الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
دولــة لا تُمــس.. ولا تُقهــر

دولــة لا تُمــس.. ولا تُقهــر

صحيح ومؤكد ولا جدال فى أن مصر دولة كبيرة رشيدة قادرة.. لا تُمس ولا تُقهر.



فى تفتيش حرب الفرقة الرابعة المدرعة الأسبوع الماضى ظهرت القدرة الرشيدة لجيش رشيد. 

جيش دولة لا تعتدى.. فيما تحوز فى الوقت نفسه الكفاءة والقدرة على حماية الحما وصون الثغور.  تعمل مصر وفق ثوابت وأخلاقيات.

 

العمل والتنمية أولًا.. بالتوازى مع صون الأرض.. والتعامل بحذر مع معادلات سياسات إقليمية ودولية، لا تخلو من مكائد، ولا تتوقف عن المؤامرات. 

كل خيوط المعادلات وكل قياس الخطوط فى عقل رئيس الدولة المصرية.. بالورقة والقلم.. وبالأرقام.. وبالإحاطة لما فى الكواليس.. وما تحت الطاولات.. وحتى ما يدور فى الأفنية الخلفية. 

مرة أخرى، نظرة سريعة على خريطة المنطقة، الملتهبة فى الشرق والغرب والجنوب، تعرف أين تقف مصر، وتعرف قدرة مصر، وتعرف أيضًا ملامح الستر الإلهى لتلك البقعة من الأرض. 

 (1) 

لا تدخل الدول مراحل الاستقرار بالحظ، ولا تستمر فى طريق التنمية بالصدفة. 

لم تستعد مصر مكانًا ومكانة بعد مرحلة ما بعد 2011 وحتى 2013 إلا بالعمل والخطة.. والقيادة الوطنية، والتفكير للمستقبل وفق فهم جيد لمعادلات السياسة والطموحات الإقليمية شمالًا وشرقًا وغربًا، ووفق مفهوم حقيقى عملى لمعنى التنمية والبناء. 

فى مؤتمر اتحاد الصناعات أرسل عبدالفتاح السيسى رسائل طمأنة للداخل المصرى.. ورسائل تحذير للخارج. مصر دولة ذات سيادة، لا تُمس، ولم تُمس، ولن تُمس.

ومصر.. لم يحدث أن وقفت ساكنة أو عاجزة عن صون كرامتها وهيبتها وأرضها فى كل ما دخلته من معارك على مر التاريخ. 

هى مصر التى استعادت الهيبة فى حرب أكتوبر عندما شعر المصرى أن كرامته مُست وأن أرضه سُلبت. لذلك.. فالمعهود أنه عادة ما يرد المصرى الصاع صاعين، والضربة ضربتين.. والبادى أظلم.

(2)

تتعقد وتتشابك خريطة المنطقة فى الظروف الحالية.

 لم تتوان مصر عن الزود عن حق ذاتى أو حق عربى، وفق ثوابت شريفة، ووفق أطر سليمة وحاسمة.. تحددها هى وترسمها هى وفق المقتضى. 

على رأس الدولة المصرية قيادة سياسية وطنية شريفة فى زمن عز فيه الشرف، وعزت فيه كلمة الحق، وعز فيه أيضًا لدى بعضهم ولو أدنى المشاعر الإنسانية.. الآدمية.

لم تتوان مصر عن الدفع نحو حلول عادلة للقضية الفلسطينية. لم تتوقف مصر عن الحرب وقت الحرب، وعن إدارة السلم وقت السلم.. وعن إدارة السياسة فى عصور التفاوض. 

تنطلق مصر فى سياستها تجاه القضية الفلسطينية، من منطلقات لم تتغير.. ولن تتغير. 

حقوق الشعب الفلسطينى فى أرضه، وفى العودة، وفى الدولة، وفى القدس. 

تجرى فى المسألة الفلسطينية مياه كثيرة، فى أنهار كثيرة. وتحمل مصر عن الشعب الفلسطينى آلامه.. ومعاناته..  وتحمل عن بعضهم أوزارهم أيضًا. 

فى مؤتمر اتحاد الصناعات قال عبدالفتاح السيسى: «ما حدش يقدر».

 الرسالة شديدة الوضوح.. إذ إن جرّ مصر إلى ما لا تريده لن يحدث ولا يمكن أن يكون مطروحًا من الأساس. تعرف مصر أين تضع أرجلها، وتعرف أيضًا ما لا يمكن أن تحيد عنه من ثوابت. 

