الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
قول مصر الفصل.. والطريق والطريقة

قول مصر الفصل.. والطريق والطريقة

ويتكرر المشهد من جديد. تتكلم مصر.. ليستمع العالم.



فى مثل هذه الظروف الدولية، عادة ما تتكلم مصر.. ويستمع العالم. 

فى قمة السلام، أعادت مصر تلاوة ثوابتها. مصر أكثر دراية بالقضية الفسطينية، وبحلول القضية الفلسطينية.. وبمعاناة الشعب الفلسطينى.. وأهل مكة أدرى بشعابها. 

قالت مصر القول الفصل: لا حلول لقضية الأرض المحتلة على أراض أخرى.. أو فى أماكن أخرى.  تبقى القضية «أرض وناس ومدينة مقدسة».

تبقى الحقوق فى الأرض، وفى العودة، وفى القدس. لا مجال لأى معادلة أخرى، لتبديل الأراضى، ولا مجال لاستباحة الأمن القومى أو سيادة دول الجوار. 

لا سيناء، ولا الأردن، إذ إن فلسطين للفلسطينيين، وعلى أصحاب الأرض أن يبقوا على الأرض.

انعقدت قمة القاهرة للسلام فى ظروف تمتحن إنسانية العالم. لا يجوز لأحد الحديث الآن، مع بشاعة القصف الإسرائيلى لغزة عن ما يسمى بحق الدفاع عن النفس، أو حق الثأر. 

لا تمارس إسرائيل أى نوع من أنواع الحقوق.. تمارس إسرائيل جرائم ضد الإنسانية، وسوف تخرج أجيال فى المستقبل، ربما من إسرائيل نفسها، تعفر وجهها فى التراب نادمة عما اقترفه الآباء والأجداد من مآس متعمدة.. ودماء مراقة.. بلا حساب.. ولا سبب. 

صحيح فى البدايات، غلبت المغامرة على روح المقاومة لدى بعضهم، إلا أنه حتى فى مثل تلك الظروف لا يجوز ممارسة عقاب جماعي على أبرياء وأطفال ونساء وشيوخ فوق الأرض.. بينما قادة المقاومة فى الأنفاق.. تحت الأرض. 

تعمل إسرائيل على تغيير المعادلات مع تغيير الخرائط. لن تقبل مصر، ولن يقبل المصريون.. مظاهرات التأييد لعبدالفتاح السيسي دعمًا لوجهة النظر المصرية فى قمة السلام، وتصورات القاهرة للحلول منذ اندلاع الأزمة الأخيرة فى غزة إشارة. 

يكيل العالم بأكثر من مكيال.. لكن مصر عبدالفتاح السيسي قدها وقدود، لن يفلح المخطط هذه المرة، كما فشل فى مرات سابقة، وكما فشل بعد أن كاد إخوان الإرهاب يشرعون فى تنفيذه، وقتما كان مرسى الجاسوس على كرسى الحكم. 

(1) 

انعقدت قمة السلام فى أوقات صعبة، تمتحن إنسانية العالم قبل مصالحه. انعقدت قمة السلام فى وقت لاختبار عمق الإيمان الإنسانى بقيمة النفس البشرية، وحقها فى الحياة.

مثل تلك الأوقات والظروف الصعبة تختبر المبادئ التي تدعى الإنسانية أنها تعتنقها.. لذلك فإن تلك الظروف والأوقات الصعبة تضع إنسانية العالم على المحك.. وتفرض التساؤلات وتستدعى الفحص.  تضع مصر العالم أمام نفسه، وتضع دول العالم أمام مسؤولياتها. 

لابد فى تلك الأوقات العصيبة أن يوضع العالم أمام مسؤولياته، وأن توضع الدول الكبرى أمام ولو أدنى مبادئ الإنسانية. 

لا يمكن على أى وجه من الأوجه تأويل استهداف أو قتل أو ترويع المدنيين الأبرياء فى فلسطين تحت أى مسمى.. أو بأية حجة. 

