الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
أحمد عباس صالح وذكريات عمر فى العاصفة والصحافة!

السادات يستدعى أحمد عباس صالح للمساهمة فى مجلة التحرير

أحمد عباس صالح وذكريات عمر فى العاصفة والصحافة!

 «عمر فى العاصفة» واحد من أجمل وأعمق كتب السيرة الذاتية لصاحبه الكاتب والصحفى الكبير الأستاذ «أحمد عباس صالح» الذى صدر عام 2008 وكان قبل ذلك قد نشر فى جريدة القاهرة على حلقات عديدة زمن رئاسة الأستاذ «صلاح عيسى» للقاهرة.



«عمر فى العاصفة» بمثابة رحلته فى دهاليز الصحافة والإذاعة والسينما والنقد ورئاسة تحرير مجلة الكاتب فى منتصف ستينيات القرن الماضى، وهو أيضا صاحب الكتب التى أثارت الجدل الواسع والمناقشات الحامية ومنها «اليمين واليسار فى الإسلام».

ساهم  بقلمه  فى الكتابة فى صحف  ومجلات عديدة منها «التحرير» و«الجمهورية» و«الشعب» و «روزاليوسف» التى خصص لذكرياته فيها أكثر من فصل فيه الكثير من المفاجآت الصحفية والسياسية!

عندما قامت ثورة 23 يوليو سنة 1952 كان أحمد عباس صالح وقتها يكتب للإذاعة بشكل مستمر تمثيليات وكان الذى طلبها واقترحها عليه صديقه القديم المخرج الإذاعى «يوسف الحطاب».

وشاءت الصدفة أن يذهب صباح يوم 23 يوليو إلى مبنى الإذاعة، حيث يتذكر ما جرى بقوله:

وجدت الدبابات تحاصر المبنى ولكننى كنت أشعر أن هذه الأشياء تمت إليه وإنها ليست من قوى معادية، ولأنى كنت أعرف السادات فحين استمعت إلى بيان الثورة فى الإذاعة توزعت نفسى بين الفرح والقلق، فهذا رجل عريق فى الاتجاه اليمينى وإن كانت مواقفه الوطنية غير مشكوك فيها، وكان عمله مع الملك «فاروق» فى التنظيم الحديدى غير مرضى عنه، ولكنى لأمر ما ربما لشخصية «السادات» الشعبية وحماسته الوطنية ملت إلى شيء من التفاؤل.

••

ويمضى أحمد عباس صالح فى ذكرياته عن تلك الفترة المبكرة فيقول:

عندما صدرت مجلة «التحرير» أول مطبوعة للثورة كان اتجاهها اليسارى واضحاً وفيها عرفنا أسماء بعض الكتاب الضباط مثل «خالد محيى الدين» وثروت عكاشة وأحمد حمروش» وكانت هذه أيضا علامة إيجابية بالنسبة لنا على اتجاه الثورة، ولم تمض إلا شهور قليلة حتى رأينا هؤلاء ينسحبون من المجلة ويتركونها، وكنت فى الإذاعة عندما جاءنى «سامى داود» الذى كان كبيرا للمذيعين وكاتباً معروفاً وقال لي:

تعال معى إن «السادات» يريدنا!!

فهمت فى الطريق أن «السادات» أصبح مسئولا عن مجلة التحرير بعد أن تخلت عنها المجموعة اليسارية، وإنه يريد أن يحافظ على هذا الاتجاه ولذلك أرادنا أن نحل محلهم وقد اختارنا لذلك!

وكان السادات ينتظرنا فى مبنى دار الهلال الذى كانت المجلة تصدر منه، وهناك وجدناه فشرح لنا مهمتنا وعرفنا أنه أصبح رئيس التحرير وأن «سامى داود» سيكون مدير التحرير، وأننى سأكون سكرتير التحرير، وعرفنا منه أنه بعد انسحاب المجموعة الأولى لم يجد «جمال عبدالناصر» الذى كان المسئول الحقيقى عن كل شيء أمامه، إلا أن يتصل بمصطفى أمين ليخرج العدد حتى لا يتوقف صدور المجلة وتثار الأقاويل حول توقفها، ولم يجد «مصطفى أمين» بالتالى وفى هذا الوقت القصير الحرج بدا من أن يستعمل بعض مقالات مجلة كان يصدرها حينذاك هى مجلة «الجيل الجديد»، وعندما صدر العدد غضب «عبدالناصر» غضبا شديداً وسارع بتكليف «أنور السادات» بمصادرة المجلة، فمواد المجلة كانت بالغة الخفة ولا تتفق إطلاقاً مع أول مطبوعة لثورة سياسية شاملة!

