السبت 11 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
ثروت أباظة يعترف بشجاعة وجرأة فتحى غانم!

حكايات صحفية

ثروت أباظة يعترف بشجاعة وجرأة فتحى غانم!

«شيء من الخوف» واحد من أجمل وأهم أفلام السينما المصرية، ولا زال يحظى بالمشاهدة والإعجاب رغم مرور 54 سنة على عرضه الأول فى فبراير سنة 1969، عشنا واستمتعنا بالفيلم وأبطاله: محمود مرسى وشادية ويحيى شاهين ومحمد توفيق وإخراج «حسين كمال» عن رواية «ثروت أباظة» ولن ننسى بطبيعة الحال حوار «عبدالرحمن الأبنودى» وموسيقى بليغ حمدى.. إلخ.



 

وكل من تحدث عن «شيء من الخوف» لم يشأ أن يذكر أنه لولا حماس الأستاذ الكبير «فتحى غانم» رئيس تحرير مجلة صباح الخير ونشره للرواية فى حلقات أسبوعية ما انتبه إليها أحد، وهذا باعتراف ثروت أباظة نفسه وحسب ما جاء فى كتابه «ذكريات لا مذكرات» حيث كتب يقول تحت عنوان «رواية الرواية» ما يلي:

كتب رواية «شيء من الخوف»، حتى إذا فرغت منها وكتبت على الآلة الكاتبة وفكرت أن أجعل «نجيب محفوظ» - صديقه من أيام شلة العباسية - يقرؤها قبل النشر، وبينما هو يقرؤها كنت أنا ألتقى بالروائى الكبير والصديق الأصيل «فتحى غانم» فى لجنة القصة بالمجلس الأعلى، وكان فى ذلك الوقت رئيس مجلس إدارة روزاليوسف وصباح الخير طبعًا، فرأيت أن أعرض عليه فكرة أن تنشر «صباح الخير» روايتى الجديدة فرحب الرجل ترحيبًا شديدًا.

وكان ثروت أباظة قد تحدث قبل ذلك مع نجيب محفوظ حول فكرة الرواية والذى استحسنها قائلًا: فكرة جيدة!

ويكمل ثروت أباظة قائلا: وحين فرغ نجيب محفوظ من قراءته طالعنى برأيه أن الرواية شديدة الوضوح وقال: لا أدرى إن كنت رأيتها كذلك لأنك أخبرتنى عن مضمونها أم لأننى أنا استنتجت هذا.. لماذا قلت لى مضمونها؟

 

غلاف الرواية
غلاف الرواية

 

فضحكت وقلت: وماذا ترانى أفعل وفكرة الرواية خطرت لى وأنا سائر معك؟

فقال ربنا يستر!

ويمضى ثروت أباظة فى رواية الرواية قائلا:

وبعد أيام قليلة كلمت فتحى واتفقت معه أن أمر عليه فى مكتبه، وهناك قال لى كلمة فيها كثير من المجاملة والتحية:

- إذا جاءتنى مقالة من «طه حسين» فأنا أرسل بها إلى المطبعة فورًا، وكذلك حين تجيئنى رواية لك فإنى أصنع نفس الصنيع، لقد أرسلت الرواية إلى المطبعة!

والحقيقة أن تحية الصديق مست قلبى ولكننى أشفقت أن يفعل فإنه لا يرضينى بحال أن «يرفت» فتحى غانم من وظيفته، هذا إذا لم يتعرض لما هو أشد وأنكى من أجل أن أنشر أنا رواية لى مهما تكن أهميتها!

وقعت فى حيص بيص كما يقولون!

كلمت نجيب بك - محفوظ - فقال: لابد أن تبحث عن طريقة تجعله يقرأ الرواية؟

طلبت فتحى غانم فى البيت وقلت له: ليس نشر الرواية هو المهم وإنما أن أعرف رأى روائى أعتز برأيه فيها، فأرجوك أن تقرأها؟

وبعد أيام قلائل التقينا فى لجنة القصة فأبدى إعجابه الكبير بالرواية وقال:

إنها مثل قطعة الخشب العربى «الأرابيسك» الذى يتكون من قطع صغيرة متراصة والتكوين فى ذاته يعطى الصورة الكاملة التى أرادها الفنان!

ويعلق الأستاذ «ثروت أباظة» على كلام فتحى غانم بقوله:

«أنا لا أشك لحظة أن فتحى غانم فهم الرواية كل الفهم، ولا أشك لحظة أنه حين نشرها كان فى غاية السمو والشجاعة فى وقت معا، فالرواية مخالفة لرأيه الشخصى وهى فى نفس الوقت كفيلة أن تعرضه لما لا يعلمه إلا الله وحده، وأن ينشر مسئول عملًا روائيا وهو فى نفس الوقت روائى لا يمكن أن يفوته فيها من رمز دليل على أن «فتحى غانم» رجل يندر مثله بين الرجال، ودليل على أنه أكبر من كل ما يكبل حرية الرجال، فليس عجيباَ أن أكن لهذا الرجل فى نفسى كل إجلال وإكبار وحب.

