الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
لماذا اكتسح عبدالفتاح السيسى؟

لماذا اكتسح عبدالفتاح السيسى؟

لماذا اكتسح عبدالفتاح السيسى فى انتخابات الرئاسة؟ 



السؤال مهم وجوهرى وله أكثر من إجابة. أو تستطيع أن تقول أن إجابته لها أكثر من سبب.

فى تاريخ الدول محطات مفصلية. تنعقد على تلك المحطات نتائج، وعلى أساس تلك النتائج تستمر دورات الشعوب.. إما إلى اليمين وإما إلى اليسار. 

فى محطات الشعوب، تتحكم المحطات المفصلية بنتائجها فى المستقبل.  وفى حالات كثيرة، تنتج تلك المحطات المفصلية، إما شرورًا لا تستطيع الشعوب الخروج منها لعقود.. بما يترتب على الواقع المعاش من تفاصيل. 

وإما أن تفتح تلك المحطات المفصلية آفاقًا لمراحل أفضل، تستعيد بها الشعوب الحياة وتستعيد بها مقومات الحياة.

وهذه قصة لا بد أن تُروى.. ولو أن المساحة هنا.. أقل من أن تُروى بها القصة بتفاصيلها ودقائقها.. وما خفى منها وما بطن. 

(1)

دخلت مصر، وربما الشرق الأوسط كله، إحدى تلك المحطات بأحداث ما يسمى بالربيع العربى.

دارت بالربيع العربى، عجلة النار.. ومع عجلة النار، دخلت دول كثيرة فى الشرق الأوسط معمعة المعادلات الحمضية التى استهدفت فى النهاية، إعادة ترتيب الشرق الأوسط.. وإعادة توزيع ثروات الشرق الأوسط.. وإعادة تقسيم خرائط الشرق الأوسط. 

كان الربيع العربى مرحلة من مراحل التاريخ.. لو نجحت، لكانت الخرائط كلها تغيرت، ولكانت الحدود كلها تغيرت، ولكانت الشعوب كلها تغيرت.

تغيير الشعوب؟

صحيح.. فقد استهدف الربيع العربى، تغيير هويات وماهيات الشعوب.

 استهدف الربيع العربى، الانتقال بهوية دول الشرق الأوسط من حال إلى حال.. ومن شكل إلى شكل، أملًا فى تحقيق مستهدفات أقرتها دول أخرى.. لأهداف وضعت على الطاولات فى مقرات الحكم هناك.. ثم نزلت الأموال والأبواق وبعض المنظمات الحقوقية.. مع بهلوانات السياسة لتطبيقها على الأرض وفى الواقع.

قلب الربيع العربى، الأرض بمن عليها، «فوقانى تحتانى» كما يقول التعبير المصرى الدارج.

وكان أن دخلت الشعوب مراحل خطرة وخطيرة، استهدفت فيها مؤسسات الدول إلى جانب هويات الدول ومكتسبات الشعوب. 

اختلق الربيع العربى، فى تهديده، أنواعًا مستحدثة من الحروب. واختلق جراثيم فوق بنفسجية.. لا تُكتشف بالعين المجردة.

عملت حروب الربيع العربى على تقليب البلدان من داخلها.

فصنعت من تجار الأوطان أبطالًا، وصنعت من مرابي الهوية، وأرزقية البلدان نجومًا كبارًا، يخرجون على شاشات الفضائيات، فيلحسون عقول المواطن البسيط، ويمنونه ببلح الشام وعنب اليمن، ويعدونه بالديمقراطية، وحقوق الإنسان.. ويمنونه بالألوان.. وبالزخارف.. وبالزجاج المعشق.. وبمتطلبات المواطن فى ورق سوليفان!

ثم آل الأمر إلى الإخوان! 

(2)

للإنصاف.. لا يصح أبدًا الاعتقاد بأن أحداث يناير كانت ثورة سُرقت، أو أنها كانت فورة، استطاع التطرف السيطرة عليها أو تحييدها عن طريقها.

لا يصح الاعتقاد بمفاهيم، يتداولها للآن بعضهم على المقاهى، أو سبق وتداولوها فى غرف الجمعيات الحقوقية إياها حيث الأثاث الفاخر.. والمكيفات.. والمرطبات على الترابيزات.

كل ما كان.. أن الربيع العربى كان محاولة نارية، استخدمت فيها أسلحة دخان، غطت على الأعين، وحاولت سرقة الأبصار والبصائر، بدعاوى مختلفة، وحجج أكثر اختلافًا.

أضفت موجة الربيع العربى على الأرض مزيدًا من السيولة السياسية والاجتماعية. هددت موجات الربيع العربى مؤسسات الدولة، ورجت أركانها، قبل أن تسير بالناس والشارع والبلد إلى مقربة من طريق اللى يروح ما يرجعش. 

وضعت موجة الربيع العربى البلد على المحك.. كما وضعت الشارع فى مواجهة الدولة.

أخطر المراحل هى التى يقف فيها المواطن.. فى مواجهة الدولة. 

إن جيت للحق الخطة كانت شيطانية بامتياز، والتنفيذ كان محكمًا إلى نفاذ الإخوان.. وما أدراك ما نفاذ الإخوان؟

عاد الشارع بعد نفاذ الإخوان يستغيث. وخرج مع الشارع من سبق وحسبهم الشارع على طائفة الرموز أيضًا يستغيثون. 

