الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
زلزال كامل الشناوى فى الأهرام!

حكايات صحفية

زلزال كامل الشناوى فى الأهرام!

خسرت الصحافة فى كل زمان ومكان شخصية فريدة مثل «كامل الشناوى» إنه الأب والأخ والراعى، فهو الذى يختار لنا الصحيفة ويناقش المرتب والعلاوة والمكافأة!



لم أعرفه شاعرًا ولا محدثا ظريفا ولكن الصدفة جعلتنى أعرفه صحفيًا أهون ما فيه! وكان كامل الشناوى محدثًا ممتعًا تعرفه لحظة واحدة فكأنك عرفته طول حياتك هو الذى يختصر المسافة ويدخل فى حياتك  فى عقلك وقلبك فإذا به جزء منك وأنت جزء منه.. هو ضرورى لك وأنت ضرورى له، هو يعطيك هذا الإحساس.

وأنا وغيرى كثيرون يدينون له بكثير من الفضل - تشجيعه الأدبى فى كل وقت!

هكذا كتب الأستاذ أنيس منصور «عن الأسطورة» كامل الشناوى، وأضاف:

«عرفت كامل الشناوى سنة 1950 وعملت معه محررًا فى الجريدة المسائية وبعدما انتقلنا معًا إلى الأهرام وإلى مجلة النداء وعندما ترك الأهرام ذهبنا معه إلى أخبار اليوم ونسينا أن نقدم استقالتنا أو شكرنا للأهرام، فعلنا ذلك فيما بعد، فقد كان يكفى أن يتقدمنا كامل الشناوى لنكون معه أو وراءه، إنه كامل الشناوى صديقك وأخوك الأكبر المتحدث بلسانك هو الذى يحدد لك المرتب وهو الذى يطلب لنا الإجازة والعلاوة».  

وبقلمه البديع والرشيق وأسلوبه الراقص، يصف أنيس منصور تلك الأيام من رحلة كامل الشناوى.

وجدت نفسى فى جريدة الأهرام كيف؟ إنه كامل الشناوى الذى بعث الحياة فى صحيفة الأهرام والحيوية فى لياليها فلم يكن مسموحا قبل «كامل الشناوى» أن يأكل أحد فى مكتبه أو يشرب البيرة!!

ولم يكن مسموحًا لأحد قبل كامل الشناوى أن يضحك بصوت مرتفع أو يدفع باب أى أحد بيده أو برجله، ويدخل دون إذن ليلقى الطعام والشراب والفاكهة والفكاهة - فقط مكتب كامل الشناوى!

أما الأبواب المغلقة بالضبة والمفتاح فهى «مكتب نجيب كنعان» الرجل الأول مدير التحرير ومدير أى شيء فى الأهرام، إنه رجل جاد من النادر أن يضحك، وليس فى استطاعة أحد أن يجعله يضحك حتى لو أراد، وإلى جواره مكتب الأستاذ «زكى عبدالقادر» أما مكتب الأستاذ «أحمد الصاوى محمد» ففى الدور الثانى!

وكان رئيس التحرير «عزيز ميرزا» طويل القامة نحيفًا جافًا صامتًا، يحمل فى يده شنطة من الجلد أو كانت شنطة من الجلد ثم تكورت حتى صارت كيسًا منفوخًا من الخيار والجبنة والخس، وكان الرجل مثل الرهبان معزولًا عن الدنيا لدرجة أنه عندما سافر إلى هولندا وقدمت له الملكة سيجارًا اعتذر بأنه لا يدخن مع أن أبسط التقاليد تقول: حتى لو قدمت لك الملكة «سُمًا» يجب أن تبلعه سعيدًا بنهايتك على يديها!

أما الحياة السياسية والاجتماعية فكلها فى مكتب كامل الشناوى الذى قلب كيان جريدة الأهرام فملأ الدنيا ضحكًا، وجاء كل رجال السياسة والوزراء والأدباء والشعراء والفنانين، ففى مكتب كامل الشناوى رأينا «توفيق الحكيم» و«يوسف وهبى» و«محمد التابعى» و«توفيق دياب» وأحمد الألفى عطية، و«زكى دياب»، و«نور الهدى»، و«محمد عبدالوهاب»، و«أم كلثوم» ومحمد أبوالفتح» صاحب جريدة المصرى.

 

 

 

وكانت صوانى اللحوم والسمان والأرز والحلويات والفول والطعمية والسمك تملأ مكتب كامل الشناوى وتفيض على الباب ومدخل الأهرام!

وكانت الحياة فى جريدة الأهرام صارمة جامعة باردة، وكل واحد فى ثلاجة ندخلها أحياء ونخرج منها موتى من الخوف واللامبالاة.

