الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
عبدالحليم حافظ يرد على اتهامات التابعى !

عبدالحليم حافظ يرد على اتهامات التابعى !

 كان عبدالحليم حافظ حريصًا كل الحرص على قراءة كل ما يكتب عنه فى الصحف والمجلات، وخاصة إذا كان أصحاب هذه المقالات والكتابات من نجوم الصحافة فى ذلك الوقت  وعلى رأسهم الكاتب الكبير الأستاذ محمد التابعي, كان عبدالحليم حافظ فى لندن فى رحلة علاج بمستشفى  سان جيمس بلهام.. حين قرأ مقالا للأستاذ  التابعى عنوانه «الفرخة التى تبيض ذهبا» قال فيه إن أهل عبدالحليم يدفعونه للغناء وهو مريض من أجل المال. لم يصمت عبدالحليم وكتب رسالة طويلة للأستاذ «محمد التابعي» يرد على ما جاء فى مقاله.



 

رسالة عبدالحليم احتفظ بها التابعي، لتنتقل بعد وفاته إلى السيدة حرمه «هدى التابعي» والتى حافظت على كل رسائل التابعى التى كان يتلقاها من الآخرين، ولهذه الرسائل وغيرها قصة مهمة رواها «الأستاذ والصديق» «محمود صلاح» رحمه الله فى كتابه الجميل «أسرار وحكايات فى بلاط صاحبة الجلالة» «دار الشروق سنة 2003» فيقول : شاءت أقدارى أن أتولى مسئولية رئاسة تحرير مجلة آخر ساعة فى منتصف عام 1998، وبعد أيام قليلة فوجئت بالسيدة «هدى التابعي» تتصل بى وتبلغنى أنها مازالت  تتذكرنى وأنها سوف ترسل لى بعض الأشياء التى ربما تهمني، وأرسلت لى السيدة «هدى التابعي» هذه الأشياء التى كانت عبارة عن أكوام وأكوام من أوراق وكتابات «محمد التابعي، أوراق تحوى العشرات من رسائل «أسمهان» إليه وكذلك عددًا من رسائل مشاهير الفنانين مثل محمد عبدالوهاب وعبدالحليم حافظ والرسائل تكشف الكثير عن بعض جوانب شخصية التابعي، وعلاقاته الحميمة مع أهل الفن فى ذلك الوقت، وهى أيضًا تكشف جوانب طريفة ومؤثرة وإنسانية فى شخصيات نجوم الفن من أصدقاء أمير الصحافة. 

 

 

ومن أطرف هذه الخطابات رسائل عبدالحليم حافظ إلى محمد التابعي. قال عبدالحليم حافظ فى رسالته بالحرف الواحد ما يلى: أستاذنا الكبير.. الأستاذ  التابعي.. تحياتى واحتراماتى وحبى العميق الذى أكنه لك دون أن تعرف، أستاذى الجليل قرأت فى مستشفاى  بلندن مقالك العظيم الذى كتبته عنى بعنوان «الفرخة التى تبيض ذهبًا» وأنا أشكرك من كل قلبى عن كل ما جاء عنى فى هذا المقال  العظيم.. 

 استاذنا الكبير.. إن كل ما جاء فى تقرير الأطباء عنى هنا هو أننى شديد الحساسية وهذا هو بيت الداء، وأنا فعلا يا أستاذى أعيش بإحساس.. أحس كل ما حولي، أنفعل بإحساسى وأنا أغنى وأنا أتكلم وأنا أجلس.. وأنا أنام وأنا افعل أى شيء ترانى أحسه بكل ما في، وأحاول أحيانا ألا أحس، فأعرف بإحساسى أننى أحاول  ألا أحس وعلتى أن إحساسى دائما حزين، وقد يقول البعض : مال شدة الحساسية التى قررها الأطباء ومال هذا الإحساس ؟ وكما قلت أنت يا أستاذنا أن أى شخص يحس يعيش على أعصابه.. وأعصاب الإنسان تتحكم فيه وفى صحته، وأنا أعتقد أن أى شخص حساس لابد أن تكون عنده هذه الحساسية الطبية !

 شيء واحد يا سيدى جاء فى مقالك العظيم وهو الخاص بأهلي، وأنا أقسم لك أنهم لم يحاولوا يوما أن يدفعونى للعمل أبدا، بل على العكس إنهم دائما يحدثوننى  عن راحتى وأنه لابد لى من الراحة، ولكن الذى يعمل هو أنا، والذى يسهر هو أنا، لماذا لا أدرى ؟ إنه ليس المال على كل حال !  لأنى لا أملك شيئا والحمد لله، وأنا لا أفكر فيه ولا فى جهة، وأحب أن تعلم يا أستاذى العظيم أننى متعاقد على خمسة أفلام فى ثلاث سنوات لا فى سنة واحدة !

