السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
يوسف السباعى يطلق النار على النقاد!

حكايات صحفية

يوسف السباعى يطلق النار على النقاد!

لست ناقدًا أدبيًا، ولا أعرف شروط ومعايير النقد الأدبى، لكنى ببساطة قارئ يهوى القراءة، ويعشقها ويستمتع بما يقرؤه سواء كان رواية أو ديوان شعر أو دراسة تاريخية!



لكن يبدو أن هناك طائفة من النقاد لا يعجبهم العجب ولا الصيام فى رجب، فما أكثر الروايات الأدبية التى حققت انتشارا كبيرًا وطبعت عشرات المرات، ومع ذلك ينهال عليها النقاد هجومًا وتمزيقًا بلا رحمة أو شفقة ولعل أبرز هؤلاء الأديب الكبير يوسف السباعى الذى هاجمه النقاد بضراوة وهاجمهم هو أيضًا بنفس القسوة والضراوة!

تفاصيل ذلك كله رواه يوسف السباعى فى حوار مهم وممتع وغاضب أجراه معه الناقد الكبير د.غالى شكرى وضمنه كتابه «مذكرات ثقافة تحتضر» - صدر عام 1970 عن دار الطليعة ببيروت، قال يوسف السباعى فى حواره:

- تجربتى مع النقاد ليست وليدة الأمس القريب، وإنما هى ذات جذور تاريخية، فعندما بدأت أكتب لم أشعر قط بأن أحدًا يحس بى من النقاد على الرغم من احتفالى الشديد بإهداء كتبى إليهم، كانت بى لهفة لا حد لها إلى التعرف على أدائهم فيما أكتب، وقد حدث أن «زكريا لطفى جمعة» كان يحرر الصفحة الأدبية فى «الزمان» - صحيفة - فكلفنى بأن أكتب خمسة أسطر عن نفسى، ولك أن تتصور حالى عندما كان يهنئنى الأصدقاء عما كتبته «الزمان» عن أدبي!!

وقد كنت أهدى «بنت الشاطئ» كتبى دائما فلم تكتب عنى حرفًا، ثم فوجئت بها تكتب فى مقدمة لأحد كتبى إنها أخطأت فى حقى عندما أهملتنى قديما وإنها تعتبر «أرض النفاق» من أخطر الأعمال الأدبية المصرية.

ويمضى الأستاذ «يوسف السباعى» قائلا لغالى شكرى:

وظللت هكذا حتى فرضت اسمى على سوق التوزيع والنشر، فأقتصر الصدى على رسائل القراء، إلى أن كتب «أنور المعداوى» فى مجلة «العالم العربى» مقالًا عن «نائب عزرائيل»، وكان وقتها فى نزاع أدبى مع «توفيق الحكيم»، ويقرظ كاتبًا جديدًا آنذاك هو «نجيب محفوظ» فوضعنى فى صف واحد مع «نجيب»!

وعندما تواترت الكتابات اليسارية فى النقد الأدبى وكنت واحدًا من كُتاب الصف الأول مع «إحسان عبدالقدوس» و«عبدالحليم عبدالله» و«نجيب محفوظ» فقد تصديت لها ولغيرها فى «الرسالة الجديدة» - مجلة - تحت عنوان «صنعة النقد» فى الرد على رشاد رشدى ومحمود العالم وعبدالقادر القط، ويومها رد عليّ «أنور المعداوى» فى الآداب - مجلة - البيروتية ردًا عنيفًا علقت عليه بأن نشرت مقاله السابق عن «نائب عزرائيل»، فما كان منه إلا أن علق على ذلك بأنه كتب ما كتب فى الماضى للتشجيع فقط!

وكانت الآفة الكبرى فى ذلك الوقت هى «التعليم»، فقد فوجئت مع غيرى بـ«فتحى غانم» و«رشاد رشدى» يكتبان فى «آخر ساعة» مجموعة من المبادئ الفنية لكتابة القصة تشبه الوصايا العشر، رددت عليها تحت عنوان «الثنائى الناقد» بعد أن قرأت لهما قصة مشتركة تعتبر تطبيقًا عمليًا لهذه المبادئ!

 

 

 

وكان كتاب «فى الثقافة المصرية» هو «مانفستو اليسار» فى النقد الأدبى قال مؤلفاه إن توفيق الحكيم ونجيب محفوظ «كاتبين برجوازيين»، واكتفى عبدالحليم عبدالله منهما بأنه «سلبى»، أما أنا وإحسان فكنا فى رأيهما تحت مستوى النقد، حينذاك كتبت فى «الرسالة الجديدة» مقالًا عنوانه «أدب تحطيم الفوانيس والمظاهرات» لأننى وجدت نقاد اليسار يحيون «عبدالرحمن الشرقاوى» تحية فيها الكثير من المبالغة إذا قورنت بأحكامهم القاسية الباترة للحكيم ومحفوظ!

ويكمل يوسف السباعى: وقد سألت «محمود أمين العالم» ذات مرة إذا كان قد قرأ كتبى، ودار بيننا الحوار التالى بالحرف:

يا محمود أنت قرأت «أرض النفاق»؟ هل قرأت «وراء الستار» و«يا أمة ضحكت» و«السقا مات»؟!

قال: لا والله! قلت: لماذا إذن لا أستحق أن تكتب عنى؟!

