الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
الدعاية الألمانية تهاجم العقاد وتهدده

بسبب كتابه عن هتلر

الدعاية الألمانية تهاجم العقاد وتهدده

كانت بداية تجربة الأستاذ أحمد عباس صالح فى مجلة التحرير عندما كلفه البكباشى أنور السادات بكتابة دراسة عن الزعيم «محمد فريد» توزع مع العدد «زيرو» من جريدة الجمهورية التى ستقوم ثورة يوليو 1952 بإصدارها يومية بعد أن أصدرت «التحرير» مجلة نصف شهرية وأصبح السادات مسئولا عنها!



ونمضى مع ذكريات أحمد عباس صالح كما رواها فى كتابه المهم والممتع «عمر فى العاصفة سيرة ذاتية»، فيقول:

«عندما كلفنى السادات بكتابة ملخص لسيرة محمد فريد اتجه ذهنى فورًا إلى الدكتور خليل مدكور الذى كان من مريدى محمد فريد طوال فترة منفاه، حيث كان يدرس هناك للحصول على الدكتوراه، وتعلق بالزعيم حتى أصبح من أقرب المقربين إليه وصار يقوم بكل أعماله حبًا وتطوعًا طوال تسع سنوات.

وبالفعل ذهب أحمد عباس صالح لمقابلة خليل مدكور، وفاتحه فى الموضوع وأمدّه بصور فوتوغرافية ورسائل متبادلة تغطى كل سنوات المنفى، ويكمل باقى ما جرى بقوله:

وحين كانت توجد ثغرة كان يشير عليّ أن أسترشد بأشخاص آخرين كانوا على اتصال به - بمحمد فريد - وبالفعل اتصلت بهم واستكملت غالبية الثغرات، وأصبح لدى أخيرًا تصور جيد عن حياة هذا الرجل مع أن الكثير من الوثائق المتصلة بتاريخ الرجل لم تكن قد نشرت بعد!

بالطبع استعنت بكتاب المؤرخ عبدالرحمن الرافعى عن حياة الزعيم، لكن المعلومات التى حصلت عليها من بقايا الأحياء الذين صاحبوا محمد فريد كانت جديدة تمامًا، وأذكر أننى كتبت الموضوع بشىء من العاطفة رغم تنبهى لضرورة النظرة الحيادية، ولعلى ركزت على مظاهر النزعة الاشتراكية باعتبارها اكتشافًا ما فى حياة الزعيم».

••

ولعل السطور والمشاهد السابقة التى يرويها أحمد عباس صالح هى بمثابة درس لكل من يمسك بورقة وقلم ليكتب، ويكمل قائلا:

وعندما أنهيت الكتابة وسلمت الموضوع إلى رئاسة التحرير أعطيت المادة لعبدالسلام الشريف الفنان التشكيلى وأستاذ الفنون الجميلة الذى خاض تجربة التوضيب الصحفى، وكان مكلفًا بأن يصمم شكل الجريدة - الجمهورية - وكان بالفعل قد اهتدى إلى شكل رأس الصفحة الذى يعتبر من أهم الإنجازات، لأنه سيكون الشكل الدال على الجريدة حتى وهى مرصوصة على الأرض.

وكان عبدالسلام الشريف رجلًا فريدًا أيضًا، إذ كان أستاذًا بطبعه ومثل كل الأساتذة الموهوبين كان بالغ التواضع ويملك حاسة خفية لاكتشاف المواهب ورعايتها وهو الذى تخرج على يديه فنانو التوضيب الصحفى الذين دفعوا الصحافة سنوات عديدة إلى الأمام مثل «حسن فؤاد» و«عبدالغنى أبوالعينين» وغيرهما كثيرون.

وناقش عبدالسلام الشريف فكرته معى وهى أنه سيترك لفنان من تلاميذه هو ممدوح عمار الذى كان رسامًا بارعًا وكان قد تخصص فى الحفر على الخشب أن يرسم لوحة كاملة لوجه «محمد فريد» على الخشب لتتحول اللوحة إلى كليشيه ضخم يملأ الصفحة الأولى كلها وتُطبع بحبر رمادى خفيف تطبع عليه حروف المقال، ثم نثر الصور الفوتوغرافية فى الداخل، تمتلئ صفحاته الأربعة بقصة حياة الزعيم التى كتبتها، وعندما طبع هذا النموذج فرح به الجميع، ونجح نجاحًا باهرًا وكان عنوانًا جيدًا على ما ستكون عليه هذه الجريدة.

