السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
فـى المســـألة الســــودانية

فـى المســـألة الســــودانية

الأزمة فى السودان مستمرة. أو قل المأزق الذي وقع فيه السودانيون يتصاعد.



تعمل القاهرة على رأب الصدع. تعمل مصر فى المحيط الإفريقى.. وعلى المستوى الدولى لإنهاء النزاع.. والجلوس إلى مائدة يتفاهم فيها السودانيون.. إبقاء للسودان.. ولمصلحة السودان.

فى المعادلة السودانية الكثير من المصاعب.. والكثير من التعقيدات.

لكن تبقى السودان بعدا استراتيجيا جنوبيا للأمن القومى المصري، هذا لن يتغير، ولا يمكن غض الطرف عنه.

فى حالات الفوضى، أو فى حالة مزيد من انفلات الأوضاع.. سهل أن تتحول الحدود إلى خطوط نار، بداية من عصابات التهريب.. وانتهاء ببؤر استقرار الإرهاب. 

تتعامل القاهرة بحكمة معهودة منذ بداية الأزمة. تخطت مصر عدة محاولات لتوريطها فى صراع.. أو محاولة الإيهام بدعمها طرفا ضد آخر. كانت واقعة احتجاز بعض جنودنا محاولة ظاهرة للصيد فى الماء العكر. تخطت مصر، وتجاوزت، وتعاملت وفق المعطيات ووفق خلفيات شديدة الوعى بما يحاك.. وبما يدور. 

تبقى السودان معادلة صعبة.. والأصعب هو استمرار الأزمة، واستمرار القتال، بما لا يعود على السودانيين بمصلحة.

لا أمل فى الصراع.. ولا طائل منه. 

لكن يبدو أن الأزمة فى السودان أشعلها البعض، واستفاد منها آخرون. تشير بعض القراءات إلى أن الأزمة أشعلها الإخوان.. واستغلها المتطرفون.. فيما كان المعبد مهددا بالتداعى على من به من الزهاد والعباد.

بعض الأخبار أثارت الاستغراب. ففيما انتشرت أخبار هروب بعض المحبوسين من نظام عمر البشير من السجون، انتشرت بالتزامن أخبار  عن خروج بعض رؤوس ما يسمى بالمكون المدنى من البلاد.

ثنائية المكون المدنى.. والمكون العسكرى كانت الأزمة التي فجرت السودان.

تمسك ما يسمى بالمكون المدنى بالحكم على الرغم من عدم قدرة ذلك المكون من داخله على الاستقرار على رأى أو على خطة.. أو على ترتيبات واقعية لمستقبل البلاد. 

بقى المكون المدنى، على خلاف مع المكون العسكرى.

وبقيت تركيبة المكون المدنى، من داخلها غير قابلة على التعاطى أو التفاعل أو التوافق فيما بينها. فى الاتفاق الإطارى الأخير، ذهبت تيارات من المكون المدنى، وعارضت تيارات أخرى.

داخل التيارات المتوافقة كانت القوى تتصارع، وداخل القوات المعارضة، كانت هناك قوى تتوافق مع القوى المتصارعة. 

بدا أن المكون المدنى فى جانب، وتداعيات الأمور تسير فى جانب آخر. انفجر الوضع باستغلال بعضهم أطراف الخلاف، وصولا إلى مواجهات بالسلاح، أعادت السودان إلى اضطرابات ما قبل ذهاب البشير. 

بدأت الأزمة بسجال لا ينتهى ولا يتوافق ولا يقف إلى منطق أو خلاصة، لينتهى بصراع مسلح لا يستهدف نهاية واضحة. 

دخلت الأطراف المواجهة بصيغة المعادلة الصفرية.. لا تصلح المعادلات الصفرية صيغة مناسبة لذلك النوع من الأزمات، فى الوقت الذي لا بد من الاعتبار أن الجيوش الوطنية هى المعيار الحاكم لاستقرار الدول الوطنية.

 

اهتمام مصرى رفيع بقضايا الإقليم وفق الثوابت الوطنية
اهتمام مصرى رفيع بقضايا الإقليم وفق الثوابت الوطنية

 

فى معادلة الأمن القومى.. لا تستقر الأوضاع فى وجود «طرف رديف للجيش الوطني». 

هناك من يختزل الصراع فى السودان فى البرهان وحميدتى.

