الأربعاء 2 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

نجوم الاسم المستعار

الأسماء المستعارة فى الصحافة ظاهرة عالمية، لكنها فى الصحافة المصرية لها خصوصية.



أسباب مختلفة دفعت نجوم المهنة للتخلى عن أسمائهم الحقيقية على صفحات المجالات والجرائد.. من «دنجوان» الصحافة محمد التابعى، للمحاور مفيد فوزى صاحب «نادية عابد».

كثيرًا ما سببَّت الأسماء المستعارة مشاكل وكثيرًا ما صنعت أزمات، لكن سواء هذا أو ذاك.. وراء كل اسم قصة وحكاية.

 

أول الأسماء كان «دنجوان الصحافة» محمد التابعى الذى دخل المجال دفاعًا عن مصر ضد الاحتلال، حيث كان طالبًا وقرأ  مقالًا فى «الإيجبيسيان»، يُهاجم مظاهرات 1919.

وقتها قرر أن يكتب مقالات بالإنجليزية تُهاجم الإنجليز ويرسلها للجريدة ذاتها، وتفاجأ أن الجريدة نشرتها وفى مكان بارز لم يكن يتوقعه.

فيما بعد نشأت صداقة بين التابعى ورئيس تحرير «الإيجيبسيان» وكانت البداية من عرض حضراه معًا لمسرحية «غادة الكاميليا» وحين انتهى العرض سأله رئيس التحرير عن رأيه فقال إن الممثلة «روز» قامت بدورها بشكل جيد بينما انتقد أداء «يوسف بك وهبي».

 وفى اليوم التالى كتب مقالة عن المسرحية ونشروها فى «الجازيت» ومن وقتها توالت مقالاته.

وبحسب ما ذكر التابعى فى مذكراته إنه بدأ حياته الصحفية عام 1924 تحت اسم مُستعار وهو «حندس» والذى يعنى الظلام الدامس؛ وكان يوقِّع مقالاته بهذا الاسم فى جريدة الأهرام، لأنه كان يخشى المسئولية كونه موظفًا فى قلم الترجمة بمجلس النواب.

ويقول كمال الملاخ عن مقالات التابعى الفنية أنها تميزت بالسخرية مع الاتزان، وبالرغم من شهرته بالهجوم على يوسف بك وهبى لكنهما أصبحا صديقين وقال عنه وهبي «التابعى كان بارعًا فى أن يعطينى السم مغلفًا بالسكر».

 

 

 

أما الراحل مصطفى أمين، فكان  يكتب أيضًا تحت اسم مستعار هو الآخر.

يحكى الراحل مصطفى أمين فى كتابه «لكل مقال أزمة»: «كنت أوقع المقالات بإمضاء مُشاغب وأنشرها يوميًا تحت عنوان مشاغبات، عمرى 21 سنة، ولم يكن أحد يعرف أنى كاتب هذه المقالات التى تستغرق عمودين كاملين».

وأضاف: «مواقف كثيرة وثقت ما كان يحدث أثناء عملى بالصحف المختلفة، وتدخُّل الرقابة الشديد الذى يصل فى أوقات عديدة للمنع والسجن».

وتعددت الأسماء من «مشاغب إلى مصموص ومدام إكس».

واستمر مصطفى أمين يكتب باسم مستعار قائلًا: «كم من المقالات كتبتها ولم تر النور.جاء قلم الرقيب وبطش بها، أو حذف منها سطورًا وأضاف إليها . من سخرية القدر أننى ما كتبت فى حياتى سلسلة مقالات وأتممتها فى كل مرة كانت تدخل يد فتوقف السلسلة فقد أصدر الملك فاروق أمرًا بمنع النشر فى سلسلة مقالات بعنوان «لماذا ساءت العلاقات بين القصر والوفد ؟»

يكمل: «دق جرس التليفون فى مكتب الأستاذ محمد توفيق دياب صاحب جريدة الجهاد، وكانت أوسع الجرائد المصرية الصباحية انتشارًا فى تلك الأيام، وقال المتحدث إنه محمود شوقى باشا السكرتير الخاص للملك فؤاد، وأن الملك ثائر جدًا لمقال نشرته جريدة الجهاد عن سفر ولى العهد إلى إنجلترا لإتمام دراسته وفيه تعريض لا يليق بولى العهد وتدخل فى شئون جلالة الملك. وأن جلالة الملك يريد أن يعرف اسم كاتب المقال حتى يتم تقديمه إلى محكمة الجنايات! وتحمل توفيق دياب مسئولية مقالاتى ودافع عن حقى، ولم يذكر اسمى».

