السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
حــوار وطنــى.. لا قائمــة إمــلاءات

حــوار وطنــى.. لا قائمــة إمــلاءات

الكلام فى الحوار الوطني مستمر. البلد فى حالة حوار. والفكرة غير مسبوقة. والصالح وطني.. والمصالح واحدة. 



الغرض حديث شامل بين الجميع. فالتحديات كبيرة.. وكثيرة. مهم التأكيد على أن التحديات كوكبية. مهم التأكيد على أن الأزمة الاقتصادية على سبيل المثال ليست مصرية فقط كما يسعى بعضهم حثيثًا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق على تصويرها.. ويتفنن فى تأكيدها.. ويكابد لحصرها فى نطاق ضيق.

 

حصر الأزمة الاقتصادية – على سبيل المثال مرة ثانية – فى نطاق غير نطاقها الحقيقى. والنظر لها على غير واقعها الفعلى هو فى حد ذاته خطأ، ربما تترتب عليه نتائج خاطئة هى الأخرى، ومؤكد أنه قد تُبنى عليه حلول غير واقعية.. تحفل باللفظ أكثر ما تحفل بالمضمون.

مهم الإشارة والتأكيد والتوكيد أيضا على أن الحوار وطني شامل، يعنى هو ليس حوارًا سياسيًا فى الأساس، ولا هو حوار بين الإدارة وبين تجمع «الحركة المدنية» وحدها.

الحوار الشامل سوف يدخل فى إطاره عدد من المحاور، منها محور الحركة الحزبية، وربما فى هذا السياق لا بد من إعادة تقييم كامل للحياة الحزبية فى مصر، منذ ثورة يوليو 52 حتى اليوم.

(1)

يبدو أنه قد ظن بعضهم خطأ.. والخطأ مردود أن تيار الحركة المدنية مكون أساسى وحيد فى الحوار. الصحيح أن «الحركة المدنية» أحد مكونات الحوار. الصحيح أنها جزء من كل.. والصحيح أيضًا أن الحوار مفتوح للجميع.. لا تيارات بعينها.. ولا شخصيات بذاتها. الحوار مفتوح.. للجميع. 

ولم يكن متصورًا أن ينادى بعضهم بفتح الباب للجميع، ولما يُفتح الباب بإرادة خالصة، يرتد هؤلاء يريدون إغلاق الباب إلا على أنفسهم.

هذا الكلام لابد من إعادة النظر فيه. هذا حديث لابد من إعادة تقييمه.. ولابد أيضًا من إعادة تدويره فى الرؤوس حتى لا تفسد النشوة الوهمية المسالك.. وتتعاظم الأهواء.

لن يُبنى حوار وطني على هوى.. ولا تُجدى نفعًا نقاشات قامت على «أنا الأول».. أو «أنا ومن بعدى الطوفان»!

(2)

على مواقع التواصل وعلى الفضائيات بدت أحاديث أشار كثير منها إلى أخطاء فى فهم الدعوة الرئاسية للحوار.

تكلم بعضهم عن ضمانات، وطالب آخرون بما أسموه «بيئة مواتية». ظهر الخلاف كالعادة بين تيار الحركة المدنية، وتفرعت السبل والتفاصيل.. بينما غابت حتى الآن بوادر رؤى لإصلاحات.. أو نقاط ممسوكة كنماذج واقعية لما سوف يطرح على مناقشات الحوار الوطني. 

تبدو الأزمة، حتى الآن فى فهم معنى الحوار الوطني، ومطلوباته، وضرورة خروج مخرجاته وفقًا لرؤى وطنية تساهم فى مزيد من المضى فى طريق التنمية.

