الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
فلسطين فى حمى مصر

فلسطين فى حمى مصر

فلسطين قضية رئيسية، وثابت من ثوابت السياسة المصرية. لا أحد يمكن أن يزايد على الدور المصري.. ولا أحد يمكن أن يبقى له «وش فى الكلام» فى جهود القاهرة.. فى الأزمة الأخيرة.. وفيما قبلها. 



 

قدمت مصر لفلسطين الكثير. ليس من باب المن، ولكن من باب اتساق المواقف ومن باب مسؤولية شقيقة كبرى.. وانطلاقًا من مسؤولية أخلاقية فوق هذا كله. 

 

عرفت سياسة مصر الخارجية إقليميًا ودوليًا بالأخلاقية منذ أن تولى عبدالفتاح السيسي المسؤولية.

 

جهود مصر كانت دائمًا الأولى والأكثر وضوحًا، بدءًا من محاولات إيجاد الحلول لمعاناة الشعب الفلسطينى، مرورًا بمحاولات توحيد الفرقاء الفلسطينيين، نهاية بالتعامل الدولى مع رؤساء وحكومات العالم لبيان الحلول التي من شأنها أن تنهى الصراع فى فلسطين، على أساس الدولتين وعودة اللاجئين، وإقرار القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية. 

 

(1)

فى الأزمة الأخيرة سابقت الجهود المصرية الزمن والوقت والساعات. قطعت السياسة المصرية فى رحلات ومشاورات مكوكية مسافات الزمن وتلاحق الأحداث للحد من الآلة الإسرائيلية الوحشية التي تصطاد بالنيران أبرياء مدنيين. 

 

يدفع الأبرياء ثمنًا لا ذنب لهم فيه، بينما العالم يكيل بأكثر من مكيال. وبينما من العرب من لا يسير طبقًا لنظرية أقصر الطرق، وبينما بعضهم لا يتوقف عن اللوم والمناداة دون إجراءات أكثر، أو دون ما هو غير المناداة، فى ضجيج لدى بعضهم بلا طحين.

 

تحمل مصر القضية الفلسطينية على الرأس. بالسياسة تارة وبالإجراءات الحاسمة والفورية على الأرض تارات. 

 

الإصرار المصري على دخول المساعدات، ومواقف القيادة المصرية لفرض دخول مواد الإغاثة والمستلزمات الطبية ثم حمولات الوقود إلى غزة.. دليل على حجم ما تقوم به القاهرة. 

 

بالمناسبة، كل عملية إدخال مساعدات تخضع للتفاوض، وتستخدم مصر أساليبها فى الضغط. كل شحنة وقود دخلت إلى غزة، سبقتها ساعات مكثفة من العمل، وسبقها كثير من الرجال يعملون من القاهرة فى الكواليس للتوصل إلى نتائج. 

 

تلقى الرئيس السيسي اتصالات متعددة من كل قادة العالم، بدءًا من الرئيس الأمريكى جو بايدن والروسى بوتين والأمين العام للأمم المتحدة ورئيسة المفوضية الأوروبية والرئيس الفرنسى ورئيسى وزراء بريطانيا وهولندا. اتصالات أخرى من قادة آخرين استمعوا لوجهة نظر القاهرة، حيث أكد لهم رئيس الدولة المصرية أنه لا حل إلا تبنى مسار تهدئة وخفض تصعيد العمليات العسكرية، وصولًا إلى حل وحيد لتسوية القضية بسلام عادل ودائم.

 

السلام العادل والدائم هو السبيل الوحيد للاستقرار والأمن فى المنطقة. 

 

كرر عبدالفتاح السيسي المطلب فى كل المناسبات الدولية.. وكرره فى الاتصالات.. وأخيرًا عاد وجدد الرئيس على ضرورة إيجاد تلك الحلول فى قمة الرياض الطارئة.

 

حذر رئيس الدولة من مغبة استمرار الصراع. 

 

حذر من امتداده.. حذر من تعاظمه.. حذر أيضًا من الضغط على إقليم شديد الالتهاب.. أشبه بقنبلة منزوعة زناد الأمان. 

 

تظن الدول الكبرى أنها بعيدة. ربما تظن إسرائيل أن فى يدها مفتاح الحل.. أو فى يدها قدرة القضاء على المقاومة. 

 

تظن أوروبا أن القضية إقليمية فى الشرق الأوسط.. وفقط. 