الأزمة هنا تتصاعد، وتتفاقم، إذ إن وضع الجيوش الوطنية على خط مستقيم واحد مع ميليشيات مسلحة، لا يؤدى إلى استقرار.. ولا يتطابق مع مفهوم الدولة الوطنية بالمعنى الشامل. 

تجرى مصر اتصالات مكثفة على جميع الأصعدة. على الصعيد الإفريقى، وعلى الصعيد الدولى. تتحمل مصر فى أزمة السودان العبء الأثقل كالمعتاد. لكن وكالمعتاد أيضا تعاملت مصر من منطلق مسؤوليتها التي لم تتخاذل يوما عنها. تراقب القاهرة.. وتعمل وفق ما تمليه تلك المسؤولية على مستويات عدة. تضع القاهرة كل ثقلها فى التفويت على السودانيين سيناريوهات أكثر صعوبة، وأكثر شدة فى الآثار والتداعيات.

تتأسس وجهة النظر المصرية على ثوابتها المعروفة.

أولا : لا تدخل فى الشؤون الداخلية للدول، إنما العمل على رأب الصدع، والوصول إلى تسويات مرضية، صونا لمصالح الشعوب.

ثانيا: فى الأزمة السودانية، لا تناصر مصر طرفًا ضد آخر، إنما تعمل على دفع الجميع إلى الجلوس إلى مائدة التفاهمات، وصولا إلى وقف القتال الذي يخصم من رصيد وضع غير مستقر فى الأساس بالسودان، ولا يضيف إليه إلا مزيدا من الانقسامات.

الانقسامات ليست فى صالح السودان، وتداعيات تلك الانقسامات ليست فى صالح المنطقة، ولا فى صالح الإقليم.

ثالثا : يبقى السودان بعدا استراتيجيا لأمن مصر القومى من ناحية الجنوب. وفى نفس السياق، فإن العمل يقتضى، مهما كانت السيناريوهات حماية الأمن القومى المصري، بالمفهوم الأعم لمقتضيات الأمن القومى. 

رابعا: السودان دولة شقيقة، روابطها مع مصر تاريخية وجغرافية وصلات دم تضرب فى جذور زمن بعيد.

فى مصر قبل الأزمة يعيش أكثر من 3 ملايين سودانى، لهم ما للمصريين، من خدمات مختلفة من أول الصحة وصولا إلى مراحل التعليم المختلفة.

منطلقات مصر من التعاطى مع الأزمة السودانية وصولا لحلول تُكِستْ البنادق.. منطلقات أخوية، قبل اعتبارات أخرى.

خامسا: أمن السودان واستقراره، مرتبط بأمن واستقرار البحر الأحمر. إذ إن مآلات الوضع فى السودان، لا بد تنعكس على أمن البحر الأحمر بما يمثله البحر الأحمر من اعتبارات استراتيجية لمصر.

سادسا: للسودان اعتبارات على قدر عالٍ من الأهمية فى مشكلة سد النهضة مع إثيوبيا. لذلك فإن استقرار السودان عامل أهم لاستمرار مستويات التعاون مع مصر فى تلك المسألة، خصوصا مع استمرار التعنت الإثيوبى فى اتفاقات الملء والتشغيل. 

بالتزامن مع جولة إفريقية لوزير الخارجية سامح شكرى إلى تشاد وجنوب السودان، كان الفرقاء فى السودان فى جدة وسط أضواء من الأمل.

لكن بعد ساعات من الاتفاق فى جدة على تدابير لحماية المدنيين، كان الطرفان يتبادلان الهجوم على الأرض فى العاصمة السودانية وضواحيها، ويصدران البيانات باتهامات متبادلة للآخر.

بقى أن يعى السودانيون الدرس. 

فى المسألة السودانية عبر ودروس مستفادة. يكمن أولها أن الأهم فى تحديد مصائر الدول، التوافق على أهداف عامة، تدفع إلى الأمام، وتستوعب الواقع، وتضيف مساحات من الإبداع إلى سبل الوصول للأهداف المرجوة.

تدعم مصر كل ما من شأنه وحدة السودان، وسلامة أراضيه، ومصالح شعبه فى بلد شقيق ثرواته من أكبر الثروات فى إفريقيا. ومساحته من أكبر المساحات فى القارة.. وبموقع من أهم المواقع على خريطة الإقليم.. وعلى خريطة القارة السمراء.