الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
أنيس منصور وقصة الأميرة «نسل شاه»!

حكايات صحفية

أنيس منصور وقصة الأميرة «نسل شاه»!

وفى جريدة الأهرام عاش أنيس منصور قريبًا من نجوم الصحافة فى ذلك الوقت، كان يقرأ لهم فأصبح زميلا لهم، وله معهم حكايات طريفة وذكريات لا تنتهى!



كان الكاتب الكبير أحمد الصاوى محمد على رأس هؤلاء النجوم، فهو صاحب المقال الشهير «ما قل ودل» وصاحب ورئيس تحرير مجلة «مجلتى» الشهيرة.

 

ويحكى أنيس منصور عن تلك الأيام عندما التحق بالأهرام سنة 1950 فيقول:

«فى يوم استدعانى الأستاذ الصاوى الذى تذوقنا من قلمه طعم الأدب الفرنسى وجمال الحياة الباريسية، وكنا نحلم بالأماكن التى يذكرها وما لا نهاية له من أسماء الطعام والشراب، وكان يبهرنا بقصصه وملخصاته، إنه يطل علينا من عالم أوروبى غريب، ولم نعرف الدنيا الحديثة بعبارة سهلة إلا من الذى كتبه الأستاذ «الصاوى» وبعضنا كان يتابع مجلته التى اسمها «مجلتى»، قرأت للصاوى قبل أن أقرأ لرفاعة الطهطاوى «تخليص الإبريز فى تلخيص باريز». لقد كان  الصاوى أجمل وأمتع و أروع!

 

 

 

ويكمل أنيس منصور سبب استدعاء الصاوى له قائلا: لقد قرر أن يصدر مجلة اسمها «الشهر» يرأس هو تحريرها وأكون سكرتير التحرير مع اثنين من الفنانين هما «عبدالسلام الشريف» و«حسن فؤاد»، وكان مقر المجلة فى الشقة التى كان يملكها «بشارة تقلا» فى عمارة إيموبيليا، والشقة غرفتان، غرفة خاصة بالأميرة وهى السيدة لطيفة العبد، ويجلس فيها الأستاذ الصاوى فى غيابها، والغرفة الثانية هى التى تجلس فيها وهى أقرب إلى غرفة التعذيب، لأجد جدران الغرفة كلها لمبات قوية جدا، ولذلك كنا ندير لها ظهورنا وليس هذا هو المهم!

المهم أننا كنا نذهب بالقميص والبنطلون، فأصدر الأستاذ الصاوى فرمانا بأن نرتدى بدلا ومن لون خاص رمادى نحن الثلاثة وسوف يهدينا الكرافتات والجزم، وهذه البدل لا نرتديها إلا إذا جاءت الأميرة.. البدل فصلناها فى محل يفصل بدل الملك «فاروق» فى ميدان الأوبرا، ولابد أن نصافح الأميرة وأن ننحنى لابد يا فلاحين.. هكذا يقول لنا!

وقد اعتدنا على أن تكوى «البدل» ونلفها فى ورق ونضعها عند نهاية كل شهر على مكاتبنا احتجاجا على أننا لم نتقاض مرتبنا ومعها بدلة رابعة هى بدلة الساعى!

وحرضنا الفنان حسن فؤاد على ألا نرتدى البدل ولو مرة واحدة إذا جاءت الأميرة، وجاءت ولم تستنكر الأميرة أن يخرج القميص من بنطلون «عبدالسلام الشريف» وأن يكشف «حسن فؤاد» عن الشعر فى صدره وذراعيه، وعن سقوط زرار من قميصى، أما الذى ظهر عليه الضيق والقرف فهو الأستاذ «الصاوى» وخرجت الأميرة ويسألنا الصاوى: إيه يا غجر اللى إنتو عملتوه ده؟!

 

 

 

وكان رد «حسن فؤاد»: على قد فلوسك يا أستاذ وهذه استقالتنا الجماعية!

قرأها الصاوى وضحك وقال: قطعوا الاستقالة حالا.. فيه فلوس!

فيه أموال سوف أدفعها لكم الآن، انتوا بقى لكم شهرين لم تقبضوا.. آدى أربعة شهور.. وأريد أن أعرف من الذى كتب هذه الاستقالة البديعة!

فقلت: دى فولكلور يا أستاذ!! وضحك الصاوى حتى سقطت الفلوس من جيبه.. ونادى الساعى المستقيل لكى يجمعها ويأخذها!!

