السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
أنيس منصور وذكريات إحسان وصلاح حافظ!

أنيس منصور وذكريات إحسان وصلاح حافظ!

كانت مجلة «روزاليوسف» والكتابة والنشر فيها إحدى المحطات المهمة فى مشوار الكاتب الكبير أنيس منصور.



لقد فتح الأستاذ الكبير إحسان عبدالقدوس عقب توليه رئاسة التحرير عام 1945 كما أرادت والدته السيدة فاطمة اليوسف، أقول فتح صفحات المجلة لكل الآراء والاتجاهات حتى لو اختلف معها.

وعن هذه التجربة كتب أنيس منصور يقول:

 

عندما اشتغلت فى «النداء» و«الجريدة المسائية» وفى الأهرام كنت حريصا على أن أعمل فى روزاليوسف، وقد كان رئيس التحرير «إحسان عبدالقدوس» شخصية باهرة، أديبا ومحللا سياسيا وفاتن جميلات مصر، وكان رقيقا أنيقًا.

إحسان عبدالقدوس هو أول من قدمنى لقراء روزاليوسف وقراء مجلة الاثنين عندما كان يكتب فيها الصفحة الثانية بإمضاء «سان»، ففى روزاليوسف قدم للمسرحية الوجودية التى كتبتها بعنوان «هروب الملائكة» ترقبوا هذا الشاب الذى هو كوكتيل من «العقاد» و«طه حسين» و«توفيق الحكيم» والفيلسوف الوجودى «سارتر» لا ترفع عينيك عن أنيس منصور، إنه أديب الوجودية اليوم وفيلسوفها غداً، وأدواته الأدبية فى غاية القوة والفلسفة وفى غاية العمق انتظروا نجماً فى السماء، إنه قادم وسيكون حدثا مهما.

وظهرت الترجمة اليونانية والفرنسية والإيطالية لما كتب «أنيس منصور».

 

 

 

 

ويكمل أنيس منصور ملامح ذكرياته فى روزاليوسف بقوله:

«كان إحسان عبدالقدوس رئيس التحرير.. كانت والدته السيدة «روزاليوسف» رئيسة رئيس التحرير (!!) وكان لا يرد لها طلباً ولا يناقشها ولا يختلف معها لأن دماغها ناشفة وشخصيتها قوية، صحيح أن إحسان عبدالقدوس هو ابنها الحبيب ولكن إحسان ليست عنده موهبة إدارية ولا مالية كالتى كانت عند «روزاليوسف»:

وكان إحسان إذا جلس للكتابة فكأنه راهب فى صومعة.. أو كأنه وثنى يدور حول تمثال من الرخام البارد.. هو الرخام البارد الذى يتدفق منه الكلام حارا جميلاً، وكنا نحترم هذه العزلة! فإذا أردنا شيئا ذهبنا إلى والدته، وقفت أمامها مع «حمدى فؤاد» وطلعت يونان نطلب زيادة المكافأة، فقد كنا نتقاضى 12 جنيهاً شهرياً.

وكنت أقول: أنا الذى أنفرد بأخبار الملك فاروق لأن صديقتى سليفانا ماريللى تبعث لى ما تنشره الصحف الفرنسية! وكان حمدى فؤاد قال وطلعت يونان ولكنها وقفت ووضعت يدها فى وسطها وقالت:

 

 

 

 

- الواد ده بس - أنا - وقررت زيادة مكافأتى إلى (16 جنيها)!

وكان يجلس أمام مكتب إحسان عبدالقدوس ضابط برتبة عقيد وقد خلع الجاكتة وراح يرد على القراء فى باب اسمه «جراح قلب» هذا الضابط هو «عبدالمنعم السباعى» مؤلف أغنية «أنا والعذاب وهواك».

رآنى عبدالمنعم السباعى مفرفشا قال لي: عملت إيه مع الست؟

قلت: علاوة «أربعة جنيه»!

قال: إيه يا خويا.. «أربعة جنيه» أنت سحرت لها.. يا نهار أسود رقصنى يا جدع!

وقفز فوق الترابيزة ورحنا ننقر له ويرقص: أربعة جنيه يا أبا دلعنى أربعة جنيه يا أبا جوزنى!!

