الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
أنيس منصور يرفض إعجاب العقاد بما كتبه!

أنيس منصور يرفض إعجاب العقاد بما كتبه!

بدأ أنيس منصور مشواره الصحفى فى جريدة «الأساس» التى يمتلكها «محمود فهمى النقراشى» رئيس الوزراء فى ذلك الوقت، ونشر له المسئول عن الصفحة الأخيرة بالجريدة «موسى صبرى» قصصا وترجمات لقصائد.. ومع ذلك لم يفرح أو يسعد أنيس منصور بهذا النشر، ولم يلاحظ أى أحد ما نشره أنيس منصور.



ويمضى أنيس منصور فى ذكرياته الصحفية:

«اقترح أحد الأصدقاء أن أطلب مكافأة عن القصص العشر التی نشرتها، واندهشت فلم أكن أتصور أننى أستحق أجرًا عن ذلك، وذهبت وقابلت رئيس التحرير «د. على الرجال»، وكان عضوًا فى مجلس النواب، وقدمت نفسى وقلت:

- أريد مكافأة من فضلك.. أريد ثلاثين جنيهًا عن هذه القصص!

وكانت نظرة «د. على الرجال» تدل علی الدهشة وعلى سذاجتى، إذ كيف أطلب مبلغًا كبيرًا كهذا! ولكنه بادرنى قائلًا:

لماذا لا تعمل معنا هنا.. وسوف ندفع لك 17 جنيهًا فى الشهر.. ما رأيك؟ فوافقت! ثم عاد يقول: أنت اسمك إيه بالكامل؟!

قلت: أنيس محمد منصور.. فقال: كويس جدا.. اذهب إلى الأستاذ عزيز مشرقى مدير الإدارة، وقل إنك «أنيس منصور» بس.. بلاش محمد فى الوسط وسوف يرى أنك مسيحى وسوف يصدر قرارًا بتعيينك!

 

 

 

وذهبت وصدر القرار، وبعده وقعت باسمى كاملا مرة واحدة فى كل حياتى الصحفية!

ويسترسل أنيس منصور فى ذكرياته عن بداية المشوار فيقول:

وترك الأستاذ موسى صبرى جريدة الأساس وذهب للعمل مع الأستاذ جلال الدين الحمامصى فى إصدار صحيفة مسائية جديدة اسمها «الزمان»، وكان جلال الدين الحمامصى يعمل مستشارا لجريدة الأساس وأصبحت المسئول عن الصفحة الأخيرة!

وتغيرت الدنيا أمامى وحولى، فأنا الآن دخلت فى دنيا الصحافة، ولكن لم أستوعب العمل الصحفى تمامًا، فأنا فى الصفحة الأخيرة، ولا أعرف ما هذا الذى قبلها ولا إن كان يعنينى!

ومضى الوقت سريعًا ولا أزال فى موقفى فى آخر صفحة مشتغلًا بالأدب لا بالصحافة، فأنا أديب متفلسف ولست صحفيًا!

وفى الصفحة الأخيرة نشرت المقال والنقد والترجمة، وأهم من ذلك أننى بدأت أقرأ الصحف والمجلات، وكانت عينى تقع أو لا تزال تقع على الأدب والفن والفلسفة والكتب الجديدة!

وفى يوم قرأت مقالًا بقلم الزميل محمد شرف خريج قسم الفلسفة والمقال تلخيص لرواية كتبها أديب إنجليزى اسمه «تشارلز مورجان»، والرواية اسمها «الدائرة» هزنى المقال ورأيت شيئًا جديدًا لم أكن أعرفه، فهو لخص الرواية، ولكنه راح يفسر معانيها، أى المعنى الذى وراء الرواية، وما الذى قصده المؤلف؟ فهو لم يكتف بالعرض والتلخيص ولكن كان له رأى، والرأى هو مدلولها الفنى والفكرى عند المؤلف!

هذا هو الجديد الذى لم أكن أعرفه، فليس الهدف من الرواية هو أن تقرأها للمتعة، وإنما تقرؤها لتعرف ما المعنى، ما الهدف، ما القصد؟ وكأننى قرأت «حجر رشيد»، فالأستاذ «العقاد» قال لنا إنه لا يحب قراءة الروايات إنها تدوخه، وهو يريد أن يعرف المعنى الذى يقصده المؤلف دون إضاعة الوقت، فهو يفضل الأبحاث لا الروايات ولا المسرحيات، ويبدو أننا سرنا وراءه فى ذلك!

