الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
يقتلونهم.. ولا يموتون

يقتلونهم.. ولا يموتون

هذه ليست حربًا. فللحروب أصول. 



للحروب معاهدات دولية وبروتوكولات متعارف عليها تعمل وقت الأزمات وفى الكوارث.. فى الاشتباكات الحربية.. لكن ما يحدث فى غزة هى حملة إبادة غير إنسانية للفلسطينيين بحجة القضاء على حماس.

هل يمكن لأى أحد القضاء على مقاومة، بعدما سرق المعتدى الأرض، ورهن البيوت، ودمر المزارع ويتّم الأطفال، ثم استهدف بقنابله الصغار؟

يعرف الإسرائيليون قبل الفلسطينيين أن القضاء على المقاومة لن يتحقق.

وحماس ليست وحدها المقاومة.. ولو حدث وقضت إسرائيل على حماس، فإن الأجيال المقبلة ممن شهد هذه المأساة الإنسانية سوف يخرج من بينهم ألف حماس وحماس.

(1)

إسرائيل تتخبط.. وكثير من دول أوروبا سوف تغير خطابها تجاه حرب الإبادة تلك. 

آخر التقارير عن حادث فرنسا الأخير تقول إنه ربما كانت له بواعث «ضد السامية». وضد السامية هو المصطلح إياه الذى خلقته إسرائيل لمحاولات التخفى من كراهية مبررة. الشابة التى وجدت مقتولة فى بيتها يهودية، والقاتل كما قالت السلطات فى باريس «كان عنده بواعث انتقامية مرتبطة بالأحداث فى غزة».

فرنسا الرسمية بدأت فى تغيير تعبيراتها فى البيانات الرسمية ضد إسرائيل بجهود مصرية. منذ يومين استخدمت الخارجية الفرنسية لفظ «إدانة» لأول مرة بعد قصف الجيش الإسرائيلى لأحد المعاهد الفرنسية التعليمية فى غزة.

وقعت فرنسا فيما كانت تراه.. ولا تعترف به. وتساءل الرأى العام فى الشارع الفرنسى: ما علاقة معهد تعليمى أنشأته فرنسا وموّلته فى غزة بالحرب؟ وما دخل المعهد والدارسين فيه بحماس؟ قالت فرنسا: إنها أرسلت إلى تل أبيب تستفهم عن السبب فى قصف المعهد. طلبت باريس ردًا شافيًا.. وسريعًا. 

لكن لا إسرائيل ردت.. ولن ترد. 

فإسرائيل التى تضرب المستشفيات، وتضرب المرضى وسيارات الإسعاف، بلا مبرر، وتضرب الجرحى بلا جريرة.. لا يمكن أن تجد ما تقوله لقصفها معهدًا تعليميًا توعويًا.. أغلق أبوابه بعد بدء حملة الإبادة على الفلسطينيين.

فى بيان ثان.. عادت باريس للتأكيد على قلقها من ارتفاع عدد الضحايا فى غزة.. وتدهور الوضع الإنسانى فى القطاع. 

أدانت باريس استهداف مبانى «الأونروا» والمبانى الأممية والعاملين فى مجالات الإغاثة الذين لم يعد لهم بد من التواجد فى غزة.. تحت طائلة أبشع الظروف وأخطرها. 

لم يكن من المتصور أنه يجب أن تنتظر فرنسا أو أى دولة أخرى أن يقع الشهداء بألوف.. حتى تبدأ تغيير اللهجة.. أو الإشارة من بعيد بألفاظ الإدانة على ما يحدث.

على كل، وإذا كانت الإدانة واجبة، فإن هناك ما يجب أن يتخطى الإدانة، وأن يتعدى مجرد التنديد.

ضمير العالم يتحرك.. بينما حكوماته ما زالت ساكنة. لا يتحرك فى الأحداث الأخيرة إلا مصر.. ولا مواقف إلا لمصر.. وهكذا مصر دائمًا.

هذا الكلام لا يحمل أية مبالغات، ولولا الدور المصرى ما دخلت المساعدات غزة، ولا كان الجرحى الفلسطينيون قد بدأ بعضهم فى الخروج من القطاع أو من رفح للمستشفيات.

 

إسرائيل تترك الخراب وراءها فى غزة
إسرائيل تترك الخراب وراءها فى غزة

 

(2) 

بعضهم على مواقع التواصل.. كالعادة فى المواسم والمناسبات، بدأ نغمات حنجورية، وبدأ رجالة الكلام يطلعون من هنا أو هناك.

رجال الكلام كثيرون.. لكن بالقول لا بالفعل.. لا عمل فى مثل تلك المواقف إلا لمصر. لذلك تداول بعض النشطاء على تويتر السؤال: يعنى إيه القومية العربية؟

الإجابة كانت بمزيج من السخرية والألم: يعنى إن مصر تشيل الليلة وحدها!

المعنى واضح.. وتاريخ مصر فى القضية الفلسطينية واضح.

مواقف مصر لا تقبل المساومات ولا المزايدات. والحلول ليست دائمًا لدى مصر وحدها.. رغم أن مصر وجهود مصر وقرارات مصر وقدرات مصر دائمًا فى الصدارة.