عندما خرجت السيدة روزاليوسف من الباب ووجدته مندمجا فى الرقص قالت: إيه يا واد أنت وهو المسخرة دى؟

وقال لها عبدالمنعم السباعى: مسخرة.. هو ده حصل فى تاريخ «روزاليوسف» واحد يزيد أربعة جنيه حتة واحدة ومش عاوزانا نسجل هذا اليوم التاريخى يا ست!

ولم تضحك روزاليوسف وقالت: انزل يا واد أقعد اشتغل!

قال: فيه أمل فى علاوة يا ست؟ ردت: لما تموت!

قال: زى بعضه يعنى لما أموت تديها لعيالى؟ قالت: أيوه بس موت!!

وينتقل أنيس منصور إلى حكاية مايسترو الصحافة صلاح حافظ فيقول:

فى ذلك الوقت كان صلاح حافظ يراجع الموضوعات والأخبار ويعيد صياغتها، وكان فى روزاليوسف محرر اسمه «إسماعيل سرى» عمه «حسين باشا سرى».. وكان إسماعيل مثل كل أولاد الذوات يأتى بأخبار الطبقة الأرستقراطية فى نادى الجزيرة، وكان إسماعيل يثور كل أسبوع ويشكو صلاح حافظ لطوب الأرض، وطوب الأرض هم المحررون الذين لا حيلة لهم، فصلاح حافظ، لا يتبع التعليمات التى يكتبها إسماعيل على هامش كل خبر يكتبه!

أما التعليمات فهى هكذا: فى الهامش يكتب (دوس بنزين) أى أن يهتم بالخبر، أو يكتب (دوس شوية) أى بعض الاهتمام ثم يكتب هذه التعليمات: كلك نظر يا ابوصلاح البنت حلوة ولبسها شيك أوعى تغلط فى الألوان وإلا أصبحت فضيحة، أرجوك يا صلاح ولك الحلاوة!

ويصدر عدد روزاليوسف فنجد إسماعيل على ريق النوم.. فى روزاليوسف بالقميص والبنطلون، أى أنه نزل غاضباً لدرجة أنه نسى الكرافتة والجاكتة ونسى يحلق ذقنه وبدلا من أن يضع كولونيا فاخرة وضع كولونيا (555) وفى اجتماع التحرير يكون «إسماعيل سرى» أول المتكلمين.

أنا قلت يا أستاذ إحسان يدوس جامد، داس شوية، وقلت له: خد بالك من الألوان.. أودى وشى النهاردة فين؟ هل معقول «توتو» ترتدى بلوزة زرقاء وجيب خضراء هل هذا معقول.. ليه هى خدامة.. وبعدين هل معقول أن تلبس جزمة كعب عالى فى نادى الجزيرة صباحاً وهى رايحة تاخد حمام؟! أنا حاأقدر أدخل النادى تانى شوفوا حد غيرى يغطى أخبار نادى الجزيرة!

وفى يوم كنا معاً: مأمون الشناوى وكمال الطويل وصلاح حافظ وأنا، عندما دق الباب ودخل رجال المباحث واختطفوا «صلاح حافظ» المفكر الشيوعى المهذب الفنان المضىء العقل الجميل الروح وذهب إلى غياهب السجون تسع سنوات.

 

 

 

ويوم خرج جاءنى فى أخبار اليوم بالأحضان والقبلات فهو من أحب وألطف المفكرين فى مصر تختلف معه ولكن تبقى محباً له وجلس صلاح حافظ على المقعد ورفع قدميه فى الهواء ونشر ذراعيه وقال: 9 سنوات وأنا أحلم بأن يجىء يوم وأرفع قدمى عن الأرض لم يحدث تسع سنوات فلا مقاعد ولا مكان تستطيع أن تنشر فيه ذراعيك دون أن ترتطم بالحائط.

وكلما انفتح باب مكتبى ارتعد صلاح حافظ قلت له: فى السجن داسوا جامد؟! قال: داسوا؟ فعصونى فأنا البقية الباقية من صلاح حافظ!

وللذكريات بقية!