الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
مبادرة مصرية.. ولا حلول أخرى

مبادرة مصرية.. ولا حلول أخرى

المبادرة المصرية لإنهاء أزمة غزة وضعت على الطاولات. المبادرة تراعى الجميع وتضع فى اعتباراتها الجميع. 



الجميع يعنى السلطة.. ويعنى الفصائل الفلسطينية. 

يبدو أن هناك أطرافًا حاولت اللعب الفترة الماضية من تحت الترابيزات. أول تلك الأطراف كانت إسرائيل.

 

فى الصحافة الإسرائيلية، تحدث بعضهم بكلام «موحى»، قد يفهم منه أن المبادرة لا تضع فى مجملها منظمة التحرير الفلسطينية فى اللازم من التدابير والإجراءات.. والأيام التالية لما بعد حرب غزة. 

من قال إن مبادرة مصرية يمكن أن تستبعد منظمة التحرير؟ 

من قال إن توازنات الحلول قد تغيب عن القاهرة؟

الكلام غير منطقى.. ولا معقول. وكل ما هنالك أن المبادرة المصرية، تضع إسرائيل فى جانب لا يفضى إلا أن تقبل بوقف الحرب ووقف قتل المدنيين.. ووقف وحشية لا يمكن أن تكون مقبولة.. ولا يمكن أن تستمر. 

لذلك، ربما كانت «التسريبات» فى الصحافة الإسرائيلية متعمدة. الغرض ربما إحداث شىء من القيل والقال لدى الفلسطينيين، للرفض، وبالتالى استمرار إسرائيل فى مزيد من الاعتداءات.

لا تريد حكومة الحرب فى إسرائيل إنهاءها لأكثر من سبب. بعض قادة الحرب فى إسرائيل يرسمون سياجًا من الحماية حول أنفسهم من تهم مختلفة، ومن مصائر غير معلومة للآن.. بإذكاء استمرار القصف على غزة. 

تضع المبادرة المصرية الجميع فى خانة الحلول. 

يضع المقترح المصري أيضًا الفصائل الفلسطينية أمام خط مستقيم لابد لها أن تخلق بمقتضاه التوافق، استعدادًا لترسيم وضعٍ آت، أو لا بد أن يأتى، ضمن خطة كاملة شاملة، تضمن استعادة التفاوض على حلول نهائية للقضية وفق حل الدولتين.

لا حل غير حل الدولتين. 

لكن لا يمكن، وللإنصاف، التغاضى عن أن عدم التوافق الفلسطينى الفلسطينى باعتباره واحدًا من العراقيل فى الطريق للوصول إلى حل الدولتين.

(1)

فى الصحافة الأوروبية وُصفت المبادرة المصرية «بمبادرة مراعاة التوازنات».. والوصف سليم وصحيح.

فالمبادرة تضع جميع الأطراف أمام مسؤولياتها بوضع حد لنهاية الأوضاع المتردية فى غزة.

تتعامل حكومة نتنياهو على أنه لا إنهاء للحرب فى غزة، إلا بالقضاء على حماس، وخروج الحركة تمامًا، مع الجهاد الإسلامى من المعادلة الفلسطينية. 

فى المقابل، تنطلق حماس من أنه ليس لديها ما تخسره، وأن استمرار المقاومة يبقى الحل الوحيد المطروح، طالما أن القوات الإسرائيلية مستمرة فى عملياتها العسكرية على أراضى غزة. 

تقول إسرائيل إنها لن توقف الحرب، ما دام أسراها تحت يد حماس، وتعمل للآن على أساس أن التفاوض لن يتم مع حماس إلا تحت أصوات دانات المدافع، وقصف الطائرات. 

فى المقابل، تقول حماس إنها لن تدع إسرائيل تمارس عملياتها العسكرية فى غزة دون رادع، وأنه إذا كان سلاح المقاومة هو الرادع الوحيد، فإن مسألة تبادل الأسرى تظل بديلاً بعيدًا.. لا يمكن أن يتم.. ولن يتم طالما أن القصف الإسرائيلى دائر. 

