الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
أزِفـــَتِ الآزِفَـــــة

أزِفـــَتِ الآزِفَـــــة

من الرياض جدد عبدالفتاح السيسى الثوابت المصرية لحل القضية الفلسطينية. تعلن مصر ثوابتها على الملأ للمرة المليون. لكن من الواضح أن هناك من لا يتفهم للآن أن استمرار حملة الإبادة على الفلسطينيين فى غزة ليس حلًا. وأن ضبط النفس على جوانب أخرى لبلدان أخرى.. ولقوى إقليمية أخرى ربما لا يستمر.



 

 

حذر رئيس الدولة المصرية للمرة الألف من احتمالات امتداد أثر الصراع.. أو تفاعل أطراف أخرى مع الأحداث فى تصاعد للأزمة لن يفيد الجميع.. وسيضر الجميع.. وسينفجر فى وجوه الجميع. 

 

الثوابت المصرية صريحة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. وللإنصاف فإن مصر  الدولة الوحيدة صاحبة الصوت الأقوى.. والمجهود الأكبر.. والجهود الأكثر للوصول إلى: أولًا إيقاف حملة الإبادة ضد الفلسطينيين، وثانيًا إيصال المساعدات ووسائل وسبل العيش لمتضررى غزة.. وثالثًا إلى التوصل إلى تسوية شاملة للقضية الفلسطينية. 

 

لم ولن تسمح مصر بتصفية القضية على حساب أطراف أخرى، ولم ولن تسمح بنقل بؤرة الاشتعال من الأراضى الفلسطينية فى غزة إلى سيناء.

 

(1)

 

فى قمة الرياض، جددت مصر إخطار العالم برؤيتها التى تقوم على مجموعة من النقاط التى لا حياد عنها.. ولا حلول بدونها.. ولا حلول خلافها.

 

أولًا: الوقف الفورى والمستدام لإطلاق النار فى القطاع.. بلا قيد أو شرط. 

 

ثانيًا: وقف جميع الممارسات التى تستهدف التهجير القسرى للفلسطينيين إلى أى مكان داخل أو خارج أرضهم.

 

ثالثًا: اضطلاع المجتمع الدولى بمسئوليته، لضمان أمن المدنيين الأبرياء من الشعب الفلسطينى.

 

رابعًا: ضمان النفاذ الآمن والسريع والمستدام، للمساعدات الإنسانية.. وتحمل إسرائيل مسئوليتها الدولية.. باعتبارها القوة القائمة بالاحتلال.

 

خامسًا: التوصل إلى صيغة لتسوية الصراع، بناء على حل الدولتين. وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.. على حدود الرابع من يونيو 1967.. وعاصمتها «القدس الشرقية».

 

سادسًا: إجراء تحقيق دولى.. فى كل ما تم ارتكابه من انتهاكات ضد القانون الدولى.

 

السادة الحضور:

لا يجب أن يمر ما حدث دون محاسبة. لا يمكن أن تمر المجازر ضد الفلسطينيين فى الاراضى المحتلة بلا حساب.. ولا جواب.. ولا مسئولين يظهرون للعالم وتتم محاكمتهم وفق الآليات القانونية المعروفة فى تلك الظروف ووفق قوانين محاسبة المتسبب فى الإبادة الجماعية، ووقوفهم خلف قضبان الاتهام.. ثم القصاص منهم كما ينبغى. 

 

لا منطق.. ولا سبب لكل ما يجرى. 

 

لم تعد حجة الدفاع عن النفس تنطلى على أحد. ولا يمكن بأية ذريعة أن يتم توصيف ما يجرى من هدم كامل وقتل بلا تمييز.. وإطلاق قذائف من اللهب بلا حساب على المدنيين.. وعلى سيارات الإسعاف وعلى المستشفيات. 

السؤال هنا واجب.. ولو أن التوقيت غير مناسب: ما الذى استفادته حماس مما جرى للأبرياء؟

إذا كانت حماس قد خطت خطوة جبارة هائلة فى أسر أكثر من 240 إنسانًا ما بين إسرائيلى ومزدوج الجنسية.. وأجنبى للمقايضة بهم لصالح القضية، فكيف تأتى اليوم حماس، وهى التى تبدى رغبتها فى إطلاق الأسرى.. بأقل شروط؟ 

 

السؤال هنا واجب عن خطاب حزب الله، وعن خطاب الهلال الشيعى أيضًا. إذ إن المستغرب أن تظل القوى الشيعية على الحياد، أو ربما تطلق بعض القذائف على استحياء، فيما كانت نفس القوى، حتى حواف ما قبل السابع من أكتوبر الماضى، تدفع فى وجه «السكون العربى» على الافتئات الإسرائيلى على الحقوق العربية والإسلامية فى الأراضى الفلسطينية المحتلة؟

 

غالبًا ما تظهر الأحداث النوايا. أغلب من زايدوا على الدور المصرى، عادوا وأظهروا هم تقاعسًا واضحًا، وتراجعًا شديدًا، مقابل دور مصرى جسور، واضح صريح، فاعل وفعّال فى مواجهة أزمة خانقة، وحملة تدمير ممنهجة. 

 

مرت أيام الأزمة التى زادت على الشهر.. بينما استمرت مصر تحارب وحدها لصالح القضية الفلسطينية.. بينما استمر آخرون فى الكلام والتلويح.. ودمتم.

 

(2)

 

فى قمة الرياض، جددت مصر التحذير من مغبة سياسات أحادية. شددت على أن التخاذل عن وقف الحرب فى غزة ينذر بتوسع المواجهات العسكرية فى المنطقة. قال عبدالفتاح السيسى بالحرف: «إنه مهما كانت محاولات ضبط النفس.. فإن طول أمد الاعتداءات، وقسوتها غير المسبوقة.. كفيلان بتغيير المعادلة وحساباتها.. بين ليلة وضحاها».

