الثلاثاء 7 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
سر ذهاب «هيكل» لجمال حمدان فى شقته!

حكايات صحفية

سر ذهاب «هيكل» لجمال حمدان فى شقته!

كان الكاتب الصحفى الكبير الأستاذ «مصطفى نبيل» من أقرب الناس والشخصيات التى حازت على ثقة وتقدير د.جمال حمدان على مدى سنوات طويلة بدأت فى ستينيات القرن الماضى وانتهت بوفاة د.جمال حمدان المأساوية فى أبريل عام 1993 .



وفى ذكرى رحيله الثانية (إبريل سنة 1994) وكان مصطفى نبيل يشغل منصب رئيس تحرير مجلة الهلال الشهرية كتب شهادته وكما عاشها عن قرب مع د.جمال حمدان فى مقاله: «جمال حمدان المأساة والعبقرية».

شرح مصطفى نبيل الأسباب والدوافع التى جعلت د.جمال حمدان يعتزل الحياة تمامًا ويعتكف فى بيته المتواضع بالدقى يكتب ويبدع شخصية مصر.

ويمضى مقال مصطفى نبيل فيكشف عن واقعة مدهشة جرت فى بيت جمال حمدان فيقول:

لا يمكن أن أنسى ذلك اللقاء الذى تم بين هيكل وجمال حمدان عقب توقيع الاتفاقية المصرية - الإسرائيلية، ويومها شهدت مبارزة فكرية من طراز فريد من أمتع ما رأيت، والتى تحكى المسكوت عنه فى حوار المفكرين، لقاء بين اثنين لكل منهما جذوره الفكرية وطبيعته الخاصة وكل منهما قمة فى مجاله!

 

 

 

ويكمل الأستاذ «مصطفى نبيل»: بينما كنت أزور الكاتب الكبير الأستاذ «محمد حسنين هيكل» عاتبنى أننى لم أرتب له موعدًا مع د.جمال حمدان، فاقترحت عليه أن نذهب فورًا للقائه ونبهته إلى طقوس زيارته، فرحب الأستاذ «هيكل» بالفكرة وقاد بنفسه سيارته إلى بيت د.جمال حمدان القريب!

وصلنا إلى البيت وطرقت الباب بالطريقة المتفق عليها، ولكن ظل الباب موصدًا، وتبينت عندها أن الأستاذ هيكل ليس من النوع الذى يستعصى عليه باب مغلق، وبعد انتظار طال، والطرق بكل الوسائل، طرق الأستاذ الباب على الشقة المقابلة لشقة الدكتور وسأل: هل الدكتور موجود بالمنزل؟

فأجابوا بالإيجاب فاقترح عليّ أن أصل إليه من الشقة المقابلة وأنبهه لوجودنا، فقلت: هل معقول ألا يفتح لنا الباب فيجدنى أدخل إليه من الشباك؟

وبعد حوالى ثلث ساعة من الطرق والانتظار فتح الدكتور الباب وهو فى حالة إرهاق ظاهرة، لم يحلق ذقنه منذ أيام وبملابسه الداخلية وأخذته المفاجأة عندما رأى الأستاذ «هيكل» أمامه، ورحب بنا بحرارة وأدخلنا إلى الشقة وذهب يستعد للقاء المفاجئ!

وشقة الدكتور شقة متواضعة فى الدور الأول وتتكون من غرفتين، إحداهما للنوم والأخرى للاستقبال، وتضم المائدة التى تتكدس فوقها الكتب وعدداً من الكراسى المتواضعة، وواضح أن الغرفة لم يدخلها أحد منذ عدة أيام، وترى بعض اللوحات معلقة على الجدران بدبابيس الرسم!!

نظر الأستاذ - هيكل - حوله وتساءل أين نحن؟ هل نحن فى إحدى محطات القطار؟ ووجه كلامه إليّ قائلًا: مصطفى لا بد من إقناعه بالخروج والجلوس معه فى مكان مناسب!

وبعد عشر دقائق من الانتظار جاء الدكتور بعد أن حلق ذقنه وارتدى «روب» فوق الفانلة ويحمل معه زجاجتين من المياه الغازية!

