الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
ألاعيب إسرائيلية فى المحكمة الدولية

ألاعيب إسرائيلية فى المحكمة الدولية

عادى أن تذهب إسرائيل لمحكمة العدل الدولية بالكذب والألاعيب. 



ليس لدى تل أبيب الآن إلا الكذب. ولم يكن لدى إسرائيل من أول القضية الفلسطينية للآن إلا ألاعيب. 

فى الشارع المصرى يسمونها «ملاعيب شيحة».. وفى التاريخ أن شيحة كان شيخ منسر، أقلع عن الإجرام.. فلجأ لألعاب الحواة.. وإخراج الثعابين من كم الجلابية. 

من يمكن أن يصدق أن مصر هى التى تمنع المساعدات عن الفلسطينيين؟ 

من يمكن أن تخيل عليه لعبة أن القاهرة هى التى أغلقت معبر رفح كى لا يدخل الغاز والوقود والأكل والدواء.. وأبسط مستلزمات الإعاشة إلى البر الآخر من المعبر؟ 

(1)

لا أحد يمكن أن يصدق.. لأسباب كثيرة.. أولها الاتصالات الدؤوبة والكثيرة والمستمرة على أعلى مستوى التى قامت بها القيادة السياسية المصرية.. منذ بدأت حرب غزة للضغط على تل أبيب.. لدخول المساعدات. 

وصلت مصر إلى أعلى درجات الحنكة، عندما وضعت خروج الأجانب من القطاع عن طريق معبر رفح.. مقابل الاتفاق على دخول المساعدات.

العالم كله يعرف.. وقادة العالم كلهم يعرفون. من أول الرئيس الأمريكى.. انتهاء برئيس الوزراء الإسرائيلى.  ويعرف المحامى الإسرائيلى أمام محكمة العدل.. أن ما يقوله هراء.. وهذيان.. ويعرف أن قضاة المحكمة، ولائحة الاتهام سوف تثبت أن ما يقوله هذيان. 

لكن يبقى السؤال المهم: هل ذهبت إسرائيل إلى لاهاى.. لمجرد أنها متهمة بعدم دخول المساعدات إلى الفلسطينيين؟ 

منع دخول المساعدات اتهام على الهامش. أو واحد من أقل الاتهامات التى يمكن أن توجه إلى تل أبيب فى الأحداث الجارية. 

لكن الأساس أن إسرائيل استدعت إلى المحكمة الدولية، لجرائم الحرب التى مارستها فى غزة.

استدعت كى تحاكم على ما اقترفه جنودها من فظائع.. وعن حق من قتلوهم من الأطفال والنساء.. والشيوخ.

استدعت إسرائيل إلى لاهاى متهمة بتدمير المستشفيات.. وقتل المرضى.. وخنق الأطفال المبتسرين فى الحضانات بالمستشفيات بقطع الكهرباء وقطع الإمدادات الطبية.. وقتل الدكاترة والممرضين.. وهدم غرف العنايات المركزة على من فيها.. فى المستشفيات الفلسطينية. 

فى لاهاى.. حدثت تلك الواقعة الطريفة. رد المحامون الإسرائيليون على اتهامات بالإبادة الجماعية للفلسطينيين.. بالادعاء أن مصر منعت دخول المساعدات! 

بالتعبير الدارج المصرى «ما تمشيش».. أو «ما تركبش».

لكن تقول إيه؟ 

ليس لدى الإسرائيليين كلام. الوضع فى الداخل الإسرائيلى هو الأسوأ سياسيًا وعلى مستوى الحكومة وعلى مستوى الجيش.. وعلى مستوى الشارع.. ربما منذ بدأ الكيان الإسرائيلى. 

صحيح الوضع فى فلسطين.. يفوق الوصف والتصورات. وصحيح يعانى أهل غزة ما لم يعانوه من قبل بسبب وحشية وإجرام حكومة الحرب فى تل أبيب.

لكن فى تل أبيب معاناة كبرى.. ومأزق من العيار الثقيل. انتهى نتنياهو.. وانتهت معظم شخصيات حكومته. شهور قليلة ولن يبقى نتنياهو. دفنت حرب غزة كثيرًا من الوجوه داخل إسرائيل تحت العمارات التى هدموها فى غزة. 