الأيام الأخيرة.. يعانى نتنياهو مزيدًا من الضغوط. 

يكفى تَغيّر النبرة الغربية فى توجهاتها نحو الوضع فى غزة.. ونحو الاعتداءات الإسرائيلية على الأبرياء فى غزة. 

نشرت الصحافة الأمريكية منذ يومين، أنباء عن «إنهاء بايدن مكالمة تليفونية غاضبة مع نتنياهو». 

وصفت الصحافة الأمريكية المكالمة بـ«شديدة السخونة».. وقالت إن الرئيس الأمريكي لم ينتظر أن يغلق رئيس الوزراء الإسرائيلى الخط.. أغلق بايدن الخط من عنده.. بقوله: «المكالمة انتهت».

للواقعة أكثر من تفسير. ربما هى المكالمة التليفونية الأولى بعد إعلان مقتل أمريكيين فى غزة كانوا ضمن الأسرى لدى حماس. 

فى إسرائيل أمراء حرب. هذا أمر لا جدال فيه، لكن الذي لا جدال فيه هو أن هؤلاء الأمراء لن يستطيعوا الصمود أمام ضغوط تحوطهم من كل جانب، فقدوا فيها كثيرًا من عوامل قوة الدفع التي كانت تضع مزيدًا من الوقود لاستمرار القصف والعمليات العسكرية فى القطاع. 

إلى متى يستطيع أمراء الحرب فى غزة مواجهة الضغوط الدولية؟ إلى متى يمكن أن يحتمل أمراء الحرب فى تل أبيب ضغوط أهالى الأسرى؟ 

إلى متى يظل هؤلاء الأمراء فى مواجهة الجميع، لاستمرار حرب لم يتبين لها نهاية، ولا يظهر أنها فى ظل الوضع الحالى يمكن أن تقود إلى القضاء على المقاومة؟ 

يومًا بعد يوم يتأكد أن مسألة القضاء على المقاومة، أمر لا يمكن تحققه. 

فى المقابل، فإن إخراج الفصائل الفلسطينية من معادلة الحل، بقى هو الآخر أمرا نظريا ليس أكثر، خصوصًا أن أى حلول مبتكرة لليوم التالى بعد إنهاء الحرب، لابد أن تتضمن جميع الفصائل الفلسطينية تحت مظلة عامة اسمها السلطة الفلسطينية.. وفق خطة سبق ووضعت أسسها القاهرة.. وسبق وبنت فيها القاهرة الكثير. 

(2)

أدى المقترح المصري مؤخرًا إلى حراك عالٍ ومكثف على مختلف الأصعدة. 

أكدت القاهرة أكثر من مرة على أن مبادرتها، ليست سوى «مقترح أولي»، وستتم بلورة موقف متكامل عقب موافقة الأطراف. 

المعنى أن المقترح المصري حتى الآن هو فى الأساس إطار مبدئى للحل. أو إطار أولى لما يفترض أن تسير به الخطوات نحو حل نهائى لإنهاء الأزمة فى غزة، وصولاً إلى التوصل إلى إطار لما بعد إنهاء الحرب. 

بُنيت تفاصيل المقترح المصري على التدرج.. والتأنى. 

يبدأ التدرج بوقف الحرب والهدنة، وصولًا إلى تفاهمات إطلاق الأسرى والسجناء من الجانبين، مع ضمان وصول المساعدات.. وإيقاف قتل المدنيين. 

 

 

 

وفق هذه الرؤية ستُعلن خلال المرحلة الأولى هدنة إنسانية عشرة أيام تفرِج خلالها حماس عن الرهائن المحتجزين لديها، مقابل إفراج إسرائيل عن عدد مناسب يُتَفق عليه من السجناء الفلسطينيين لديها.