 

ثروت أباظة - فتحى غانم
ثروت أباظة - فتحى غانم

 

وقد أثبتت لى الأيام فيما بعد أنه مطبوع على هذا الشرف ولا يتخذه فى موقف ثم يتخلى عنه فى آخر، وإنما أشهد الله والحق أننى ما رأيته إلا بهذا السمو وهذه الرجولة ولو يختلف بيننا الرأى ما شاء الرأى أن يختلف!

ولكنه رجل استطاع فى كل المواقف أن يمثل لى الإنسان حين يرتفع إلى أرفع درجات الإنسانية!

نشرت الرواية بمجلة صباح الخير، وكنت فى ذلك الوقت أنشر كتبى بدار المعارف فعرضت الرواية على الأستاذ «عادل الغضبان» وقرأها وقال لي: - إننا الآن نحاول أن نرتفع بسلسلة «اقرأ» وقد أخذنا كتابًا جديدًا من الدكتور «طه حسين» ونريد أن ننشر «شيء من الخوف» فى هذه السلسلة؟

فقلت: لا بأس وقد نشرت «شيء من الخوف» فعلا فى مارس 1967 بعد أن تم نشرها فى صباح الخير قبل ذلك.

تلك هى قصة «شيء من الخوف» الكتاب، وبقى أن نروى قصة «شيء من الخوف» فى السينما!

ويكمل ثروت أباظة الحكاية بقوله:

«حين بدأت صباح الخير نشر القصة وقفت فى إشارة وتصادف أن وقف بجانبى «صلاح ذوالفقار» بسيارته، وصلاح كان زميلى فى مدرسة «فاروق الأول» الثانوية وبيننا صداقة دائمة من أيام المدرسة، حيانى وقال إنه يريد أن ينتج روايتى التى تنشر فى «صباح الخير».

قلت: لا بأس، وانتهى الحديث عند ذلك.

وسافرت إلى الإسكندرية، وفى ليلة عدت إلى بيتى متأخرًا فإذا بى أجد الأستاذين العزيزين «حسام الدين مصطفى» و«عبدالحى أديب» ينتظراننى فى سيارة أحدهما أمام البيت، وكأنما خجلا أن يصعدا إلى البيت وينتظرا فيه وفوجئت بحسام يقول لي:

- الرواية التى تنشر فى صباح الخير هل أخذها أحد منك للسينما؟

قلت: لا.

قال: طيب يا أخى ألست أنا الأولى بها وقد أخرجت لك «هارب من الأيام»؟

قلت: تحت أمرك؟

قال: هل عندك نسخة منها؟

وصعدت إلى بيتى وأحضرت نسخة من نسخ الآلة الكاتبة وأعطيتها للصديقين الكريمين، واتفقنا أن نلتقى فى اليوم التالى بكازينو «جليم» الذى يقع أمام منزلى مباشرة.

وقال حسام: إن هذه القصة تشبه «هارب من الأيام»؟

وأنا متعود ألا أناقش رأيا رآه أحد فى أى رواية لى، مرتئيا أن المناقشة عبث مضحك، فالرواية كتاب يقرؤه القارئ وحده ويكون رأيه وحده، فكيف أستطيع أن ألاحق القراء فى كل ناحية لأناقشهم رأيهم، ولهذا أجبته دون أى تفكير:

- مادمت ترى هذا فلابد أنك محق من وجهة نظرك على الأقل!

فقال آسفا: إذن فإلى اللقاء فى رواية أخرى حتى لا أكرر مافعلته في«هارب من الأيام»!

فقلت: إن شاء الله

وفى صباح اليوم التالى مباشرة ذهبت إلى مقهى «بترو» فإذا بى أجد كاتب السيناريو «صبرى عزت» الذى أسرع إليّ قائلا: لقد دُخت بحثًا عنك!

وجلسنا وسألته عما يريد فقال:

- صلاح ذو الفقار يريد أن ينتج رواية «شيء من الخوف» للقطاع العام وعرضها على «حسين كمال» ففتن بها ويريد أن يخرجها بأى طريقة.

واتفقنا أن نسافر إلى القاهرة ونلتقى «بسعد وهبة» الذى كان رئيسًا لشركة القاهرة للإنتاج السينمائى، وكان صلاح ذو الفقار وحسين كمال قد حادثاه فى شأن الرواية.

ولحكاية «شىء من الخوف» بقية!