الثلاثاء 7 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
بواب أخبار اليوم يهدد مستقبل أحمد رجب!

بواب أخبار اليوم يهدد مستقبل أحمد رجب!

أول مرة سمعت فيها اسم الكاتب الكبير والساخر العظيم الأستاذ «أحمد رجب» كانت منذ 55 سنة بالتمام والكمال عندما استمعت إلى المسلسل الإذاعى الشهير «شنبو فى المصيدة» الذى قام بتأليفه وبطولة العظيمين فؤاد المهندس وشويكار.



لم أكن أعرف أنه كاتب صحفى إلا بالصدفة وكانت بداية قراءتى له بابه الشهير فى الأخبار «نص كلمة»، سطور قليلة مكثفة مركزة هى خلاصة الخلاصة فى فن الكتابة، فهو من مدرسة «الإعجاز فى الإيجاز» و«خير الكلام ما قل ودل».

وشاء حظى الجميل أن أقابله فى بدايات عملى الصحفى وأجرى معه حوارًا عن الصحافة الساخرة فى مصر، وتضم مكتبتى عشرات من كتبه الرائعة «أى كلام، الحب وسنينه، والأغانى للأرجبانى، الحب هو, كلام فارغ، توتة توتة، نهارك سعيد، ضربة فى قلبك.. و.. و..».

صحيح أن هذه الكتب كانت فى الأصل مقالات نشرها فى مجلة الجيل وآخر ساعة والأخبار، لكنها صمدت وتحدت الزمن حتى الآن، لأن أحمد رجب فى نهاية الأمر مثقف كبير وقارئ جاد وشغوف بكل عمل أدبى يصدر فى مصر أو خارجها.

 

 

 

ومن أمتع كتابات «أحمد رجب» هى تلك التى تحدّث فيها عن علاقته بأستاذه الكبير الصحفى «على أمين»، وفى أحد هذه المقالات وعنوانه «أبوزيد.. السلاح السرى لعلى أمين» روى ذكرياته معه وكتب:

«فى الخمسينيات - من القرن الماضى - فصلنى «على أمين» عشرات المرات وأنزلنى من نائب رئيس تحرير إلى محرر عشرات المرات، وعشرات المرات أصدر قرارًا بنقلى لأخبار اليوم على أن يحل محلى أبوزيد البواب نائبًا لرئيس التحرير!

وقد كان أبوزيد هو الإنسان السوبرمان الذى صنعه «على أمين» ولم نكن نعرف مواهب هذا السوبر مان «الأبوزيدى» إلا فى خلال ثورات «على أمين» من أجل الأكمل والأفضل، فإذا لم يعجبه توضيب صفحة قال لسكرتير التحرير: أنا أجيب أبوزيد يوضب بدالك! وإذا أفلت خبر من مخبر، قال: أنا أجيب أبوزيد يشتغل مخبر بدالك! وإذا لم تعجبه صورة : أنا أجيب أبوزيد يصور بدالك! وإذا توقفت المكنة أثناء الطبع وتأخر المهندس دقائق فى إدارتها: أنا أجيب أبوزيد يدورها بدالك!

وعندما انضم إلى أسرة أخبار اليوم رسام يعمل مع «على أمين» لأول مرة، لم يكن يعرف أن شخطات على أمين - من أجل الأكمل والأجمل - كلها فشنك فى فشنك، ولا بُدّ أن تعقبها ابتسامة طفولية ولا كأن حاجة حصلت, فلمّا عرض الرسام رسم وتوضيب قصة العدد على «على أمين» أعجبه الرسم ولكنه اعترض على طبع جزء من كلام القصة فوق جزء من أرضية الرسم الزرقاء، لأن الحروف عادة لا تظهر فوق اللون بوضوح مما يتعب نظر القارئ!

لكن الرسام بدأ يناقش «على أمين» فى مبدأ مهم من المبادئ التى أرساها «على أمين» فى توضيب المجلات، فصاح فى الرسام: ده توضيب عصر أفندينا! اسمع أنا أجيب أبوزيد يرسم بدالك!

ووجدت الرسام ينتظرنى فى مكتبى ليخبرنى أن «على أمين» طلب أن يرسم «أبوزيد رسوم القصة، فلما أفهمته أن أبوزيد هذا هو بواب أخبار اليوم وليس رسامًا فى الدار كما يظن، غضب الرسام الشاب وذهب يشكو «على أمين» إلى «مصطفى أمين» فقال له مصطفى أمين:

- ماتزعلش، تتصور أن «على أمين» لسه شاخط فيّ حالا وقاللى أنا أجيب أبوزيد أعمله توأم بدالك!!

واصطحب مصطفى أمين الرسام إلى مكتب على أمين، وما أن رآه بالباب حتى نهض من مكتبه واتجه نحوه يصالحه ويطبطب عليه، وبينما كان «على أمين» يدعو الرسام على واحد ليمون يروّق دمه من حكاية أبوزيد اللى بيرسم أحسن منه، استدعانى ليرى صورة الغلاف التى اخترتها للعدد الجديد، فنظر إلى الصورة، وقد لاح عليه الغضب ثم أقبل نحوى يندد بذوقى المتخلف فى اختيار صورة الغلاف!

