الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
لمصــــر.. لا لأحـــــد

لمصــــر.. لا لأحـــــد

مصر محفوظة هذا يقين. والأزمات تأتى وتروح.. هذا يقين أيضًا. الأمل مفروض وواجب.. وفرض عين على كل فرد فينا. 



بلا أمل.. لا حياة.. ولا قدرة على الخروج من الأزمات. 

فى مصر ياما دقت على الراس طبول. تخرج مصر من عثراتها أقوى من قبلها.. وأكبر من قبلها.. وأكثر قدرة من قبلها.

 

دعك من هرى مواقع التواصل. دعك من ألف مليون خبير استراتيجى يقولون آراءهم ليل نهار، ويجدون حلولًا للمشاكل فى بوست أقل من 10 أسطر.. وكأن لا أحد يفكر.. فى هذا البلد.. إلا هم.. وكأن لا حكومة تعمل وتدرس.. وتعمل ليل نهار على تخطى ما تستطيعه من عوائق.. ثم تفكر فيما يأتى.. وتخلق مرة أخرى حلولًا لما يأتى. 

لا أميل إلى التشاؤم.. ولا إلى يأس ما زال هناك من يريد أن يبثه فى المصريين، نيلًا من العزيمة الجمعية.. وينال من القدرة الجمعية.. ومن العزم العام. 

مرة أخرى مصر محفوظة.. بيقين. 

يكفى السنوات الماضية محطات نجت منها مصر ولم يكن – حسب الشواهد – أنه من المتصور أن ننجو.

يكفى أن خرجت مصر من حفرة 2011.. وما أدراك ما حفرة 2011 ؟ 

2011 كانت درسًا فى أن هذا البلد مصان بإرادة عليا.. منعت عنه السقوط فى بئر الفوضى العارمة، أو الدخول فى نفق الأوطان التي تذهب ولا تجىء.

فى 2011 انقلبت مصر رأسًا على عقب. وخرجت الغربان من الوكنات تنعق هنا وهناك.. خدعت الشعارات بعضهم فى الشارع.. فوقف فى مواجهة الدولة.. وتلاعب آخرون بالأوضاع فعرضوا الوطن فى المزاد العلنى.. لمن يدفع أكثر.

ثم ركب الإخوان. 

دخول الإخوان الاتحادية كان الطامة الكبرى. معلوم أن الإخوان مثلهم مثل «البق الدقيقى» يخرجون بالدم.. وباللحم أحيانًا. 

خرج الإخوان إلى غير رجعة.. واستعاد المصريون البلاد والعباد.. من شر كان مستطيرًا.. وأيام ما يعلم بها إلا ربنا. 

(1)

هذه بلدنا.. كلنا. ليست بلد الدكتور مصطفى مدبولى وحده.. أو هى ليست بلد الحكومة وحدها.

الحكومة منا.. ونحن منها. لسنا فى مجال الوقوف على الواحدة لرئيس حكومة يعمل ليل نهار.. أو يعمل كما علمت من مقربين منه أكثر من 18 ساعة يوميًا منذ يوم تولى منصبه حتى الآن.

يتابع مدبولى كل ما يكتب عن أدائه.. وكل ما يكال له من اتهامات أحيانًا على مواقع التواصل.. وعلى اليوتيوب. 

يعمل مدبولى فى مناخ ضاغط.. لكنه يعمل.. ويعرف ما نعرفه.. ويبلغه ما يقوله الناس فى الشوارع وعلى المقاهى.. وفى صالات الجيم.. وفى النوادى. 

المثل بيقول «اللى على البر عوام». 

والمعنى.. أن الصورة أحيانًا لدى من يتكلم.. أو يرغى بعيدًا عن مطبخ الأحداث.. كثيرًا ما تكون مبتورة.. أو ناقصة.. أو غير كاملة.

بالمناسبة.. رئيس الوزراء مسؤول عن إيجاد حلول للأزمات.. بما يعنى أنه ليس هو سبب الأزمات.

ما الفارق؟ 

الفارق أن أزماتنا ليست مصنوعة فى الداخل.. إنما مستوردة من الخارج. 

أزمة الدولار.. مستوردة. أزمة التضخم عالمية.. أزمة ارتفاع الأسعار.. ليست منبعها نحن.

