الأربعاء 8 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
دعاء «على أمين» للعبد البائس «أحمد رجب»!

حكايات صحفية

دعاء «على أمين» للعبد البائس «أحمد رجب»!

من أجمل وأعذب ذكريات الكاتب الساخر الأستاذ «أحمد رجب» ذكرياته التى رواها عن أستاذه الكاتب الكبير «على أمين».



كان «أحمد رجب» يستعذب شخط ونطر «على أمين» فيه مع كل أبناء أخبار اليوم، وكان يحمل له كل الاحترام والحب والتقدير، فقد كان يعلم أن «على أمين» يبحث فى الصحافة عن الأكمل والأجمل، وهكذا كان يثور لأن صحفيًا فشل فى العثور على خبر!

 

ونال «أحمد رجب» نصيبًا كبيرًا من شخطات وثورات غضب «على أمين» التى لا تنتهى.

وذات يوم كان «أحمد رجب» مدعوًا على الغداء فى بيت «على أمين» وهو ما كان يفعله «على أمين» دائمًا مع تلامذته ونجوم أخبار اليوم ويقول «أحمد رجب»:

على مائدة الغداء أنذرنى «على أمين» بأنه سوف يفصلنى من العمل الساعة السادسة والنصف مساء اليوم! فإن أحد أصدقائه الحميمين من الأدباء القدامى كان قد كتب مقالاً فى 25 صفحة فلوسكاب، وأعطانى «على أمين» المقالة وطلب منى أن أختصرها فى خمس ورقات! فـ «على أمين» لا يستطيع أن يدوس الفن الصحفى الذى علمه لنا: احترام وقت القارئ، اكتب باختصار وتركيز، لا وقت عند القارئ للت والعجن، هناك أدوات حضارية تنافسك كالراديو مثلاً فكن على مستوى المنافسة عندما تكتب!

اكتب باختصار وكأنك تكتب برقية ستدفع عن كل كلمة فيها قرشًا!

وكما لا يستطيع «على أمين» أن يدوس الفن الصحفى من أجل صديقه، فهو لا يستطيع أيضًا أن يغضب صديقه الذى يعيش فى تقاليد الصحافة القديمة عندما كان يحتل مقال الكاتب صفحة كاملة فى الجريدة، لهذا عندما اتصل به صديقه بعد النشر معاتبًا غاضبًا على نشر المقال مختصرا، وعده «على أمين» بإجراء تحقيق لمعرفة الفاعل المجرم!

 

 

 

وعادة فى مثل هذه الأحوال يسفر التحقيق - الذى لا يحدث أبدا طبعًا - عن أننى الفاعل الأوحد!  

ويكمل الأستاذ «أحمد رجب» حكاياته قائلاً:

- لقد نشر كاتب معروف مقالاً بغير توقيعه، فاستدعانى أمام الضيف الذی جاء يحتج على المقال وقال لى: أنت مرفود!

ونشر خبر فى جريدة أخبار اليوم التى لم أعمل بها أبدًا، فاستدعانى «على أمين» وقال لى أمام ضيفه الجالس: أنت مرفود!

وذات مرة استدعانى فجأة لأجد عنده ضيفًا ضخم الجثة واضح جدًا أنه مصارع، وطلب منى «على أمين» أن أكتب تكذيبًا للخبر الذى لا أعرف عنه شيئًا، والذى أنا برىء منه بطبيعة الحال، وإذا بالضيف يحتدّ علىّ فجأة ويصبح على وشك استعمال عضلاته، فنهره «على أمين» بأدب وأنهى المشكلة بفصلى من العمل وبدون مكافأة!

المهم أننى لمحت بعد ذلك هذا الضيف المارد فى أحد الأندية مرتديًا بدلة التدريب، وما أن لمحنى من بعيد حتى استشعرت الخطر الرهيب فجريت خارجًا من النادى، وظللت أعدو حتى تقطعت أنفاسى ولم ينقذنى إلا القفز إلى أحد الأتوبيسات!

ويكمل «أحمد رجب» قائلاً: لقد تكرر رفدى بعد ذلك عشرات المرات، واليوم سأفصل فى الساعة السادسة والنصف مساء!