وفى ظل هوية مجهولة بين زملائه قال مصطفى أمين إنه: ذات يوم دعاه الأستاذ التابعى إلى مكتبه وقال إنه اتفق مع شريكيه فى إصدار جريدة المصرى على التعاقد مع كاتب «المشاغبات» فى الجهاد ليكتب الباب فى جريدة المصرى، وكلف مصطفى أمين بالتفاوض معه.

حسبما قال مصطفى أمين إن المطلوب كان أن يتفاوض مع نفسه إذ إنه هو الذى كان يكتب تحت اسم مستعار فى الجهاد.

 

 

 

بعد يومين عاد مصطفى أمين للتابعى إليه وقال إن الكاتب اسمه «على النحاس» ويطلب مئة جنيه فى الشهر للتعاقد، وهو مبلغ خيالى فى تلك الأيام، لكن المفاجأة أن طلب التابعى أن يتعاقد معه فورًا، فعاد بعد يومين ليقول له إن الكاتب رفض التعاقد بسبب أن عقده مع الجهاد لم ينته بعد!

الأديب الكبير الراحل إحسان عبدالقدوس دخل عالم الأسماء المستعارة هو الآخر، إذ كتب للمرأة وعن المرأة تحت اسم مُستعار وهو «سونة» أو «زوجة أحمد» ولما انكشف الأمر جمع كل هذه المقالات التى تكلم فيها عن حق الإجهاض، وحق المرأة فى اختيار شريك حياتها ولمحات من قواعد التربية الإيجابية، وكانت فى كتاب صدر عن أخبار اليوم تحت اسم «زوجة أحمد» .

وكتب إحسان فى المقدمة: هذه مجموعة من الآراء الاجتماعية التى كتبتها فى أسلوب قصصى على لسان «زوجة أحمد»، وعندما نُشرت هذه الآراء لأول مرة، أثارت الكثير من الاعتراضات ولم أفاجأ بها.. كنت أنتظرها.

وأضاف كثير من الناس يقولون: لو كان لك ابنة لما كتبت هذه القصص، ولما اعتنقت هذه الأفكار الجريئة التى تدعو إليها..وهم مخطئون، وهذا الخطاب أهديه إلى صغيرتى فاطمة الجندى ابنة أختي-وإلى كل بنات الناس» واستمر إحسان فى إثارة الجدل.

أما الراحل أنيس منصور، فكان واحدًا من الذين استخدموا الأسماء المُستعارة.

ربما كان الأمر مثيرًا للدهشة قليلًا فى حالة أنيس، لأنه كان يستخدم فى الأغلب أسماء نسائية ويكتب بها مقالات يُهاجم فيها النساء ويتحامل عليهن ويتبنى فى حقهن رؤى رجعية، حتى وصفته بعض النساء بالمرأة الشاذة! وطبعًا لم يعرفن وقتها أنه مجرد اسم مُستعار  لكنهن اعتقدن أن كاتبتها شخصية حقيقية، وهذا ما أراده أنيس.

 

 

 

يقول أنيس منصور: لم يكن لى أى اهتمام بالسياسة من أى نوع؛ لذلك لم أكن أقرأ الصحف بانتظام أو حتى أفكر فى قراءتها..وحين بدأت العمل بالصحافة كنت أكثر الصحفيين استخدامًا للأسماء المُستعارة بسبب كثرة كتاباتى التى كان يستحيل معها أن أكتب باسم واحد فقط، ومن هذا ظللت 40 عامًا مسئولًا عن أبواب الموضة فكتبت باسم «شريفة شريف، منى جعفر، هالة أحمد، مارى أنطوانيت وكان أشهرها «سيلفانا ماريللي».

وحكى أنيس قصته مع اسم «سيلفانا» قال: «عندما كنت أعمل فى مجلة روزاليوسف كنت أنشر أخبارًا عن لهو الملك فاروق وعبثه وكانت لى صديقة أجنبية هى التى تبعث لى بقصاصات الصحف التى تتكلم عن الملك فى الخارج وكان اسمها «سيلفانا ماريللي».