يكفى أن حسابات اليوم التالى لما بعد تلك المأساة.. لن يذكر فيها اسم نتنياهو إلا بكل سوء.. إن لم يكن نتنياهو نفسه فى السجن.

(2)

للإنصاف.. لولا مصر.. ولولا جهود القاهرة.. ولولا الثوابت المصرية تجاه القضية الفلسطينية.. لكانت فى الأمور أمور.. ولكانت فى الأحداث الماضية.. عواقب وخيمة. 

لولا مصر.. لما انحسرت إسرائيل فى ركن يضيق ويضيق ليقترب من أن يخنق قادة فى تل أبيب لم يعد لديهم إلا أقصى الأمانى بأن تستمر الحرب.. حماية لأنفسهم من المساءلة عن الفشل.. والمساءلة عن الضعف.. والمساءلة عن أوهام قوة كانوا قد وزعوها على الشارع لديهم.. تبخرت مع أول اختبار.

فى إسرائيل تغلى المياه. وهناك.. كلهم أخرجوا السيوف لبعضهم. لم يعودوا جميعًا.. بعد أن باتوا شتى.

وإذا كان فى الداخل مليون سؤال عن ما حدث؟ وكيف حدث؟ ومن المسئول عن ذلك الذى حدث؟

وأسئلة أيضًا عمن يتحمل مسئولية ما حدث؟ فإن فى الولايات المتحدة، بات هناك أكثر من مليار سؤال عن كيفية التعامل مع خطيئة بايدن فى دعم نتنياهو.. وصولًا إلى المرحلة التى لا يمكن أن يستمر الوضع على ما هو عليه.. بدون حساب. 

حدثان الأسبوع الماضى على قدر من الأهمية. تلاسن حدث بين قادة الجيش وبين وزراء فى حكومة نتنياهو.. ومكالمة غاضبة بين الأخير والرئيس الأمريكي بايدن انتهت بأن أغلق بايدن الخط.. فى وش بيبى.

فى إسرائيل يسمونه بيبى.. وفى الشارع فى تل أبيب بعد موجة كبيرة من الهجوم استعان بعضهم على اسم التدليل.. بايحاء سيئ.

على كل.. الاستخدام السيئ فى محله.

بعد 7 أكتوبر تغيرت أمور كثيرة فى المنطقة. خصوصًا أوهام القدرة عن الجيش الإسرائيلى.

لا قدرة ولا دياولوا وجيش تل أبيب كأنه عصف مأكول.

عودة للتلاسن فى اجتماع الحكومة الإسرائيلية الذى وصل إلى السباب بين وزراء فى الحكومة وبين رئيس أركان الجيش. 

بدأت الأزمة عندما طالب رئيس الأركان بسرعة إقرار زيادة فى ميزانيته.. لمواجهة حماس فى غزة.

رد وزراء فى الحكومة باستغراب من عدم قدرة الجيش على حسم الأمر حتى ساعته. 

يبدو أن رئيس الأركان الإسرائيلى رد بما يوحى بأن ما حدث ليس مسئولية عسكرية فقط.. لذلك اشتعل الأمر.

فهم وزراء اليمين أن رئيس أركان جيش تل أبيب يشير إلى فشل سياسي.. وليس فقط خطئًا عسكريًا.  ألمح أيضًا إلى أن الجيش فى إسرائيل لا يتحمل مسئولية سقوط هيبة إسرائيل.. وحده أو ربما هكذا فهم الوزراء. 

الحاصل أن استمرار الحرب لم يعد خيارًا لدى تلك أبيب.. بقدر ما أصبح الاختيار الوحيد الذى يطيل من أمد الوصول إلى اللحظة التى يقف فها الشارع الإسرائيلى ليحاسب قادته.. ووزراءه.. ويحاسب نتنياهو نفسه.  يعمل نتنياهو الآن على إشعال المنطقة كلها تثبيتًا لوضعه، إسرائيل تتخبط وتتداخل تصرفاتها بلا عقل.. أو فى غياب واضح لأى تفكير يمكن أن يكون سويًا.

