الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
حتـــــى لا ننســــــى

حتـــــى لا ننســــــى

الحياد فى الأزمات خيانة. 



والتخاذل فى المواقف والظروف الصعبة انهزامية لا تصح.. ولا تصلح. 

صحيح.. «الدنيا غالية بس عارفين نعيش».

هذا الكلام صح وفعلى.. وفى موضعه ومكانه. عينك على خريطة المنطقة. عينك على الشرق والغرب والجنوب. 

الق نظرة على التغيرات الإقليمية والكوكبية.. والتغيرات فى داخل الدول نفسها.. حتى الدول الكبرى.. والدول الأعتى من حيث الاقتصاد.

راجع ما حدث منذ 2011 للآن. 

راجع الخرائط، وما وراء خطوط الخرائط، وقتها تعرف.. وتدرك.. وتستطيع أن تستشف ما كان يحاك بليل.. وما كان يدبر بظلام لبلد وقفت وقاومت.. واستعادت نفسها.. فى الطريق للمستقبل.

(1)

ليس هذا هروبًا من كلام عن أزمة اقتصادية.. ولا هو مكان للمزايدة على أحد، أو التعالى على تفكير واقعى.. لضوائق مالية لدى الناس فى الشارع المصرى. 

لكن لا أزمات بلا حلول. ولا ملمات بلا نهايات.

خاضت مصر مليون معركة منذ 2011 للآن. كانت المعارك كلها معارك وجود. لم تكن أزماتنا منذ 2011 السكر والرز.. وأسعار الزيت والبوتاجاز.. ودمتم.

كانت الأزمات أكبر.. بدأت مع غول الإرهاب بالتزامن مع غول سيولة اجتماعية شديدة، وضعت الشارع فى مواجهة دولته، وثبتت شعارات هدامة فى ذهنية بعضهم، فحاولوا بها السطو على البلد.. وعلى الشارع.. حتى جاء اليوم الذى حاول فيه هؤلاء قبل 30 يونيو عرض البلد للمزاد.. لمن يدفع أكثر. 

حجم ما استهدف مصر من خطط منذ 2011 كان كفيلًا بهدم الدولة فوق رؤوسنا، وهدم مؤسساتها.. وهدم ما تبقى من تلك المؤسسات بوصول إخوان الإرهاب إلى الحكم فى 2012.

وما أدراك ما كان يعنيه وصول الإخوان إلى الحكم.

المعنى كان دمارًا.. وكان خرابًا.. وكان المعنى، لو استمر الحال، الدخول إلى أنفاق سوداء.. لا أضواء فى آخرها.. ولا منتهى. 

خاضت مصر معارك كبرى فى الطريق للاستقرار الحالى. خاضت مصر حروبًا مع الإرهاب.. وخاضت الدولة حروبًا مع أُلعبانات السياسة.. وما سمى وقتها برموز يناير. 

أصعب ما يمكن أن تمر به الدول والمجتمعات مثل مجتمعاتنا، هى أن يتدثر بعضهم بثياب الرهبان.. وهم أكثر من سفاحين.. وأكبر من متاجرين بالدين.

صحيح الأزمة اقتصادية الآن، لكن وللإنصاف، تبقى الأزمات الاقتصادية مهما كانت شدتها.. أخف وأقل وطأة من محطات تسقط فيها الدول، وتراق فيها الدماء فى الشوارع ليل نهار، ويصل فيها القتل على الهوية، وعلى المعتقد وعلى الرأى، وصولًا إلى معارك تستمر بالسنوات للتوافق على اختيار حكومة، أو إجراء انتخابات.. كما دول قريبة فى الإقليم. 

مرة أخرى.. هذا الكلام ليس من قبيل الشعارات. ولا هو من قبيل المزايدات على معاناة فى الشارع المصرى من الأسعار. 

لكن هو فى نفس الوقت.. إشارة إلى أن ما كان مرسومًا كان شديد السواد. ما كان مرسومًا كان يفضى إلى القضاء على وطن.. وعلى ناس.. وعلى شعب. 

كان المرسوم قضاء على الهوية.. لولا ستر الله.

هل يعنى هذا أن الأزمة الاقتصادية مقبولة رغم المعاناة؟ 

الإجابة: طبعًا لا.

 لكن ما هو ليس طبيعيًا أيضًا التغافل عن إدراك.. أن الأزمة ليست مصرية فقط.. ولا هى إقليمية فقط.. وما ليس طبيعيًا أيضًا التغافل عن أن استقرار الدول أساس أول لا تستمر الشعوب إلا به.. فتحفظ نفسها وأرضها.. وتملك مقدراتها.. وتدرك به مكانها ومكانتها فى الإقليم.

 

 

 

(2)

 فى عيد الشرطة نتذكر تضحيات رجالها.. مع رجال القوات المسلحة للخروج من شراك الفوضى.. والاضطراب. 

فى تلك المناسبة، علينا أن نستعيد الذكرى حتى لا ننسى. وأن نستعيدها حتى نقف على أرض صلبة.. وحتى نتسلح بيقين بأن تلك البلد إذا كانت محفوظة بإرادة إلهية، فإنها محفوظة بأبنائها. 

سنة 52 كانت معركة الإسماعيلية محاولة لكسر الإرادة الوطنية، ارتقى فيها رجل البوليس المصرى أعلى المراتب، برفض ترك الأرض والسلاح.

فى 2011 دخلت الشرطة، ضمن مؤسسات الدولة المصرية فى مواجهة مع محتل من نوع آخر.. ومن عينة تانية. 