يكمل: «وكنت أستخدم القصاصات وأنشرها تحت اسمها الذى أصبح اسمى المُستعار. وفى يوم من الأيام وقع خلاف بينى وبين السيدة روزاليوسف، فتركت العمل معها وانتقلت إلى أخبار اليوم، وفى المقالة الأولى لى ادعيت أن هناك حادثًا تسبب فى وفاة سيلفانا وبذلك لن يستخدم أحد اسمها فى غيابى أبدًا».

الأستاذة عائشة

الأسماء المستعارة هى دفاتر الصحافة المصرية  لم تكن مقتصرة على الرجال، إنما لجأت الأستاذة الدكتورة عائشة عبدالرحمن إلى الكتابة تحت اسم مُستعار بسبب تعنت والدها الشديد تجاه تعليمها وخروجها للعمل،  رغم أن والدتها كانت  تدعمها بسبب تفوقها الدائم وإصرارها الشديد على العلم.

واختارت الدكتورة عائشة عبدالرحمن اسم «بنت الشاطئ» فى بداية حياتها نسبة لشاطئ دمياط، المحافظة التى وُلدت فيها، وأحبت أن تختار اسمًا يربط بين مدينتها وبين هويتها عند القراء.

فى بدايتها كتبت بجرأة فى مجلة الثقافة ومما كتبت «الفكرة التى يدافع عنها الأستاذ والزميل أحمد شوقى فى محاولة الاعتراف بالصياغة الجديدة لمعنى طُرِق من قبل، وأشهد لقد أدى الأستاذ حق رسالته، فكان دفاعه عنها حلوًا مخلصًا، وتأييده قويًا مُقنعًا، وما أتردد فى التسليم له بهذه الفكرة العامة، ولكن بعد ذلك أخالفه فى رأيه عن أثر السرقات الشعرية فى الأدب العربى، وأخالفه فى الأفق الضيق والمحصور الذى عّرف به السرقات الشعرية ليجيز لنفسه بعد ذلك أن يحمل على النقاد قديمًا».

 

 

 

 

كانت عبدالرحمن تدون القصص القصيرة فى مجلة الرسالة باسم مستعار أيضًا «لمحتُ عن بعد شبح العاصفة يقترب فى بطء؛ فلازمت الفتاة وأنا أكاد أختنق من الحزن والألم، فلما أعلن أخوها أن حبيبها تزوج بابنة عمه، أرسلت نظرات محمومة مبهمة جوفاء وفى بطء حزين قامت إلى حجرتها، فركضت وراءها ولم أجد ما أقوله، إلا أن أطلب إليها أن تُسرِف فى البكاء؛ فقد هالنى تحجُر الدمع فى مُقلتيها أشد ما يهولنى الصراخ والعويل».

عبدالرحمن مفكرة  وأستاذة جامعية وباحثة، وهى أول امرأة تحاضر بالأزهر الشريف، ومن أوائل من اشتغلن بالصحافة فى مصر وبالخصوص فى جريدة الأهرام.

حكاية نادية

هذه مما كتبته نادية عابد فى مجلة صباح الخير: «للأذكياء أقول، مواقف من السلوك الخاص، موعد معك، يفضلنى أكثر بمايوه أزرق داكن، يوميات فتاة رصيّنة، فى خطابات خاصة».

للوهلة الأولى ومن تلك العناوين لا بد أن تعتقد أنها امرأة، فهى امرأة تُعبر بشكل أنثوى عما يدور فى خاطرها من أفكار جريئة فى وقتها.

توقعيها فى نهاية كل مقال كان «نادية» ثم «نادية عابد» ومع أنها كانت حديث الأوساط الصحفية والنسائية إلا أنها لم يعرف عنها أحد شيئًا، فكتبت لها «شريهان» ذات يوم: نفسى أشوفك فى الحياة، ولا أعرف لماذا يتغيب عنكِ التلفزيون كل هذا.

«نادية عابد» لم تكن سوى «اسم مُستعار» للكاتب والمحاور الراحل مُفيد فوزى ليدّون أفكاره وتطلعاته وخواطره عن المرأة، واستمر لمدة 18 عامًا فى باب أسبوعى فى مجلة صباح الخير.

واقتبس مفيد الاسم من شخصية حقيقية قابلها، فقد كانت «نادية» ابنة لأحد السفراء التقى بها مفيد فوزى فى أمستردام وجلس يحاورها لثمانى ساعات متواصلة.