وفى أحد الاجتماعات قررت الجريدة إصدار ملحق ثقافى يصدر كل أسبوع، ربما كان يوم الجمعة، وأسندت إلىّ سكرتارية تحريره، فوجدتنى مسئولا عن جمع كل مواده من الكتاب المختلفين الذين كانوا مسئولين عن تحريره، وكان الملحق قد قسم لأقسام عديدة فهناك قسم للمسرح وآخر للسينما ثم للإذاعة ثم للفنون التشكيلية ثم للموسيقى!

وهكذا أصبحت أعمل مع عدد من نجوم الثقافة فى المجتمع المصرى، إذ كان «زكى طليمات» مسئولا عن المسرح، ومدحت عاصم عن الموسيقى، ولست أذكر مسئول السينما، ولكن الإذاعة كان مسئولا عنها صديقى «يوسف الحطاب»، أما الأدب فكان يقوده طه حسين مع «إسماعيل مظهر» الذى كان أحد الأساتذة التنويريين الكبار، وكان يصدر مجلة ذات شأن تتناول الموضوعات العلمية الحديثة فى الفيزياء أو البيولوجى أو الكيمياء، وكان قد تعرض لمجادلات وهجوم بسبب احتضانه لنظرية «داروين» فى التطور وتعلقه بعد ذلك بالأفكار المرادفة عن السوبرمان وما كان يحيط بذلك من أجواء أدت إلى انتشار بعض النزعات الديكتاتورية!

ولأنى لم أكن فى سن القراءة عندما كانت هذه المجلة تثير الزوابع داخل المجتمع المصرى فأنا لا أعرف على وجه الدقة كيف انتهت ولماذا؟!

وكان «إسماعيل مظهر» شيخًا وسيمًا مرحًا وعصريًا إلى أقصى درجة، وكان يعرف أنه يدربنا على أن نتفتح على الحياة العصرية فيصحبنا إلى المحال ذات الطابع الأوروبى، كما يستقبل بناته الشابات حين يمررن عليه ويعرفنا بهن، وكن على جمال رائع وكياسة وقوة شخصية وكانت تربيتهن أوروبية بشكل كامل.

••

ويسترسل أحمد عباس صالح فى سيرته الذاتية عن أيام الصحافة فى مجلة التحرير والجمهورية، فيقول:

كان «لويس عوض» يكتب للملحق إلى جانب الجريدة اليومية بالطبع، وكذلك الدكتور «محمد مندور» ولست أذكر إذا كان الدكتور «عبدالحميد يونس» قد انضم إلى الجمهورية فى هذه الفترة أم بعدها؟ وكان أحد الرواد الذين أنشأوا دراسة الأدب الشعبى فى الجامعة، وكان شقيقًا للمهندس «محمود يونس» الذى هندس الاستيلاء على قناة السويس من الشركة الأجنبية وهو الذى حقق معجزة إدارة القناة اعتمادًا على المصريين اعتمادًا كاملًا.

لقد استغرقت تمامًا فى هذا الجو الثقافى البالغ الثراء، وتعلمت الشىء الكثير وكنت أنشر قصصى القصيرة فى هذا الملحق إلى جانب ما أكلف به من موضوعات.

فى أحد الأيام اقترح علىّ «لويس عوض» أن أجرى حديثًا صحفيًا مع الكاتب «عباس محمود العقاد» الذى كان صامتًا تقريبًا منذ اندلاع الثورة، وكان قد مضى أكثر من عام ونصف العام عليها، وكان العقاد يهاجم كل الاتجاهات اليسارية بعنف وكان مشهورًا أنه قد تهاون مع الإنجليز خصوصًا، أثناء اشتعال الحرب العالمية الثانية، وأنه كتب كتابًا عن الزعيم النازى لدرجة أن أجهزة الدعاية الألمانية هاجمته وهددته! ولذلك حين اقتربت الجيوش الألمانية من مصر فى معركة العلمين فكر فى الهرب إلى السودان والاختفاء فيه!!

ويعترف «أحمد عباس صالح»: لم أكن أحب العقاد بالطبع، لكنى كنت أستغرب حين يتحدث عنه لويس عوض بإعجاب، وكذلك نجيب محفوظ، دعك من تلاميذه الكبار مثل زكى نجيب محمود وعلى أدهم وغيرهما. وكنت أعرف منهم أنه كان أقوى مدافع عن الدستور والديمقراطية.

ولذكريات أحمد عباس صالح مع «العقاد» بقية!