دخل المحتل الجديد إلى بعضهم فى الشارع، من زوايا الشعارات والكلام المعسول المخلوط بالسم.. ودخل من باب تهويمات عن مفاهيم ثعبانية عن ديمقراطية موهومة قالوا أنها تبدأ من هدم الأوطان.. والتراشق بالرصاص مع أبناء مؤسسات الدولة. 

احتاجت مصر أعوامًا كى تعيد ترميم ما حدث من وقيعة بين الشرطة والشارع. واحتاج بعضهم فى الشارع إلى فترة طويلة، حتى نجحت الدولة فى إخراج كلام فارغ سبق ورسخه تجار الأوطان فى الأذهان عن سمعة جنود النظام أو رسالة بلوكامين الأقسام فى الأحياء. 

تخطت الدولة.. وتخطينا أزمات كثيرة. لم يكن تخطى تلك الأزمات بالساهل. لم تكن استعادة البلد من الإرهاب بالساهل أيضًا. 

لم تكن قرارات الإصلاح الاقتصادى الشجاعة هى الأخرى بالساهل. لكن الطريق كان ملبدًا بالغيوم.. وبعض الطرق لم تكن ممهدة فى الأساس. 

لعهود طويلة مضت.. كان الوضع الأمثل.. هو الاستمرار على ما هو عليه. الخروج من مراحل ما بعد يناير 2011 بتلك الصورة التى خرجت بها مصر، بالاستمرار على ما كان الأمر عليه.. لم تكن لتصنع بلدًا.. ولا كان يمكن لهذا البلد أن يستعيد مكانه ومكانته. 

(3)

بدأت الدولة المصرية الإصلاح والتنمية على جميع المحاور. فى نظريات الحرب الدخول فى أكثر من جبهة فى نفس الوقت.. صعب. لكن مصر تحدت الصعب، وأطلق عبدالفتاح السيسى إشارة البدء.. فى البناء.. بالتوازى مع أوامر البدء فى القضاء على الإرهاب. 

سياسات الإصلاح الاقتصادى التى اتخذتها الدولة فى 2014 هى التى جعلت الاقتصاد المصرى قادرًا اليوم على امتصاص الأزمات.. رغم ما يبدو من صعوبة الأزمة الاقتصادية. 

فى 2020 كانت مصر على بداية جنى ثمار الإصلاح.. نسب نمو مرتفعة، معدلات بطالة تقلصت للنصف، أكثر من 5 ملايين فرصة عمل إضافية أضيفت للأسواق فى المشروعات القومية.. وخطط عميقة الرؤية لما يجب أن تكون عليه مصر فى 2030. 

أزمة كورونا كانت عثرة.. ثم جاءت الأزمة الروسية الأوكرانية.. عثرة أخرى. وسط العثرات اندلعت الأحداث فى غزة.. ثم تواصلت التداعيات حتى وصلت إلى البحر الأحمر بما فيه من تشابكات خيوط جديدة ظهرت على الخريطة الإقليمية لابد أن تكون لها آثار على الدول المحيطة.. ومنها مصر. 

فى مرحلة ما كان القصد «تركيع» مصر. وفى مرحلة أخرى كان الغرض «الضغط الشديد».. فى مرحلة ثالثة كان الغرض والقصد «إرغام» القاهرة على البدء فى تغيير الخرائط فى المنطقة.. وربما قلب المعادلات، أو تغيير محلات الرموز الجبرية فيها. 

كل هذا وذاك كان لا بد أن ينعكس على الداخل الاقتصادى. ليس انعكاسًا على الداخل الاقتصادى فى مصر وحدها.. إنما انعكاس على العالم كله.. وعلى الدول الكبرى أيضًا. 

مرة أخرى.. طبعت الولايات المتحدة منذ الأزمة الروسية الأوكرانية حوالى 8 تريليونات دولار وأنزلتها للأسواق. دارت المطابع فى أوروبا بحوالى 4 تريليونات يورو إضافية.. منذ الأزمة الروسية الأوكرانية.

بين السياسة والاقتصاد.. قنوات ممتدة.. وجسور أساسية. لم تغير مصر ثوابتها، ورفضت أن تذعن لأى محاولات ضغط فى هذا الشأن.

تظل مصر كبيرة.. وتظل مصر فوق الأزمات.

أزمة جارية.. وتمر. أزمة حالية وهتعدى، لكن للإنصاف، هى ليست أزمة الدولة وحدها.. أو هى ليست تحدى يجب أن تواجهه الدولة وحدها.

هو تحدٍ لا بد من أن يواجهه الجميع. مقابل مسئولية الدولة، هناك ما يسمى بالمسئولية الاجتماعية.. أو المسئولية المجتمعية. 

سبق وقامت مصر بأبنائها.. مع جيشها ومؤسساتها من عثرات كادت أن تقضى على الأخضر واليابس. 

قامت مصر.. وأكملت الطريق بعد عثرات عدة فى تاريخها. فى العصر الحديث كانت أصعب المراحل أحداث يناير وما بعدها. كانت أكثر اللحظات الحرجة وصول الإخوان إلى كرسى الحكم فى الاتحادية. 

كانت أوقاتًا عصيبة عندما أراد الإرهاب السطو على سيناء. أوقات أخرى عصيبة عندما استعاد المخطط نفسه.. لإعادة شغل سيناء.. تصفية للقضية الفلسطينية.

قاومت مصر.. وتصدت.. وستتصدى.. وستستمر.

فى الشارع يقولون: يا ما دقت على الراس طبول. هذه دولة محفوظة بيقين.