وقال عنها: «عندما تحدثت معها أدركت أن المرأة ليست نصف المجتمع، وإنما هى المجتمع كله، فنادية أثبتت أن المرأة كائن جبار..عقرب ناعم تستطيع بذكائها الشديد أن تبتلع الرجل».

وأصدر مفيد فوزى ثلاثة كتب تحت اسم نادية عابد بعنوان «للأذكياء أقول» ثم «الرومانسيات فى زمن الجفاف» وأخيرًا «يا حبيبى الذى أذكره».

 

 

 

دخلت نادية عابد كل البيوت المصرية وأرسل لها القراء عشرات الرسائل، وذات يوم اتصل رجل بمفيد فوزى يسأله أن يتواصل مع نادية عابد التى تكتب فى مجلة صباح الخير، فرد عليه بقوله: مسافرة.

فقال المُتصل: هذه امرأة لا تفهم أى شيء عن الرجال وعاوزة الضرب.

فسأله مفيد: إيه اللى حصل؟

 فأجاب الرجل: لقد أثارت فى بيتى لغطًا عندما كتبت إذا مد زوجك يده عليك فاطلبى الطلاق، وفى الصباح طلبت منى زوجتى الطلاق!.

مى الصغيرة

أما «مي الصغيرة» فقد اقتحمت الصحف والمجلات ولفتت أنظار الأوساط المختلفة لها لها بسبب رشاقة أسلوبها.

وكانت كل علاقتها بالصحف والمجلات هى المراسلة لم يرها ولم يعرفها أحد.

وكانت قد نشبت معركة بسبب توفيق الحكيم وعدائه المعروف للمرأة تدخل فيها طرف ثالث فجأة وهى «مى الصغيرة» ليتهافت القراء على متابعتها.

وبعد هرج ومرج ولغط كثير، أعلن محمد التابعى أنه لن ينشر أى شىء لمى الصغيرة قبل أن تعلن عن هويتها.. فظهر الكاتب إبراهيم الوردانى!

وقال الوردانى فيما بعد: «أن سوق النشر كان غليظ القلب وكان لا بد للكاتب أن يضيع من عمره 20 عامًا حتى يظهر ويلمع اسمه، فحاولت الكتابة عدة مرات وبدأت بالقصة القصيرة وبعد كتابتى للقصة الأولى تخيلت فيها بنتا متحررة وجامعية فى مجتمع كان منغلقًا وقتها، لا تظهر فيه البنات للكتابة وكان ظهور فتاة كاتبة وتحديدا بعد وفاة مى زيادة  صعبًا».

وكتب الوردانى أول قصة لـ«مى الصغيرة» بعنوان «يوميات مهاجرة» وأرسلها لآخر ساعة وكتب معها «إننى فتاة متحررة ولكن ظروف أسرتى تمنعنى عن الظهور وإذا نالت القصة إعجابكم أرجو نشرها».

وقال الوردانى عن تلك الواقعة: «فوجئت فى العدد التالى أنها منشورة وبمقدمة من رئيس التحرير يقول فيها سواء كانت هذه القصة من رجل أو امرأة فهى أفكار وأسلوب مُلفت للنظر».

وأكمل: من بعدها بدأت فى إرسال القصة الثانية والثالثة، وفى أسابيع قليلة انتشر اسم «مى الصغيرة» فى الأوساط، ولكن بعد إعلان التابعى ومطالبته مى الصغيرة بالكشف عن نفسها اختفيت، وقابلت صديق صاحب مجلة الساعة 12 «قالى أنت متعرفش فين مى الصغيرة دى؟ قلتله دى صدفة غريبة لإنها صديقتى، قالى مش ممكن تكتبلى قصص قلتله أنا ممكن أكون رسول بينكما».

كتب إبراهيم الوردانى بهويته المجهولة فى المجلة لأربعة أشهر ثم تعرف إلى الدكتور سيد عبده ومحمد حسنين هيكل وحكى لهما سره.

الأسماء المستعارة فى الصحافة ظاهرة عالمية، لكنها فى الصحافة المصرية لها خصوصية. أسباب مختلفة دفعت نجوم المهنة للتخلى عن أسمائهم الحقيقية على صفحات المجالات والجرائد.. من «دنجوان» الصحافة محمد التابعى، للمحاور مفيد فوزى صاحب «نادية عابد». كثيرًا ما سببَّت الأسماء المستعارة مشاكل وكثيرًا ما صنعت أزمات، لكن سواء هذا أو ذاك.. وراء كل اسم قصة وحكاية.

