الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
أغرب حوار بين الرئيس عبدالناصر وحسين فوزى!

حكايات صحفية

أغرب حوار بين الرئيس عبدالناصر وحسين فوزى!

رفض الأستاذ «محمد حسنين هيكل» قبول استقالة د. لويس عوض من «الأهرام» وطلب منه استكمال سلسلة مقالاته «على هامش الغفران»، فى تسع عشرة مقالة بدلاً من تسع مقالات كما كان يريد لويس عوض.



ويمضى لويس عوض «فى شهادته المهمة والجريئة للدكتور غالى شكرى» التى أوردها كاملة فى كتابه الشهير «المثقفون والسلطة فى مصر»، فيقول:

 

فى عيد العلم عام 1967 أهدانى الرئيس «عبدالناصر» وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى، واقترن الوسام ببعض الكلمات التى تشيد بدورى فى الثقافة المصرية.

التقيت بعبدالناصر ثلاث مرات، أولاها فى قصر عابدين، حيث كنت مقررًا للجنة الثقافية فى مؤتمر التضامن الإفريقى الآسيوى، والمرة الثانية حين تسلمت وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى، والمرة الثالثة كانت فى «الأهرام» حين قام الرئيس بزيارته المعروفة عام 1969، وكان «هيكل» قد اختار مكتبى ليكون مكانًا للقاء كتاب وأدباء الأهرام بالرئيس «عبدالناصر».

كان هناك «نجيب محفوظ» و«حسين فوزى» و«عائشة عبدالرحمن» و«صلاح طاهر» و«صلاح جاهين»، وعندما دخل «عبدالناصر» أراد «هيكل» أن يمزح معه وهو يقدمنا له قائلاً:

«هنا جميع التيارات الفكرية ممثلة، فالدكتورة بنت الشاطئ تمثل مصر الإسلامية، ود. لويس عوض يمثل مصر الفرعونية، ونجيب محفوظ .. فأكمل عبدالناصر: يمثل السيدة زينب، فعلق نجيب: بل سيدنا الحسين يا سيادة الرئيس».

وضحك جمال عبدالناصر، وجاء دور «حسين فوزى» فقال هيكل: إنه يمثل مصر البحر المتوسط، وحينئذ قال عبدالناصر لفوزى: أنت لا تحب القومية العربية! فقال فوزى: بل لقد كتبت يا سيادة الرئيس فى كتاب «السندباد» - يقصد سندباد مصر - أن العرب انتصروا على الروم بواسطة الأسطول المصرى، فعلق عبدالناصر بأنه يمزح لا أكثر.. ولكن «حسين فوزى» استطرد: يا سيدى الرئيس، لقد كانوا يعلموننا أن مصر أعظم أمة، والآن نحن دولة متخلفة ولن نستطيع استعادة مكانتنا إلا إذا اتجهنا بأبصارنا نحو الشاطئ الآخر للبحر المتوسط، لنرى ماذا يفعلون ونفعل مثلهم.

ولفت نظرى رد عبدالناصر فقد أجابه بهدوء: زامبيا تقول نفس الكلام!

ولكن فوزى استأنف الكلام: على أى حال، لقد تعلمت وجيلى أنه ما لم نر أوروبا ماذا تفعل، ونحاول أن نفعل مثلها، فإننا لن نتقدم، أما أن نكون أوروبا الغربية أو أوروبا الشرقية، فإن الأمر متروك لسيادة الرئيس أن يقرر!

وطبعًا كان حسين فوزى ماكرًا، فكأنه لا ينفى الاتهام الموجه إلى عبدالناصر بأنه جنح شرقًا، وقد رد عليه عبدالناصر بجواب حكيم، إذ قال له: يا دكتور فوزى، ليست اختيارات الفرد دائمًا هى التى تقرر مصير الأمم!

 

لويس عوض
لويس عوض

 

كان جوابًا حكيمًا دون أن يحتاج للخوض فى التفاصيل، وكان تفسيرى لهذه الإجابة ولايزال أنه أراد أن يقول: لست شيوعيًا، ولكنى مضيت فى طريق الكفاح الوطنى إلى النهاية، وأعتقد أنه كان بهذا الجواب قد تحلى بدرجة عظيمة من النبل!

ويمضى د. لويس عوض فيقول:

وأثناء خروجه من مكتبى سمعته يقول لهيكل: لقد نسيت أن أسأل د. لويس عوض من هو «حسن مفتاح - بطل رواية العنقاء» - وكنت قد أهديته الرواية عند صدورها عام 1966، وتضمنت المقدمة التى شرحت فيها المناخ السياسى والثقافى للأربعينيات، وقد غضب عبدالناصر كما فهمت من «هيكل» أن هذه الرواية نشرت خارج مصر، كان يتمنى أن تطبع فى مصر.

وبالطبع لم أكن قد حكيت لهيكل محاولاتى المستمرة لتنفيذ هذه الأمنية، ولكنى قلت له بعد ذلك أننى لست الملوم فى ذلك وإنما مستشار دار المعارف- د.مصطفى السعيد - هو الذى اعتذر عن عدم نشرها بسبب تصويرى لعزرائيل كشخصية شريرة، وكان جوابى أن «عزرائيل» فى المخيلة الشعبية هو «ملاك الموت» الذى يقبض الأرواح، ولذلك فالعامة تخافه ويتمناه الخصوم لبعضهم بصفته «شر الشرور» الذى يفرق الأحباب.