لكننى - يومها بالذات - اشترطت على «على أمين» أن أمثل دور المفصول بشرط أن يعطينى الأمل - مجرد الأمل - فى أنه سيمنحنى إجازة ولو لبضعة أيام، فإننى لم أحصل على يوم واحد إجازة من سنتين! وأعمل معه 18 ساعة فى اليوم، حتى «انهديت»، ولم تعد طاقتى - وأنا فى الخامسة والعشرين - تستطيع اللحاق بطاقته الخرافية فى العمل، كنت بعد أن أنتهى من عملى فى المجلة - مجلة الجيل - أعمل معه فى مشروعات التجديدات الصحفية التى لا تنتهى، وكان يفرد «الماكيتات» أمامه ويندمج فى العمل لدرجة أن جرس التليفون رن بجواره مرة، فقال وهو منهمك فى العمل دون أن يرفع سماعة التليفون:.. ألو.. مين!!

وتحت عنوان «ثم قلبها جد» يقول أحمد رجب:

وجاء صديقه الحميم فى السادسة والنصف واستدعانى على أمين، واشتغلت القذائف أو ضربات يده على المكتب! كيف أجرؤ وأختصر المقالة، كيف أتطاول وأجرى بقلمى فيها شطبًا وحذفًا، ثم هبد بيده الهبدة الختامية مع العبارة المأثورة: أنت مرفود!!

وفوجئ صديقه الأديب، وراح يرجو «على أمين» فى تخفيف العقوبة وبلاش قطع العيش!

ولكن «على أمين» صمم، وانصرف الرجل وهو مستاء من هذه المصيبة التى حطت على دماغى، والمهم أنه بعد انصراف الرجل سألنى «على أمين»:

 

 

 

- أنت اختصرت مقالته فى كام ورقة؟!

قلت له: سبع ورقات!!

وهنا ثار بحق وحقيقى ضاربًا المكتب بيده، لكن أنا قلت فى خمس ورقات.. أنا أجيب أبوزيد يختصر بدالك!! أما أبوزيد هذا الذى يحكى عنه أحمد رجب فهو بواب أخبار اليوم الذى كان على أمين يستشهد به إذا اخطأ صحفى أو عامل فى العمل.. ويستعين به بدلا من المحرر أو العامل!!

وتحت عنوان «البشرى العظيمة» يختتم أحمد رجب ذكرياته بقوله:

ثم جاء «على أمين» يزف إليّ بشرى سعيدة، فعلا أنا مرهق ولابد أن أستمتع بحياتى، لقد أعد لى مفاجأة وسوف يمتعنى بحياتى فعلا!

وانجلت المفاجأة السعيدة على أنه اصطحبنى إلى النادى الأهلى لنتغدى ثم فسحنى على النيل من كوبرى الجلاء إلى كوبرى عباس إلى كوبرى الملك الصالح وبالعكس، وبقى أن تعرف أن الجو يومها كان خماسينيًا «أصفر» بسبب التراب!

وانتقامًا من «على أمين» كتبت فى مجلة «أخبار الدار» التى كانت تصدر داخل الدار مقالًا بعنوان «على أمين متعنى بالحياة» قلت فيه:

قلت لعلى أمين: أقترح أن نعود إلى الدار، فالجو خماسينى!!

فرد على أمين: ألا ترى زرقة السماء الصافية؟

قلت له: بذمتك شايفها كده؟

قال: طبعًا

قلت له: طيب نتمتع بالحياة فى يوم غير ده؟!

قال على أمين: ألا تحس بنسمة الربيع الباردة الحلوة؟

قلت له: فين دى؟

قال: ألا تشم عبير الجو الربيعى الساحر؟

قلت له: أنا لا أشم إلا ترابًا أصفر!!

قال على أمين: مسكين أنت بائس لأنك لا ترى حلاوة الدنيا!

ثم رفع على أمين رأسه إلى السماء وقال:

يا رب.. امنحه القدرة على أن يرى حلاوة الدنيا! ادفع من على عينيه نظارة الخماسين الصفراء، وضع بدلا منها نظارة الربيع الزرقاء!

يا رب أصبه بزكام حتى لا يشم ما فى الجو من تراب، واجعله يتخيل أن مناخيره مزروعة بزهور «الكريزانتيم والجلاديول والورد والريحان» حتى يحس بحلاوة الدنيا فى الربيع!

يارب ادفع درجة حرارته إلى أربعين وشرطتين حتى يرتعش ويشعر أن هذا الهواء الخماسينى الساخن هو نسمات الربيع المنعشة! املأ قلبه بالتسامح مع الطبيعة حتى يتصور أن هذا التراب الذى يملأ فمه هو سكر بودرة!

يارب هذا دعائى لك من أجل عبدك البائس «أحمد رجب» الذى لا يرى حلاوة الدنيا فى الخماسين!». هل قرأتم مثل هذا الإبداع الذى كتبه أحمد رجب؟!