وانخلع قلب الرسام الشاب فوضع كوب الليمون وهرب من المكتب لأنه غير متمرّس على هذه المواقف «الفشنكية»، بينما أمسك «على أمين» بالصورة مؤكدًا أن صاحبة هذه الصورة هربانة وأن أبوزيد البواب أجمل منها، ثم أصدر قراره قائلاً:

- شيلها من على الغلاف وحط صورة أبوزيد بدلها!!

 

وتستمر الحكايات وتحت عنوان «السوبرمان فى السينما».. يكتب أحمد رجب:

هكذا تعاظم شأن السوبرمان «الأبوزيدى» فاكتمل له الجمال بعد الكمال بقرار من «على أمين»! ولم يكن يدهشنا أن أبوزيد كان يبدى رأيه فيما - لا يعجبه من كتاباتنا - وهو يمط شفتيه فى قرف شديد؛ بل كان يدهشنا حقًا أنه يستوقف «على أمين» نفسه - صاحب الدار - عند البوابة ليعبّر له عن رأيه فيما يكتبه أحيانًا بالإعجاب وحينًا بالنقد!

وكان يحيرنا فعلًا أن على أمين كان ينصت إليه باهتمام إذا انتقد، وذلك رغم الألفاظ الدبش التى يستعملها أبوزيد، وكان شيئًا له العجب أن يتحلى «على أمين» بالهدوء الشديد وهو يحاول أن يتفهم وجهة نظر «أبوزيد» وقد عزونا هدوء «على أمين» إلى أنه ليس هناك «أبوزيد» آخر يهدد به أبوزيد بعبارته المأثورة: أنا أجيب أبوزيد يقف فى البوابة بدالك!!

 

 

 

لكننا ذات يوم عرفنا السبب؛ فقد اقترح «على أمين» على «أنيس منصور» أن يصطحب معه أبوزيد إلى السينما وأن يسجل تعليقات «أبوزيد» على الفيلم - فيلم (بنات اليوم) وفيلم (لواحظ)، وعرفنا أن «على أمين» ينظر إلى أبوزيد باعتباره رجل الشارع الذى من حقه أن نستمع إلى وجهة نظره فى صحافة وسينما وإذاعة بلاده، وبالفعل جاءت التعليقات التى سجلها أنيس بلسان أبوزيد ذكية ورائعة ولماحة تعكس ما فى أعماق الإنسان المصرى البسيط من حضارة لسبعة آلاف سنة.

ويواصل الأستاذ «أحمد رجب» ذكرياته قائلاً:

ثم حدث ما جعل «على أمين» يكف عن تهديدى بأبوزيد أو على الأصح يقلل من حدته! إذ أرسلت إليه مذكرة عن تأخر الأقسام الفنية فى إعداد غلاف العدد الجديد، ومع المذكرة صورة الغلاف الملونة من تصوير «أحمد يوسف» ونظر على أمين إلى صورة الغلاف فإذا بها صورة «أبوزيد» وعليها تعليق: أبوزيد معبود النساء اقرأ صـ 26!!

وضحك «على أمين» واعتبرها نكتة، ورفع سماعة التليفون ليتصل بى، لكننى كنت فى مكتب آخر أتصل بعلى أمين منتحلاً شخصية رئيس الأقسام الفنية ومقلدًا صوته وقلت لعلى أمين: أحمد رجب كتب فينا مذكرة وده غير صحيح يا أفندم لأن غلاف أبوزيد جاهز!

وسمعت صوت قذيفة رهيبة هى «هبدة» يد «على أمين» فوق المكتب متسائلاً فى استنكار: غلاف مين؟! فأكدت له بهدوء أنه غلاف «أبوزيد» وأن «أحمد رجب» قال إن على أمين لم تعجبه صورة فتاة الغلاف وأمر بوضع صورة «أبوزيد» على الغلاف!

وتوالت قذائف على أمين فوق المكتب وصوته يهدد معلنًا لرئيس الأقسام الفنية - الذى هو أنا - أنه سيودعه مع أحمد رجب مستشفى الأمراض العقلية!

فعدت أقول ببرود شديد وهدوء أشد أنه ليس هناك وقت لعمل غلاف جديد، ويمشى المرة دى يا فندم غلاف أبوزيد «والله يافندم أبوزيد طالع شكله لطيف وحلو ولا روبرت تايلور»!

عند هذا الحد سمعت «على أمين» يضع السماعة بعنف، وبعد قليل علمت أنه يقتحم الأقسام الفنية بحثًا عن رئيسها المجنون، فأسرعت أغادر الدار إلى بيت «على أمين» إذ كنت مدعوًا على الغداء معه!!

وللحكاية بقية!