الإثنين 30 ديسمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
أنيس منصور من الأهرام إلى أخبار اليوم!

حكايات صحفية

أنيس منصور من الأهرام إلى أخبار اليوم!

كانت جريدة «الأهرام» هى المحطة التالية لأنيس منصور، بعد إغلاق «الجريدة المسائية» ثم «مجلة النداء» وقرر الكاتب الكبير كامل الشناوى أن يأخذ بعض هؤلاء الصحفيين للعمل معه فى الأهرام.



ومن ذكريات أنيس منصور عن تلك الفترة: «أخذنا كامل الشناوى معه إلى جريدة الأهرام، فعملت فيما بين سنة 1950 حتى 1952 وفى الأهرام كنت أكتب القصة كل يوم «750 قصة قصيرة» ولم يكن مسموحًا لنا بالتوقيع، فالذين يوقعون هم: محمد زكى عبدالقادر، وأحمد الصاوى محمد، والقراء إذا كتبوا مقالا إلى الأهرام»!

وترجمت فى الأهرام مذكرات روميل ومذكرات «ثلاثة ضد روميل».

وجاء خبر كأنه صاعقة حملنا من الأرض إلى السماء، لقد قرر «كامل الشناوى» أن نعمل فى أخبار اليوم، فأخبار اليوم تستعد لإصدار صحيفة يومية اسمها «الأخبار»، ودون أن نقدم استقالتنا من الأهرام ذهبنا إلى أخبار اليوم.

لقد انبهرت بأسلوب أخبار اليوم، ما اسم هذا الأسلوب: السرعة الإيجاز.. الإثارة.. الانفراد.. شىء عجيب كل أسبوع الأخبار فيها والعناوين العجيبة.. كيف؟!

ولم أكن قد رأيت الأخوين مصطفى وعلى أمين، إذن سوف أراهما.. وسوف أكون على مسافة قريبة، وسوف أسأل وأتلقى جوابا وأعرف كيف يكتبان وكيف يفكران.. فلا أحد يكتب مثل مصطفى أمين ولا أحد يكتب بإيجاز وبسرعة مثل على أمين!

 

 

 

ويمضى أنيس منصور قائلا: لم أنم تلك الليلة ولم أحاول أن أعرف ما الذى أقلقنى، ما الذى جعل قلبى يدق هكذا.. ليس الخوف أو هو الخوف ألا ننجح فى هذه المؤسسة العجيبة الأفكار والأساليب!

وكتبت أول خبر فى الصفحة الثانية من العدد الأول من الأخبار، وكان الخبر عن الخناقة بين تحية كاريوكا ويحيى حقى مدير مصلحة الفنون، وهل هى بصقت فى وجه سوزان هيوارد «ممثلة أمريكية كانت فى زيارة لمصر»، أو لم يحدث شىء من ذلك وقد تحققت من أن الخناقة صحيحة، ولكن البصق ليس صحيحًا! وانتقلت إلى العمل فى آخر ساعة، فأنا لا طاقة لى على ملاحقة الأخبار والحوادث، وإنما أنا أريد أن أكتب مقالا أدبيا أو نفسيا أو تعليقا على كتاب!

ورأينا مصطفى وعلى فقد كنا نقف على السلم حتى نراهما، وكان من الصعب أن نفرق بين الاثنين، كان ذلك عام 1952، ولكن عرفنا الفرق، فقد كان «على أمين» يشكو من «دمل» فى رقبته، وقد لف شيئًا حول رقبته، فعرفنا أن هذا هو «على أمين»، ولما شفى من «الدمل» لم نعد نفرق بينهما، وأخيرا عرفنا الفرق:

«فالذى يصافح أى إنسان يعرفه أو لا يعرفه فهو «مصطفى أمين» أما الذى لا يصافح الذين يعرفهم فهو على أمين»!

وفى يوم وجدت المرحوم كمال الملاخ فى حالة هياج ويطلب منى أن نعود إلى الأهرام، أما السبب فهو أنه لاحظ أن السعاة لا يقفون تحية له ذهابا وإيابا، وأن على أو مصطفى إذا رآه لا يصافحه، بينما كنا فى الأهرام نتغدى ونتعشى فى القناطر الخيرية مع نجيب كنعان مدير تحرير الأهرام!

