الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
إسرائيــل فــوق بــــركان

إسرائيــل فــوق بــــركان

تعمل مصر بأكثر من يد وفى أكثر من اتجاه لإحراز تقدم فيما يتعلق بالأزمة فى غزة. 



والتقدم يعنى وقف العدوان، واستمرار تدفق المساعدات.. ثم البحث عن حلول لليوم التالى لما بعد الحرب.  الحل يبدأ من إقرار عالمى للحق الفلسطينى فى دولة. ويبدأ من إرادة حقيقية فى إسرائيل للقبول بعدة بدائل لإقرار صفقة هدنة.. تطول تمهيدًا للدخول فى إجراءات أخرى.. بمراحل أخرى.. فى الاتجاه نحو المستقبل.

 

للآن تتخبط حكومة الحرب فى إسرائيل. يرى نتنياهو أنه لا انتصار كاملًا، إلا بعودة الأسرى.. والقضاء على حماس. 

لكن للآن، أهالى الأسرى صداع فى رأسه. فأبناؤهم لم يعودوا رغم أربعة أشهر من دك الأراضى فى غزة، ورغم أربعة أشهر.. فإن الجيش الإسرائيلى لم يستطع القضاء على حماس كما يريد نتنياهو. 

 نتنياهو كما يبدو فقد البوصلة، ودخل المرحلة التى يحاول فيها أن يستطلع مستقبله السياسى.. قبل استطلاع مستقبل غزة ما بعد العدوان الإسرائيلى. 

وسواء حاليًا.. أو ما يأتى من أيام.. فالأحداث جميعها ليست فى صالحه. 

 

 

 

(1)

فى الشارع الإسرائيلى نكتة.. تقول إن نتنياهو كان يصعد سلمًا.. ثم وقف ينظر لأعلى.. وأسفل.. لا هو استطاع الصعود.. ولا هو يقوى على النزول.

لن يستطيع رئيس الوزراء الصمود بتلك العقلية مزيدًا من الوقت.. فالأحداث تدفعه إلى أسفل.. وغير الضغوط المصرية والدولية.. يكفى صداع أهالى المختطفين الإسرائيليين وحدهم.

إسرائيل مقلوبة رأسًا على عقب. والأوضاع الداخلية فى تل أبيب أسوأ وأصعب من أى ما شهدته إسرائيل منذ قيامها. 

 استطلاع رأى أجرته صحيفة معاريف.. قال فيه 56 % من الشباب فى الشارع الإسرائيلى إن نتنياهو وحده يتحمل الفشل فى مواجهة عملية «طوفان الأقصى».. بينما قالت نسبة تتعدى الـ 63  % ممن فوق الخمسين من العمر إنهم لم يكونوا يتوقعون أنه يمكن لحماس خداع الجيش الإسرائيلى والقيام بما قام به المقاتلون فى الحركة يوم 7 أكتوبر فى عمق الأراضى الإسرائيلية. 

حسب الاستطلاع فإن 84 %.. قالوا إن القيادة السياسية فى إسرائيل مجتمعة لابد أن تتحمل المسئولية عن الفشل، بينما طالب 94 % من العينة تحقيقًا علنيًا.. تجريه لجنة محايدة لبيان ما الذى حدث فيما يتعلق بقدرات منظومات الدفاع الإسرائيلية يوم الهجوم، الأمر الذى ترتب عليه نفاذ مقاتلى حماس لإسرائيل بصواريخهم. 

71  % من الإسرائيليين طالبوا باستقالة نتنياهو فور انتهاء الحرب، بينما قال 59 % إنهم لا يثقون بقدرة تلك الحكومة، ورجالها فى إدارة الحرب. 

الخلاصة، أن 92 % من الإسرائيليين يشعرون بالقلق.. من المستقبل.. ومن إمكانية أن يتكرر هجوم فلسطيني آخر.. بنتائج أكبر. 

(2)

جولة فى الصحافة الإسرائيلية الأسبوع الماضى.. تشير إلى أن الوضع فى إسرائيل دخل حافة الغليان.. وتصاعدت منه الأبخرة.. التى كشفت الوجوه.. وعقدت المعادلات. 