حقوق الشعب الفلسطينى أهم الثوابت المصرية. وفى الأزمة الدائرة استطاعت مصر وضع القواعد.. وأرغمت العالم على إقرار دخول المساعدات للفلسطينيين.

الدور المصرى إيجابى.. الآن وفى القادم.. ومنذ بدأت القضية الفلسطينية.. وبلا مزايدات. 

 لا حلول تراها مصر إلا وفق العدل والشرعية.. لذلك كان التحذير من اتساع نطاق الأزمة لو استمرت.. أو إذا أراد لها بعضهم أن تتوسع. 

أروقة الإدارة المصرية منذ اندلعت الأزمة فى 7 أكتوبر خلية نحل. جهود كبيرة لأجل الاستجابة إلى مطالب ومتطلبات أكثر من 2 مليون فلسطينى فى غزة تحت الحصار دون ماء أو وقود ودون زاد أو زواد، ودون حتى مواد طبية ودون أدنى مستلزمات الإسعافات الطبية.

ترى القاهرة أن ما أدت إليه جهودها بالتوصل إلى استدامة إدخال 20 شاحنة يوميًا للقطاع لا يكفى. تعمل مصر على المزيد من المساعدات، ومزيد من الجهود لإيقاف حملة الإبادة على شعب فقير بلا سلاح.. ولا قدرة على الاستمرار فى الحياة. 

لكن المؤكد أن الفلسطينيين سوف يستمرون.. وسوف يصمدون.. ولن يرحلوا عن الأرض. (راجع حوار السفير الفلسطينى ص 23).

(3) 

بينما تمر الأيام شديدة الصعوبة على الفلسطينيين فى الأراضى المحتلة بسقوط أكثر من ثمانية آلاف شهيد معظمهم أطفال.. وأصيب أكثر من 30 ألفًا حتى الآن.. فإن الفلسطينيين قادرون، بينما فى المقابل تتهاوى إسرائيل.. ويتهاوى نتنياهو.. وتتهاوى آلة الحرب الإسرائيلية رغم ما لها من تجبر وما لديها من جبروت.

لا تبدو الأمور فى الداخل الإسرائيلى سهلة يسيرة، فقد قضت هذه الأزمة على حكومة نتنياهو وعلى نتنياهو وعلى كل الصقور فى إسرائيل. 

انهار أى مستقبل سياسى لبنيامين نتنياهو. 

حتى والفلسطينيون يسقطون من قنابل لا إنسانية إسرائيلية.. فإن المواطن الفلسطينى يرسم بسقوطه أمام القذائف تأكيدًا بأنه لا حل إلا فى حصول الشعب على حقه.. وأرضه. 

تترنح إسرائيل من الداخل، ويترنح نتنياهو الذى تحاصره مطالب أسر أكثر من 250 إسرائيليًا فى حوزة الفصائل فى غزة. 

لجوء إسرائيل لعملية برية شاملة، سوف يغرس أرجل إسرائيل فى الدماء أكثر.. و«يغرزها» فى مواجهة لن تحقق منها مكاسب.. أكثر ما تحقق فيها المزيد من الدماء المراقة.. والارتدادات العكسية على إسرائيل نفسها أيضًا.

أمريكا ما زالت تطالب نتنياهو بتحديد معنى «النصر» من اجتياح غزة. 

يقول نتنياهو إنه يريد القضاء على المقاومة. لن يستطيع نتنياهو، ولا غيره القضاء على مشاعر وثوابت التمسك بالأرض والعرض.

الذى يجب أن يحدث كحل وحيد هو تسوية عادلة حقيقية للقضية الفلسطينية، وفق المبادرة العربية.. ووفق قواعد ونصوص القانون الدولى والإنسانى. 

حذرت مصر من تداعيات الصراع، ومن امتداده وتوسعه، وبينما الأطفال والنساء الفلسطينيون فى غزة يواجهون النيران عُزّلًا بلا دواء ولا مأوى، يزيد الخناق على إسرائيل ونتنياهو وإدارته وحكومته.. وقيادات جيشه. 

يعمل نتنياهو على حرب طويلة فى غزة، لكن ما يحدث ليس حربًا، إنما هو قتل عزل وأطفال وشيوخ بلا هوادة ولا رحمة ولا ذرة من ضمير. 