قال: أنا متأسف، لأن كتبك ثمنها مرتفع ومن الصعب الحصول عليها!

قلت: أنا سأحضر لك مجموعة كاملة من كتبى!

وحدث ذلك ولكنه لم يكتب حرفًا، إلى أن قامت إحدى دور النشر اليسارية بجمع بعض القصص القصيرة لمختلف الأدباء، فاختاروا لى قصة «نابغة الميضة» وهى نقد مر للانتخابات فى ظل المجتمع القديم، وقدم «محمود العالم» لهذه المجموعة من القصص، فمزق قصتى تمزيقًا وددت لو أفهمه! ثم أحسست أن للعملية وجهين: أحدهما أدبى والآخر سياسي؟ وأنا لست يساريًا، ولاحظت أنهم - أى اليساريين - يرون أنه من الأسهل عليهم أن يخلقوا جيلًا جديدًا من الأدباء الشباب على المذهب  اليسارى بدلا من محاولة الاتجاه بالأدباء الناضجين ناحية اليسار!

قاومت هذا كله فى - مجلة - «الرسالة الجديدة» لمقاومة الإرهاب بالإرهاب بالرغم من أنى تركت لهم صفحات المجلة يكتبون فيها بحرية كاملة، وليس من بينهم الآن من ينكر ذلك.

وكنت أعطى كتبى للدكتور «طه حسين» فكتب عنى بتعاطف بالغ الرقة والتقدير ولكن إحساسًا لم يزايلنى إلى الآن هو أن «طه حسين» أكبر من أن يكون ناقدًا، ومع هذا كنت أشعر بالفرحة لأنه يعرِّف بكتابتي!

ويمضى الأستاذ يوسف السباعى فى حواره فيعترف قائلا:

وبمرور الزمن لم أعد أتابع ما يكتبه النقاد عنى لأنى حقًا وصلت إلى مرحلة من القرف، وسوف أعطيك أمثلة سريعة لما كتبه البعض ولن أعفى نفسى من ذكر الأسماء!

1 - فؤاد دوارة: كتب فى مجلة «الإذاعة» عن «أرض النفاق» قائلا إن كاتبها يحاول أن يجعل دمه خفيفًا بينما الرواية تتميز بثقل الدم، ولو أنه اتهم القصة بأى مأخذ آخر لصدقته، أما ثقل الدم فلا أعتقد أن قارئًا واحدًا منصفًا يمكنه أن يصفها بهذا الوصف!

2 - د.عبدالقادر القط: فى كتابه «فى الأدب المصرى المعاصر» فى فصل خاص عن السلبية فى القصة المصرية اتهم «أنى راحلة» بأنها قصة مملة، ولو أنه اتهم الرواية بأى مأخذ آخر لصدقته، أما «الإملال» فهو أبعد ما يكون عن روح القصة!

3 - د.على الراعى: كتب فى مجلة الإذاعة عن إحدى قصصى القصيرة واسمها «سكينة» إننى سخرت وعاديت خادمة تمثل الطبقات الشعبية، والقصة كانت صورة فكاهية أبسط من أن تحمل هذا المعنى.

4 - د.محمد مندور: كتب عن قصتى «طريق العودة» فى ظروف لست فى حل من ذكرها الآن، فاتهمنى بأننى زوّرت إهداء القصة محاولا إيهام القارئ بواقعيتها، وبأن صاحبها إنسان موجود على قيد الحياة، فبالنسبة للاتهام فالحق أن العمود الفقرى للرواية قد حدث بالفعل كما سجلته فبطلها مازال حيًا يرزق! ولامنى على تصويرى لهفة العاشق على أنفاس حبيبته، والاتهام لا يحتاج إلى رد لأننى لم أبتدع هذا التشبيه القديم الذى يصور العشاق يلتهمون أنفاس حبيباتهم!!

 

 

 

5 - د.لويس عوض: كان يجلس إلى جانبى فى احتفال الأهرام بالعيد الخمسينى لنجيب محفوظ حين قال لى أنه يعتبر «أرض النفاق» من أهم الأعمال الأدبية التى مهدت روحيًا للثورة - ثورة يوليو 1952 - ثم قرأت للويس عوض فى مقال بالأهرام عن الثورة والثقافة إنه يعتبرنى مع إحسان وعبدالحليم عبدالله من أدباء البرجوازية وأن دورنا قد انتهى، ولا أعتقد أنه قرأ «رد قلبى» أو «طريق العودة» أو «نادية»، أو «أقوى من الزمن» وكلها تسجل مراحل تطور الثورة.

كيف أستطيع بعد ذلك أن أسكت عن النقد والنقاد؟!

وعند هذه الإجابة من الأستاذ «يوسف السباعى» يعلق د.غالى شكرى على كل ما سمعه قائلا:

كان يوسف السباعى يتكلم فى هذه النقطة كسيل متدفق لا يوحى بأن له نهاية، فكان لابد من مواجهة السيل بتيار مضاد، وكان لابد من توجيه الاتهام الثانى: كيف يجمع هذا الرجل بين حياة الكاتب وحياة المدير أو السكرتير العام الذى يشغل العديد من المقاعد القيادية؟!

وأجاب يوسف السباعى عن كل ذلك بشجاعة وصراحة!

وللحكاية بقية!