 وأعود إلى أهلى فأقول أن شيئا فى داخلى هو الذى يدفعنى  إلى العمل وأقسم لك أنه لو جاء على يوم بدون عمل، أحاول أن أخلق لى عملا فى هذا اليوم.. إن الشيء الذى يدفعنى ربما هو الخوف من المجهول أو ربما هو الهدف الفنى الذى أعيش وأعمل من أجله، وأعتقد أن هذا هو الصحيح.. لأنى أحس براحة بعد أى عمل جديد أقدمه إلى الجمهور أحس براحة أعصاب وراحة إحساس وراحة صحية !

عبدالحليم حافظ
عبدالحليم حافظ

 

 

 أستاذي.. إن الذى يدفعنى للعمل ليسوا أهلي.. إنه أنا.. أو على الأصح هو الفن. 

 هذا ما أردت أنه أقوله لك يا أستاذى الكبير، أما عن حادثة رأس البر فالذى جعلنى أسافر هو أن «واحدة» من أهل السوء اتصلت بأهلى تليفونيا وقالت لهم أن عبدالحليم مات وهو فى طريقه إلى رأس البر، وكان الذى كلمنى الأستاذ «مصطفى أمين» وهو على ما أعتقد مازال يذكر هذا الحادث، أما الذى حدثنى عن الحفلة فقد كان متعهد حفلات ذكر اسمى فى الإعلانات  دون علمي، ورفضت الذهاب إلى الحفلة بالمرة، رغم أننى سافرت إلى القاهرة لأطمئن شقيقتى التى مرضت بسبب إشاعات أهل السوء !

أستاذنا العظيم «مهما حاولت أن أشكرك فلن أستطيع أبدا أن أصل إلى ما أحسه نحوك من شكر عميق.. كل ما أملكه هو الدعاء لك بالصحة، وأن يقبله الله لنا لكى نرى الطريق الذى نسير فيه ومرة أخرى شكرا على مقالك فقد أحسست أننى شيء مهم، لأن من يكتب عنه التابعى  لابد أن يكون شيئًا مهما ..شكرا لك أبقاك الله لنا ولأولادك ولهذا الجيل الحائر.. 

 التوقيع : عبدالحليم حافظ 27/4/1959، ملحوظة عذرا للأخطاء !

 

 أما الرسالة الثانية فقد كتبها عبدالحليم للتابعى من لندن، وكما يقول «محمود صلاح» فإن التابعى كان قد كتب مقالاً عنيفًا هاجم فيه عمر الشريف لأنه ذهب إلى عبدالحليم وأخذه ليسهر معه وأن هذا تصرف غير وطنى من عمر الشريف خاصة أن عبدالحليم أصيب فى صباح اليوم التالى بنزيف وعاد مرة أخرى إلى المستشفى وأرسل عبدالحليم رسالة إلى التابعى قال فيها:  أستاذنا  الكبير.. من فراشى بمستشفى سان جيمس بلندن أبعث لك تحياتى واحترامى وحبي، راجيا من الله أن تكون متمتعًا بكامل الصحة والعافية وأن يكون ابنكم الحبيب قد منّ الله عليه بنعمة الشفاء.

أستاذنا الكبير.. أكتب لك هذا الخطاب بعد أن قرأت مقالك الذى كتبته عنى فى آخر ساعة إنه إنذار كله رقة وحب، ولكن هناك شيئا مهما  نزع قلبي، هذا الشيء هو ما جاء فى مقالك عن الصديق الأخ عمر الشريف.

 

 

 

 أستاذنا الكبير.. أنت رجل عادل وكل ما تكتبه حقيقة، وأنا أحب أن أبين لك حقيقة مهمة هى أن عمر الشريف لم يسهرني، بالعكس أنا الذى أجبرته على السهر معى فى هذه الليلة، وقد حاول مرارًا أن يذهب بى إلى المنزل ولكنى كنت أرفض، وأنا لا أكتب هذا دفاعًا عن عمر ولكنها  وأقسم لك بشرفى الحقيقة. 

