السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
لويس عوض وهيكل وذكريات منسية!

حكايات صحفية

لويس عوض وهيكل وذكريات منسية!

كان أحد أحلام الكاتب الكبير الأستاذ «محمد حسنين هيكل» أن يصدر مجلة ثقافية تصدر عن الأهرام ويسند رئاسة تحريرها إلى الدكتور لويس عوض، كان ذلك قبل شهور من هزيمة يونيو سنة 1967.



هكذا تحدث د. لويس عوض فى شهادته المهمة إلى الناقد الكبير د. غالى شكرى، وكما أوردها كاملة فى كتابه المهم «المثقفون والسلطة فى مصر» (صدر عام 1990 عن دار أخبار اليوم)، الذى يقول:

«قبل الهزيمة بعدة شهور فكر «هيكل» (محمد حسنين) فى إصدار مجلة ثقافية أقوم برئاسة تحريرها وأنا بطبعى وفى سنى عزوف عن تحمل هذه المهام، وأذكر فى بداية الستينيات (القرن الماضى) حين كنت فى دار التحرير بجريدة الجمهورية أنهم فكروا فى إصدار مجلة «الكاتب» وطلبوا منى رئاسة تحريرها، وقد شرعت فعلاً فى تحضير بضعة أعداد، ولكنى فوجئت بأنهم تراجعوا وعينوا «أحمد حمروش» رئيسًا للتحرير!

إننى عزوف عن هذه الأشياء لأن اهتمامى الأول هو تثبيت تيارات فكرية، وليس من طموحاتى أن أتولى المناصب، وأعتقد أن «هيكل» فكر فى إصدار مجلة ثقافية عن الأهرام لأنه لاحظ جنوح مجلات وزارة الثقافة إلى اليمين السافر! وكان من الغريب أن تكون الدولة هى التى تنفق على هذه البذاءة، والمفروض أصلاً أن وزارة الثقافة هى أم الجميع فترعى اليمين والوسط واليسار على السواء، وإذا كان لديها ما تقوله فإنها تقوله!

ولكن ليس من المفهوم أن تتحول إلى طرف فى حرب أهلية بين المواطنين أو الأدباء، غير أن هذا هو ما حدث فاقتحمت مجلات الوزارة، أو أن البعض اتخذها مطية لركوب الموجة الرجعية!

فى تلك الفترة وصل توزيع هذه المجلات (أقصد الرسالة الثقافية) إلى الحضيض من واقع الأرقام المثبتة فى سجلات وزارة الثقافة فأغلقت! وحينئذ فكر «هيكل» فى مجلة ثقافية شهرية تصدر عن الأهرام اتخذنا لها بالفعل اسم «العصر» وأعددنا منها حوالى ستة أعداد تجريبية!

وأثناء الانهماك المضنى من جانبى ومن جانب زملائى فى القسم الأدبى بالأهرام من أمثال «صلاح عبدالصبور» و«غالى شكرى» و«مصطفى إبراهيم» و«ماهر فؤاد» و«وحيد النقاش» وقعت حرب 1967، وحسب النتيجة التى انتهت إليها، انتهت كذلك تجارب إصدار «العصر» فقد اعتذرت عن الاستمرار فى المحاولة، وكان الجو كله مهيأً لتوقف أشياء وأمور عديدة!

كان د. غالى شكرى أحد الذين اختارهم د. لويس عوض للمساهمة فى تحرير مجلة «العصر» التى لم تظهر للنور رغم صدور عدة أعداد تجريبية منها بالفعل وفيما بعد كتب د. غالى شكرى يقول:

 

 

 

 

«إبان الفترة الواقعة ما بين 1963 و1966 كان الأهرام يفكر فى إصدار مجلة ثقافية شهرية فكلفنى بإجراء هذه المواجهات، ولكن ظروفًا حالت دون تنفيذ المشروع، فاضطررت إلى نشر بعضها فى مجلات أخرى، وظل البعض فى أدراج مكتبى لا يرى النور حتى قررت نشره فى هذا الكتاب».

والكتاب هو «مذكرات ثقافة تحتضر» وضم حوارات مع الشاعر العراقى الكبير «محمد مهدى الجواهرى» و«توفيق الحكيم» و«نجيب محفوظ» و«يوسف إدريس» و«إحسان عبدالقدوس» و«فتحى غانم» و«يوسف السباعى».

وصدر الكتاب عام 1970، ثم عاد غالى شكرى بعد عشرين عامًا وبالضبط سنة 1990 لينشر حوارات أخرى فى كتابه «المثقفون والسلطة فى مصر» وكانت الحوارات مع كل من «فتحى رضوان» و«توفيق الحكيم» و«زكى نجيب محمود» و«لويس عوض»!

وأتوقف أمام شهادة د. لويس عوض المهمة ومشواره مع الصحافة خاصة بعد قيام ثورة يوليو سنة 1952، وهى فترة مهمة لم يقترب منها د. لويس عوض فى كتابه «أوراق العمر: سنوات التكوين»، حيث كتب يقول:

«كنت أشرف على الملحق الأدبى لجريدة الجمهورية - 1954 - وقد كتبت مقالى المعروف «من تلميذ إلى أستاذه»، وهو المقال الذى عارضت فيه موقف «طه حسين» وانحزت فيه لتوجهاتى السياسية، أى «الأدب للحياة» وكان جيل الشباب وقتئذ من أمثال «محمود أمين العالم» و«عبدالعظيم أنيس» و«عبدالرحمن الشرقاوى» وغيرهم يؤكدون المعانى التى سبق أن أشعلتها فى مقدمات «بلوتولاند» - ديوان شعر - و«فى الأدب الإنجليزى» و«فن الشعر».. و«بروميثيوس طليقًا»، ولكنى أظن أن بعضهم جنح بهذه المعانى إلى التطرف قليلًا، وربما كان هذا التطرف رد فعل لتطرف الرجعية الأدبية فى مصر، غير أن الحصاد كان انتصار اليسار الأدبى، فقد أعطانا الشعر الجديد نماذج ممتازة فى بعض أعمال «صلاح عبدالصبور» و«أحمد عبدالمعطى حجازى»، وأعطتنا العامية أيضا الشاعر «صلاح جاهين».

