الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
عفا الله عما سلف .. إلا الإخوان

عفا الله عما سلف .. إلا الإخوان

على شاشة بى بى سى.. سألتنى المذيعة عما إذا كنت أتوقع انفراجة سياسية فى مصر بعد الإفراج عن أحمد دومة؟



السؤال كان أفعوانيًا.. والقناة معروفة أنها مضادة.. وموجهة.

أجبت بأن على المذيعة أن تراجع معلوماتها، إذ أنه أولًا ليس أحمد دومة هو الأول فى سلسلة العفو عن المحكومين بأحكام قضائية نهائية.. وثانيًا، لأن الانفراجة حدثت بالفعل منذ دعوة الرئيس السيسي لحوار وطني غير مسبوق فى مصر.

ما يقرب من ألفي محكوم خرجوا من السجون بتوصيات من مجلس أمناء الحوار الوطني.

إعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسى كان أكبر دليل على رغبة صادقة من الدولة لفتح صفحة جديدة مع شباب جرفهم التيار، وخدعهم «ثوار يناير».. ووصلوا إلى مرحلة تساوت عندهم فيها حرية الرأى والحرق.. وتماهت لديهم فيها السياسة.. والهدم.. ومحاولة هز أركان الدولة.

(1)

بالمناسبة، لدى المصريين ثأر مع كثير ممن يوصفون بشباب يناير. ما زال المصريون يتذكرون وجوهًا خرجت على الشاشات، واعترفت بالتدمير.. والحرق.. والهدم.

وما زال كثير من المصريين يتذكرون وجوهًا، استغربت حق الدولة فى الدفاع عن نفسها، ومازلنا نذكر وجوهًا احترفت اللعب بالكلمات، أو اعتراها تشتت ذهنى ظنت معه أن الديمقراطية، ومصلحة الشعب، فى الافتئات على المؤسسات.. وحرق الكاوتش فى الشوارع وفى الطرقات.. حرصًا على مصلحة الجماهير!

لكن الدولة لا تتعامل من منطلقات شخصية أو فردية.

تتعامل الدولة وفق منطق الشمول ومنطلقات المصلحة العامة، وتتعامل مع الشباب – الآن – وفق معطيات الفرصة الثانية، والرغبة فى التعاون مع الجميع.

تؤكد الدولة أن لديها من رحابة الصدر، أن تمنح كثيرًا ممن أخطأوا فرصة أخرى، للتعاون فى البناء والتنمية.

أحمد دومة ليس أول المفرج عنهم. والدهشة هنا واجبة، إذ أن بعضهم يريد أن يصدر للرأى العام أن أحمد دومة هو من أوائل من تم إخراجهم بموجب عفو رئاسى.

دومة خرج ضمن سلسلة تعدت الألفين تقريبًا من المحكومين بأحكام نهائية. والتأكيد هنا واجب ومهم.. وضرورى.

(2) 

على شاشة بى بى سى.. والقناة مرة أخرى مضادة وموجهة.. اعتبرت المذيعة أحمد دومة من «معتقلي الرأى».. والوصف هنا وصف أفعواني بامتياز.

أولًا دومة لم يكن معتقلاً.. إنما كان يقضى عقوبة على جرائم، أصدرت تلك العقوبة هيئات قضائية لها اعتبارها.

لم يحاكم دومة أمام محكمة استثنائية. ولم يدخل السجن بقرار اعتقال إداري، أصدرته السلطة التنفيذية.

الاعتقال فى معناه الحقيقى ينطبق على من دخل السجن بقرار صادر عن السلطة التنفيذية بلا محاكمة، وبلا إجراء من السلطة القضائية، وليس لدينا فى مصر من هؤلاء.. هذه واحدة.

الثانية.. أن دومة ليس سجين رأى.. إنما هو محكوم عليه فى أعمال شغب فى القضية المعروفة إعلاميًا باسم أحداث مجلس الوزراء.

اعترف دومة بأنه ساهم فى إحراق المجمع العلمى.

والمعنى هنا، أنه لا يمكن إطلاق لفظ سجين سياسى، أو سجين رأى على من قام بأعمال جنائية، يعاقب عليها القانون، بإتلاف الممتلكات.. أو الأضرار بأصول الدولة.. أو التحريض على أعمال شغب.

فتحت الدولة صفحة جديدة مع دومة.. كما فتحت صفحة جديدة مع آخرين. 

مدت الدولة يدها، برغبات صادقة فى التعاون.

العفو الرئاسى دليل واضح على أن الجمهورية الجديدة لا ترفض إلا الإرهاب.. وأعوان الإرهاب.. وثعابين الإرهاب، لكن باقى الأخطاء فى حق الدولة.. فهى تعفو عنها، وتسامح فيها، وتطلق هؤلاء الشباب مرة أخرى.. كى يعيدوا الاندماج فى المجتمع.. وكى يمارسوا السياسة من قنواتها الشرعية.. لا من خلال الإثارة.. والشغب.. والحرق والتدمير.

الفكرة الثعبانية التي يمارسها بعض الإعلام المضاد.. هى المماهاة فى خطابه للرأى العام بين السياسة.. وبين الهدم والتدمير.