أول الأسماء كان «دنجوان الصحافة» محمد التابعى الذى دخل المجال دفاعًا عن مصر ضد الاحتلال، حيث كان طالبًا وقرأ  مقالًا فى «الإيجبيسيان»، يُهاجم مظاهرات 1919. وقتها قرر أن يكتب مقالات بالإنجليزية تُهاجم الإنجليز ويرسلها للجريدة ذاتها، وتفاجأ أن الجريدة نشرتها وفى مكان بارز لم يكن يتوقعه. فيما بعد نشأت صداقة بين التابعى ورئيس تحرير «الإيجيبسيان» وكانت البداية من عرض حضراه معًا لمسرحية «غادة الكاميليا» وحين انتهى العرض سأله رئيس التحرير عن رأيه فقال إن الممثلة «روز» قامت بدورها بشكل جيد بينما انتقد أداء «يوسف بك وهبي».  وفى اليوم التالى كتب مقالة عن المسرحية ونشروها فى «الجازيت» ومن وقتها توالت مقالاته. وبحسب ما ذكر التابعى فى مذكراته إنه بدأ حياته الصحفية عام 1924 تحت اسم مُستعار وهو «حندس» والذى يعنى الظلام الدامس؛ وكان يوقِّع مقالاته بهذا الاسم فى جريدة الأهرام، لأنه كان يخشى المسئولية كونه موظفًا فى قلم الترجمة بمجلس النواب. ويقول كمال الملاخ عن مقالات التابعى الفنية أنها تميزت بالسخرية مع الاتزان، وبالرغم من شهرته بالهجوم على يوسف بك وهبى لكنهما أصبحا صديقين وقال عنه وهبي «التابعى كان بارعًا فى أن يعطينى السم مغلفًا بالسكر». أما الراحل مصطفى أمين، فكان  يكتب أيضًا تحت اسم مستعار هو الآخر. يحكى الراحل مصطفى أمين فى كتابه «لكل مقال أزمة»: «كنت أوقع المقالات بإمضاء مُشاغب وأنشرها يوميًا تحت عنوان مشاغبات، عمرى 21 سنة، ولم يكن أحد يعرف أنى كاتب هذه المقالات التى تستغرق عمودين كاملين». وأضاف: «مواقف كثيرة وثقت ما كان يحدث أثناء عملى بالصحف المختلفة، وتدخُّل الرقابة الشديد الذى يصل فى أوقات عديدة للمنع والسجن». وتعددت الأسماء من «مشاغب إلى مصموص ومدام إكس». واستمر مصطفى أمين يكتب باسم مستعار قائلًا: «كم من المقالات كتبتها ولم تر النور.جاء قلم الرقيب وبطش بها، أو حذف منها سطورًا وأضاف إليها . من سخرية القدر أننى ما كتبت فى حياتى سلسلة مقالات وأتممتها فى كل مرة كانت تدخل يد فتوقف السلسلة فقد أصدر الملك فاروق أمرًا بمنع النشر فى سلسلة مقالات بعنوان «لماذا ساءت العلاقات بين القصر والوفد ؟» يكمل: «دق جرس التليفون فى مكتب الأستاذ محمد توفيق دياب صاحب جريدة الجهاد، وكانت أوسع الجرائد المصرية الصباحية انتشارًا فى تلك الأيام، وقال المتحدث إنه محمود شوقى باشا السكرتير الخاص للملك فؤاد، وأن الملك ثائر جدًا لمقال نشرته جريدة الجهاد عن سفر ولى العهد إلى إنجلترا لإتمام دراسته وفيه تعريض لا يليق بولى العهد وتدخل فى شئون جلالة الملك. وأن جلالة الملك يريد أن يعرف اسم كاتب المقال حتى يتم تقديمه إلى محكمة الجنايات! وتحمل توفيق دياب مسئولية مقالاتى ودافع عن حقى، ولم يذكر اسمى». وفى ظل هوية مجهولة بين زملائه قال مصطفى أمين إنه: ذات يوم دعاه الأستاذ التابعى إلى مكتبه وقال إنه اتفق مع شريكيه فى إصدار جريدة المصرى على التعاقد مع كاتب «المشاغبات» فى الجهاد ليكتب الباب فى جريدة المصرى، وكلف مصطفى أمين بالتفاوض معه. حسبما قال مصطفى أمين إن المطلوب