أى ضمانات مطلوبة، أكثر من إجراء الحوار بدعوة من رئيس الدولة، وتحت إشرافه، وبمخرجات تعرض عليه؟ 

أى خلافات كان متصورًا أن تنشأ، قبل بدء جلسات الحوار، بين تكتلات حزبية قالت إن لديها ما هو متفق عليه بينها، ولديها ما هو متفق عليه بين رموزها لدعم الدولة، ودعم المواطن، ودعم تخفيف الغلاء عن كاهله، بمزيد من خطط مدروسة للرعاية الصحية.. وإصلاح العملية التعليمية، وتحسين جودة حياة الأكثر احتياجًا, ثم وقت الجد تبدأ الخلافات والاختلافات على شكليات.

أخطاء التأويل وسوء الاستنباط تأخذ أحيانا فى ذهنية البعض شكل الدوائر، تتوالى فيها الأفكار فى حلقات مفرغة، تدور وتدور، ثم تعود إلى النقطة التي بدأت منها.. بلا حلول جذرية.. ولا بلورة نهائية.

سبق ولمس المصريون مثل تلك الطرق فى التفكير من قبل. سبق وشهدنا مجرد كلام حلو مزوق ملفوف بأوراق مفضضة، تناثر هنا وهناك، ولما فات عليه الزمن، واختبرته الظروف.. سقط على باب أول امتحان.. لتبدأ دوائر الحيرة من جديد. 

الدولة فى حالة حوار.. هذا تعبير شديد الاختلاف عن دخول الدولة حوارًا مع تيار وحيد، أو تكتل بعينه، لذلك يبدو غريبًا ربط بعضهم بين مقترحات على مائدة الحوار الوطني، وبين دخولها مباشرة موضع التنفيذ. 

المعادلة على هذا النحور لا تستقيم.. ولا تصلح.. ولا تصح.

المطلوب حوار وطني لا إملاءات. المنتظر مزيد من رؤى وطنية على محاور مختلفة، وفى سياقات متعددة، طبقًا لظروفٍ لكلٍّ منها قدرها ووزنها النسبى على خريطة الإدارة، وفق الواقع ومتطلباته.. لا أفكار مصحوبة بوجوب النفاذ.. مهما كانت، ومهما دلت وبصرف النظر عن ما يترتب عليها.

الفارق بين المقترح والمنصوص عليه للتنفيذ كبير.

ليس مقبولًا، الآن وقبل بدء جلسات الحوار الوطني، أن يدخل بعضهم بمنطق ثباته هو وحده.. ورؤيته هو وحده.. وكفاءته هو وحده.. وكفايته هو وحده. هذا ليس حوارًا. هذه ليست طريقة معهودة من طرق النقاش.

المعادلات الصفرية الجبرية لا تصح على ترابيزات التحاور. الحوار يعنى جدلًا لسياق، مطعم بأفكار مختلفة، تشكل نسيجًا من خيط مترابط مشترك.. ومتحد.. لصالح عام.

الأصل فى الحوار الافتراض. والافتراضات قابلة للفحص. والفحص والتدقيق هو معيار القبول على موائد الرأى والرأى الآخر. 

المشروطية فى الحوارات تحيل المناقشات إلى معارك كلام.

للمصريين سوابق فى تحول الكلام إلى مكايدات سياسية. وصلت المكايدات المترافقة مع سوء تقدير وسوء فهم (مع افتراض حسن النوايا ) إلى صورة جماعية فى مؤتمر فيرمونت بمصر الجديدة عام 2012!

(3)

فى فترة ما يعلم بها إلا ربنا، ظهر أن الفروق الواسعة بين الشعارات وبين الواقع أدت إلى أجواء اقتربت بها البلد إلى الطريق للهاوية.

لا يتصور الآن، وبعد سقوط أفكار كثيرة فى اختبارات الزمن والظروف، أن يدخل بعضهم الحوار الوطني بأفكار الماضى.

بالعكس.. مع التغيرات الجوهرية التي ظهرت على خرائط الدولة المصرية، خلال سبع سنوات مضت، لابد أن يُعاد تقييم أفكار الجميع.. ويعاد النظر فى مدى عملية آراء سابقة كان قد سبق طرحها. 

بعضهم قال على الهواء إن الكرة الآن فى ملعب الإدارة المصرية. هذا كلام معكوس.. ليس سليمًا ولا واقعيًا.. ولا منطقيًا. 