كانت طريفة ولطيفة، أن من راح ينشد ود الإخوان فى فيرمونت، هم الذين عادوا بعد أن نفذ الإخوان يندمون على فيرمونت، وعلى ليلة فيرمونت.. وعلى الذى ذهب بهم إلى فيرمونت. 

خروج الشارع فى 30 يونيو كان محطة فاصلة.. ومفصلية.

للتاريخ جدلية. جدلية التاريخ عادة ما تكتسب قوتها من الأحداث السلبية. هناك من يرى فى الأحداث السلبية التاريخية وقودًا للأمام. وهناك من يرى أن الأحداث السلبية فى مجرى التاريخ أساسية، كى تستعيد الشعوب عافيتها، وتنفض عن نفسها التراب، وتقوم من على الأرض.. بنظرة للأمام. 

يدخل التاريخ وفق جدليته المراحل المفصلية.. والمراحل المفصلية التاريخية فى العادة تحتاج إلى بطل كاريزمي. 

يخرج هذا البطل الكاريزمى، لتبنى آراء الشعب، وتحقيق مطالب الشعب، ثم المضى قدمًا بالوطن إلى حيث يريد الناس. 

فى 30 يونيو نادى المصريون عبدالفتاح السيسى. كان تكليفًا أوليًا.. ومرحليًا، توالت بعده تكليفات أو تفويضات تعلقت كلها بسد ثغرات فى جدار الوطن.. كان قد حاول إحداثها بعضهم.. أملاً فى إسقاط الوطن.. ورغبة فى مد السماط على جسد البلد الجريح الذى طرحوه فى المزادات.. للبيع والشراء. 

القضاء على الإرهاب كان تفويضًا شعبيًا للسيسى نجح فيه باقتدار. 

دخل عبدالفتاح السيسى حربه ضد الإرهاب، بالتوازى مع حروب أخرى. أطلق شرارة البدء بالإصلاح الاقتصادى، ومعها أطلق شرارة البدء فى برامج الحماية الاجتماعية، وإصلاح الرقعة الزراعية.

أطلق شرارة البدء بالتوازى لحماية الأكثر احتياجًا، كما أطلق شرارة البدء على الأرض للقضاء على أزمة السكن، وأزمة العشوائيات.. ثم لأول مرة أطلق إشارة البدء لأحجار أساس المدن الجديدة.

على المستوى الخارجى.. أعاد عبدالفتاح السيسى لمصر القدرة والمكانة. 

لا تكتسب الدول قدراتها بالشعارات ولا الكلام الرنان. لا تستعيد الدول مقدراتها بالكلام والرغى.. واللت والعجن على مواقع التواصل. 

تستعيد الدول قدراتها بالقوة.. والمقدرة. 

استعادت مصر عبدالفتاح السيسى المقدرة.. وأعادت التموضع على خريطة الإقليم، لرأب صدع كان قد ظهر فيما كانت هى تمر بمرحلة التمايل إثر أحداث 2011 أو ما سمى على سبيل المجاز.. بالربيع العربى. 

(3)

لماذا اكتسح عبدالفتاح السيسى؟ 

لأن عبدالفتاح السيسى مشروع قومى.. وأمل وطنى. 

لأن لدى عبدالفتاح السيسى تاريخًا، وحاضرًا.. ومستقبلًا.

مرة أخرى.. يكفى لعبدالفتاح السيسى القضاء على الإخوان. ويكفى لعبدالفتاح السيسى القضاء على الإرهاب. 

يكفى لعبدالفتاح السيسى مشاريع قومية، غيرت وجه مصر، وغيرت خرائطها.. وغيرت معالمها.

مرة ثانية.. لا تدار الدول بالأمنيات. صحيح الأمل فى الحلم، لكن الآمال دون الإرادة والقدرة لا يمكن أن تتحقق على أرض الممكنات. 

استعان عبدالفتاح السيسى على الأمل بالعمل.

تغيرت مصر من حال إلى حال. يكفى أن استعادت مصر الاستقرار. يكفى أن استعاد الشارع نفسه، بعد مراحل من السيولة لم تدخل يومًا فى تصورات المصريين، ولا فى قدرتهم على التخيل. 

انتقلت مصر إلى عصر جديد، لملمت فيه جراح الماضى، وآثام الماضى.. وأزمات الماضى. 

أسقطت مصر فى العهد الجديد أساطير كانت قد أطلقتها وجوه «كالحة» فى زمن الربيع العربى. انطلقت البلد فى الطريق لتنمية حقيقية وواقع معاش.. واستقرار كان فى مرحلة ما هو المنشود وهو الأمل. 

الاختلاف وارد؟ 

مؤكد الاختلاف وارد.. فى الأولويات.. والتراتبيات.. لكن لا خلاف على أمن وطن.. وأمان مواطن.. فى الطريق لمستقبل أفضل. 

اكتسح عبدالفتاح السيسى لأن لديه ما يكمله.. ولأنه ما زال لديه الكثير. 

اكتسح عبدالفتاح السيسى، لأن الظروف المحيطة على جميع المحاور فى حاجة إلى قائد كاريزما.. لديه المقدرة الرشيدة.. ولديه القدرة عنوان.. بلا عدوان. 

اكتسح لأن مصر فى حاجة لإكمال ما بدأ.. والاستمرار فيه.. وصولًا إلى عصر جديد.. وجمهورية جديدة.. بدت بوادرها.. وسط تطلعات وآمال.