الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
حبيبة عبدالحليم حافظ تكتب لصباح الخير!

حكايات صحفية

حبيبة عبدالحليم حافظ تكتب لصباح الخير!

كانت مجلة «صباح الخير» من أوائل المحطات الصحفية فى مشوار الشاعر الكبير الأستاذ «صلاح عبدالصبور» وعلى صفحاتها كتب ونشر مئات المقالات الممتعة والرائعة تناول فيها جوانب إنسانية مهمة!



الصدفة وحدها كانت سبب مجىء الشاب الشاعر إلى «صباح الخير» وكانت آخر ما يخطر على باله، وتفاصيل الحكاية يرويها بنفسه فى مقاله حيث كتب يقول:

 

كنت فى عام 1956 أعمل مدرساً فى الصباح وأكتب الشعر فى المساء وبين هذا وذاك أقرأ وأتأمل! وكنت قد نشرت فى ذلك الوقت بضع قصائد لفتت إليها القراء والنقاد لفتاً واسعاً، ومنها قصائد «شنق زهران» و«هجم التتار» و«عودة ذى الوجه الكئيب» وغيرها!

وكنت حين يستنشدنى أحد الأصدقاء فى مقهى «الفيشاوى» الذى كنت من رواده فى ذلك الوقت شيئا من هذا الشعر يفيض الخاطر واللسان دون توقف!

وكان من مستمعى المحبين صديقى الأستاذ «حسن فؤاد»، وذات مساء قال لى «حسن فؤاد» إن مجلة صباح الخير الناشئة عندئذ ترحب بالكُتاب الجدد، فكتبت مقالاً ودفعته إليه، وإذا به منشور بشكل كريم، فكان واجباً عليّ عندئذ أن أسعى إلى الأستاذ «أحمد بهاءالدين» رئيس تحرير المجلة وأتعرف عليه شاكراً.

وعرفت أخى الكبير «أحمد بهاءالدين» وسعدت بصداقته وتشجيعه، وظللت أكتب فى صباح الخير فتنشر لى، بينما ظللت أعمل فى التدريس!

وذات يوم خطر لى أن أطلب نقلى إلى المجلس الأعلى لرعاية الآداب والفنون الذى كان قد أنشئ عندئذ، فطلبت ذلك من الصديق الكبير «إحسان عبدالقدوس» كى يكون واسطة عند صديقه الأستاذ «يوسف السباعى»!

وفوجئت بإحسان يقول لى: ولماذا لا تستقيل وتعمل معنا؟

وهكذا تحولت من كاتب فحسب «إلى كاتب صحفى!!».

 

وطوال عام 1957 بدأت تتوالى مقالات صلاح عبدالصبور، ومنها مثلا «الإنسان والحب والجسد»، و«الوقوع فى الحب»، و«طفل اسمه الحب» و«الطريق إلى الحب»، و«حب بالعافية»، و«الحب منذ ألف عام» و«لم يكن حباً عذرياً»، و«المرأة وحرية الرجل».. و..و..

لكن أغرب هذه المقالات كانت بعنوان «أول حب لعبدالحليم» وقد نشره بتاريخ 9 مايو 1957، وكان المقصود بالطبع هو «عبدالحليم حافظ» والذى غنى لصلاح عبدالصبور قصيدته الشهيرة «لقاء».

كتب صلاح عبدالصبور يقول:

كان ذلك منذ تسع سنوات (أى سنة 1948).. وفى الزقازيق وكان «عبدالحليم» الصغير الوسيم مدرساً للموسيقى فى إحدى مدارس البنات وكانت «الأبلوات» يعاكسنه كثيراً.. ولكن عبدالحليم كان منصرفًا عنهن وعن الجميع إلى «شرقاوية» صغيرة ذات شعر أحمر!

أما كيف عرفت ذلك، وعبدالحليم من يومه كتوم لايبوح لأحد بسر فهذه هى القصة!

 

 

 

كنا نلتقى كل يوم.. أمر على عبدالحليم فى منزله ونخرج.. وكنت ألاحظ أن «عبدالحليم» ينتظر حتى تخرج فتاة جميلة تشبه «أنجريد برجمان» (الممثلة الشهيرة) من البيت المجاور لبيته، ثم ننطلق سوياً فى الطريق.. من شارع الحمام إلى شارع البوستة.. إلى المنتزه، ثم نقف بعض الوقت ويتذرع «عبدالحليم» بعذر ما لكى يقنعنى بالوقوف والانتظار حتى تخرج «الغادة».. فنزرع نفس الطريق إياباً إلى شارع الحمام وبيننا وبين الغادة ذات الشعر الأحمر خطوات قليلة!

وفى يوم ما كشفت سر عبدالحليم.. كنا نمشى هو وأنا وبعض الأصدقاء على شاطئ «مويس» وقلت أنا شعراً، وغنى عبدالحليم وكان فى غنائه شجن وفى صوته انفعال، وكان يغنى «حياتى أنت» لعبدالوهاب، ولما تفرق الصحب جلسنا فى مقهى فى جنب شجرة على ضفة «بحر مويس» الوديع وأخذ عبدالحليم يحكى ويحكي!

أما الحكاية فقصة حب مثل قصص حبنا جميعاً، بنت الجيران.. والنظرات الساهمة، والغناء ودبيب الحب الأول فى القلب!

