عنه بأصوات أحيانًا منخفضة.. وأحيانًا بأصواتٍ عالية.

هذه هى المرة الأولى التى يظهر بين الساسة الأمريكيين كلام أو حديث عن عقوبات ضد تل أبيب.. أو هى المرة الأولى التى تتعالى فيها نغمة الحساب من الأساس.

الأصوات كثيرة داخل الديمقراطيين التى تطالب البيت الأبيض بوضع شروط على الأموال والسلاح التى تقدمها واشنطن مساعدات لإسرائيل.

يقولون إن أمريكا تمنح تل أبيب الفلوس والسلاح، دعمًا لنظام يعتبرونه فى الغرب ديمقراطيًا، بينما هذا النظام يقتل المدنيين بالزوفة، ويريق الدماء على الطرقات وتحت أنقاض العمارات المتهدمة بواسطة طائرات قادمة من الولايات المتحدة التى هى من المفترض أنها واحة الحريات وحقوق الإنسان!

 

 

 

شباب الديمقراطيين غاضبون

كيف لـ«جو بايدن» أن يكون رئيسًا لأمريكا واحة الحرية وحقوق الإنسان بينما هو يدعم إسرائيل، التى تستهزئ فى الأراضى المحتلة بكل قيم الإنسانية والعدالة وحقوق الإنسان؟

تتضاءل فرص «بايدن» فى الانتخابات المقبلة يومًا بعد يوم. زلات لسانه.. والحديث عن ضعف قدراته العقلية.. تزيد الطين بلة. وربما يأتى الخريف المقبل و«بايدن» فى مزرعته فى تكساس وحيدًا بالبيجامة. وفى تل أبيب غالبًا ما سيكون «نتنياهو» فى السجن، الحزب الديمقراطى معقَّد ومتنوّع يضم تيارات مختلفة ومتباينة. 

داخل الحزب الديمقراطى معتدلون ويساريون.. وفيه اشتراكيون على الطريقة الأمريكية، ربما لذلك، تعتبر تركيبة الرأى فى تلك الكتلة السياسية الحزبية معقدة.

ورغم هذه التركيبة، فإن أغلب الآراء لا تستطيع أن تصدق استمرار «بايدن» فى سياساته تجاه اسرائيل. 

حتى جمل وصياغات وبيانات الرئيس الأمريكى كلها كوارث كما يقولون. أغلب الآراء المضادة لـ«بايدن» شباب.. آخر استطلاع للرأى أظهر معارضة 69 % من الشباب سياسة «بايدن» وأسلوب «بايدن».. ومحتوى الخطابات التى يرسلها «بايدن» للرأى العام منذ بداية الأزمة فى غزة.

الاستطلاع قال إن 74 % من الديمقراطيين يتعاطفون مع الفلسطينيين، مقابل أقل من 25 % فقط فوق سن الـ65 ما زالوا يميلون إلى فكرة أن تل أبيب لها الحق فى الدفاع عن نفسها.

استدام إيرلى سفير أمريكى سابق لدى دول الشرق الأوسط فجَّر حملة نشطة وشعواء على مواقع التواصل منذ فترة. أشار استدام فى حملته إلى الكيفية التى تترنح بها إدارة «بايدن» لدى الرأى العام فى بلاده.

تكلم استدام إيرلى عن معلومات لديه من داخل الخارجية الأمريكية تشير إلى جناح كبير يؤيد فرض شروط على المساعدات العسكرية لإسرائيل.

وصف هذا بالتحول الجذرى فى الرأى العام فى الولايات المتحدة.. خصوصًا أنه أصبح عاديًا الآن أن تشاهد صورًا فى الصحف الأمريكية وعلى شاشات الأخبار لآلاف يحتجون ويتظاهرون لصالح الفلسطينيين.. فى حوادث وصلت إلى حرق العلم بنجمة النبى داوود.