ولكن كنت فى حاجة إلى رأى آخر، وكان هذا الذى قرأت هو الرأى الآخر.

ووقع شىء خطير فقد كتبت مقالا عن «معنى الفن عند تولستوى» وفوجئت بأن الأستاذ «العقاد» قد أعجبه المقال، اندهشت ولما قال أن الذى أعجبه فى المقال هو أسلوبه انزعجت! فالأسلوب الذى يعجب العقاد هو القريب من أسلوبه، وأنا لا أحب أسلوب العقاد!

فكانت صدمة، وعدت إلى البيت حزينًا، على نفسى وقررت ألا أكتب مثل هذا الأسلوب مرة أخرى!

 

 

 

وأعدت كتابة المقال عشر مرات.. عشرين مرة حتى استخرجت منه كل التراكيب الفلسفية أو البلاغية الصعبة، ولما وجدت أن أسلوبي قد أصبح سهلًا بسيطًا وفيه أقل عدد من المصطلحات وأنه مفهوم لأقل الناس تخصصًا عدت إلى الكتابة وكان هذا المقال هو آخر عهدى بالكتابة الفلسفية!

 

وبعد الظهر من كل يوم كنت أمر على المكتبات فى القاهرة وفيها كل الكتب الجديدة الواردة من لندن. وبها الموظفون أصدقاء رجالا ونساء ولكن شيئا جديدا لم أكن أعرفه قد لاحظته وبهرنى وأسعدنى بعد ذلك أنهم جميعًا يتكلمون يتناقشون، أن هذه الجلسات أمتع من جلسات «العقاد» فهو الذى يتكلم طول الوقت، كأن الصالون امتداد لمحاضرات الجامعة.

إن حالتى النفسية فى ذلك الوقت كانت تدل على شدة الحيرة والقلق وليس السبب عملى - أى العمل - وإنما هو المزاج الفلسفى، ثم إننى أريد أن أعرض وجهة نظرى فى الفلسفة الوجودية أوضح وأطول، فقد نشرت عددًا من المقالات الفلسفية والأدبية فى كثير من المجلات.

وفوجئت بأن الكاتب الكبير «إحسان عبدالقدوس» قد قدم أحد أعمالى الأدبية فى مجلة روزاليوسف قائلًا: لا ترفع عينيك عن «أنيس منصور» إنه كوكتيل من العقاد وطه حسين وسارتر وإنه أديب الوجودية اليوم وفيلسوفها غدًا وأدواته الأدبية فى غاية القوة والفلسفة فى غاية العمق، انتظر نجمًا فى سماء الأدب، وظهرت الترجمة اليونانية والفرنسية والإيطالية لما كتب إحسان عبدالقدوس!

ويواصل أنيس منصور ذكرياته قائلا:

وعندى أيام محددة فى الأسبوع لأنواع من الرياضة الجسدية والنفسية فسور الأزبكية متعة حقيقية وعلى السور توجد كل أنواع الكتب القديمة جدًا والحديثة فى كل فروع المعرفة الإنسانية.

وأمام سور الأزبكية كل الناس، أكثرهم من المثقفين ولهم ملامح متشابهة ملابسهم نظيفة مهذبون يحترمون أنفسهم والناس ونظرتهم وإقبالهم على الكتب يدل على أنهم فى مكان عظيم، فإذا أقبل الواحد منهم على كتاب فإنه يمسكه باحترام ويقلبه بأدب ويضعه فى مكانه بعناية.. نعرفهم من النظرة واللمسة والباعة يعرفونهم أيضًا.

ولايزال عندى متسع من الوقت لا أعرف بأى شىء أشغله، إذن فأنا أعمل! أعمل ماذا؟ أعمل والسلام أقرأ.. أكتب.. أنا أحسن بكثير ومن كثيرين جدًا.. أنا إذن مخلوق لأن أكون شيئا.. لا بد أن أكون شيئا.. وأمى لم تخطئ حين تنبأت بأن أكون وزيرا!!

وللذكريات بقية