فى يديعوت أحرونوت.. كتب المحرر تقريرًا قال فيه أهالى الأسرى: «ليس هناك انتصار فى غزة إلا أن يعود أولادنا.. وحتى يعودوا يجب أن نعرف أين هم بالتقريب.. ومن فيهم على قيد الحياة ومن فيهم مات؟».

يسمى أهالى الأسرى نتنياهو «وجه الشر».. وهم كتبوا تلك التسمية فى الشوارع، ورفعوا بها اللافتات والإعلانات.. وظهرت على الأقمشة فى التظاهرات ضد الحكومة وضد رئيس الوزراء.

طالب أهالى الأسرى الأسبوع الماضى من نتنياهو الموافقة على أى اتفاق مع حماس وبأى ثمن لاستعادة أبنائهم.. فورًا. وهم يرون أن الحكومة التى تخلت عن أبنائهم مدة تدخل الآن شهرها الرابع، إذا لم تستطع أن تنهى تلك المأساة.. فعلى الإسرائيليين أن يأتوا بمن يستطيع أن ينهى هذه المهمة. 

الكلام دائر فى بعض أوساط فى إسرائيل فى اتجاه مطالبات بانتخابات مبكرة، وإذا كانت تلك النغمة انعكاسًا لصورة الحكومة الإسرائيلية شديدة السلبية فى الشارع عندهم، فإنه من غير الممكن التفكير فى انتخابات بأى شكل.. وسط تلك الأزمة.

لكن تل أبيب ومدن إسرائيل تشهد العديد من المظاهرات ضد رئيس الحكومة، ويطالب المتظاهرون على اختلافاتهم الفئوية باستقالته لما انتهت إليه سياسته باحتجاز الإسرائيليين لدى حماس.

أهالى الأسرى صداع دائم ويومى ومشهد تجمعاتهم وتظاهراتهم أصبح عاديًا فى تل أبيب.. وأمام بيت نتنياهو.. ليل نهار.

الأسبوع الماضى نظموا مظاهرة كبرى استمرت ساعات أمام بيته فى حى قيسارية واستمروا فى اعتصام قالوا إنهم لن ينهوه حتى يعود الأبناء. لكن الشرطة فرقتهم بعد فترة.. وقالوا إنهم سوف يعودون من جديد.  وبعدها بساعات.. عادوا فى مظاهرة أكبر. بينما فى مدينة حيفا خرجت مسيرة كبيرة بها المئات.. نادوا بمطالبة نتنياهو بالاستقالة.. واختيار بديل فى انتخابات مبكرة. 

الوضع سيئ فى تل أبيب. ومن جانبه.. يعلم نتنياهو أن هناك الكثير من الملفات التى سوف تفتح غصبًا عنه بعد انتهاء الحرب. 

يعلم أن الحرب لن تستمر للأبد، ويعلم أيضًا أن أزمة الجيش الإسرائيلى فى غزة كبيرة. لكن فى نفس الوقت هو يعلم أن ما بعد انتهاء الحرب.. يعنى انتهاء فى الغالب لمستقبله السياسى.. وقد يعنى أيضًا أن الطريق للسجن سوف تكون ممهدة.. وليس عليه فقط إلا أن يتخطاها للزنزانة.

غير أهالى الأسرى، يواجه «بيبى» أزمات من نوع آخر.

الحكومة نفسها دخلت مرحلة الغليان. هناك من الوزراء من يهاجم الجيش فى كل جلسة، وهناك من قادة الجيش من يهاجمون الوزراء أيضًا فى كل اجتماع. 

بعض الوزراء يهددون بالانسحاب من الائتلاف الحاكم وحكومة الحرب.. وآخرون يرون أن المحاسبات لبعض قادة القوات المسلحة يجب أن تتم.. الآن قبل غدًا.

يقع نتنياهو بين هؤلاء وهؤلاء.. ربما لذلك أعلن لاءات ثلاثة، لا يمكن لتلك اللاءات أن تتسق مع حجم الضغوط على الحكومة.. ولا مع الواقع.