أما كيف انتهت فأنا لا أعلم إلا بعض الحقائق.. جاء عبدالحليم إلى القاهرة ليصنع مستقبله العظيم، وتزوجت الحسناء ذات الشعر الأحمر.. وكتبت أنا هذه القصة.. ومعذرة لصديقى عبدالحليم..».

 

وبعد نشر المقال فوجئ «صلاح عبدالصبور» بتلقى رسالة من تلك الفتاة تروى فيها جانبًا آخر من قصة حبها لعبدالحليم، وعاد صلاح عبدالصبور يكتب مقالاً آخر، كان عنوانه.. الفتاة الأولى فى حياة عبدالحليم تكتب إلى صباح الخير.. وكتب يقول فى مقالة.

منذ أسبوعين كنت أراجع مقالاً لعبدالحليم يعلن فيه براءته من الحب، وكتبت تعليقاً على هذا الكلام وقلت إن الحب الأول كان منذ سنوات طوال وفى مدينة الزقازيق، وأن الوجه الذى تعلق به عبدالحليم كان لشقراء صغيرة حمراء الشعر ولم أكن أعلم إذا كان عبدالحليم قد نسى هذه القصة فى زحام مجده أم مازال يتذكرها!!

ولكن صاحبة القصة نفسها كانت تتذكرها وتعيش على فتات ذكرياتها.. فقد كتبت إليّ بعد أن قرأت قصتها منشورة فى «صباح الخير» فى لهجة بسيطة عميقة تقول:

صباح الخير.. أنا قارئة مواظبة لصباح الخير.. وأنا أيضا الحب الأول لعبدالحليم حافظ الذى كتبت عنه، ولكن الحب ليس مثل قراءة الصحف.. الصحف إذا أرادها الإنسان وجدها، يكفى أن يمد إليها يده، ولكن الحب ليس ملك أيدينا وهكذا لم يدم لى حب عبدالحليم.. فى الماضى كان يغنى لى ويقول حياتى أنت وكنت سعيدة وكان عبدالحليم لى..

 

 

 

وقد مضت سنوات بعيدة ولكنى لا أسمع الآن صوته إلا فى الراديو.. ولا أعلم لمن يغنى؟! ومنذ أربع سنوات قابلته وسلمت عليه مهنئة، ولكنه سلم من غير كلام بمنتهى السرعة والاختصار كأننى عابرة سبيل التقى بها صدفة.. أهكذا يفعل المال والشهرة بالرجال؟ ولكننى لست غاضبة أو حزينة بل إنى دائما أدعو الله أن يمتعه بالصحة والمال والشهرة أيضاً ليكون سعيداً.. وكل ما أطلبه ألا ينسى حبه الأول وأن يغنى أغنية وحيدة للشقراء، ذات الشعر الأحمر ولو للذكرى!!

ويكمل الأستاذ «صلاح عبدالصبور» قائلا: وأخذت أفكر فى هذا الخطاب وتساءلت هل صاحبته على حق فيما تطالب به عبدالحليم؟ وهل تغير عبدالحليم حقاً؟ غيرته الشهيرة والمال!! أن أى إنسان لا بد أن يتغير إذا تغيرت ظروفه وقلب الإنسان هو أقل الأشياء ثباتاً، ولو عرفنا قصة حياة أى شاب عادى لا عبدالحليم حافظ لوجدنا أن له فى كل سن مر بها حبًا عميقاً، حباً فى الصبا.. وحباً فى المراهقة وحباً فى الشباب.. و...و.

ولكنها تطالبه بالذكرى والمرأة الناضجة لا تطالب بالذكرى قط.. لا تطالب بالوفاء البارد أو حتى الصداقة الهادئة.. المرأة الناضجة تطالب بكل شىء.

ولكن هل شىء فى عبدالحليم؟ أعود أنا بالذاكرة إلى سنين طويلة مضت!

كان هناك فى القاهرة شابان فنانان أحدهما فتى نحيل جميل الصوت هو «عبدالحليم حافظ»، والثانى شاب طويل القامة تكسو وجهة سمرة محببة وتطل منه عينان براقتان هو كمال الطويل، وكان هذا الشاب يدندن فى كل وقت، ويصنع ألحاناً لكل شيء للكلام العادى ولنداءات الباعة ولخطى الناس فى الطرقات.

وكان الشابان يطرقان أبواب الحياة العامة، وكان لدى كل منهما أفكار، كان عبدالحليم يختلف عن غيره ممن يغنون أو يحاولون الغناء فى اتساع أفق فهمه وفى ذكائه وفى متانة خلقه، وكان كمال يختلف عن الملحنين فى اهتمامه بالقضايا العامة.. قضايا الوطن والحرية وفى محبته للناس وإحساسه أنه واحد منهم وأن ألحانه يجب أن تكون صوتهم وحديث نفوسهم!

وطرق كمال وعبدالحليم أبواب الإذاعة.. نجحا وأصبح لعبدالحليم حق الغناء ولكمال الطويل حق التلحين على الهواء.. وكتبت لهما أغنية عاطفية، من الغريب أنها كتبت ولحنت وسجلت فى يوم واحد، وكان اسم الأغنية «لقاء»!