ولا تنتهى حكايات أنيس منصور مع الأستاذ أحمد الصاوى محمد «فيقول:

وفى يوم وجدت كل من قابلته يقول لى: أنت فين الأستاذ «الصاوى» يبحث عنك!! ذهبت إلى «كامل الشناوى» أسأله فكان لا يعرف وأنا فى مكتب كامل الشناوى جاء الساعى يقول لى: الصاوى بك عاوزك ضرورى!

وصعدت إلى الدور الثانى.. فوجدت الأستاذ «الصاوى» يتمشى فى مكتبه وينفخ فى سيجاره ويقول لى اقعد.. أنت فين؟!

لا أرد.. لأننى لا أعرف ما الذى يريده وقال لى: اسمع إنها مسألة خطيرة.. قضية عمرك.. اسمع تعرف الأميرة هان «زادة»؟!

قلت، لا!! قال: لا تعرفها الأميرة الجميلة جداً.. لا تعرفها ولا رأيت صورها؟!

قلت: لا! قال: على كل حال هذه فرصة نادرة لكى تراها وتتحدث إليها سوف تقول لك ما الذى تريده.. عندها قصة قصيرة بالإيطالية أنت تعرف إيطالى؟!

قلت: أيوه! قال: بكرة تقف على باب الأهرام وفى الساعة العاشرة صباحاً سوف تجىء السيارة تركبها وسوف يقولون لك أين تذهب!

لم أنم تلك الليلة ولا أعرف الأميرة رغم أن الأستاذ «الصاوى» قد عرض أمامى صورها، إنها جميلة جدا.. الأميرة هان زادة.. زوجة الأمير «محمد على إبراهيم» وأخت الأميرة «نسل شاه» وهى واحدة من راعيات المستشفيات ومبرة محمد على.

ويروى أنيس منصور تفاصيل ما جرى بعد وكيف لم يتمكن من لقاء الأميرة وسأل عنه الأستاذ الصاوى وقال له: دعنى أبحث عن طريقة أخرى!

ويروى أنيس منصور قائلا: وبعد أيام قال لى أن الأميرة سوف تنتظرك غداً فى قصرها وسوف تجئ لك سيارة فانتظرها أمام الأهرام.

وجاءت السيارة، وركبت ونزلت ولا أعرف حتى الآن بالضبط ماذا حدث، لقد وجدت أناساً كثيرين فى ملابس قاتمة وانفتح باب ومن ورائه باب، وتعثرت فى السجاجيد وانفتح باب وأشار من لا أعرف شكله إلى أن أجلس وجلست، وأشار واحد إلى أن أقف لأن الأميرة قادمة وغرقت فى أمطار غزيرة من العرق.. ورأيت من خلال السحاب وجها كالقمر وسمعت صوتا موسيقيا يقول بالإيطالية: صباح الخير تفضل!

لقد كانت للأميرة خواطر من زيارة لأحد مستشفيات طنطا ورأت فيها طفلة صغيرة تأكل الشيكولاتةووقعت منها على الأرض وامتدت يدها ووضعتها فى فمها أمام الناس، فلم يعترض أحد على ما أصاب الشيكولاتةمن تراب وذباب!

تأثرت الأميرة وبكت وأقسمت ألا يتكرر هذا المشهد مرة أخرى لأى طفل فى مصر!

انتهت الخواطر الإيطالية المكتوبة على ورق فخم تعلقت به رائحة أصابع الأميرة الجميلة جدا والمطلوب منى أن أجعلها قصة باللغة العربية.

أما تعليمات الأستاذ الصاوى فهى: اكتبها قصة كما تريد أنت وفى إمكانك أن تضيف إليها كل ما يجعلها عملاً أدبيًا! وبعد أيام كتبت القصة.. وبعد أيام أعطانى الأستاذ «الصاوى» شيكًا من الأميرة.. ذهبت إلى البنك فقالوا لى: هات حد يضمنك؟

فعدت إلى الأهرام ومعى «عبدالله بشير» رئيس السعاة وكان هو الضامن وقبضت شيكًا بمائة جنيه وكان مبلغاً كبيراً فى ذلك الوقت، وهو أول مكافأة على أى عمل أدبى، ثم طبعوا القصة فى إيطاليا على ورق ذهبى اللون ولقد رأيت نسخة منها فى مكتب الأستاذ الصاوى ولم أتمكن من اقتنائها.

وقال لى الأستاذ الصاوى إن اسم الأميرة هو المكتوب على القصة وليس اسمك فهى من إبداعها يا أستاذ.. هاها.. هاها..».

وتستمر الذكريات والحكايات!