مفترض أن يتوقف إطلاق النار بشكل كامل فى غزة من الجانبين.

وهنا يفضى المقترح إلى نقطة أخرى، وهى إعادة انتشار القوات الإسرائيلية بعيدًا عن محيط التجمعات السكنية، على أن يسمح بحركة الفلسطينيين بلا أى قيود من جنوب غزة إلى شمالها.

يقضى المقترح المصري أيضًا ضمانًا لتنفيذ رؤية القاهرة إلى أن توقف إسرائيل جميع أشكال النشاط الجوى على غزة، مع تكثيف إدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية دون استثناء للقطاع. 

تنطلق المبادرة المصرية من مبدأ مؤكد يجعل القاهرة هى الطرف الأجدر والأكثر إدراكًا لتفاصيل ومفاتيح القضية. 

هذا صحيح مائة بالمائة، فالقاهرة هى الأكثر قدرة على قراءة الملف، وهى التي تمتلك فى المقابل الرؤى الواضحة، وهى التي فى حوزتها وحدها، وفق مكانها ومكانتها، الاتصالات مع جميع الأطراف الإقليمية والدولية. 

يستهدف المقترح المصري المضى للأمام للإجابة على السؤال: ماذا فى اليوم التالى لإيقاف الحرب؟ ومتى يمكن لهذه الحرب أن تنتهى؟ 

الوضع فى غزة غير قابل للاحتمال. لم تعد هناك مساحات من الزمن لمزيد من الدمار ولا لمزيد من الضحايا.

ومثلما «هندست» مصر التوصل إلى الهدنة الأولى، ومدها أكثر من يوم، باتصالات مع الجميع بالجميع، قبل أن تعود إسرائيل لإنهاء تلك الهدنة، فإن القاهرة ما زالت لديها المفاتيح المختلفة لإقرار هدنة جديدة.. بقدرة على اجتذاب توافق آخر على هدنة أخرى.. أكثر شمولًا.. وأكثر امتدادًا.. بحلول عملية وواقعية لتصورات ما بعدها. 

بالمناسبة، فإن إقرار حكومة توافق هو شأن فلسطينى فلسطينى. لا تقدم فيه القاهرة سوى مشاورات، أو نقاط تقريب لوجهات النظر. ليس لأى طرف خارجى التدخل فى تشكيل ذلك التوافق.

صحيح هناك من حاول اللعب على وتر «الوقيعة» ببث تحليلات مغلوطة فى هذا الشأن، لكن كل ما قيل فى هذا الإطار من هنا أو هناك ليس صحيحًا. 

 

 

 

الشىء الوحيد الصحيح أن القاهرة تسعى لاستكمال جهود إنهاء الانقسام بين الفصائل الفلسطينية، تسهيلًا لأى خطوات سياسية، وتمهيدًا لإعادة الإعمار بعد وقف العدوان. 

لابد لتلك الحرب أن تنتهى. 

لا يمكن استمرار آلة عسكرية ممولة بمليارات الدولارات لمجرد أسباب لا يمكن أن تتحقق فعلاً على الأرض. كما أنه أيضًا ليس من المنطقى استمرار أمراء الحرب فى إسرائيل فى التذرع بالحرب.. بديلًا عن السجن، أو هروبًا من يوم مواجهة مع شارع إسرائيلى غاضب من قدرة كانت مزعومة.. حتى ألقت بها حماس يوم 7 أكتوبر على التراب. 

تبدو حرب غزة بلا أفق. أكدت الحرب كل تلك الأيام أن هناك استحالة للقضاء على المقاومة، بينما تؤكد الشواهد حتى فى الداخل الإسرائيلى أنه لا يمكن لسلسلة جرائم ضد الإنسانية.. أن تستمر إلى ما لا نهاية.  الأطراف كلها فى مأزق.. والأبرياء وحدهم.. يدفعون الثمن.