(2)

فلسطين قضية رئيسية وثابت أساسى من ثوابت السياسة المصرية. لا أحد يمكن أن يزايد على الدور المصرى.. ولا أحد ممكن أن يكون له وش فى الكلام فى جهود القاهرة.. فى الأزمة الأخيرة.. وقبلها.

قدمت مصر لفلسطين الكثير. من باب المسئولية التاريخية ومن باب اتساق المواقف.. وانطلاقًا من مسئولية أخلاقية فوق هذا كله. 

جهود مصر كانت دائمًا الأولى والأكثر وضوحًا، بدءًا من محاولات إيجاد الحلول لمعاناة الشعب الفلسطينى، مرورًا بمحاولات توحيد الفرقاء الفلسطينيين، نهاية بالتعامل الدولى مع رؤساء وحكومات العالم للتوصل إلى حلول تنهى الصراع فى فلسطين. 

الثوابت المصرية تقوم على أساس الدولتين وعودة اللاجئين، وإقرار القدس الشرقية عاصمة للدولة. 

فى الأزمة الأخيرة سابقت الجهود المصرية الزمن والوقت والساعات. قطعت السياسة المصرية رحلات فى مشاورات مكوكية تلاحق الأحداث للحد من بطش الآلة الإسرائيلية الوحشية.. بينما العالم يكيل بأكثر من مكيال، وبينما هناك من العرب من لا يسير طبقًا لنظرية أقصر الطرق.. وبينما بعضهم لا يتوقف عن اللوم والمناداة دون إجراءات أكثر.. أو دون ما هو غير المناداة فى ضجيج لدى بعضهم بلا طحين.

تحمل مصر القضية الفلسطينية على الرأس. الإصرار المصرى فى بداية الأزمة على دخول المساعدات، ومواقف القيادة المصرية لفرض دخول مواد الإغاثة والمستلزمات الطبية ثم حمولات الوقود إلى غزة.. دليل. 

 جهود مصر فيما بعد.. بالتوصل إلى هدنة أولى، ثم العمل على هدنة ثانية، تمهيدًا لإيقاف العدوان دليل آخر.

جهود مصر فى محاولات للتوصل إلى تسوية عادلة للقضية دليل ثالث.

تنطلق السياسة المصرية من اعتبار السلام العادل هو السبيل الوحيد للاستقرار والأمن فى المنطقة.

مواقف الدول الكبرى هى التى ليست على ما يرام. والاتهامات التى يواجهها بايدن فى الداخل الأمريكى إشارة. 

ضمن ما يحمل الرئيس الأمريكى من أوزار.. أنه بسياساته وسع من الانقسامات داخل مجتمعه.. وبين ساسته. 

الانقسام الأمريكى أنتج مجتمعين. قطاع يدعم إسرائيل بقوة ونبرة شديدة الحدة، مقابل معسكر آخر يدعم الفلسطينيين بقوة وحدة ظهرت ملامحه فى المشاحنات والمصادمات وفى تظاهرات طلاب الجامعات فى الولايات المتحدة.. وعلى شاشات التليفزيون. 

حتى الخارجية الأمريكية انعكست عليها تلك الانقسامات.

منذ فترة أعلن مسئول كبير استقالته اعتراضًا على السياسة الأمريكية فى حرب غزة. وتقول التقارير إن هناك تذمرًا داخل بعض أجهزة المخابرات الأمريكية.

الحزب الديمقراطى دخلته الانقسامات أيضًا.. والمعارضات والصوت العالى مع انتقادات أخرى اندلعت فى جناح اليسار داخله. 

انتقل القلق من الشارع إلى شخصية بايدن نفسه، إذ أشارت استطلاعات الرأى الأخيرة إلى فقدانه أصوات الأمريكيين العرب وأصوات كثير من الشباب لو تمت الانتخابات الآن. 

فى الأزمة الأخيرة.. تراجعت شعبية كثيرين.. بينما تزايدت نبرات الثناء على جهود القيادة المصرية.

لا تزال مصر صمام الأمان للمنطقة.. وصمام أمان الإقليم. ومصر مستمرة.