كان أن يتفاوض مع نفسه إذ إنه هو الذى كان يكتب تحت اسم مستعار فى الجهاد. بعد يومين عاد مصطفى أمين للتابعى إليه وقال إن الكاتب اسمه «على النحاس» ويطلب مئة جنيه فى الشهر للتعاقد، وهو مبلغ خيالى فى تلك الأيام، لكن المفاجأة أن طلب التابعى أن يتعاقد معه فورًا، فعاد بعد يومين ليقول له إن الكاتب رفض التعاقد بسبب أن عقده مع الجهاد لم ينته بعد! الأديب الكبير الراحل إحسان عبدالقدوس دخل عالم الأسماء المستعارة هو الآخر، إذ كتب للمرأة وعن المرأة تحت اسم مُستعار وهو «سونة» أو «زوجة أحمد» ولما انكشف الأمر جمع كل هذه المقالات التى تكلم فيها عن حق الإجهاض، وحق المرأة فى اختيار شريك حياتها ولمحات من قواعد التربية الإيجابية، وكانت فى كتاب صدر عن أخبار اليوم تحت اسم «زوجة أحمد» . وكتب إحسان فى المقدمة: هذه مجموعة من الآراء الاجتماعية التى كتبتها فى أسلوب قصصى على لسان «زوجة أحمد»، وعندما نُشرت هذه الآراء لأول مرة، أثارت الكثير من الاعتراضات ولم أفاجأ بها.. كنت أنتظرها. وأضاف كثير من الناس يقولون: لو كان لك ابنة لما كتبت هذه القصص، ولما اعتنقت هذه الأفكار الجريئة التى تدعو إليها..وهم مخطئون، وهذا الخطاب أهديه إلى صغيرتى فاطمة الجندى ابنة أختي-وإلى كل بنات الناس» واستمر إحسان فى إثارة الجدل. أما الراحل أنيس منصور، فكان واحدًا من الذين استخدموا الأسماء المُستعارة. ربما كان الأمر مثيرًا للدهشة قليلًا فى حالة أنيس، لأنه كان يستخدم فى الأغلب أسماء نسائية ويكتب بها مقالات يُهاجم فيها النساء ويتحامل عليهن ويتبنى فى حقهن رؤى رجعية، حتى وصفته بعض النساء بالمرأة الشاذة! وطبعًا لم يعرفن وقتها أنه مجرد اسم مُستعار  لكنهن اعتقدن أن كاتبتها شخصية حقيقية، وهذا ما أراده أنيس. يقول أنيس منصور: لم يكن لى أى اهتمام بالسياسة من أى نوع؛ لذلك لم أكن أقرأ الصحف بانتظام أو حتى أفكر فى قراءتها..وحين بدأت العمل بالصحافة كنت أكثر الصحفيين استخدامًا للأسماء المُستعارة بسبب كثرة كتاباتى التى كان يستحيل معها أن أكتب باسم واحد فقط، ومن هذا ظللت 40 عامًا مسئولًا عن أبواب الموضة فكتبت باسم «شريفة شريف، منى جعفر، هالة أحمد، مارى أنطوانيت وكان أشهرها «سيلفانا ماريللي». وحكى أنيس قصته مع اسم «سيلفانا» قال: «عندما كنت أعمل فى مجلة روزاليوسف كنت أنشر أخبارًا عن لهو الملك فاروق وعبثه وكانت لى صديقة أجنبية هى التى تبعث لى بقصاصات الصحف التى تتكلم عن الملك فى الخارج وكان اسمها «سيلفانا ماريللي». يكمل: «وكنت أستخدم القصاصات وأنشرها تحت اسمها الذى أصبح اسمى المُستعار. وفى يوم من الأيام وقع خلاف بينى وبين السيدة روزاليوسف، فتركت العمل معها وانتقلت إلى أخبار اليوم، وفى المقالة الأولى لى ادعيت أن هناك حادثًا تسبب فى وفاة سيلفانا وبذلك لن يستخدم أحد اسمها فى غيابى أبدًا». الأستاذة عائشة الأسماء المستعارة هى دفاتر الصحافة المصرية  لم تكن مقتصرة على الرجال، إنما لجأت الأستاذة الدكتورة عائشة عبدالرحمن إلى الكتابة تحت اسم مُستعار بسبب تعنت والدها الشديد تجاه تعليمها وخروجها للعمل،  رغم