السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
فى فلسفة العفو الرئاسى

فى فلسفة العفو الرئاسى

تثبت الدولة يومًا بعد يوم رغبتها الصادقة فى احتواء الجميع. احتواء كل أبنائها على اختلاف التوجهات ومع اختلاف الأيديولوجيات. 



العفو الرئاسى عن المحكومين فى قضايا دليل. ووراء العفو الرئاسي فلسفة.. وإشارات ودلالات.

الفلسفة هى أن الكل مسموح له بالمشاركة فى بناء المجتمع، وأن الكل متاح له فرصة أخرى كى يبدأ من جديد، ما عدا رعاة الإرهاب.

 

التذكير هنا واجب.. بأن العفو ليس مراجعة من الدولة لقوانين صدرت بموجبها أحكام ضد هؤلاء.. ولا معناه أن الجرائم التى حكم على هؤلاء بموجبها.. سقطت أو كأنها لم تكن. 

ليس صحيحًا.. 

العفو الرئاسى هو مزيد من الإشارات من رئيس الدولة، أنه عفا الله عما سلف، بنظرة للمستقبل تحتوى المصريين جميعًا.. إلا من تورط منهم فى دماء. 

يستخدم رئيس الدولة سلطاته فى العفو، بعد صدور أحكام قضائية.. ليمنح أملًا مرة أخرى فى حياة «سوية».. لمن أخطأ.. ولمن تجاوز. 

(1)

إن جيت للحق.. ربما لن ينسى المصريون أخطاء بعض من هؤلاء.. ولا ما لهؤلاء من تجاوزات. الكلام هنا على مستوى المواطن العادى.. وما مر به من أحداث وما تقلب فيه من وجوه فى مراحل مختلفة من تاريخ مصر السنوات الأخيرة. 

كثير من الأقنعة سقط.. وكثير من الخطايا ارتُكب من بعضهم فى حق البلد والناس. 

أكبر الخطايا كان التحريض. التحريض آفة.. وسم لو تعلمون. التحريض ونشر الشائعات أشبه بجرعة الأنسولين الزائدة، عندما تسرى فى الدماء فتلخبط وظائف الجسم.

التحريض كما لو أنها حقنة صوديوم.. أو ماغنسيوم فى الوريد، تصل إلى القلب.. فتضطرب كهربته.. وتتعقد وظائفه الحيوية.

إن جيت للحق مرة أخرى.. لن ينسينا العفو، أن هناك من مارس التحريض باسم الحرية.. وأن هناك من تعمد بث الشائعات باسم حقوق الإنسان.. لن ننسى أن هناك من احترف ألعاب الحواة باسم الديمقراطية. 

لن ينسى المواطن العادى هذا.. كما تمامًا لن ينسى أصحاب تلك الوجوه.. ومحاولات بعضهم تحقيق المكاسب على حساب بلد جريح.. خرج من 2011 يترنح.. أو خرج من 30 يونيو منتشيًا.. بينما كان بعض هؤلاء يطعن الشعب من الخلف. 

لن ينسى المواطن كثيرًا من خطايا هؤلاء.. لكن الدول لا تدار بنسق التفكير الضيق أو الفكر المقفول. 

على رأس الدولة المصرية قيادة تفرد الطريق للتسامح أولًا.. برغبة فى التعاون.. مهما كانت الأيديولوجيات.. إلا الإخوان.

تسير مصر فى الطريق للتغيير الشامل. على رأس الدولة قيادة تعرف الجميع، وتفطن للجميع، وتتعامل مع الجميع.. وتمنح الجميع من الفرص للمشاركة مع الجميع. 

هنا تكمن فلسفة العفو الرئاسى. وهنا مربط الفرس. 

وهنا نتاج حراك قومى كبير، بدأ من مؤتمرات الشباب، وصولًا إلى حوار وطنى يشارك فيه الجميع. 

هنا نتاج سياسات رشيدة لفتح الباب أمام كل فكر.. على أساس أن الدولة لن تعمل وحدها، ولا تريد أن تنتج وحدها. 

لا ننكر أنه فى فترة ما، كانت ملامح السيولة التى خرج بها المصريون من أعوام ما بعد 2011 كانت فى حاجة إلى إعادة ضبط. 

جاء عام إخوان الإرهاب، واتسع الخرق على الراتق.. وطلعت ناس، ونزلت ناس. ربى بعضهم الذقون، ونشر بعضهم صورًا للأدعية والصلاة على النبى على صفحاتهم على مواقع التواصل. 

استعاد المصريون الدولة فى 30 يونيو.. ودخلنا مرحلة جديدة لم يكن إلا البناء ودحر الإرهاب هما الأساس والخيار الأول والوحيد. 

منذ تلك الفترة.. وللآن لم تسكت التخرصات، ولم يعدم إخوان الإرهاب محاولات الضرب تحت الحزام.

لكن الخلاصة.. أن مصر استعادت نفسها. وبقى المبدأ الأساسى أنه لا أحد ممنوع، ولا أحد متروك.

حتى هؤلاء الذين خاضوا.. دون علم، أو حاولوا التخرص والتقول.. والفتّ فى العضد.. دون دراية. 