أنقل هنا عن مصدر رفيع المستوى أن الولايات المتحدة الأمريكية طبعت مؤخرًا حوالى 9 تريليونات دولار نتيجة التضخم. طبعت أوروبا حوالى 4 تريليونات يورو. 

المعنى أن الأزمة عالمية بامتياز.. الأزمة ليست مصرية كما يود بعضهم أن يوحى، فيصدر للناس إحباطًا يضاف إلى الإحباط نتيجة الخنقة الاقتصادية.

لا يعنى هذا الكلام.. أن مشاكلنا يحلها الكلام. 

المشكلات دائمًا ما يكون حلها العمل.. والخلق.. والإبداع فى السبل. 

(2)

الظروف الدولية لا يملكها أحد. التغيرات الإقليمية الفجائية، وانفجار النقاط الساخنة على الخريطة لا يمكن أن يقف فى مواجهتها أحد. 

تشتعل الأزمات فجأة، وفجأة تترك التغيرات الجيوسياسية بتداعياتها ندبات هنا وهناك. 

بعد معركة إرهاب كلفت الدولة حوالى 100 مليار، جاءت كورونا، وغلفت الأجواء فى العالم وفى مصر. الخسائر نتيجة أزمة كورونا كانت كبيرة، بينما التداعيات على العالم كانت أكبر. 

اضطربت سلاسل الإمداد، وارتفعت أسعار السلع، واختفت بعضها، وأغلقت المصانع فى الشرق والغرب.

فى مصر كانت الحكومة على قدر الأزمة. أدت الحكومة فى الأزمة أداءً عاليًا، ووقفت الدولة فى مواجهة الفيروس على ما يجب أن يكون. 

رتبت أزمة كورونا آثارًا اقتصادية على العالم، وعلى مصر بالضرورة. قبل كورونا كان الاقتصاد المصري فى الطريق السليم. كنا فى بداية الطريق لحصد ثمار برنامج شجاع من الإصلاح الاقتصادى، أعاد الأمور إلى البدايات التي يجب أن يكون عليها أى اقتصاد ناشئ.. أو فى الطريق إلى مستقبل أفضل. 

(3)

أهم عوامل تحديد مدى جودة الوضع الاقتصادى هى مؤشرات البطالة ومعدلات النمو. قبل أزمة كورونا كنا قد تخطينا الـ 5 % نموًا.. وانخفضت البطالة إلى ما اقترب من الـ 7 %.

بالمناسبة.. وصلت معدلات البطالة فى مصر إلى ما يزيد على 14 ونصف فى المائة. 

بعد كورونا.. دخلنا الأزمة الروسية الأوكرانية. قلبت تلك الأزمة العالم، وأثرت على أعتى الاقتصاديات.

رفعت الولايات المتحدة أسعار الفائدة إلى نسب هى الأكثر ارتفاعًا.. خلال أكثر من 150 عامًا. الأثر كان متوقعًا بخروج أكثر من 20 مليار دولار أموالًا ساخنة، ليست من السوق المصرفية المصرية وحدها.. إنما فى أسواق أخرى كثيرة على خريطة العالم. 

وصلت النسبة فى البنوك الأمريكية الآن على الدولار إلى أكثر من 5 ونصف فى المائة، ما أدى إلى انكماش ظاهر فى دوائر الاقتصاد العالمية. 

مع استمرار الأزمة الروسية الأوكرانية، لعامين، اندلعت أحداث غزة. ثم توترات البحر الأحمر.. ما ترك آثارًا ضرورية على الاقتصاد المصري.. فى ظل ظروف إقليمية شديدة التوتر. 

لولا قدرة الاقتصاد.. لما احتمل كل تلك التداعيات. ارتفعت أسعار السلع، هذا صحيح، لكن إجراءات الحكومة لم تتوقف لضمان وصولها للأكثر احتياجًا.. بالأسعار التي فى متناول الأكثر احتياجًا.

استمرت الحكومة فى إجراءاتها لضمان تدفق السلع الأساسية، وضمان تواجدها فى الأسواق باعتبارها أمنًا قوميًا.

تراقب الحكومة فى مصر كل التوترات.. والتفاصيل.. والتداعيات فى المنطقة، وتعمل وفق أولويات المرحلة. 

لكل مرحلة أولوياتها، ولكل مرحلة ما هو أهم، فأدنى.