 

صحيح.. سعت مصر والعرب فى مسار السلام لعقود وسنوات. تقدمت المبادرات للسلام، أغلب المبادرات كانت شجاعة، وبعضها كان أكثر عملية مما كان يمكن أن يتم التوافق على قبوله. 

 

ظلت مصر هى الدرع الواقية لضبط مسار القضية فى الطريق الذى لا يرضى إلا بحل عادل وشامل.

 

تقاعست الدول الكبرى.. واستمر تقاعسها.. وهى تتقاعس حتى الآن. 

 

أشد صور التقاعس عن ممارسة مسئولياتها فى الضغط على إسرائيل لوقف نزيف الدماء فى غزة.. وعلى باقى تراب الأراضى المحتلة. 

 

أزفت الآزفة، لم يعد هناك بد عن إيقاف سبل الصراع الآن وأن تتوقف حرب الإبادة الآن. 

 

لا القضاء على المقاومة حل، ولا القضاء على المقاومة فكرة يمكن أن تتحقق مهما كانت الظروف، ومهما كانت قوة الطرف المعتدى.

 

المقصود بسبل الصراع هو حل جذوره، وتسوية أساسه، وإرجاع الحق لأصحابه.. بلا بدائل.. وبالمناسبة لا بدائل إلا إعادة الحق وفق شروط إعادة الحق.. ووفق العدالة المفهومة من وراء إعادة الحق. 

 

لن تعيش شعوب المنطقة، بمن فيهم إسرائيل فى معادلة حقيقية للأمن بلا عودة الحقوق، ولا تسوية القضية. 

 

لا سلام بدون منع إجراءات الترويع أو التخويف.

 

لا سلام دون أن تكف آلة الإبادة عن تيتيم الأطفال، وترميل النساء.. ووأد الأبرياء تحت أنقاض المبانى السكنية المنهارة. 

 

أعاد رئيس الدولة المصرية لفت أنظار العالم من الرياض، إلى أنه آن الأوان كى تعود الدول الكبرى إلى مبادئ الإنسانية.. أبسط مبادئ الإنسانية.. فى أن تتسق مسالكها فيما يتعلق بقضايا الإقليم وما يتسق مع ما تنادى به مصر من قيم العدل والحرية واحترام الحقوق. 

لن ترضى مصر إلا بجميع الحقوق.. لا بعضها.

(3)

 

لم يعد يحتمل الوقت مزيدًا من التأخير أو التسويف. غزة انقلبت فوقانى تحتانى بالتعبير الدارج المجازى. آخر الإحصائيات تشير إلى أن 65 % من المرافق الحيوية فى غزة طالها إما القصف أو التدمير أو توقفت عن العمل. 

 

أكثر من 10 آلاف شهيد للآن، نصفهم من النساء والأطفال. صحيح أن إسرائيل أضرت بالبنية التحتية لحركة المقاومة حماس، لكن فى المقابل فإن الإحصائيات تشير إلى كم من الخسائر الكبيرة تكبدها جيش الاحتلال منذ العمليات ضد الفلسطينيين. 

 

يمارس الجيش الإسرائيلى جبروته تجاه عزل بلا سلاح.. ولا حتى مأوى. 

 

انتصرت القضية الفلسطينية إعلاميًا. لمصر الجهد الأكبر فى تفهيم العالم حقيقة الصراع، وتغيير الصورة النمطية التى حاولت إسرائيل ترسيخها عن الموضوع. 

 

تضاف الجهود الإعلامية إلى الجهود المصرية الواقعية على الأرض. عملت مصر على الواقع وبالواقع ووفق الظروف المتاحة والممكنة. لم تقصر القاهرة طوال الوقت، لكن ما زال هناك من يزايد، فى حين يعمل على الأرض ضد القضية. 

 

بعضهم عرب.. بعضهم من غير العرب. لكن تظل القضية محورية.. وما ضاعت طالما كانت القاهرة وراءها.  وتبقى الظروف فى الإقليم مضطربة حتى الحلول العادلة. تمتد الاضطرابات الإقليمية إلى مساحات مترامية على خريطة العالم. لا يجب أن تظن الدول الكبرى أنها بعيدة عن الشرار والنار. 

 

لن تقف حدود وآثار الصراع الفلسطينى على الجغرافيا، إنما الأصل فى التاريخ، والتاريخ يمتد إلى الحاضر.

والظروف المحيطة بالإقليم لن تتوقف على حدود الإقليم بدوافع التاريخ.. ومنطق خرائط السياسة. 

الصراع الفلسطينى واحد من أقدم الصراعات ضمن 6 أكثر اشتعالًا فى العالم. ليس من المتصور استقرار المنطقة من دون حله.. لا حلول مع الانتهاكات المستمرة للقانون الدولى والمعاهدات والمواثيق. 

المطلوب إرادة دولية حقيقية.. آن أوانها، لكن للآن، تظل سياسة الكيل بمكيالين هى المسيطرة على المواقف والأفكار. تخطت الدول الكبرى تلك المعادلة إلى ما هو أكثر.. تخطت بمنح غطاء قانوني وسياسي للاحتلال الإسرائيلى.. استخدمت حقوقًا مصطنعة مثل «الفيتو» فى غير محله وفى غير موضعه. 

لا يتصور عاقل.. أن تستمر تلك الأمور.. ولا يمكن التصور بأن العدالة يمكن أن تنتهى بالبندقية والدبابة.