صحيح وقعت الجرائم.. لكن العفو الرئاسى كان رسالة.. لكل أبناء البلد: تعالوا نعمل من جديد.. وعفا الله عما سلف.

لكن الإخوان لا يمكن.. ومستحيل. 

 

 

 

 

(2)

للدولة سيادتها.. وللسيادة مقتضياتها. إجراءات الدولة فى حماية أمنها القومى بتطبيق القانون.. وصولًا إلى التشدد فيه فى بعض الأحيان لا هو تعسف، ولا يمكن اعتباره من قبيل مضاد للحريات.

الحريات فى البناء مطلقة.. وفى التعاون للأمام هى الأخرى مطلقة وفق القواعد والأعراف، لكن خلط الأوراق، ومحاولات التهديد باسم الحرية.. أو محاولة الهدم ودس السموم فى الأوردة بدعم من حصانات شعبوية.. فهذا فات وقته.. ولم يعد يجدى.. ولا كان منطقيًا فى زمنه. 

لا شك أن هناك من زايد على مصر.. وعلى حق الدولة المصرية فى حماية أمنها القومى. 

أفرادٌ.. ودولٌ دخلوا معادلة المزايدات هذه. فترة ما كانت سموم مواقع التواصل محل النزاع. 

صدرت مزايدات مواقع التواصل عنوانًا ودليلًا على مدى ما تتمتع به مصر من حريات، فيما كان فحيح الأفاعى واضحًا.. وظاهرًا.. على القنوات إياها.

بعضهم كال بمكيالين.. وبعضهم طفف فى الميزان كله.. بعضهم حاول الإيحاء بأن إنفاذ القانون افتئات على الرأى العام.. وأن إنزال العقوبات افتئات على الحريات !

لم يكن هذا صحيحًا.. لذلك تعاملت الدولة المصرية مع ألاعيب الحواة برشد. 

بالمناسبة.. والشىء بالشىء يُذكر.. فى أحداث باريس الأخيرة، ندد الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون بدور الشائعات والتحريض على مواقع التواصل فى إشعال مزيد من النار فى شوارع باريس.. ومزيد من العنف. 

اتخذت السلطات الفرنسية إجراءات على الأرض ضد دوائر التحريض تلك. الدافع كان حق الدولة الفرنسية فى إقرار السلام الاجتماعى.. والأمن على أراضيها. 

فى أوروبا.. العشر سنوات الأخيرة، وبعد أكثر من واقعة إرهاب، اتخذت دول مختلفة إجراءات ضد مواقع التواصل باعتبارها يمكن أن تكون أداة للإرهاب. 

لما اتخذت مصر وقت حربها الضروس مع الإرهاب إجراءات مماثلة.. تعالت الأصوات.. وكثر الكلام عن الحريات.

على كل.. لا يصح إلا الصحيح. 

لكن لا هؤلاء سيصمتون.. ولا هؤلاء سيتوقفون.. لكن مصر على الطريق الصحيح. 

وتظل سياسة العفو الرئاسى إجراءات مضافة لمزيد من تهيئة المناخ لتوافق وطنى شامل يؤسس للجمهورية الجديدة.. وتدعم ثمار الحوار الوطنى. 

مناسبات عدة.. وإجراءات كثيرة تجدد بها القيادة السياسية الحرص على توفير مناخ حقيقى وإيجابى.. وبنّاء لنجاح الحوار الوطنى. 

الحوار بدأ أساسًا كسبيل للتوافق، وأفردت الدولة مساحات كبيرة من الرغبات الصادقة فى العمل والتعاون مع الجميع.

قرارات العفو الرئاسى تتجدد وتتوالى، وكل قرار هو مزيد من الدلائل على الدعم الكامل لفتح قنوات الحوار الفاعل مع جميع القوى السياسية وتلبية المطالب المشروعة.

العديد من المحكومين استعادوا الحرية بعفو رئاسى منذ 2015. أعاد الرئيس عبدالفتاح السيسى 2022 تفعيل لجنة العفو الرئاسى بتوجيهات بتوسيع نطاق عملها. 

بداية الحديث عن تلك اللجنة يعود إلى 2016 خلال المؤتمر الوطنى للشباب الذى شهد حوارًا بين الرئيس والشباب حول عدد من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية. 

نتجت عن المناقشات توصيات أقرها الرئيس منها تشكيل لجنة العفو.

فى البداية هناك من شكك فى اللجنة، وفى نطاق عملها، وفى نتائجها. الكلام طلع كالعادة محاولة للصيد فى مياه عكرة. 

أنجزت اللجنة أعمالها.. وخرج كثيرون من وراء الأسوار. تدخل الرئيس بنفسه ووفق سلطاته الدستورية بمنح العفو لآخرين.. آخرهم زكى والباقر.

تتواكب سياسة القيادة السياسية فى إقرار العفو مع إجراءات أخرى فى دولة أعلنت إلغاء الطوارئ، وأطلقت الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، وأعادت تشكيل المجلس القومى لحقوق الإنسان.

يظل العفو رسالة واضحة للجميع.. وتظل الرسالة الأكثر وضوحًا أنه لا عفو عن من تلوثت يده بالدماء.. ولا من خطط لتفجير المصريين على محطات الأتوبيس.. فى محاولة للاستيلاء على دولة.. بحجم مصر.