 

 

 

لاءات نتنياهو الثلاثة هى كما قال شروط لأى اتفاق يمكن أن يحدث وهى: لا لوقف الحرب قبل القضاء على «حماس».. ولا للإفراج عن آلاف الفلسطينيين فى السجون.. ولا لإخراج الجيش الإسرائيلى من قطاع غزة نهائيًا.

الطريف أنه بعد أسبوع من إعلان نتنياهو تلك اللاءات.. فوجئ الشارع الإسرائيلى بأنباء عن سحب الجيش الإسرائيلى اللوائين أربعة وخمسين وخمسة وخمسين من غزة بالكامل. ونقلت إسرائيل الوحدة «دوفديفان».. من غزة إلى الضفة وسط تصاعد المخاوف من انفجار الأوضاع هناك. 

الأمور مرتبكة فى الجيش.. والارتباك يزيد فى الداخل الإسرائيلى.. سواء فى الحكومة.. أو فى الشارع.

المعركة ليست سهلة.. والشروط التى وضعها نتنياهو لإنهاء الحرب مع بدايتها.. لابد أنها سوف تختلف الآن بعد أن قاربت الحرب على الشهر الرابع.. دون أن يتحقق ما وعد به رئيس الوزراء الشارع.

(3)

الغضب من الحكومة الإسرائيلية امتد للجيش. الأحد الماضى ذكرت القناة الـ 12 العبرية واقعة مهمة. خلال إحدى جولاته لاستطلاع التمركزات العسكرية فى غلاف غزة، تعرض أحد الجنود لنتياهو بكلام خارج.. وإهانات واضحة. 

التقارير قالت إن نتنياهو اضطر بعدها إلى قطع زيارته، ومغادرة المكان فى أسرع وقت. 

المغادرة كانت فجائية.. إذ أنه كان من المفترض أن يلقى نتنياهو خطابًا أمام بعض وحدات جنود الاحتياط.. لكنه قبل أن يخرج الأوراق ليقول كلمته.. وقف أحد الجنود ووصف نتنياهو بصوت عالٍ بأنه «كذاب وضعيف».. ثم أطلق الجندى وبعض زملائه صافرات احتجاج. 

 الواقعة ذات دلالة.. والدلالة تجتمع مع دلالات أخرى.. تشير إلى ما وصلت إليه الأمور.

يحارب نتنياهو على أكثر من جبهة.. وكل معاركه كما يبدو.. لن يكتب لها النجاح. أما هو.. فالأهم كما يبدو منه حتى الآن أن كل ما ينشده هو إطالة أمد الحرب بكل ما يستطيع من قوة دفع.. لأنه لا أحد يدرى ماذا بعدها.  على كل.. لن يستمر نتنياهو طويلًا.. لأنه لا يمكن للوضع أن يستمر هكذا طويلًا أيضًا.

الأسبوع الماضى، دعا نتنياهو وزراءه لاستمرار وحدتهم.. والتمسك بالبقاء فى الحكومة، بعدما هدد بعضهم بالاستقالة إذا وافق نتنياهو على صفقة مع حماس، قبل أن تفرج حماس عن الأسرى كلهم. 

لن تفرج حماس عن الأسرى كلهم.. ومهما طال عناد نتنياهو ولاءاته.. فإنها سرعان ما سوف تتداعى فى مواجهة الجهود المصرية والدولية لإقرار هدنة من جديد على أسس ومراحل.. وحلقات زمنية.

يرى محللون أن الهدنة المقبلة هى فى حد ذاتها نهاية لحلم القضاء على المقاومة الفلسطينية فى قطاع غزة.

لكن سواء الآن.. أو غدًا، فإنه لا مفر منها.. إذ أن الوقت ليس فى صالح إسرائيل. فالاجتياج البرى لغزة.. واستمرار العدوان بهذا الشكل على قطاع غزة.. لم يسفر إلا عن تحرير أسيرة واحدة.. بينما هدد القصف الإسرائيلي المتواصل حياة الأسرى الآخرين .. الذين قتل بعضهم بالفعل.