لا يمكن أن تستقيم حملة إبادة مثل تلك.. فسوف تأكل النار من يمسك المشاعل.. كما يقول المثل الإنجليزى. 

ثم إن هذه ليست حربًا.. إنما هى عمليات إبادة، لن يتحمل تداعياتها الساسة فى إسرائيل نفسها. 

آخر استطلاعات الرأى فى تل أبيب تُحمّل القادة والساسة ونتنياهو المسئولية عما حدث من هجوم وعن تهاوى نظرية الأمن الإسرائيلى وعن الرهائن.

آلة الحرب الإسرائيلية لا بد أن تتوقف الآن قبل غد، والإدارة الأمريكية رغم كيلها بأكثر من مكيال بدأت تشعر بالقلق الذى يصل إلى مرتبة الذعر من افتقار إسرائيل الحقيقى إلى أهداف قابلة للتحقيق فى غزة. 

نشرت الصحافة الأمريكية أكثر من تقرير نقلًا عن مسئولين قالوا إنهم لم يتعرفوا على خطة إسرائيلية قابلة للتحقيق من استمرار القصف على غزة.

ألمح الرئيس بايدن علنًا فى خطاب إلى عدم «الوضوح بشأن الأهداف.. وضرورة التقييم الحقيقى للمسار الإسرائيلى».

مصر هى الدور المحورى فى المنطقة وفى الإقليم. الجهود المصرية مستمرة فى ممارسة ضغوطها لإيقاف آلة الحرب على المدنيين.

مصر مستمرة أيضًا فى كل ما تستطيع فعله انطلاقًا من تحذيراتها من تداعيات توسع الحرب.. ومن تداعيات استمرارها. 

مصر تعرف الواقع أكثر.. وتفطن إلى المتاح.. وتدرك الممكن وتختبر المفروض. 

لابد أن يستمع العالم إلى مصر لأن الحرب لن تحل القضية.. ولأن الفلسطينيين لن ينسوا.

قبل أيام، نشرت الصحافة الأمريكية تقريرًا عن عملية لوحدة عمليات خاصة أمريكية حاولت استكشاف أماكن الرهائن فى غزة وربما إنقاذهم. 

انتهت العملية بالفشل الذريع بعد تعرض الوحدة لإصابات شديدة وفادحة.. وفق ما نقلته الصحافة عن العقيد الأمريكى المتقاعد ماك جريجورى.

الاضطرابات الداخلية فى إسرائيل تجعل آلتها العسكرية على شفا جرف هار. وتجعل إسرائيل على شفا كارثة كبرى.. هى بالفعل دخلت أولى حلقاتها. 

الأزمة السياسية فى الداخل تأكل جسد إسرائيل.. فى اضطرابات متعددة الأطراف ستنفجر فى أى وقت فى وجه نتنياهو.. وفى وجه أى نتنياهو آخر وكل نتنياهو فى إسرائيل.

الثقة فى قيادات الجيش الإسرائيلى تراجعت، وهناك تمرد شديد بين أعضاء حزب الليكود نفسه.. وكل الأحزاب اليمينية.. وغير اليمينية.

صحيفة يديعوت أحرونوت فى استطلاع نشرته كشفت أن 75 % من الإسرائيليين يحملون نتنياهو مسئولية الفشل الذى منيت به الدولة العبرية. تقول التقارير الإسرائيلية أن أكثر من 3 وزراء فى حكومته يفكرون فى الاستقالة.

استطلاع رأى آخر نشرته «معاريف» كشف عن أكثر من 80 بالمئة من الإسرائيليين يعتقدون أن الدولة الإسرائيلية فى كارثة.. وأنها مستمرة فى الطريق إلى الكارثة.

أما «نيويورك تايمز» الأمريكية.. فقالت إن الذى حدث فى إسرائيل كان انهيارًا كاملاً للثقة بين المواطن والحكومة. 

إسرائيل تعيش ما يمكن تسميته بالفوضى السياسية والحكومية. والمؤكد أن عامل الوقت دائمًا ما يلعب ضدّ المصالح الإسرائيليّة فى حروبها مع العرب. 

لذلك فإن مصر تحذر.. وتقدم الحلول.. وتفعل الجهود.. وفق تأكيدات بأنها لن تنسى القضية الفلسطينية.. وأنها لن تتوقف أبدًا عن أن تكون السند الحقيقى.. بالفعل لا بالكلام.. وبعيدًا عن الشعارات .. وبغض النظر عن أهل الشعارات.