بالعكس، دعوة رئيس الدولة إلى حوار شامل يرتب على أطراف الحوار والمشاركين فيه واجبات المشاركة وفق منطق المشاركة. 

يفترض منطق المشاركة، استيعاب جميع المتغيرات على الأرض. يفترض منطق المشاركة، عدم الدخول إلى حوار شامل، بعد تغيرات واسعة، وبعد عبور الدولة مراحل شديدة الحساسية، بأفكار قديمة من واقع قديم، ومن محيط إقليمى مختلف، ومن مناخ عالمى كان أشد اختلافًا. 

لا يمكن بناء النقاشات فى عقد حالٍ، وفق تنظيرات بحلول لمشكلات فى عقد ماض، على افتراض أن الحلول التي كانت مطروحة.. كانت ناجعة ناجزة فيها خلاصة الخلاصة.. وتمام الطريق لتخطى المشكلات.

إن جيت للحق.. بعضهم بدأ أحاديث تفترض فى بعض القوى الحزبية التوافق على وجهات نظر واحدة. هذا كلام من الذي لابد أن يعاد النظر فيه على عتبات الحوار الوطني أيضا.

بعضهم تحسبهم جميعًا وقلوبهم شتى. الخلافات داخل الكيانات المختلفة على ودنه، والأفكار مشتتة، والأمور كما كانت فى الماضى، وكما هى فى العادة والغالب والأعم تصل فى مناقشاتهم الداخلية للتجريح فى بعض.. بالتصريح الفج. 

الاختلافات على آلية التحرك على الأرض واضحة وظاهرة وجلية فى كيانات مفترض أنها طلبت ما أسمته بالضمانات لنجاح الحوار الوطني!

إذا كان الحوار الوطني مطروحًا لصالح المصريين، فإنه لا بد من وضع قطاعات المصريين بالكامل فى دائرة اهتمام كل أطراف الحوار. لكل قطاعات المصريين حق فى معرفة ما لدى المنتمين للحركة الحزبية من أفكار.. وما لديهم من أساليب مبتكرة تتخطى آثار الماضى.. وتعيد التوافق إلى تلك الكيانات الحزبية نفسها.

لكل القطاعات فى الشارع المصري، أن تقف على ما عسى أن تكون وصلت إليه كيانات حزبية من إعادة تدوير للأفكار ووجهات النظر، بما يوصل تلك الكيانات إلى تلافى نزاعات الماضى التي وصلت بأحزابهم إلى ساحات المحاكم.. ووصلت بالصراعات بين رموزهم إلى دوائر محاكم القضاء الإداري!

بالمناسبة.. ربما ما لا بد أن يُطرح على مائدة الحوار الوطني، هو تقييم شامل للحركة الحزبية، وإعادة قراءة تاريخها، وإعادة تدوين ثغراتها، وآثامها، ومراحل هبوطها وصولًا إلى أكثر من مائة حزب بعد يناير 2011 ما زال أغلبها تحت التأسيس للآن!

الأحزاب كيانات سياسية تستلزم حضورًا شعبيًا، بامتدادات للشارع وانعكاسات لدى الجماهير. 

للإنصاف، لابد من الإشارة إلى عدم قدرة حقيقية لكثير من الكيانات الحزبية فى الوصول لرجل الشارع. تتحمل الكيانات الحزبية عبء الوصول إلى الشارع، وتحضير قواعدها وتأسيس كوادرها. 

عدم القدرة على إتمام تلك المهام، تعود بالتساؤلات على كاهل تلك الكيانات، لا على الدولة.

ليس عدلًا وقوف بعض كيانات على أعتاب حوار وطني شامل متكامل.. متعللة بعدم قدرتها على الوصول للجماهير، محملة الدولة مسؤولية عدم قدرتها.. بينما من الناحية الأخرى تقف نفس الكيانات على عتبات الحوار الوطني متمترسة بما تسميه «مطالب الجماهير»!