الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
تجربة «فتحى غانم» لاختيار أحلى عشر قصص!

حكايات صحفية

تجربة «فتحى غانم» لاختيار أحلى عشر قصص!

«لست ناقدًا فهذا شرف لا أدعيه، وإذا كان اتهامًا فلا أنكره مجاملة للسادة النقاد»! 



بهذه الكلمات الحاسمة القاطعة اعترف الروائى الكبير الأستاذ «فتحى غانم» فى مقدمة كتاب «أحلى عشر قصص» الذى صدر فى سلسلة كتاب اليوم الشهيرة التى كان يرأس تحريرها الأستاذ «نبيل أباظة».

المقدمة كانت بعنوان «حكايتى مع هذه القصص»، وتبدأ الحكاية عندما طلب «نبيل أباظة» من «فتحى غانم» المساهمة فى التحكيم فى مسابقة «أخبار اليوم» للقصص القصيرة، وأن يختار من بين القصص المشتركة فى المسابقة عشر قصص لنشرها فى «كتاب اليوم».

 

المقدمة التى كتبها «فتحى غانم» فيها الكثير مما يستحق القراءة، سواء رؤيته كأديب أو صحفى أو حواراته مع نجوم الأدب فى مسيرته الإبداعية.

يقول الأستاذ «فتحى غانم»: قبلت بغير تفكير طويل لأننى سعيد بمساهمة مؤسسة كبيرة كـ«أخبار اليوم» فى النشاط الثقافى والإبداعى، ولأننی أتمنى لو أن مؤسسات مالية وصناعية كبيرة تحذو حذو «أخبار اليوم» وتساهم فى هذا النشاط لنتحرر من بيروقراطية تشرف وتتدخل فى ميزانية الدولة، ولا تكاد تفهم أن للإبداع الفنى والأدبى دورًا فى بناء الإنسان فى المجتمع وأثرًا مباشرًا فى عملية التنمية ودفع عجلة الإنتاج ومواجهة مشاكل اجتماعية بالغة الخطورة من أهمها مشاكل تنظيم الأسرة!

إن خبراء وجهابذة وزارة المالية يلغون بجرة قلم مشروعات لترجمة الكتب، ومازلت أعانى - كمقرر للجنة التفرغ فى المجلس الأعلى للثقافة من شطب اعتمادات منح التفرغ لأن السادة خبراء البيروقراطية لا يرون سببًا لصرف مليم واحد على أديب أو رسام يمسك بقلم أو فرشاة ويشخبط على الورق! ولأن الإبداع الأدبى والفنی ليس طعامًا يأكلونه أو شرابًا يشربونه أو لباسًا يلبسونه، وهم يفكرون بالعقلية نفسها التى تأمر بقطع أشجار الحدائق لبيع أخشابها، وتحويل الحدائق إلى مبانٍ! ويوفرون مصاريف علاج التلوث ولا يهتمون بتلويث مياه نهر النيل أو قذارة المدينة أو تسميم هوائها!

 

 

 

وتمضى كلمات الأستاذ «فتحى غانم» المؤلمة والموجعة والصادقة بقوله:

«إنهم يجهلون أن الفن الجميل والذوق الرفيع بالنسبة لعقل الإنسان ومعنوياته كالأوكسجين النقى بالنسبة لرئة الإنسان وبما فيه جسده، وعلماء التاريخ والاجتماع يؤكدون لنا أن ازدهار الآداب والفنون يواكب ازدهار الحضارة والعمران، وانحطاط الإبداع يواكب عصور الانحلال والاضمحلال والتفسخ الاجتماعى، والعقول المتفتحة بالعلوم والفنون هى وحدها التى تستطيع التصدى لمسئوليات التنمية فى عالم تسيطر عليه أجهزة اتصال وتتدفق المعلومات كالطوفان الهادر!

ولا بد من استجابة ذكية سريعة، ولا بد من اختيار وقرار فى الوقت المناسب، ولا مجال لانتظار قرارات بطيئة تصعد وتهبط سلالم البيروقراطية دون أن تبصر أبعد من مواطئ أقدامها!

الاهتمام بتنمية روح الخلق والإبداع والابتكار جزء لا يتجزأ من تنمية المجتمع كله، بل مساهمة - أيضا فى النشاط الثقافى العالمى الذى أصبحت المساهمة مطلبًا لا بد من تلبيته حتى لا تنعزل وتتخلف وتسقط فى قاع لا نجاة منه وإدراك هذه الحقائق ليس ترفًا، إذ يتوقف على هذا الإدراك وسلامته مستقبل الوطن والأمة بلا أدنى مبالغة!

لذلك أنتهز هذه الفرصة لتحية الأستاذ الكبير «إبراهيم سعدة» لاهتمامه بهذا المشروع الثقافى وأطالبه بأن يفكر فى المساهمة فى مشروع تفرغ الأدباء والفنانين وأن يدعو المؤسسات المالية والصناعية أن تساهم فى استثمار مواهب كبار الفنانين وأن تمنحهم الفرصة لتحقيق أحلامهم فى الخلق والإبداع الذى هو ثروة حقيقية لنا وللإنسانية جمعاء!