وبدأت محاولة الأستاذ لإقناع الدكتور بالخروج، ورفض الدكتور الفكرة بعناد؛ فهو يعانى من متاعب صحية فى الأمعاء، فاقترح عليه الأستاذ أن يأخذه إلى الطبيب أولًا ثم نجلس بعدها فى مكان على النيل فمن حقه عليه أن يطلب منه ذلك بعد أن بادره بالزيارة!

 

 

 

وأخذ كل منهما يستعين بى، واستقر بنا الأمر فى النهاية بالبقاء!

وابتداء من هذه اللحظة دار الحوار المثير بين هيكل وجمال حمدان والذى كان مصطفى شاهدًا عليه فيقول: وبادر جمال حمدان وتوجه للأستاذ هيكل بالقول: كيف تقبل يا أستاذ هيكل ما تشهده مصر؟ وهل تترك هذه المعاهدة تمر؟!

واستطرد قائلا: لا تقل لى إنك مجرد كاتب، فهذا غير صحيح فأنت زعيم سياسى يسلم بقيادته الكثيرون فكيف لا تقود ثورة لإسقاط هذه المعاهدة خاصة وأنت تتمتع بمجموعة من الميزات والتجارب لا تتوافر لغيرك.. وعادة لا يتقن من يحترف الكتابة الحديث ولكنك تتقن الكتابة والحديث، وعادة لا يعرف التفاصيل من يعرف أمهات المسائل وتفاصيلها، وعادة المفكر السياسى غير الممارس السياسى لكنك مفكر وسياسى فى ذات الوقت فماذا يحول بينك وبين التحرك؟!

ورد هيكل: جئت إليك يا دكتور جمال لأسألك وأستنير برأيك وأتبين ماذا يحدث؟ ولماذا رحب البعض بهذه الاتفاقية؟ وهل يكفى تفسيرك حول المجتمع النهرى ومركزية السلطة تفسيرا لما جرى؟!

فرد جمال حمدان بسؤال قال: قل لى يا أستاذ هيكل ما هذا الذى تركته وراءك فى الأهرام وما هذا الذى يكتبه كبار الكتاب مثل د.حسين فوزى وتوفيق الحكيم حول العلاقات مع إسرائيل؟!

ورد هيكل: تقع مسئولية ما يكتبه هؤلاء عليهم وحدهم، فلم أفعل سوى أن وفرت لكُتاب مصر ورموزها الاستقرار، وقدمت إليهم فرصة الكتابة فى أحد أهم المنابر المصرية، ووفرت لهم المكان والظروف المواتية، ولم أصنع أيًا منهم، فلم أصنع د.حسين فوزى. أو توفيق الحكيم أو يوسف إدريس أو نجيب محفوظ أو بنت الشاطئ!

وقال جمال حمدان: فماذا بشأن ما نطالعه لجيل جديد تتلمذ على يديك وبدأ العمل الصحفى معك فى الأهرام؟!

هيكل: إنى أشفق على هؤلاء وأراهم مجنيا عليهم لا جناة فماذا يفعلون؟ وما لم يسايروا الموجة فمصيرهم مجهول، وها هو ذا مصطفى - مثالا على ذلك - الذى فُصل ومُنع من الكتابة!  

ويكمل الأستاذ مصطفى نبيل ما جرّى بعدها قائلًا:

هذا بعض ما دار فى هذه الجلسة الشيقة وتواعدا على اللقاء، ووعد د.جمال حمدان أن يزور الأستاذ هيكل لاستئناف الحوار عندما تتحسن حالته الصحية!

وتواصلت علاقتى الحميمة بالدكتور جمال حمدان، حتى توليت رئاسة تحرير مجلة هلال فبدأ الفتور من جانبه وظل قلبى معه أتابع إنتاجه الفكرى المتألق وأرى عزلته تتضاعف ورفض كل الدعوات التى تدفقت عليه سواء لحضور مؤتمرات فى الخارج أو العمل أو حتى نشر كتبه خارج مصر.

وقاطع بحسم الصحف والمجلات والروايات وتخلص من أطنان منها اكتفى بالمراجع والكتب الرئيسية، ورفض الكتابة فى الصحف والمجلات.

لم تنته الحكاية عند هذا الحد، فهناك شهادة الأستاذ «هيكل» عن قصة هذا اللقاء!