الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
أربعيـن سنـة فى صبــاح الخيــر!

رشدى أبوالحسن يتذكر:

أربعيـن سنـة فى صبــاح الخيــر!

..وفجأة يرحل الرئيس «جمال عبدالناصر» فى 28 سبتمبر سنة 1970 ويتولى حكم مصر نائبه «أنور السادات» لتبدأ «مصر» مرحلة جديدة ومثيرة فى حياتها السياسية والاجتماعية! وكذلك الحياة الصحفية!



كان الأستاذ «رشدى أبوالحسن» لايزال محررا فى مجلة آخر ساعة وعن تلك الأيام وما بعدها يتذكرها الأستاذ رشدى أبوالحسن فى كتابه الممتع «55 سنة صحافة: سنوات كثيرة وحصاد قليل» (دار ميريت للنشر).. فيقول:

مع بداية حكم «السادات» أصبحنا فى حقبة جديدة، كانت خيوط جديدة تنسج سياسة وروحًا مختلفة لا تمت للتغيير الذى كنا نتمناه بصلة!

 

وكنت أكثر ميلًا إلى الذين يرون أن «الاشتراكية» هى الحل، وهى سفينة النجاة لإنقاذ الوطن، وتحقيق تنمية اقتصادية وعدالة اجتماعية وما حدث فى «الاتحاد السوفيتى» أيامها كان ملهما لكثيرين حول العالم، فها هى دولة ليست متقدمة تنجح فى وقت كثير فى الانتقال من حال إلى حال.

ويكمل الأستاذ «رشدى أبوالحسن» قائلا:

وأصبح «أنيس منصور» رئيسا لتحرير آخر ساعة! وهو كاتب صحفى قدير ومن صحفيى الطبقة الأولى الذين يعدون على أصابع اليد الواحدة!

ولكنه ليس موهوبًا فى إدارة الفريق الذى يعمل معه بحيث تكون إدارة للتنوع والاختلاف بين أفراد الفريق! إنه يرى أن الموقع الذى يتولى قيادته يدور حوله وينبع منه ويعود إليه!

ولا أنسى فى اللقاء الوحيد معه أنه استطرد وكأنما يحدث نفسه:

«أنت تتصور أننى رئيس تحرير، مهمتى أن أتابع الموضوعات، وأراجع ما يكتبه المحررون، وأعقد اجتماعات، إننى رئيس تحرير فقط ليظهر مقالى فى أفضل صورة ممكنة!

لم تصدمنى كثيرًا صراحته، بقدر ما كانت تشير إلى جو لم يعد مريحًا!.

 

 

 

وللأسف لم يذكر الأستاذ رشدى تفاصيل حول تلك الفترة من زمن تولى أنيس منصور لرئاسة تحرير آخر ساعة!

وهكذا بعد 13 سنة من العمل فى آخر ساعة شاءت الظروف المواتية أن يبدأ رشدى أبوالحسن تجربة جديدة فى مجلة صباح الخير استمرت حوالى أربعين سنة حيث يقول:

«ساعدتنى ظروف على الانتقال إلى بيت شعرت بعد وقت وجيز أنه أكثر رحابة وحنوا وإتاحة للفرص، انتقلت إلى صباح الخير فى ديسمبر 1974.

كان صلاح حافظ قد عاد إلى «روزاليوسف» فى عام 1966 وبعد تولى السادات السلطة ونجاحه فى التغلب على من سماهم «مراكز القوى» أجرى تغييرات فى القيادات الصحفية، وأصبح «عبدالرحمن الشرقاوى» رئيسا لروزاليوسف و«حسن فؤاد» رئيسا لتحرير صباح الخير!

واقترح عليّ الصديق «سعد كامل» أن يسعى لنقلى إلى صباح الخير وكان يثق فى قدراتى وربما يقدر إمكانياتى بأكثر مما هى عليه! وكانت تربطه صداقة قوية وعمل مشترك فى الصحافة اليسارية مع «حسن فؤاد» فى الخمسينيات، ولم يمانع «حسن فؤاد» ولكن مضى وقت طويل قبل أن ينجح فى تحقيق المطلب، فمثل هذا الأمر لا يتم دون حسابات!

ورغم أن «حسن فؤاد» حصل على موافقة عبدالرحمن الشرقاوى، و«لويس جريس» المدير العام، إلا أنه قال لى شارحًا: أفضل ألا تنضم هكذا فجأة، إننا أشبه بورشة على أى وافد جديد أن يبدأ من البداية لا يهبط بالبراشوت، لا بد أن يقبل الجسم العضو الجديد!

واقترح أن أعمل لفترة من الخارج بالقطعة، أراجع الموضوعات أكتب تحقيقات بدون توقيع! وعملت لشهور كأننى مبتدئ، لم يضايقنى هذا أبدا، بل التزمت به بسعادة، ولهذا تم نقلى من مؤسسة أخبار اليوم إلى مؤسسة «روزاليوسف» بسلاسة!

والمعروف أن النقل عادة يتضمن زيادة كبيرة فى الراتب لاسيما إذا تم إلى مؤسسة أغنى، وروزاليوسف لم تكن كذلك بالنسبة لأخبار اليوم!

انتقلت بهدوء دون أن أبدو أو أكون محمولًا على كتف أحد ولم يزد راتبى غير خمسة جنيهات، وأظن أن هذه البداية التى خطط لها بخبرته الواسعة «حسن فؤاد» جعلت انسيابى فى نهر المجلة طبيعيًا، لم يسبب لى ولا لغيرى أى درجة من المزاحمة والتنافس!