وهكذا حسم الإبداع المصرى المسائل النظرية، ونضج جيل جديد من النقاد أبرزهم غالى شكرى و«رجاء النقاش» و«عباس صالح».

ويروى د.لويس عوض تجربة القبض عليه والاستيلاء على مخطوط روايته «العنقاء» أو «تاريخ حسن مفتاح»، ليمضى فترة فى سجن القلعة إلى أن تم الإفراج عنه بعد ذلك.

ويواصل د.لويس عوض شهادته المهمة فيقول لغالى شكرى:

«عدت إلى الجمهورية ولكنى لم أبق فيها طويلًا، بقيت عامًا وشهرًا واحدًا ففى أول فبراير 1962 بدأت أعمل فى الأهرام بالصفة ذاتها التى كانت لى فى الجمهورية وهى صفة المستشار الثقافى للدار.

ومن غرائب الأحداث فى تلك الآونة أن وزارة الثقافة أحيت بعض المجلات القديمة كالرسالة والثقافة، وولت عليها «أحمد حسن الزيات ومحمد فريد أبوحديد» كما لو أن شيئا لم يتغير، كان ذلك قد بدأ عام 1963، أى قبل عامين مما أذاعته الدولة حول مؤامرة مسلحة يديرها تيار الإسلام السياسى، وفى عام 1965 تم إحباط هذه المؤامرة قبل نجاحها وأعدم بعض قادتها.

 

 

 

 

فى هذا الوقت أيضا بدأت الحملة الضارية على شخصى فى مجلة «الرسالة» بقلم الشيخ «محمود شاكر»، هذه الحملة باختصار كانت المدفعية الفكرية التى تمهد الأذهان لما سيقع من أحداث، وقد كنت الهدف الرئيسى لهذه الحملة بغض النظر عن المناسبة، وهى مقالات فى «الأهرام» التى كان عنوانها الرئيسى «على هامش الغفران».

لم يكن المقصود أبدًا هو الحوار حول منهج هذه السلسلة أو مادتها العلمية أو أى شيء له علاقة بجوهر العلم، وإنما كان المقصود هو اتخاذى جسرًا إلى أهداف أخرى، والدليل أن الحملة المذكورة تناولت أعمالى كلها وليس «على هامش الغفران» فقط، ثم إنها تناولت هذه الأعمال من منظور شخصى سياسى دينى، وليس من منظور ثقافى أو علمى أو أكاديمي!

وبالطبع فى ذلك الوقت كانوا أقلية، وفى موقف ضعف يستند فقط على الإرهاب أو الاغتيال الفردى الذى وقع لأحمد ماهر والنقراشى وسليم ذكى وبث القنابل فى دور السينما، ومن يلجأ إلى العنف بهذه الطريقة لا يلجأ قطعا إلى الرأى العام، لأن من معه الأغلبية لا يحتاج إلى التآمر ولا إلى العمل السرى ولا إلى جهاز سرى أو ما سُمى بالنظام الخاص.

كان عبدالناصر فى ذلك الوقت فى أوج قوته، وأحد قادة الكتلة الثالثة فى العالم، ولذلك فإننى أشك فى قوى التيار الدينى السياسى حينذاك مهما كانت قوى سندهم خارج البلاد!

وطالما بقيت الحملة ضدى شخصية لم تكن هناك مشكلة، ولكن «محمود شاكر» فى أحد مقالاته تساءل كيف أكون مستشارًا ثقافيًا لأكبر جريدة فى العالم العربى الإسلامي؟! حينئذ لم تعد المشكلة شخصية، فقد أصبح «الأهرام» طرفًا مباشرًا لذلك كتبت استقالتى وقدمتها إلى «هيكل» وقلت له: لقد سكت حين كانت الحملة فى هجائى شخصيًا، أما الآن وقد أصبح الأهرام بسببى هدفًا للهجوم فإنى أرجو أن تتفضل بقبول استقالتي!

سألنى هيكل: كم مقالة تتكون منها هذه السلسلة التى تكتبها؟! فقلت: تسع مقالات: وكان الأهرام قد نشر المقالة الخامسة والحملة المضادة فى ذروتها، ففاجأنى «هيكل» بقوله: لتكن السلسلة تسعة عشر مقالا! قلت له: هذا بحث علمى من تسع حلقات فلا يمكن الإضافة إليه! قال هيكل: هذا الأهرام يمثل قلعة للاستنارة، فإذا انتصروا علينا قل على مصر العفاء!! وكان يقصد أصحاب الحملة وما يمثلونه من فكر! قلت له: ولكنى محرج لأنهم يؤلبون عليّ وعليكم الشعور الديني! فقال: هذه معركتنا ومصر قلعة التنوير فى العالم العربى وإذا سقطت سقط كل شىء، للمعركة أبعاد تتجاوز الأشخاص!

وانتهى الموضوع عند هذا الحد».

وللذكريات بقية!