اغتيال صالح العارورى إشارة إلى ارتباك إسرائيلى شديد فى حكومة الحرب، وإشارة أخرى إلى أن استمرار الحرب بات هو الحل الوحيد لإنقاذ بيبى ومن معه.

فى الاجتماع إياه.. كاد الأمر أن يصل إلى اشتباك بالأيدى بين الوزراء ورئيس أركان إسرائيل. لكن حتى لو اشتبك أعضاء الحكومة الإسرائيلية مع بعضهم.. فإن اشتباكهم سيكون أسهل من الاشتباكات على الأرض فى غزة. والوحل الذى وقع فيه جيش إسرائيل.. فى غزة.

المفاجأة الأسبوع الماضى.. هى خروج صواريخ من شمال غزة تجاه المدن الإسرائيلية، بعد ما أعلنت إسرائيل أنها أتمت القضاء على كل مواقع وبؤر حماس فى الشمال! 

ضف هذه الواقعة.. إلى مفاجأة قادة الجيش فى إسرائيل خلال الهدنة الماضية.. بخروج باصطحاب الأسرى الإسرائيليين فى المبادلات.. من أنفاق تلاصق نقاط تمركز دبابات الاحتلال.. فى غزة أيضًا. 

تنقل الصحافة الأمريكية كثيرًا من مفردات سخرية فى الشارع الإسرائيلى كلها تشير إلى ما لم تكف حماس عن إرساله من مفاجآت لقوات الاحتلال منذ 7 أكتوبر الماضى. 

 

 

 

(3)

الوضع تغير الآن.. ويبدو أن قسمًا كبيرًا من القيادة العسكرية فى إسرائيل بدأ يستوعب أن الأهداف التى وضعت للحرب على غزة لم تكن واقعية.. ولا يمكن تطبيقها. 

الشارع فى تل أبيب مُحبط.. وأهالى الأسرى كل يوم فى مظاهرة شكل.

فكرة انتهاز فرصة الخروج بمكاسب محدودة بدأت تراود أغلب القادة وحتى الساسة من غير حكومة اليمين أكثر من أى وقت مضى. 

مكالمة بايدن ونتنياهو الأخيرة دليل ليس فقط على تغير الأوضاع.. لكن إشارة مهمة إلى أن التأييد الأمريكى.. هو الآخر بدأ يختل.. لأن بايدن نفسه لن يستطيع الصمود أمام الرأى العام عنده كثيرًا.

الآن تشهد إسرائيل وضعًا لم يسبق أن شهدته فى خطورته.. ربما أول الخطورة هى تأثير القرارات السياسية غير الواقعية للحكومة على مهنية الجيش الإسرائيلى وقدراته.. وصورته عن نفسه.

قادة جيش إسرائيل الآن يتقاسمون رغبة البحث عن حلول ممكنة مع الإدارة الأمريكية.. ويرون أن ممارسة الضغوط عليهم من حكومة نتنياهو اضطرتهم إلى اتخاذ قرارات غير جيدة من الناحية العسكرية.. كلفتهم الجنود والعتاد.. والدبابات.. والصورة التى وصلت إليها سمعة الجيش عندهم.

من كام يوم طلب الجيش الإسرائيلى زيادة كبيرة فى ميزانيته من حكومته. ردت الحكومة بأنها لن تجد إلا أن تشكل لجنة.. لبحث ما إذا كانت الميزانية المطلوبة ضرورية من عدمه. 

لكن جيش إسرائيل من جهته لا يرى أن هناك وقتًا للجان.. ولا وقت للفحص على وتيرة بطيئة لأن الأوضاع ليست فى الصالح. 

لكن الصحافة فى إسرائيل تكلمت عن أن البت فى طلب ميزانية الجيش بالفحص.. ربما تعنى أن الحكومة تسوف.. لمزيد من الوقت. 

لكن السؤال: مزيد من الوقت حتى ماذا؟ أو إلى متى؟

نتنياهو نفسه.. لا يعرف!