عادتهم ولا هيشتروها؟ 

اعتدنا على مواقع التواصل خروج مزيد من الحنجورية ورغاة الكلام فى الأزمات. وبعض الكلام لو تعلمون سخام. لكن على مين؟

ما علينا.. دعك من الحناجرة والجيش الإسرائيلى يتخبط وهو يتحرك على محاور غزة فى حرب صمد فيها المقاتلون الفلسطينيون من بيت لبيت ومن شارع لشارع.

بثت حماس لقطات لملثمين يخرجون من عيون الأنفاق ليواجهوا الدبابات الإسرائيلية فى بيت لاهيا وبيت حانون وعلى امتداد طريق معبر أيريز من المسافة صفر.

المسافة صفر تعنى رجلًا فى مواجهة دبابة.. بلا وسيط ولا حائل. المعنى كبير.. ومعنويات الأفراد فى الجيش الإسرائيلى فى الحضيض كما تقول الأنباء وتنقل الأخبار. 

للآن لم تقترب قوات إسرائيل من محور صلاح الدين مع أنه الأهم وهو المركز وهو المنطقة الأخطر.

لو دخلت الدبابات الإسرائيلية وسيطرت على محور صلاح الدين بطوله فقد أنهت العمليات لصالحها. لكن إسرائيل تعرف أن المحور بعيد عن شاربها.. وأن المقاومة الفلسطينية صنعت لها الأفخاخ على طول صلاح الدين وأجنابه.

اعترفت إسرائيل أنها تخسر كل يوم الكثير من جنودها.. ومليارات الدولارات.

وما يبدو من العملية البرية الآن أن قادة الجيش الإسرائيلى يقولون كلامًا بينما ما يجربه جنودهم وضباطهم على الأرض كلام آخر.

مشاهد القوات الإسرائيلية وهى تتقدم فى غزة مليانة خوف وقلق. الجنود الإسرائيليون خائفون رغم أنهم يجتاحون بدبابات طرقًا دمرتها قبل عبورهم الطائرات. على حد قول غسان شربل فى مقال رائع الأسبوع الماضى: يقتل الإسرائيليون الفلسطينيين لكن الفلسطينيين لا يموتون.

الإسرائيلى لم يعد واثقًا من الانتصار. أو هو يعرف بعد 7 أكتوبر أنه لا انتصار لأن الفلسطينى لم ينس.. ولن ينسى.

قصف الجيش الإسرائيلى نهار الجمعة قافلة إسعاف كانت فى طريقها بجرحى إلى مصر. عادت الطائرات وقصفت القافلة مرة أخرى فى طريق عودتها. ثم قصفتها مرة ثالثة عندما وصلت إلى مستشفى «الشفاء».

ناطق إسرائيلى قال إنه يجرى التحقيق فى قصف سيارات الإسعاف.. لكن هيحققوا فى إيه ولا إيه؟

إذا لم يكن من اللائق اعتبار هؤلاء الإسرائيليين بنى آدمين.. فإنه من غير المتصور أن يكون الإسرائيلى بسذاجة الاقتناع بأنهم هكذا يمكن أن يغلقوا ملف القضية الفلسطينية!

لا يمكن.. وليس صحيحًا.. ومزيد من السذاجة لو صدقوا هذا الكلام الفارغ. 

(3)

العالم الآن أمام قاتل متسلسل اسمه نيتنياهو ومعه وزير الدفاع يوآف جالانت. كل قادة إسرائيل مجرمو حرب، لأن ما فعله الجيش الإسرائيلى فى غزة أكبر من حرب إبادة.. وأكبر من كونها آلة حرب شديدة الوحشية على طريقة حيوانات الغابة. 

تعهدات جالانت بالانتصار كلام فارغ.. أى انتصار يمكن أن يحدث؟! 

حماس ردت على جالانت بتأكيدها على هزيمة جيشه.. وهو ما يحدث الآن على الأرض.

رغم اللاإنسانية تجاه مواطنين عزل، فإن إسرائيل تعيش أسوأ أيامها. قال جالانت إنهم سوف ينتصرون ولو استمروا فى وحشيتهم سنة. 

لن يصمد الجيش الإسرائيلى سنة.. لكن الفلسطينيين ممكن أن ينتظروا ولو ألف عام. الأنباء الآتية من إسرائيل تقول إن المقاومة ستجعل الأيام المقبلة لجيش الاحتلال صعبة.

لم يعتد الإسرائيليون القتال من مسافة صفر. لم يعتادوا القتال رجلًا لرجل.. أو حتى بندقية لبندقية.. لكن الفلسطينيين يواجهون الميركافا بلا سلاح.. ملثمين. 

تريد إسرائيل أن تصل إلى قادة المقاومة.. قالت إنها تريد أن تقتل المزيد.. وتصل إلى السنوار وتقتله، لكن مرة أخرى، من قال إن قتل السنوار حل، أو أن مقتل أبو حلقة يمكن أن يضيف ماء المحاياة لدولة الاحتلال. 

دمرت المقاومة أكثر من 30 آلية عسكرية لجيش الاحتلال فى غزة.. وأكثر من دبابة وجرافة وعربة نقل جنود.  الاختلال يضرب جيش الاحتلال. وما تتصوره إسرائيل حلولًا.. ليست إلا مزيدًا من غرز أرجلها فى الوحل والطين، بينما تبقى قضية فلسطين.