كان ضباط مجلس قيادة الثورة يفكرون فى إصدار صحيفة يومية وبالفعل شرعوا فى استصدار ترخيص جريدة «الجمهورية» باسم «جمال عبدالناصر»، وأثناء انهماكنا فى مواصلة إصدار مجلة التحرير دعانا «أنور السادات» إلى اجتماع فى مبنى جريدة الزمان بشارع الصحافة وفى ذلك الاجتماع عرفنا بمشروع جريدة الجمهورية وأن رئاسة تحريرها أسندت إلى أنور السادات مع صحفى قديم هو «حسين فهمى» الذى كان يرأس تحرير جريدة الزمان على ما أذكر وظللنا نعمل فى التجارب عدة شهور.

••

ولا ينسى أحمد عباس صالح أن يتذكر ظروف تعرفه بالسادات قبل قيام ثورة يوليو 1952 بعدة سنوات فى أحد مقاهى وسط البلد فيقول:

فى هذه الفترة شاهدت «أنور السادات» فى بداية حياته على مقهى فى شارع «قولة» له واجهة تطل على سراى عابدين، إذ كان يقع على ناصية، بحيث يرى القصر الذى كان يملأ الميدان من أوله إلى آخره، كان «ضابطاً» فى الجيش برتبة صغيرة، وكنت ألعب كرة القدم فى الشارع، وكنا نستعمل كرة التنس الكاوتش الصغيرة بدلا من كرة القدم الكبيرة بدلا من كرة الشراب أيضا.

وكنا حين نعطش ندخل المقهى لنشرب ونحن نتطلع إلى الجالسين، ومع أن «أنور السادات» لم يكن معروفاً بعد، إلا أننى لاحظته بشكل جيد ولا أذكر حتى الآن السبب فى ذلك، وكان يتطلع إلى السرايا سارحاً ولعلى تذكرت هذه الجلسة بعد ذلك حين ظهر أنور السادات مع ثورة يوليو وحملتها أكثر مما تحتمل!

بالطبع لمع اسم السادات قبل ذلك مع حادثة اغتيال «أمين عثمان» واتهامه بالاشتراك فيها، ومع أننى قابلته بعد ذلك فى مقهى «عبدالله» فى الجيزة، حيث كان يعمل فى سيارات النقل الكبيرة بعد أن فصل من الجيش، وكان ينزل أحيانا ضيفا على «زكريا الحجاوى» الذى كان يسكن قريبا من المقهى، وكان يأتى إلى المقهى فى سنة 1946 مبكراً قبل أن يصل كبار الأدباء وأساتذة الجامعة الذين أتيت من أجلهم، فأجلس إليه وأتحدث معه وهو يشرب الشاى بصوت مسموع ويدخن سيجارة ويلمع حذاءه، وكان هو الذى يتحدث على الأغلب عن رؤيته السياسية التى كانت خليطًا من برنامج الحزب الوطنى بزعامة مصطفى كامل وحركات الاغتيالات السياسية مثل «اليد السوداء»، وكان فى حديثه العادى أقرب ما يكون إلى الخطابية والانفعالية، وكنت أجد متعة فى الاستماع إليه على الرغم من اختلافى تماما مع الكثير من آرائه!

كان أنور السادات معجباً بالحزب الوطنى الذى رأسه الزعيم مصطفى كامل ذو السمعة الطيبة وبعد وفاته تم إسناد رئاسة الحزب إلى «محمد فريد» وكانت زعامته رائعة فهو السياسى الذى لا تستطيع أية قوة سياسية الزعم بأن لها تأثيراً عليه يخالف ضميره، وأظن أن أنور «السادات» هو الذى اقترح على رجال الثورة أن يحتفلوا بذكرى وفاته.

وانتهز أنور السادات الفرصة وقرر أن تصدر نسخة تجريبية من مشروع جريدة «الجمهورية» تحتوى على دراسة لتاريخ الرجل على أن توزع أثناء الاحتفال كنموذج لما ستكون عليه الجمهورية عند صدورها بالفعل، ووجدت «السادات» يطلب منى كتابة هذه الدراسة»!

وللذكريات بقية.