أن والدتها كانت  تدعمها بسبب تفوقها الدائم وإصرارها الشديد على العلم. واختارت الدكتورة عائشة عبدالرحمن اسم «بنت الشاطئ» فى بداية حياتها نسبة لشاطئ دمياط، المحافظة التى وُلدت فيها، وأحبت أن تختار اسمًا يربط بين مدينتها وبين هويتها عند القراء. فى بدايتها كتبت بجرأة فى مجلة الثقافة ومما كتبت «الفكرة التى يدافع عنها الأستاذ والزميل أحمد شوقى فى محاولة الاعتراف بالصياغة الجديدة لمعنى طُرِق من قبل، وأشهد لقد أدى الأستاذ حق رسالته، فكان دفاعه عنها حلوًا مخلصًا، وتأييده قويًا مُقنعًا، وما أتردد فى التسليم له بهذه الفكرة العامة، ولكن بعد ذلك أخالفه فى رأيه عن أثر السرقات الشعرية فى الأدب العربى، وأخالفه فى الأفق الضيق والمحصور الذى عّرف به السرقات الشعرية ليجيز لنفسه بعد ذلك أن يحمل على النقاد قديمًا». كانت عبدالرحمن تدون القصص القصيرة فى مجلة الرسالة باسم مستعار أيضًا «لمحتُ عن بعد شبح العاصفة يقترب فى بطء؛ فلازمت الفتاة وأنا أكاد أختنق من الحزن والألم، فلما أعلن أخوها أن حبيبها تزوج بابنة عمه، أرسلت نظرات محمومة مبهمة جوفاء وفى بطء حزين قامت إلى حجرتها، فركضت وراءها ولم أجد ما أقوله، إلا أن أطلب إليها أن تُسرِف فى البكاء؛ فقد هالنى تحجُر الدمع فى مُقلتيها أشد ما يهولنى الصراخ والعويل». عبدالرحمن مفكرة  وأستاذة جامعية وباحثة، وهى أول امرأة تحاضر بالأزهر الشريف، ومن أوائل من اشتغلن بالصحافة فى مصر وبالخصوص فى جريدة الأهرام. حكاية نادية هذه مما كتبته نادية عابد فى مجلة صباح الخير: «للأذكياء أقول، مواقف من السلوك الخاص، موعد معك، يفضلنى أكثر بمايوه أزرق داكن، يوميات فتاة رصيّنة، فى خطابات خاصة». للوهلة الأولى ومن تلك العناوين لا بد أن تعتقد أنها امرأة، فهى امرأة تُعبر بشكل أنثوى عما يدور فى خاطرها من أفكار جريئة فى وقتها. توقعيها فى نهاية كل مقال كان «نادية» ثم «نادية عابد» ومع أنها كانت حديث الأوساط الصحفية والنسائية إلا أنها لم يعرف عنها أحد شيئًا، فكتبت لها «شريهان» ذات يوم: نفسى أشوفك فى الحياة، ولا أعرف لماذا يتغيب عنكِ التلفزيون كل هذا. «نادية عابد» لم تكن سوى «اسم مُستعار» للكاتب والمحاور الراحل مُفيد فوزى ليدّون أفكاره وتطلعاته وخواطره عن المرأة، واستمر لمدة 18 عامًا فى باب أسبوعى فى مجلة صباح الخير. واقتبس مفيد الاسم من شخصية حقيقية قابلها، فقد كانت «نادية» ابنة لأحد السفراء التقى بها مفيد فوزى فى أمستردام وجلس يحاورها لثمانى ساعات متواصلة. وقال عنها: «عندما تحدثت معها أدركت أن المرأة ليست نصف المجتمع، وإنما هى المجتمع كله، فنادية أثبتت أن المرأة كائن جبار..عقرب ناعم تستطيع بذكائها الشديد أن تبتلع الرجل». وأصدر مفيد فوزى ثلاثة كتب تحت اسم نادية عابد بعنوان «للأذكياء أقول» ثم «الرومانسيات فى زمن الجفاف» وأخيرًا «يا حبيبى الذى أذكره». دخلت نادية عابد كل البيوت المصرية وأرسل لها القراء عشرات الرسائل، وذات يوم اتصل رجل بمفيد فوزى يسأله أن يتواصل مع نادية عابد التى تكتب فى مجلة صباح الخير، فرد عليه بقوله: مسافرة. فقال المُتصل: هذه امرأة لا تفهم أى شيء عن الرجال وعاوزة الضرب. فسأله مفيد: إيه اللى حصل؟  