وتمضى الشهور ونحن نعمل فى «الأهرام» لا رأينا أحدًا يصافحنا ولا أحدًا يتخانق ولا أحدًا يرفع صوته ولا أحد يعترض!

وإنما كل شيء هادئ منضبط تمامًا، وكان «كامل الشناوى» هو الزلزال الذى أصاب الأهرام، فقد ظهرت المانشيتات فى الصفحة الأولى لأول مرة بسبب أحاديث كامل الشناوى التى كانت حديث المدينة والصحافة!

وكان الحديث الذى أجراه كامل الشناوى مع «طه حسين» نقطة تحول فى التربية والتعليم والصحافة أيضا.. وكانت مقالات كامل الشناوى عن طلاق الملك فاروق للملكة فريدة. هوس الدنيا لجمال العبارة والصدمة  العنيفة فى أساليب الكتابة الصحفية التقليدية فى الأهرام.

وكان كامل الشناوى بأسلوبه والشخصيات التى يعرفها ويقدمها أكبر من احتمال الأهرام وكل موروثات الأهرام.

ويمضى أنيس منصور فى ذكرياته الممتعة قائلا:

أما عملى الأساسى فى الأهرام فهو أن أكتب القصة القصيرة كل يوم وكان المطلوب أن أترجمها، ترجمت كثيرًا والباقى من تأليفى وكنت أجعل الأسماء أجنبية فى القصة حتى لا يظن أحد أنها من تأليفى.. كل يوم قصة حتى اكتملت 650 قصة قصيرة اخترت بعضها ونشرتها فى كتابى «عزيزى فلان» وفى كتاب آخر هو «بقايا كل شيء».

ولم يكن مسموحًا لنا فى ذلك الوقت بأن نوقع على أى شيء نكتبه وإنما كانت القصة تنتهى بكلمة «تمت» أى كملت، وكان زملائى يسخرون منى وينادوننى: الأستاذ تمت!!

 

 

 

وللأمانة فقد ظهر اسمى مرتين فى ثلاث سنوات، مرة خطأ عندما كتبت مقالًا عن «الباليه الهندى» فى الأوبرا، ونسيت ووقعت ونسى المراجع والمصحح ومدير التحرير فتركوا الإمضاء!

ومرة أخرى ظهر اسمى عن قصد عندما سافرنا «كمال الملاخ، وأنا» إلى أوروبا فظهر الخبر هكذا، يسافر اليوم على ظهر الباخرة اسبيريا الزميلان كمال الملاخ وأنيس منصور، وتلقينا التهانى على هذا الإنجاز الكبير!!

وفى ذلك الوقت رأيت لأول مرة الأستاذ «شميل» العضو المنتدب قصير القامة أصلع فى غاية الحيوية والذكاء، أما السبب فهو أنه يريدنى أن أترجم «مذكرات روميل» وترجمتها ثم طلب منى أن أترجم «ثلاثة ضد روميل» وكان هذا الكتاب قد أرسلته السفارة البريطانية ثم ترجمت كتاب «الإله الذى هوى» والمقصود بالإله هو الشيوعية عند عدد من كبار المفكرين الذين كفروا بالشيوعية مثل الكاتب الفرنسى «اندريه جيد» والكاتب الإنجليزى «آرثر كيسنلر» والكاتب الإيطالى «أنياتسيو سيلونه».

ثم جاءت اللحظة الحاسمة ونقطة التحول فقد طلب كامل الشناوى نيابة عنى مكافأة عن الترجمة وكانت المكافأة (150 جنيها) وهو مبلغ يكفى جدا فى ذلك الوقت لأن تسافر بالطائرة إلى أوروبا ذهابًا وإيابًا وتبقى شهرًا تأكل وتشرب وتشترى هدايا».

وكان عندى مشكلة فى ترجمة مذكرات «روميل» لم أعترف بها لأحد فقد اعترضتنى كلمة فى هذه المذكرات لا أكاد أراها حتى أقفز من فوقها وربما الصفحة فلم أعرف لها معنى.. وربما كانت هذه الكلمة مسئولة عن بعض الغموض فى الحكايات وسردها وربطها.. وكانت هذه الكلمة عفريتا يظهر لى فى كل مكان ولا أعرف كيف أصرفه.. أشتاتًا أشتوت!!

وبعد سنوات من التستر على هذه الكلمة عرفت معناها بمحض الصدفة أما الكلمة فهى «جرايز» وهى نوع من السجائر كانت تدخنها القوات البريطانية.». وللحكاية بقية!