فى ديسمبر 1974 انتقلت رسميا من آخر ساعة إلى صباح الخير!

ولم يهنأ الأستاذ «رشدى» بانتقاله إلى صباح، أما السبب فيرويه قائلا:

بعد أقل من شهر حدثت مفاجأة غير سارة، إذ تم القبض عليّ مع عشرات آخرين متهمين بالتخطيط وقيادة المظاهرات، التى عرفت بانتفاضة يناير 1975 بعد قرار رفع الأسعار!

وأتذكر أن الإحساس الذى راودنى ليس عواقب القبض عليّ ومواجهة السجن لأول مرة، ولكن جزءا من الصدمة كان الخجل أن أبدا القصيدة بهذا الكفر، وبدلا من أن أكون مفيدا للمجلة، هكذا أتحول إلى عبء!

 

 

 

والمدهش أن هذه الهواجس لم يكن لها أى ظل، كما تبينت فيما بعد، بعد الإفراج عنى بعد ستة أشهر، لا فى المجلة ولا فى المؤسسة ككل! بل على العكس كانت المشاعر تنم عن التعاطف والمساندة!

وبعد الإفراج عنى كان اللقاء عاطفيًا وحارًا، وعلى عكس ما تصورت!

فروح هذا المكان تختلف، فحس أبنائها مرهف نحو القضايا العامة والحريات ربما قبس من روح السيدة «فاطمة اليوسف» التى أسستها!

ولم أكن قد التقيت بالحاجة «سعاد رضا - المدير المالى، ولكن حرارة استقبالها وفرحتها الصادقة طمأنتنى وهى تقول ضاحكة:

- أنا مشغولة بإعداد الملف بتاعك وبعد أسبوعين تدخل السجن!

وكان أمرًا له دلالة، أنه حين تم القبض عليّ ليلا، كنت نائمًا فى استراحة مصنع الألومنيوم بنجع حمادى. أعد تحقيقًا عن الاستعداد لافتتاح المصنع الكبير كواحد من ثمار بناء السد العالى ومظهر لمسيرة التنمية!

وبعد الإفراج عنى، كان أول ما نشرته باسمى تحقيق عن المصنع بعنوان «مهندس على نهر من الألومنيوم»!

ويمضى الأستاذ «رشدى» فيقول:

وبسرعة وجدت مكانى، ولا بد أن أشيد بدور «حسن فؤاد» الأب الأستاذ الذى كان يحتضن الكتيبة كلها، وأيضا بمساندة كل من إلى جانبه من الكبار وكذلك من أبناء جيلى، ولم أحس بأى غربة من أول لحظة، وبعدها بسنوات قال لى الشاعر «فؤاد قاعود» بعفوية أنت كأنك معانا فى صباح الخير من البداية.

وكان تعبيره هذا صادرا من القلب، بهذه الروح التى بدأت بها كانت السنوات التى تتالت.

الفرصة التى منحتنى إياها «صباح الخير» فى النشاط الصحفى، كانت أكبر وأرحب، تبينت ذلك بمرور الأيام، وإن إحساسى عندما كنت فى آخر ساعة أن بيئة العمل فى مختلف الصحف متقاربة وهامش الحرية واحد لم تكن صحيحة تمامًا، كانت المجلة تتيح لكتابها وصحفييها إظهار قدراتهم والتعبير عن أنفسهم!

ويتذكر الأستاذ «رشدى» تلك الواقعة التى كانت أشبه بجائزة كبيرة حصل عليها فيقول:

لا أنسى أننى قابلت ذات يوم الأستاذ «كامل زهيرى» نقيب الصحفيين الأشهر صدفة فى شارع قصر العينى قريبًا من «روزاليوسف» ولم أكن من القريبين منه، ولكنه كان يعتبر معظم الصحفيين الأصغر منه زملاء له، وتحادثنا عن أحوال الصحافة وسأل عن «صباح الخير» و«روزاليوسف» وأحسست أنه يريد أن أصحبه وكعادته شرح تاريخ الأماكن والشوارع التى مررنا بها، وحين تحدث عن تصوره لمستقبل الصحافة وقتها وجدته يقول: على أى حال أنت فيما تكتبه تصل إلى آخر الهامش المتاح!»

. لم أتصور أن كاتبًا كبيرًا مثله يجد الوقت حتى ليقرأ لى، فضلا عن مثل هذا التقييم الذى فاجأنى بل أحسست أنه أشبه بجائزة كبيرة حصلت عليها!».

ومهما طال الكلام عن ذكريات أستاذى رشدى أبوالحسن فهى لن توفيه حقه، فقد سعدت بالعمل تحت قيادته فى بداية مشوارى المهنى وكان أستاذًا بحق، ولقد توقفت طويلًا أمام كلمة الأستاذ والصديق «د.نبيل عبدالفتاح» التى جاءت فى ظهر الكتاب وهو يقول: «الكاتب والصحفى الكبير والمثقف البارز الأستاذ «رشدى أبوالحسن» ذو الروح الإنسانية المتفردة والخلابة يعد واحدًا من القلة الموهوبة والدءوبة التى عاشت هذا العالم الصاخب من داخله ومن خارجه، وسط كبار الكبار الصحفيين وألمع العقول المصرية، ويمتلك رأسمالا خبراتيا ومهنيا ثريًا ويقدم من خلال هذا الكتاب المهم تجربته الثرية وعطاءه المهنى والفكرى كواحد من المخلصين الأوفياء لها مهنة وفكرة وحياة.

معك حق أستاذ نبيل، وألف شكر يا أستاذ رشدى على كتابك المهم والممتع والصادق أيضا.