فأجاب الرجل: لقد أثارت فى بيتى لغطًا عندما كتبت إذا مد زوجك يده عليك فاطلبى الطلاق، وفى الصباح طلبت منى زوجتى الطلاق!. مى الصغيرة أما «مي الصغيرة» فقد اقتحمت الصحف والمجلات ولفتت أنظار الأوساط المختلفة لها لها بسبب رشاقة أسلوبها. وكانت كل علاقتها بالصحف والمجلات هى المراسلة لم يرها ولم يعرفها أحد. وكانت قد نشبت معركة بسبب توفيق الحكيم وعدائه المعروف للمرأة تدخل فيها طرف ثالث فجأة وهى «مى الصغيرة» ليتهافت القراء على متابعتها. وبعد هرج ومرج ولغط كثير، أعلن محمد التابعى أنه لن ينشر أى شىء لمى الصغيرة قبل أن تعلن عن هويتها.. فظهر الكاتب إبراهيم الوردانى! وقال الوردانى فيما بعد: «أن سوق النشر كان غليظ القلب وكان لا بد للكاتب أن يضيع من عمره 20 عامًا حتى يظهر ويلمع اسمه، فحاولت الكتابة عدة مرات وبدأت بالقصة القصيرة وبعد كتابتى للقصة الأولى تخيلت فيها بنتا متحررة وجامعية فى مجتمع كان منغلقًا وقتها، لا تظهر فيه البنات للكتابة وكان ظهور فتاة كاتبة وتحديدا بعد وفاة مى زيادة  صعبًا». وكتب الوردانى أول قصة لـ«مى الصغيرة» بعنوان «يوميات مهاجرة» وأرسلها لآخر ساعة وكتب معها «إننى فتاة متحررة ولكن ظروف أسرتى تمنعنى عن الظهور وإذا نالت القصة إعجابكم أرجو نشرها». وقال الوردانى عن تلك الواقعة: «فوجئت فى العدد التالى أنها منشورة وبمقدمة من رئيس التحرير يقول فيها سواء كانت هذه القصة من رجل أو امرأة فهى أفكار وأسلوب مُلفت للنظر». وأكمل: من بعدها بدأت فى إرسال القصة الثانية والثالثة، وفى أسابيع قليلة انتشر اسم «مى الصغيرة» فى الأوساط، ولكن بعد إعلان التابعى ومطالبته مى الصغيرة بالكشف عن نفسها اختفيت، وقابلت صديق صاحب مجلة الساعة 12 «قالى أنت متعرفش فين مى الصغيرة دى؟ قلتله دى صدفة غريبة لإنها صديقتى، قالى مش ممكن تكتبلى قصص قلتله أنا ممكن أكون رسول بينكما». كتب إبراهيم الوردانى بهويته المجهولة فى المجلة لأربعة أشهر ثم تعرف إلى الدكتور سيد عبده ومحمد حسنين هيكل وحكى لهما سره. وفى يوم أخذ سعيد عبده قصة لمى منشورة فى مجلة «الساعة 12» ونشرها فى افتتاحية آخر ساعة ومعها صورة الورداني وكتب عليها ليس امرأة «خنشور مثلى ومثلكم له لحية وشارب» وكانت نهاية مى الصغيرة. وبعدها كتب الوردانى مقالًا بعنوان «وداعًا يا مودموازيل» ليودع شخصية مى الصغيرة واستمر باسمه الحقيقي. لكن بحسب ما ذكر كان الاسم المستعار اختصارًا للوقت الطويل الذى كان سيمر به ليقدم نفسه ككاتب قصة له أسلوب معين.

 

 

 

وفى يوم أخذ سعيد عبده قصة لمى منشورة فى مجلة «الساعة 12» ونشرها فى افتتاحية آخر ساعة ومعها صورة الورداني وكتب عليها ليس امرأة «خنشور مثلى ومثلكم له لحية وشارب» وكانت نهاية مى الصغيرة.

وبعدها كتب الوردانى مقالًا بعنوان «وداعًا يا مودموازيل» ليودع شخصية مى الصغيرة واستمر باسمه الحقيقي.

لكن بحسب ما ذكر كان الاسم المستعار اختصارًا للوقت الطويل الذى كان سيمر به ليقدم نفسه ككاتب قصة له أسلوب معين.