لا حجج فى القتل العمد.. ولا مسوغ لجرائم الحرب. ولا تأويلات يمكن أن تبرر وقوف العالم متفرجًا على كارثة إنسانية يتعرض لها أكثر من مليونى فلسطينى فى قطاع غزة. 

لعبت مصر، وكالعادة، منذ اللحظة الأولى الدور المحورى لإيجاد الحلول، وإيقاف التصعيد بقوة مفرطة على أبرياء فلسطين. 

كعادته كان الموقف المصري الصلب.. لم يثن مصر ضغط، وقادت جهودًا كثيفة ومركزة وشاقة لإدخال المساعدات الإنسانية إلى مواطنى غزة.

لكن يبقى الوضع ملتهبًَا.. وتبقى جرائم الحرب فى تلك البقعة من أرض هذا الكوكب شاهدة على اعتداءات فاقت كل الجرائم المتصورة.

لا يمكن لتلك الجرائم أن تستمر، لذلك أعادت مصر فى قمة السلام تلاوة ثوابتها برفض تفريغ القضية الفلسطينية من مضمونها، بتهجير قسرى للفلسطينيين، ناهيك عن رفض سياسى وشعبى لأفكار مطروحة لا يمكن بأى حال من الأحوال أن تؤدى إلى حلول.

الأزمة أن هناك من ما زال مُصرًا فى الإقليم، وفى العالم على أن القضية الفلسطينية ممكن أن تسكت، أو محتمل لها أن تموت.. بالوقت.. وبالتغيرات على الأرض. 

هذا ليس صحيحًا.. ولا منطقيًا.. ولا عمليًا. 

والأزمة الأخيرة إشارة شديدة الحدة على أن الوقت قد حان كى ينبذ هؤلاء الأوهام التي ربما اعتقدت أن الوضع القائم فى الأراضى المحتلة بهذا الشكل وبتلك الكيفية قابل للاستمرار. 

الأزمة الأخيرة دليل صريح تتهاوى معه أوهام من يعتقد أن الإجراءات الأحادية الإسرائيلية على الأراضى المحتلة، والاستيطان، وتدنيس المقدسات، ومحاولات خلع الفلسطينيين من قراهم وهدم بيوتهم، ومصادرة القدس منهم هو وضع يمكن أن يستديم ويقبل ويعمل به. 

كل هذا ليس صحيحًا.. لأنه وضع لن يستمر.. ولن يكون مقبولاً إذا استمر. 

 

 

 

(2)

دفعت مصر ثمنًا هائلًا من أجل السلام فى هذه المنطقة، بادرت بالسلام عندما كان صوت الحرب هو الأعلى، ولما حاربت، انتصرت، ودعت لحقوقها وحقوق باقى العرب والفلسطينيين وفق تسويات عادلة.  حفظت مصر عهودها بالسلام، وحافظت عليه وحدها، فى زمن المزايدات الجوفاء. بقيت مصر شامخة الرأس، تقود المنطقة نحو التعايش السلمى القائم على العدل وعلى احترام الحقوق وعلى مرجعيات القانون الدولى.. والمبادئ الإنسانية. 

ثوابت مصر ومبادئها ثابتة لا تتغير.. ومواقفها لا يكمن تأويلها على أى محمل سوى الجد لأجل الحقوق العربية المشروعة. 

لذلك لن تكون أى حلول ناجزة وحقيقية للقضية الفلسطينية إلا وفق العدل.. والإنصاف. 

قالت مصر كلمتها مرة أخرى فى قمة السلام، حل القضية الفلسطينية ليس فى التهجير، ولا فى إزاحة شعب بأكمله من مكانه.

الحل فى العدل، والعدل فى حصول الفلسطينيين على حقوقهم فى دولة مستقلة على أرض تاريخية.

أى محاولة لمواءمات أخرى، لن تجدى نفعًا.. وأى فكرة بديلة عن حلول بديلة، وفق نظريات الأفنية الخلفية، ليس فقط لن تجدى، إنما لن تحول دون اتساع أمد وشكل ومساحة الصراع بما يهدد استقرار المنطقة.. ومن تهديد المنطقة، إلى تهديد الأمن والسلم الدوليين.