وعرف كامل الشناوى فنبه «على أمين» إلى ذلك، وفى يوم رآنا على أمين وقال: أهوه، أدينى باسلم عليك ولا داعى إلى العودة إلى الأهرام.. وضحك! وقرر كمال الملاخ أن يعود إلى الأهرام لأن على أمين يسخر منه!

ولم نكن قد اعتدنا على روح المرح وخفة الدم عند مصطفى وعلى أمين وفى كل أخبار اليوم!

أما أنا فكان ارتباطى بعلى أمين أكثر لأن على أمين أسهل ومصطفى أمين أصعب، فالطريق إلى قلب مصطفى أمين هو الخبر، هو المانشيت، الخبطة الصحفية التى تزلزل الدنيا.. وكان ذلك أمرا صعبا، أما على أمين ففى استطاعتك أن تجلس إليه وأن تكلمه وأن يتركك ويمضى فى الكتابة ويمنعك أن تقوم قبل أن تقرأ مقاله!

 

أنيس منصور
أنيس منصور

 

 

ويروى أنيس منصور هذه الواقعة الغريبة فيقول: بعد شهر واحد من العمل فى أخبار اليوم، سافرت فى إجازة إلى أوروبا وبعثت بعدة مقالات، ووجدت أنها نشرت فى الصفحة الأخيرة من «آخر ساعة» وتضايقت جدا، ودون أن أشكو لصديقنا الأكبر كامل الشناوى، دخلت إلى على أمين أشكو ثائرا، واستمع على أمين بهدوء وفجأة دخل مصطفى أمين ونظر إلى «على» ونظر له «على أمين» ولم يكن قد سمع أى شىء مما قلت وإذا به يقول: «اسمع يا أنيس من الممكن أن ننفصل كأصدقاء»!

وخرجت وجمعت أوراقى وعدت إلى البيت وفی نيتى أن أذهب إلى الأهرام، وفى الصباح الباكر فوجئت بعلى أمين يصعد سلم البيت فى الدور السادس أمام مسجد السلطان أبوالعلا وقابلته والدتى!

وكان يلهث من الإرهاق، إنها ستة أدوار، وكان أسفى شديدًا لأننى أرهقته هكذا، ونزلت مع «على أمين» وانتهى الأمر!

وعرفت فيما بعد أن أسوأ لحظة من الممكن أن يلقاها أى محرر فى أخبار اليوم أن تكون له شكوى ويعرضها على «مصطفى وعلى» معًا!

إنهما يصبحان كالمقص يقطعان من دخل بينهما، وتندهش كيف عرف مصطفى أمين أننى شكوت، ولكنه بسرعة عرف وبسرعة قرر، وقراره أن نشر المقالات فى آخر ساعة بهذا الحجم هو القرار، وهذا قرار الأستاذ محمد حسنين هيكل، ولا راد لقراره لماذا؟ لم أكن أعرف ما الذى يمثله «هيكل» فى أخبار اليوم أو حتى فى مصر؟!

ويعترف أنيس منصور: وبدأت أتفادى مصطفى أمين فى أى شىء، فعلى أمين بابه أوسع وصدره أرحب وهو إنسان طيب، أما مصطفى أمين فهو صقر منقاره أطول من أنفه، وله نظرات غير مريحة، نظرات تخترق الإنسان وتتهمه كأنه وكيل نيابة مكافحة المخدرات أو الإرهاب، فإذا نظر إليك مصطفى أمين وأطال النظر فلابد أن ترفع يدك وتركع وتقول: مظلوم يا بيه! والله ما هو أنا!

مع أنه لم يتهمك بشىء، وإنما له نظرة تفتيشية جائعة، يريد أن يفتشك ليعثر على خبر، فإن لم يجد فأنت لا صحفى ولا حاجة ولا داعى لأن يلقاك ويستمع إليك!

 

كامل الشناوى
كامل الشناوى

 

وكان أمل كل محرر أن يحظى بإعجاب مصطفى أمين وليس بإعجاب على أمين، فالصحافة هى مصطفى أمين والإخراج والفن الصحفى هو على أمين.

وإذا أردت أن تعرف أخبار مصطفى أمين وهى كل أخبار الدولة فاسأل على أمين، أما مصطفى أمين فلا يقول ولا يفشى سرا»!

وللذكريات بقية!