الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
دروس مستفادة فى أزمة القرم

دروس مستفادة فى أزمة القرم

للحروب آثار.. وللأزمات الدولية تداعيات. لكن فى الحروب والأزمات الدولية.. دروسا مستفادة.. و»عبر». 



رفعت الأزمة الروسية الأوكرانية نسب التضخم العالمى إلى أكثر من 3 درجات فى أقل من 7 أيام.

أدت الأزمة إلى ارتفاع عالمى فى أسعار القمح.. والبترول الخام وعدد من المعادن أولها نترنات الأومنيوم إلى أكثر من 3 أضعاف. 

حسب التقديرات الدولية، فإن خسائر الأزمة، على منحنى الاقتصاد الدولى قد تصل إلى أكثر من تريليون دولار، نهاية العام الجارى.. بشرط ألا تستغرق مدة الأزمة الأسبوع! 

الأزمة الروسية الأوكرانية تقترب من شهرها الأول.

الخسائر فى ازدياد.. وكثير من خرائط الصراع، على شفا إعادة التشكيل.. بإعادة النقاط المرسومة على بلدان شرق أوروبا.. ونقاط التماس بين الغرب وروسيا. 

(1)

كما للحرب آثار وتداعيات على الاقتصاد، فإن فى الحروب دروسا وعبرا. 

أول الدروس وأهمها هى مبادئ الدول القوية فى اعتبار أمنها القومى خطا أحمر. ترسم الدول الكبرى، خطوطا حمراء، فى الوقت المناسب.. ووفق تقدير الظروف المحيطة، ووفق استشعارها للأخطار المحدقة. 

ثانيا: الجيوش الوطنية القادرة، هى درع الدول الكبرى.. وسيفها. التفوق فى التسليح، والقدرة الفائقة على تنفيذ مهام حماية الأبعاد الاستراتيجية للبلاد، والجاهزية الدائمة كلمات السر فى حماية مقدرات الوطن.. وحماية مصالحه.. فى أبعد النقاط.. حتى لو خارج حدود البلاد. 

ثالثا: فى عصور التكنولوجيا والسماوات المفتوحة، تحولت الحروب أيضا إلى حروب مفتوحة، ولم تعد نطاقات الأمن القومى لكثير من البلدان، متوقفة على حدودها المعروفة، أو خطوط تحددها الخرائط.. أو تتعلق بها المعاهدات الدولية. هذا ليس صحيحا.. فالأمن القومى للأوطان، امتد لنقاط أبعد عن الحدود المرسومة.. وامتد معها حق البلاد فى حماية أمنها الاستراتيجى خارج الحدود.. إذا ما اقتضت الظروف.

رابعا: الحروب نزيف اقتصاد.. والدول الكبرى، باقتصادها القوى، أقدر على امتصاص جميع آثار الحروب، والأزمات الكبرى. 

وإذا كان لا بد من تحرك عسكرى لإقرار التوازن فى معادلة الأمن القومى، فإن الاقتصاد القوى هو السند الأول والأخير، لحماية مقدرات شعب.. بقدرة واضحة على إنفاذ إرادة الدولة. 

لا يمكن أن تكون الحروب الحل الأخير.. أو البديل الأول. لكن الأزمة الروسية الأوكرانية حلقة فى سلسلة أحداث ووقائع، بدأت بعد الحرب العالمية الثانية، ولم تنته بعد سقوط الاتحاد السوفيتى ببروسترويكا جورباتشوف فى الثمانينيات. 

الأزمة روسية غربية.. والصراع ممتد، بجذور قوية.. أشبه بضرس العقل فى البنى آدمين. كثيرا ما يقع الطبيب فى حيرة، حيث تضرب الالتهابات ضروس العقل.. بينما لا تتيح الظروف خلعها.. لذلك يلجأ أطباء الأسنان للمسكنات. لا يجدى استمرار المسكنات كثيرا.. وفى أحوال أخرى تزداد الأمور تعقيدا. 

(2)

عمل عبدالفتاح السيسى منذ اليوم الأول لتوليه المسئولية على إرساء قدرة الدولة وكفاءتها. القدرة فى جيش وطنى قوى، بسلاح متطور هو الأحدث فى العالم، متنوع المصادر.. متنوع المهام. 