وفى يقينى أن وزارة الثقافة لا يخطر ببالها أن يكون النشاط الإبداعى مقصورًا على مشروعات الوزارة والقطاع العام، والدليل على ذلك أن «فاروق حسني» وزير الثقافة طلب تعديل لائحة التفرغ ليتحول إلى استثمار للمواهب وليس معاشات وإعانات، وجاء فى اللائحة الجديدة أن تمويل منح التفرغ قد يكون بمساهمة الهيئات والجمعيات ومؤسسات القطاع الخاص، وليس هذا بدعة فى تاريخنا الثقافى، فمؤسسات بنك مصر التى أقامها «طلعت حرب» هى التى أقامت «ستوديو مصر» للتصوير السينمائى.

 

 

 

بعد تلك المقدمة الضافية والمهمة يدخل الأستاذ «فتحى غانم» إلى الموضوع الرئيسى، وهو التحكيم فى القصص وتحت عنوان فرعى «البحث عن معيار للاختيار» كتب يقول:

اشترك فى مسابقة القصة القصيرة لأخبار اليوم مئات المتسابقين وبعد تصفية أولى استقر الرأى على اختيار ثلاثة وستين «اسمًا» لكاتب وكاتبة، كتب أغلبهم مجموعات قصصية بمعدل خمس قصص، أى أن الاختيار الأخير جاء بين حوالى ثلثمائة قصة، كان أصحابها مرشحين للفوز بجائزة النشر! وأرى أن نشر أسمائهم جميعًا تحية لهم، واعترافًا بأنهم أصحاب موهبة، ربما تحتاج إلى بعض الثقل أحيانًا لكنهم جميعًا كُتاب قصة بكل المقاييس.

وهنا نصل إلى مأزق الاختيار، وهو مأزق تورطت فيه شخصيًا وأصبحت مسئولا عنه، ولا أملك غير ذلك ولا بد أن أتحمل سخط من لم يحصل على جائزة، ولابد أن يحتج من لا يجد قصة منشورة فى هذا الكتاب، ولا يحصل على الجائزة، وربما كان الأفضل للنجاة من هذا المأزق، أن يظل اسمى مجهولًا لأتخلص من احتجاجات طبيعية ومزعجة لا مفر منها!

ولقد حاولت أن أضع معيارًا للاختيار نتفق عليه، لكنى فشلت فشلًا ذريعًا، إذ أين نجد معيار النقد الذى يتفق عليه الكُتاب أو النقاد؟! ومن الذى يملك أن يقول أن أسلوب هذه القصة هو الأفضل أو أن هذا النوع من السرد هو النموذج؟

بل من يستطيع أن يرشدنا إلى الحدود الفاصلة بين القصة والرواية القصيرة.. أو بين القصة وقصيدة الشعر أو المسرحية أو التحقيق الصحفي؟

حطمت التيارات الأدبية كل الحدود والقيود والسدود منذ اجتاحت عالم الثقافة منذ الحرب العالمية الثانية فى منتصف هذا القرن العشرين الذى يحتضر الآن فى سنواته الأخيرة!

كل شيء أصبح مباحًا فى الإبداع بعد أن كان مباحًا فى الحرب والحب!

وانطلقت المصطلحات كالصواريخ فى سماء الإبداع، سيريالية وعبثية وشكلية ووجودية، فلما اعتاد الناس عليها ظهرت الحداثة ثم ما بعد الحداثة، والبنيوية التى هللوا لها ثم هجروها ليتحدثوا عن «التفكيكية» فمشاريع البناء تحولت إلى مشاريع هدم وتفكيك! وكل مصطلح من هذه المصطلحات وراءه جيش من النقاد دبجوا آلاف المقالات والكتب، ولو كنت اتبع مدرسة وأتبنى مصطلحًا من هذه المصطلحات ما كنت فى تقديرى كتبت قصة أو رواية واحدة!

ولذلك يختلف حديثى عن القصة عن أى حديث آخر، فأنا لا أكاد أعرف مسبقًا ما الذى سوف أكتبه عندما أشرع فى كتابة قصة أو رواية، قد تكون لديّ أفكار وخواطر ومجموعة من انطباعات وردود أفعال - لمواقف صعبة صادفتنى، أو تحديات على المستوى الشخصى أو العام اعترضت حياتى، لكل كل هذا يظل يحوم حولى، قد يثيرنى وقد يستفزنى، يقلقنى أو يؤرقنى، لكنه لا يتحول إلى عمل أدبى قصة أو رواية!».

هكذا يعترف أستاذنا فتحى غانم لكن السؤال: كيف كتب كل هذه الروائع من قصص قصيرة وروايات طويلة؟! للحكاية بقية!