ضمن إجراءاتها تعمل الحكومة أولًا على سداد كل التزامات مصر من خدمة الديون وأقساطها.. هذا أمر لا يمكن أن يكون له بديل.. أو هو أمر لا يمكن أن يتم إغفاله مهما كانت الظروف.

لم يحدث أن عجزت مصر عن سداد التزاماتها، ولن يحدث.

ومع العمل على ضمان هذا، تعمل الحكومة من جانب آخر على ضمان التمويلات المختلفة للسلع الأساسية.. رغم ما اعترض الطريق لتوفير تلك السلع من عراقيل كبرى مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية. 

على مسار ثالث.. ابتكرت الحكومة بدائل من العمل على توفير خدمات يمكن ترشيد استهلاكها دون أن تتأثر حياة المواطنين على نحو كبير.

هنا الحديث عن الكهرباء التي أقام الناس الدنيا ولم يقعدوها احتجاجًا على فكرة تخفيف الأحمال. 

يتعامل بعضهم على أن الأزمات أزمات الحكومة وحدها.. والبعض الآخر يتكلم كما لو أن الشيلة شيلة الدكتور مصطفى مدبولى وحده.

هذه روح ليست سليمة.. أولًا لأن البلد بلدنا كلنا.. وثانيًا لأن الدكتور مصطفى مدبولى، أو الدولة المصرية لا تملك العصا السحرية.. فتقول للأزمات والمعضلات والمشكلات: اختفى فجأة.. والآن.. فتختفى فجأة والآن.

فى مسألة تخفيف الأحمال، انقلبت مواقع التواصل، وكثر الهرى احتجاجًا على خطة الحكومة فى هذا الشأن.

لم يسأل أحد عن أسباب قرار الحكومة فى هذا الشأن. والذين سألوا وعرفوا، لم يقتنعوا بأن المشكلة ليست مشكلة الحكومة وحدها.. أو أن الحكومة ليست هى من صنع الأزمة.

لجأت الحكومة مضطرة إلى مسألة التخفيف فى الأحمال الكهربائية.. بعد الخصم من ميزانية استيراد الوقود اللازم لتشغيل محطات الكهرباء لتوفير سلع أخرى أساسية.. كان عدم وجودها يعنى كارثة.. أكبر من مجرد قطع التيار الكهربائى ساعتين.

السؤال: ما هو بديل عدم اللجوء إلى التخفيف كحل؟

الإجابة من مصدر موثوق هو أن تتكلف الدولة المصرية حوالى 400 مليون دولار.. وسط أزمة دولارية فى السوق المصرية.. وفى بلد بها سعران للصرف.. بالتداعيات والانعكاسات السلبية وكل ما يترتب على ذلك الوضع من مشاكل.

القاعدة أن الغرم بالغنم. يعنى إذا كسبنا سويًا.. علينا أن نغرم سويًا.

وفى مسألة الكهرباء على سبيل المثال.. لو قلت للناس «رشدوا».. فسوف يقلبون الدنيا رأسًا على عقب، وتنقلب مواقع التواصل الاجتماعى.. وهاتك يا رغى وكلام ابن عم حديث عن حكومة تطلب من الناس التوفير.. بينما لا تعمل على إيجاد حلول. 

لو وفرت كل أسرة مصرية 10 % من الكهرباء.. لم تكن للحكومة أن تلجأ إلى تخفيف الأحمال.  لكن بعضهم يرى أن المشكلات مشكلة الدولة وحدها.. وأن الأزمات أزمات الحكومة وحدها. مع أن البلد بلدنا كلنا.. ليست بلد الدكتور مصطفى مدبولى وحده.

(4)

مرة أخرى ليست هذه الروح التي يجب أن يتعامل بها المواطن المصري فى الأزمات أو معها. لا يعنى هذا الكلام أن الأزمة بسبب الناس.. أو أن المواطن المصري هو سبب الأزمة بينما الحكومة فل الفل. 

ليس هذا معنى الكلام.. ولا هو وقت المزايدات. 

الأزمة الاقتصادية واقع، والحكومة تعلم وتدرك.. والدولة تسعى للحلول. 

مرة ثانية.. لولا اقتصاد على الطريق الصحيح، لكانت التداعيات أكبر وأعلى مما نحن فيه.. ولكانت معاناة المواطن أكبر مما يعانيه الآن.. بمسافات.

لكن لا يجب إنكار أن منا من يتربح من الأزمات.. ومنا من يعمل على استغلال المشكلات لصالحه. 