عمل عبدالفتاح السيسى، على استعادة مصر المكان والمكانة، بالتوازى مع القدرة العسكرية بقدرة اقتصادية، ودعم اجتماعى، رفع معدلات النمو، ورفع أرقام رؤوس أموال الاستثمار، ودعم الأولى بالاحتياج.. بتكامل فى كل المسارات.

أرسى عبدالفتاح السيسى ثوابت فى السياسة المصرية على رقعة الإقليم.. وفى المنطقة، وفى التعامل مع كبريات الدول. تنطلق الثوابت المصرية، من علاقات ندية، وفق المصلحة المشتركة، مع خطوط حمراء.. وقت اللزوم.

تستند مصر فى إقرار ثوابتها، وحقوقها فى حماية أمنها الاستراتيجى على محاور الجغرافيا على جيش قوى قادر. لكن الجيش المصرى رشيد. 

الدول الرشيدة لا تهدد ولا تعتدى ولا تتدخل فى شئون الآخرين. جيوش الدول الرشيدة وطنية خالصة، بعقائد قتالية تضع تراب الوطن فوق الدنيا.. بإيمان.

لكن الدول الرشيدة، تمارس حقها فى حماية أمنها القومى، وعمقها الاستراتيجى عندما تقتضى الظروف لإظهار العين الحمراء. 

حققت مصر عبدالفتاح السيسى، على محور الأمن القومى وحماية أبعادها الاستراتيجية.. بحسم ورسمت خطوطًا حمراء عندما حان وقت الخطوط الحمراء. 

الأمن القومى والأبعاد الاستراتيجية للدول ليست خارجية فقط. إنما للأمن القومى جبهات داخلية، يحفزها اقتصاد قوى.. وتدعمها برامج حماية اجتماعية فوق العادة.. وغير مسبوقة.. وتقفز بها معدلات تنمية.. بتحسين جودة حياة المواطن، وحماية مستقبل الأجيال الجديدة. 

(3)

تبقى الأزمة الروسية الأوكرانية شديدة التشابك، وشديدة التعقيد. تستمر الحرب الباردة، بين قطبى العالم شرقا وغربا.. بأساليب العصر.. ومعادلات الزمن الجارى. 

لم يكن من المتصور قبول روسيا، بقدوم الغرب إلى جوارها الاستراتيجى بسلام أو استسلام. 

السنوات الخمس الأخيرة، اختلت تصورات الغرب، فيما يمكن أن تسفر عنه نتائج الأحداث على الأرض. دخول جمهوريات لاتفيا وليتوانيا لفريق الغرب كان فتح كلام، بينما أظهرت ميول أوكرانيا سيرا على نفس النهج إضاءات حمراء.. شديدة الخطورة. 

ربما دفع الغرب فى تعقيد معادلة الصراع، ما أدى مع التطورات على خرائط البلقان والقرم إلى انفجارات متوقعة. يقول مراقبون إنه لم يكن لدى روسيا مساحة للانتظار، أو الترقب، بينما بدأت جورجيا وأرمينيا فى الالتحاق بركب الغرب عن طريق الاتحاد الأوربى!

رغم دقة الأزمة.. وتشابك تفاصيلها، إلا أن قانون الحرب الباردة، يقضى بأن المواجهات الصريحة المباشرة بين روسيا والولايات المتحدة أبعد الخيارات.. وأقلها احتمالات.

لم يكن من المتصور قبول روسيا لإعادة الغرب بنفسه ولنفسه تشكيل خرائط حدود الجوار الروسى مهما كانت التداعيات. أدت نتائج تحركات غربية على الأرض طوال 6 سنوات سابقة، لأزمة روسية أوكرانية متوقعة.. غير محسوبة العواقب.. حتى الآن. 

وقعت أوكرانيا فى حسابات خاطئة، انتهت بدعم غربى تضاءل رويدا رويدا.. حتى تلاشى.. فيما لجأت الولايات المتحدة لبديل اسمه العقوبات الاقتصادية.