 

كل هذا لا هو صحيح.. ولا هو حقيقى. فالصراعات من ذلك النوع.. تتوغل فى ساعات.. وتنفجر بقدرة انفجار عظيمة فى أيام.  لم تغفل القاهرة عينها ولو يوم عن القضية.. بقى للقضية مجتمع دولى بنظرة عدل.. ويبقى لدول أخرى أن تعيد النظر إلى القضية بشىء من الإنصاف.

 

مصر مستمرة.. لأن ثوابتها لا تتغير.. ولأن القدر كتب عليها أن تظل كبرى. 

 

(2)

 

فى القمة الإسلامية بالرياض.. جدد عبدالفتاح السيسي تحذيراته من امتداد أثر الصراع فى الإقليم. لن تتحمل دول الإقليم تداعيات الانفجار. لن تكون الدول الكبرى لو امتد الصراع.. وتعاظم فى معزل هى الأخرى عن آثاره. 

 

الصراعات من هذا النوع شرارة تشعل حروبًا كبرى. 

 

 «مرصد الصراعات العالمية» التابع لمجلس العلاقات الخارجية الأمريكية نشر تقريرًا عن بؤر الصراع الساخنة التي لا تزال مشتعلة حول العالم.. وحددها بحوالى 27 صراعًا. 

 

صنف المرصد تلك البؤر 3 درجات: عالية.. ولا تتغير.. وتتحسن. وخلص إلى رؤية مثيرة للتشاؤم، توصلت بالقياس والمتابعة أنه ليس هناك من تلك الصراعات ما يتحسن.

 

يقول المحللون إن تداعيات تلك الصراعات أكثر تعقيدًا مما يتصور كثيرون.. وأكثر تعقيدًا وتشابكًا وقابلية للانفجار مما تتصوره حتى الدول الكبرى. 

 

السبب أن تلك الصراعات تستقطب تدخلات لقوى إقليمية ودولية، وأن تلك القوى تسعى لإدارة مصالحها فى أغلب تلك البؤر عبر وكلاء محليين. 

 

فى ما سُمى الربيع العربى، حدث هذا أيضًا. 

 

كان الربيع محاولة أو مدخلًا لطموحات دول كبرى لإعادة ترسيم المنطقة العربية والشرق الأوسط، عن طريق جماعات الإسلام السياسى. ظنت الدول الكبرى وقتها، وربما للآن، أنهم يمكن أن يعيدوا تحسين فرص مكاسبهم.. أو تعديل خرائط الدول الكبرى، فتنفتح لهم أبواب الإقليم المغلقة. 

 

خلال سنة - الله لن يرجعها-  من حكم الإخوان.. كانت مسألة تهجير الفلسطينيين إلى سيناء واحدة من القضايا الموضوعة على قائمة الانتظار. 

 

الجاسوس محمد مرسى كان له أكثر من تصريح يشير إلى نية جماعته إعادة النظر فى سيناء بوصفها وطنًا بديلاً للفلسطينيين. 

 

عزفت تلك النغمة، انطلاقًا من حجج حماية الفلسطينيين فى غزة أو فى الضفة، وفتح الطريق لتخليصهم من معاناتهم.. ووضعهم على أرض آمنة. 

 

الكلام شيطانى، والحيلة لم تنطل على المصريين ولا على جيش مصر. 

 

الأرض عرض، ودعم الأشقاء الفلسطينيين لا يمكن مضاهاته أو مبادلته بالتخلى عن أرض مصرية دفع كثير من أبناء هذا البلد.. ثمنها دماءه وحياته. 

 

قال عبدالفتاح السيسي إن تلك الأرض «دفعنا ثمنها غاليًا». والكلام صحيح وحقيقى يثبته التاريخ والجغرافيا. 

 

حلول القضية فى حلول القضية. لا يجوز تسمية أى خطة أخرى باعتبارها حلاً للقضية.. على حساب الغير. 

 

لا يمكن قبول أى رسومات بديلة على أنها إنهاء للصراع أو على أنها تسوية. 

 

لن تقبل مصر.. وما دامت مصر لن تقبل، فالمؤكد أنه لا حلول لا تقبلها مصر. 

 

(3)

 

إدارة الدول الكبرى مصالحها عبر وكلاء محليين فى الإقليم والمنطقة، مؤشر على أن أمد تلك الحروب قد يطول. 

 

الدليل ما تشهده ليبيا، وما يشهده السودان، والدليل ما تشهده الأراضى الفلسطينية فى غزة.. وفى الضفة. 