 وقد تسألنى لماذا فعلت هذا؟! لقد كنت فى ضيق نفسى فظيع لا أرى له سببًا ! من أول النهار وأنا فى قلق غريب، ذهبت إلى المسرح.. وذهبت للمشى حتى أحاول أن أهرب من هذا الضيق. ولكنه ظل كما هو يعبث فى نفسى ويهز أفكاري. 

 واتصلت بعمر من الطريق «وعمر صديق عزيز على ّ وأخ ورجل ومصرى مائة فى المائة وذهبت له وجلست معه نتناقش أحيانا ونلعب «الكومي» أحيانا.. وكان «عمر» كأى صديق حساس يحس بضيقى وقلقي.. وكان يقول لى : يا حليم إن كل شيء إن شاء الله هيبقى كويس وإن شاء الله العلاج  حيجيب نتيجة كويسة «خليك مع الله ولا تخف ولا تقلق» بس حاول أنك تحافظ على نفسك وعلى صحتك.. قوم بقى عشان تنام وتستريح !

 كنا نتكلم عن الفن.. وعن مصر «إنه مصرى يا أستاذنا ويحب مصر وأصدقاؤه كلهم من مصر، لم يحاول أن يتنكر لأحد منهم، و«عمر» سوف يحضر إلى القاهرة، إنه فى الطريق إليها فعلا، إنها حرب عليه غرضها التقليل من قيمته الفنية الباهرة التى يكنها له كل العاملين فى حقل السينما العالمي، إنه مصرى يعمل باسمه ولم يغيره، يعمل لكى يثبت للعالم أن الفن ليس مقصورا على أوروبا وأمريكا فقط، وقد أثبت أستاذنا  الكبير «هذا هو عمر الشريف» وهذا ما دار بينى وبينه  فى هذه الليلة أجبرته على السهر رغم أن عنده تعليمات بالنوم الساعة 12 على الأكثر ولكنه كان يحس بقلقى وضيقى.. ونزلت من عنده حوالى الساعة الثانية إلا ربع.. ماذا حدث ؟ جعلت أسير على قدمى فى الطرقات.. أحاول أن أنسى هذا القلق.. سرت وسرت وأخيرا ذهبت إلى المنزل أحاول النوم فلم أستطع.. أخذت منومًا  وأنا أكره _ لكنى لم أنم.. قلق.. قلق.. لا أدرى له سببا غير أن يعبث بكياني، وظللت إلى الصباح وصحى من معى وقلت لهم اتصلوا بمستر «تانز» – الطبيب – ولم نجده.. وأخذت حقنى ونمت بعض الشيء، وجاء الأستاذ «عبدالوهاب» وتغدينا معا.. وبعدها جاء «عمر الشريف» وقال لى: أنا جئت للاطمئنان عليك لأنك إمبارح كانت مش عاجبنى أبدا !

 ونزلوا وأحسست بالنزيف.. ونُقلت إلى المستشفي، وأجرى لى نقل دم «وبعدها وقف النزيف، وبكل جهد مع الأطباء هنا حاولت أن أعرف سبب هذا النزيف.. وعرفت أن الحقن التى أُعالج بها تفعل ذلك أحيانا.. وأنهم ما كان يجب عليهم أن يخرجونى من المستشفى  وخصوصًا أننى أخذت كمية كبيرة من الدواء فى المرة التى سبقت النزيف !

 أستاذنا الكبير «إنها غلطتي  فعلاً.. أننى سمعت كلامهم وخرجت من المستشفى، إننى ساعة خروجى لم أكن طبيعيا، كنت غير متمالك لنفسي، فكان يجب على وأنا أدرى الناس بحالتى أن أبقى» !

 أستاذى – لقد أطلت عليك.. لكننى أعرف أنك دائمًا تكتب الحق.. أردت أن تعرف الحقيقة منى «وكلى رجاء أحلفك بابنك وكل غالي» أن تحاول أن تنشر للناس هذه الحقيقة.. فقد ظلم الناس «عمر الشريف» ولا أريد أن تظلمه أنت أيضًا. 

 أبقاك الله وأدامك لي.. ولبلدك الذى ترفع من شأنه بقلمك.. وتقبل خالص شكرى على اهتمامك بي، وإلى لقاء قريب إن شاء الله» بجوارى الصديق الحبيب.. كمال الطويل، وقد عرف الحقيقة ويهديك السلام والحب وأنا أيضا. 

توقيع «عبدالحليم حافظ» 

 انتهى خطاب العندليب بكل ما حواه من كلمات مؤثرة وخفايا وأسرار سواء عنه أو عن الآخرين !

وللذكريات بقية!