آثار العقوبات على روسيا ذو حدين. للعقوبات آثار متوقعة على أسواق المال العالمية.. إخراج روسيا من منظومة سويف الدولية كانت له تداعيات مباشرة على الأسواق الأوروبية.. وآثار غير مباشرة على أسواق المال الأمريكية. يعانى الاقتصاد الأمريكى، من قبل الأزمة الروسية الأوكرانية، بنسب تضخم عالية هى الأولى منذ أكثر من 30 عاما. ارتفاع نسب التضخم العالمى بعد أزمة أوكرانيا شديدة الآثار على المواطن الأمريكى.. وعلى الأسواق الأمريكية.. وعلى الإدارة الأمريكى أيضا.

قبل أيام كتب الرئيس الأمريكيى جو بايدن على حسابه على تويتر نيته الاتجاه لتطوير البنية التحتية، والمشروعات القومية فى بلاده، فى محاولة لامتصاص آثار الأزمة الاقتصادية على الارتفاع فى نسب البطالة. 

سبقت مصر عبدالفتاح السيسى من 7 سنوات، بالبديل الذى يلجأ إليه الرئيس الأمريكى الآن. هبوط معدل البطالة فى مصر أكثر من 6 درجات، مع فرص جديدة لأكثر من 3 ملايين مصرى.. كان ثمرة جهود استباقية لدولة رشيدة.

اقتصاد قوى قادر كان ثمار سياسات شجاعة، أسس لقدرات فعالة فى امتصاص أزمة كورونا، فى وقت كان العالم كله يعانى.. فيما تعرضت دول كبرى لأسوأ آثار للأزمة بمزيد من الأضرار.

تبقى الدول الرشيدة قرار.. وثوابت أخلاقية.. ورغبة مؤكدة فى التنمية.. لرخاء الشعوب. 

(4)

للحرب الباردة.. قوانين.. وضوابط. القانون الأول التراجع عن المواجهة المباشرة.. والمعارك بالوكالة على أراضى الغير. 

الأزمة الروسية الأوكرانية هى الثانية بهذا الشكل وبهذه الكيفية منذ أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962.. هذا صحيح، لكن الصحيح أيضا أن أدوات الحروب اختلفت، ومعادلات التوازن اختلفت هى الأخرى. 

فى عصور الاتصالات والتكنولوجيا، دخلت التكنولوجيا نفسها عنصرا شديد الأهمية، إضافة إلى الغاز.. بديلا للنفط القديم. 

أعاد عنصر الغاز رسم خرائط الصراع، واقترب من إلغاء رسومات هندسة السياسة، طبقا لبؤر تواجد البترول أو النفط القديم. 

استبقت الدولة المصرية، نزاعات العالم، والإقليم والمنطقة فى حفظ ثروات المصريين من الغاز، وأوجه الحماية اللازمة، والردع دعما لمصالح وطنية وإقرار حقوق سيادة مشروعة.. ومستقبل اقتصادى واعد. 

ساهم الغاز الروسى المسال والمصدر لأوروبا كعنصر إمالة لصالح التحركات الأوروبية المضادة. تبقى الدبلوماسية على الطاولات شديدة الاختلاف على ما يجرى فى الأفنية الخلفية.. وما تحت الطاولات. 

لا يعيد التاريخ نفسه بنفس التفاصيل. تبقى للظروف متغيرات، وللأوضاع على الأرض ما يحكمها.. بالنظر للواقع المحيط.

أعاد الغرب عام 2022.. ما سبق وأن استهوله عام 1962.

فى بداية الستينيات من القرن الماضى، فوجئت إدارة الرئيس الأمريكى كيندى بصواريخ روسية خطرة على الأراضى الكوبية، وفى مدى لا يبعد عن ميامى الأمريكية أكثر من 170 كيلو.

كانت مواجهة ليست فقط أولى من نوعها، لكن كانت الأولى فى التلويح بإمكانية اللجوء للأسلحة النووية. لكن سرعان ما انتهت الأزمة، بسحب الصواريخ الروسية من كوبا، مقابل سحب الصواريخ الأمريكية من تركيا.  أعادت أزمة الصواريخ الكوبية.. تشكيل خرائط السلاح، والرقع الملتهبة على الأرض. 

تبقى المعادلة الدولية فى الأساس.. فى قدرة الدول على حماية أمنها الاستراتيجى.. مع قدراتها على احتمال الأزمات.. حتى تمر. 

مصر قادرة.. برشد.. وثوابت أخلاقية على تخطى الأزمات، فيما تظل قفزات التنمية.. والبناء مستمرة.