الفكرة الشيطانية بامتياز التي احترفتها بعض وسائل الإعلام المضادة بنيات غير خالصة.. هى المساواة بين حرية الرأى وحرية التعبير.. وبين الإثارة وبث الشائعات.. وبلبلة الرأى العام.. ومحاولة تفجير المؤسسات.. وحرقها.. ومحاولة زعزعة الدولة من الأساس. 

فى حقيقة الأمر.. السياسة شىء.. والحرق والهدم والتدمير أشياء أخرى. التعبير عن الرأى لا يعنى خروجًا عن اللياقة وليس خروجًا على القانون.

على بى بى سى.. وصفت المذيعة كثيرًا من المحكومين فى قضايا جنائية، بأحكام قضائية بالناشطين السياسيين. 

مرة ثالثة القناة موجهة.. ومضادة.. وما يعلم بها إلا ربنا.

من قال إن السياسة هدم وتفجير.. وسرقة أسلحة من الشرطة.. والاعتداء على رجال النظام.. أو رجال إنفاذ القانون؟ 

فى أى دولة فى العالم يمكن أن تسمى موجات الاعتداء على مؤسسات الدولة بممارسات للحريات.. أو أنها نوع من ممارسة حق مشروع فى التعبير عن الرأى؟ 

فى بريطانيا نفسها.. لا يمكن أن يوافق المواطن على ذلك المفهوم. وفى فرنسا فى أحداث الشغب الأخيرة، تابعنا كيف تعاملت الشرطة بكل الحزم مع من خرجوا للشوارع بالأسلحة البيضاء.. وحرقوا إطارات السيارات فى شوارع العاصمة باريس!

الفروق واسعة بين الديمقراطية والحرية.. وبين إساءة استخدام الحق فى الديمقراطية والحرية. 

فى المفهوم العام.. لدى أى دولة وطنية كل الحق فى أن تحمى نفسها وتدافع عن هيبتها.. وتفرض سطوتها.. لمزيد من استقرار المجتمعات.

حقوق الدولة المشروعة، ليس مقبولًا أن يساء تفسيرها، أو أن يعاد تأويلها، وفق حديث غير منطقى.. يفترض أن تلك الحقوق المشروعة.. افتئات على الحريات.

 

رسائل الرئيس فى افتتاح الحوار الوطنى
رسائل الرئيس فى افتتاح الحوار الوطنى

 

(3)

مرة أخرى.. تعيد الدولة المصرية يومًا بعد يوم التأكيد على رغبتها الصادقة فى احتواء الجميع.. احتواء كل أبنائها على اختلاف التوجهات ومع اختلاف الأيديولوجيات. 

العفو الرئاسى عن المحكومين فى قضايا دليل. ووراء العفو الرئاسى فلسفة.. وإشارات ودلالات.

الكل مسموح له بالمشاركة فى بناء المجتمع والتعبير عن آرائه فى إطار مشروع.. الكل متاح له فرصة أخرى كى يبدأ من جديد.. ما عدا الإخوان رعاة الإرهاب.

والتذكير هنا واجب.. بأن العفو ليس مراجعة من الدولة لقوانين صدرت بموجبها أحكام.. ولا معناه أن الجرائم التي حكم بموجبها على هؤلاء.. سقطت أو كأنها لم تكن. 

هذا ليس صحيحًا.. ولا سليمًا. لكن فى العفو الرئاسى مزيد من الإشارات من رئيس الدولة، أنه عفا الله عما سلف، بنظرة للمستقبل تحتوى المصريين جميعًا.. إلا إخوان الإرهاب.

يستخدم رئيس الدولة سلطاته فى العفو، بعد صدور أحكام قضائية.. ليمنح أملًا مرة أخرى فى حياة «سوية».. لمن أخطأ.. ولمن تجاوز. على رأس الدولة المصرية قيادة تفسح الطريق للتسامح أولًا.. برغبة فى التعاون.. مهما كانت الأيديولوجيات. 

تسير مصر فى الطريق للتغيير الشامل. على رأس الدولة قيادة تعرف الجميع، وتفطن للجميع، وتتعامل مع الجميع.. وتمنح الجميع من الفرص للمشاركة مع الجميع.

هنا تكمن فلسفة العفو الرئاسى. وهنا مربط الفرس. 

وهنا نتاج حراك قومى كبير، بدأ بمؤتمرات الشباب، وصولًا إلى حوار وطني يشارك فيه الجميع.

هنا نتاج سياسات رشيدة لفتح الباب أمام كل فكر.. على أساس أن الدولة لن تعمل وحدها.. ولا تريد أن تسير فى الطريق للتنمية والبناء وحدها.

الخلاصة.. أن مصر استعادت نفسها.. وبقى المبدأ الأساسى أنه لا أحد ممنوع، ولا أحد متروك.. حتى هؤلاء الذين خاضوا.. دون علم، أو حاولوا التخرص والتقول.. والفت فى العضد.. دون دراية.

صحيح وقعت الجرائم.. لكن العفو الرئاسى رسالة لكل أبناء البلد: تعالوا نعمل من جديد.. وعفا الله عما سلف.