 

تظل على خريطة الصراع مصر الدولة الوحيدة التي تماسكت، واستمرت، واستمر مع استمرارها سلطان المؤسسة. مصر تكاد الوحيدة التي استطاعت بقدرة جيشها، وحكمة مؤسساتها الخروج من «خية» الثورة.

 

 وهى الدولة الوحيدة التي اختارت، فى ظل ظروف عصيبة القائد والقيادة.. فاستعادت المكان والمكانة.. وأوقفت عجلة النار التي أدارتها دول كبرى بعدما وضعت داخلها ما يسمى بالإخوان المسلمين. 

 

تعمد الدول الكبرى إدارة الحروب فى المنطقة بوكالة آخرين، فغير أنه مؤشر ينذر بإطالة أمد الحروب، ويمد فى عمر الصراعات، فإنه أيضًا لابد أن يعود بالقلاقل على الدول الكبرى.. وعلى الدول التي تحرك الصراع.. وتزكى الحروب. 

 

فى الولايات المتحدة شعبية بايدن فى أسفل سافلين، وفى إسرائيل، يهاجم الشارع نتنياهو أكثر من أى وقت مضى، محملة له مسؤولية عدم قدرة جيشه على التنبؤ أو منع العملية التي خططت لها المقاومة الفلسطينية فى 7 أكتوبر.

 

ويلوم الشارع الإسرائيلى نتنياهو مرة أخرى على أنه يجرى فى الحرب بمزيد من الخسائر، هربًا من محاكمة، وهربًا من السجن، وهربًا من مستقبل سياسى سقطت فيه صورته، وتلوثت سمعته، وانهارت شعبيته هو الآخر. 

 

جاء بايدن إلى البيت الأبيض فى يناير 2021 بوعود وتصورات بأنه ممكن أن يعيد وحدة المجتمع الأمريكى بعد الانقسامات والاستقطابات التي أحدثها من قبله الرئيس دونالد ترامب.

 

الآن يواجه بايدن اتهامات بعدم إيفائه الوعود. ليس هذا فقط، إنما يواجه انتقادات حادة بأنه وسع الانقسام الأمريكى بدعمه إسرائيل فى مجازرها فى غزة، فأنتج مجتمعين فى قطاعات السياسة فى الولايات المتحدة. 

 

قطاع يدعم إسرائيل بقوة ونبرة شديدة الحدة، مقابل معسكر آخر يدعم الفلسطينيين بقوة وحدة وضراوة.. وهو ما ظهر فى مشاحنات ومصادمات فى تظاهرات طلاب الجامعات فى الولايات المتحدة.. وعلى شاشات التليفزيون. 

 

حتى الخارجية الأمريكية انعكست عليها تلك الانقسامات. الأسبوع الماضى أعلن مسؤول كبير استقالته اعتراضًا على السياسة الأمريكية فى حرب غزة. 

 

تقول التقارير إن هناك تذمرًا داخل بعض أجهزة المخابرات الأمريكية. وأن هناك من ينتقد البيت الأبيض فى صفوف العسكريين وقادة البنتاجون. 

 

القلق يتزايد فى الولايات المتحدة من تصاعد الهجمات ضد المصالح والجنود الأمريكيين فى سوريا والعراق. 

 

 الأسبوع الماضى تخطت المرات 42 هجوماً فى أقل من أسبوعين.

 

الحزب الديمقراطى دخلته الانقسامات أيضًا.. والمعارضات والصوت العالى مع انتقادات أخرى اندلعت فى جناح اليسار داخل الديمقراطيين. 

 

دعت تلك الأجنحة إلى ضرورة الوقف الفورى لإطلاق النار.. وأنّبت بايدن على سلوكه تجاه تلك المذابح التي تتم على الأرض الفلسطينية.

 

انتقل القلق من الشارع إلى بايدن نفسه، فأشارت استطلاعات الرأى الأخيرة إلى فقدانه أصوات الأمريكيين العرب وأصوات كثير من الشباب لو تمت الانتخابات الآن. إضافة إلى تراجع فى شعبيته فى ما يسمى بالولايات المتأرجحة.

 

للإنصاف، فى الأزمة الأخيرة.. تراجعت شعبية كثيرين.. وتراجع الأمل فى مستقبل نتنياهو، بينما تزايدت نبرات الفخر والإعزاز بجهود القيادة المصرية.

 

لا تزال مصر صمام الأمان.. فى المنطقة.. وصمام الأمن فى الإقليم. 

 

سوف تفرض مصر حلولها .. وما لا تقبله مصر.. لن يتحقق.