هناك من المصريين من يتاجر بأقوات المصريين.. وهناك من يشعل الأسواق.. وهناك من يلقى زيت التلاعب على نار.. الأثمان. 

فى أزمة الدولار.. لولا مضاربات مافيا أغنياء الحروب، لما وصل سعر الدولار إلى ما يصل إلى مسامعك من أسعار فى السوق السوداء.

ولولا التلاعب فى بعض السلع الأساسية، لما وصلت الأسعار إلى ما يصل إلى مسامعك من أرقام أيضًا.

مرة أخرى.. لا يعنى هذا الكلام أن الأزمة أزمة المواطن.. أو أن مافيا الأسواق هم السبب فيها، لكن معناه أن الدولة مش ساكتة.. والحكومة ليست فى برج عاجي.. تنظر من بعيد.. أو تتعامل من على. 

هذا الكلام ليس صحيحًا. 

من فترة جلس الدكتور مصطفى مدبولى إلى أكثر من شخصية لها باع فى سوق المال ورجال أعمال وخبراء لهم الثقل والوزن. 

اشتركوا كلهم فى أن المشكلة الأساسية فى تواجد سعرين صرف للدولار. سوق رسمية وسوق موازية.

المعنى أن الفجوة الدولارية التي خلفتها التوترات الدولية والإقليمية، إضافة إلى رفع أسعار الفائدة الأمريكية هى عامل أساسى من عوامل المشكلة.

غير الاضطرابات الكوكبية على نقاط ملتهبة كثيرة على الخريطة، وتداعيات تلك الاضطرابات.. وانعكاساتها بالضرورة على الاقتصاد المصري، فإن مصر أيضًا فى الوقت  نفسه تدفع ثمن مواقفها.

تدفع مصر أيضًا ثمن إسراعها نحو التنمية.. أو اتجاهها المتسارع.. من 2014 إلى الطريق نحو نهضة شاملة متكاملة.

ربما للآن تدفع مصر ثمنًا لـثورة على الإخوان، وثورة على خطط دولية كانت تدبر بليل، أوقفتها مصر.. ومعها أوقفت كرة نار كان من المفترض أن تتدحرج.. لتأكل أبواب المدن.. وأسوار الدول.. وتسحق المصريين ضمن من سحقت.

هناك من ما زال يعمل على تسويد الوضع فى أعين المصريين.. وهناك من يعمل على تضييق الخناق على بلد إن صحت صحت المنطقة.. واتزن الإقليم.

تلعب السياسة بالاقتصاد.. ويلعب الاقتصاد بالسياسة.. أزمة الدولار ربما تكون مثالًا، وهناك وراء الكواليس ما سوف يعرفه الشارع المصري يومًا ما.

لكن على كل.. تظل مشكلة سعرين للصرف أزمة حقيقية.. تعمل الحكومة على حلها. مصدر مقرب من الدكتور مصطفى مدبولى.. أكد على انفراجة تحدث قريبًا.. لإيجاد توازن دولارى.. وصولًا إلى القضاء على سعرين للصرف.. أو الحد من تلاعبات مافيا السوق السوداء للعملة.  من الناحية الأخرى يتكلم صندوق النقد عن حلول غير أخرى.. لا تتناسب مع الواقع المصري.. كما أنها لا تفيد المحددات المصرية.

معلوم.. يقرأ خبراء صندوق النقد من الكتب.. أو يمكن أن يقال أن لديهم «مانيوال» لحلول المشكلات الاقتصادية.

المانيوال صحيح وسليم.. لكنه لا يضع فى اعتباره.. ظروف الدولة، ولا التأثيرات السلبية للنظريات الاقتصادية إذا أغفلت الظروف المحيطة.

تعمل الدولة وعينها على المواطن.. ويعمل الدكتور مصطفى مدبولى وفق صورة كاملة لمشكلات متداخلة.

مطلوب من الجميع أن يكون مع الجميع. إذا كانت الحكومة تعمل قدر ما تستطيع.. وفوق ما تستطيع أحيانًا.. فمطلوب منا الأمل.. وإهمال محاولات الترويع.. والدس.. والتخويف.. وقلب الحقائق على مواقع التواصل.

مرة أخرى.. البلد بلدنا كلنا.. ليست بلد الدكتور مصطفى مدبولى وحده.. ولا هى بلد الحكومة وحدها.