وحين مات جمال عبدالناصر كتبت الأسطر التى يحفظها بعض الناس إلى الآن، فقد كان بطلا وطنيًا منحازًا للفقراء، وكان أكثر زملائه تقدما وصلابة واستبصارًا واستنارة.

وبوفاة الرئيس «جمال عبدالناصر» فى سبتمبر سنة 1970 وتولى مقاليد السلطة الرئيس أنور السادات تبدأ ذكريات وحكايات جديدة فى حياة د.لويس عوض الذى صدر قرار بفصله من عضوية التنظيم السياسى وقتها - الاتحاد الاشتراكى - ويمضى د.لويس عوض شارحًا ما جرى بقوله:

فصلونى مع زملائى من عضوية التنظيم السياسى وقد كانت شرطًا للعمل، فكان الفصل يعنى الفصل من أعمالنا، وقد رفض «هيكل» تنفيذ القرار وقال للسادات إن أحدًا لا يستطيع وقف كاتب أو صحفى إلا فى الحالات التى حددها قانون نقابة الصحفيين وبعد النظر فى شأنه فى «مجلس تأديب» وأجابه السادات أن عليه تنفيذ الأوامر، ولكن «هيكل» رفض وقال لرئيس الجمهورية: إننى سأصرف لهم رواتبهم كالمعتاد وأننى أضع استقالتى فى تصرفك!

وفى آخر الشهر صرفنا رواتبنا فعلًا، نحن والآخرون فى بقية الصحف، وبعد عشرة أيام كلمنى «هيكل» تليفونيا يسأل ماذا أفعل؟! قلت: إننى بصدد ترجمة جديدة لكتاب «فن الشعر» لأرسطو، كرر السؤال مضيفا: ماذا تكتب للأهرام؟ قلت: إننا مفصولون ولاداعى للحرج، فعلق: لا لم يحدث شيء من هذا القبيل عد إلى مكتبك!

ويكشف د.لويس عوض عن سر يذاع لأول مرة فيقول:

كان «توفيق الحكيم» فى أول عام 1973 يجتمع ببعض الأدباء ويتشاور معهم «حول» هذه الحال - اللاسلم واللاحرب - ثم وجدته يكتب بعض الأسطر احتجاجًا على ما يجرى ويطلب منى التوقيع ولكنى اعتذرت له بأن هذه الأسطر تشخص الداء دون الدواء، وأن المطلوب من قادة الرأى أكثر من ذلك، ورفضت التوقيع, وبعد يومين جاءنى «يوسف إدريس» و«أحمد عبدالمعطى حجازى» وربما كاتب آخر لا أتذكره وقالوا لى لابد من أن أوقع على البيان من أجل الطلاب، قلت: إذا كان هذا هو السبب فهذا هو توقيعى، ووقعت فى آخر القائمة ولكنهم طلبوا منى أن يكون اسمى فى المقدمة فاستجبت لطلبهم ثم تتالت الحوادث، وقد كنت واحدًا ممن فوجئوا بالحرب - أكتوبر سنة 1973.

وعندما وقعت الحرب كتبت بعض التعليقات التى اعتذر «هيكل» عن عدم نشرها ربما كانت مليئة بالأفكار التى حيرته كما قال على سبيل المثال أردت فيها أن أفسر استبسال المصريين فى القتال.. وكان رأى أن العار من هزيمة 1967 كان قد وصل بالمصرى العادى أن يفضل الموت على الحياة فى ظل هذا العار الوطنى، وأن مرارة الإحساس بالهزيمة بلغت مبلغ الانتحار، وربما وجد «هيكل» فى مثل هذا الوصف أو التحليل قسوة أو قتامة لا تناسب الموقف، كان هيكل ممن يسمون الهزيمة نكسة، أى أنه كان ممن يحرصون على الاحتفاظ بأعصابهم ويخففون من وقع الأشياء، أما الأدباء فنميل إلى تسمية الأشياء بأسمائها.

 

 

 

وينتقل د. لويس عوض إلى واقعة غريبة، حيث يرويها قائلًا:

بين أواخر 1973 وبداية 1974 طلب توفيق الحكيم «أن أزوره فى مكتبه وإذا به يطلعنى على صفحات مكتوبة بالقلم الرصاص، وكانت هذه هى «مسودة» (عودة الوعى) قال لى: هذا كتيب صغير عن أوضاع مصر أريد رأيك فيه؟

أخذت الكتيب وسهرت فى قراءته، وأعدته له فى اليوم التالى حسب طلبه وقلت له: لا يا أستاذ توفيق لست أنصحك بنشره أسألنى لماذا؟

أجبت: لأنك شريك فى كل ما كان، ولا أظن من العدل أن تأتى بعد كل ما حدث وتتنصل منه كأن الذى قام به شخص واحد هو «جمال عبدالناصر»! وللذكريات بقية!!