الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
أسئلــة فــى أزمــة القـــرم!

أسئلــة فــى أزمــة القـــرم!

فى الأسطورة اليونانية القديمة أن لواياثان ثعبان كبير ذو رأسين لا تكفان عن النزاع فى جسد واحد.



فى الأعياد الدينية تهدد كل رأس بنيتها ابتلاع الرأس الأخرى.. وفتح ثقوب فيها لا يمكن لها أن تستمر على قيد الحياة بعدها.

لكن الواقع كان يقول.. إن قتل أحد رؤوس لواياثان معناه موت الثعبان كله.

لأن خلفية الأسطورة تقول إن هذا الثعبان الأحفورى القادم من الزمن السحيق لا يمكن أن يحيا برأس واحد!!

 

مازالت أزمة أوكرانيا التريند رقم واحد فى كراسات السياسة الدولية على مدى الفترة الماضية أكثر من 100 ألف جندى روسى فى بيلاروسيا على الحدود الأوكرانية فى الشمال، وفى الجنوب تواجد روسى ضخم فى شبه جزيرة القرم التى ضمتها روسيا عام 2014، ومن الشرق تحاصر روسيا أوكرانيا بمعدات ثقيلة وطوائف من المشاة، حيث تدور حرب مع انفصاليين موالين لموسكو.

اشتعال أزمة أوكرانيا، أشعل القرم وأشعل أوروبا ويشعل الغرب والولايات المتحدة الأمريكية كل ساعة على مدار اليوم.

وتبقى خيوط الأزمة ممتدة، لا يحسمها إلا فعل حقيقى على الأرض، يمنع آلاف التكهنات والافتراضات التى تصل إلى درجة يختلط فيها الواقع مع الخيال لصعوبة البدائل.

المواجهة الروسية مع الغرب فى أوكرانيا ربما هى الأقوى والأكثر صدى منذ أزمة خليج الخنازير والصواريخ الكوبية.

العالم فى حالة ترقب، بينما أنهى الغرب تهديداته منتظرًا ماذا بعد، فى الوقت الذى يتنفس فيه الكرملين فى موسكو ببطء منتظرًا القرار.

رغم تعقد الخرائط على الحدود الأوكرانية، ووقوف القوات الروسية فى 3 اتجاهات فى مواضع هجومية عسكرية، فإن السؤال مازال مطروحًا بقوة: «هل تنوى روسيا فعلًا تنفيذ اجتياح شامل لأوكرانيا؟!».

أغلب خبراء الغرب يقولون أن السؤال الأولى هو: «متى تبدأ روسيا اجتياحها الشامل للأراضى الأوكرانية؟!».

بين صيغة السؤالين ألوف من السيناريوهات على اختلافها، فإن أغلبها أو حتى أكثرها بساطة لن ينهى أزمة كبرى تضع القرم على فوهة بركان.

(1)

موسكو مازالت تنفى نياتها المبيتة لاجتياح الأراضى الأوكرانية، لكنها تلفت فى الوقت نفسه إلى الاستفزازات الغربية المستمرة من أول أحاديث انضمام أوكرانيا لحلف شمال الأطلنطى، وانتهاء بالتمادى الأمريكى فى نشر الصواريخ بعيدة المدى على نقاط تعتبرها موسكو شديدة الحساسية بالنسبة لمناطق نفوذها.

انضمام أوكرانيا لحلف الأطلنطى لدى الإدارة الروسية ليست فقط خطوة شديدة الخطورة، إنما هى أيضا خطوة نهائية تنهى تمامًا معادلة «التوازن» فيما بين الشرق والغرب، كما يرى الساسة فى موسكو.

لذلك، فإن موسكو لاتزال متمسكة، بأن معادلة إلغاء نفوذها التاريخى فى دول شرق أوروبا خطوة لا يمكن السكوت عليها، أو غض الطرف عن تلاسن حلف الأطلنطى مع حدودها.. دون انفجار.

الأسبوع الماضى، قالت أوكرانيا أنها تعرضت إلى هجوم إليكترونى ممنهج استهدف شلل أجهزة الإنذار العسكرى، وتقليل كفاءة التواصل بين الأسلحة المختلفة للجيش الأوكرانى.

فى الغرب هناك من تبنى وجهة نظر تقول أن هجوما سبيرانيًا بهذا الشكل خطوة استباقية قبل هجوم روسى برى مؤكد.

خبراء آخرون تبنوا نظرية تؤكد أن حشد الـ100 ألف جندى روسى فى الشمال، لا يمكن أن ينتهى بمجرد تراجعهم.

فى المقابل فإن هناك من يؤكد أن القوات الروسية على حدود أوكرانيا لا تكفى عسكريًا لغزو ضخم لأوكرانيا أو احتلال شامل للبلاد، إذ يكفى الإشارة إلى أن الاتحاد السوفيتى عندما أقدم على غزو تشيكوسلوفاكيا عام 1968، أرسل على الأقل ضعف الـ100 ألف جندى الذين صفتهم موسكو على حدود كييف!

(2)

ترغب روسيا فى ضمانات مكتوبة، فيما يتعلق بمطالبها الحساسة فيما يسمى بـ «الأمن الأوروبي» وإدارة ملفات الصواريخ وأنشطة حلف الناتو وترغب أيضا فى تطمينات تتعلق بنطاقات بعض المناورات الغربية الأخيرة ونوعية الأسلحة المستخدمة.. إضافة إلى مطالب روسية محددة خاصة بالاقتصاد وحركات تداول النفط والغاز لأوروبا والغرب.

فى المقابل، تراهن الولايات المتحدة وحلفاؤها فى الغرب على عنصر الوقت. من الناحية النظرية، تبقى تكاليف إبقاء 100 ألف جندى على أهبة الاستعداد خارج قواعدهم على الحدود الروسية الأوكرانية مع رفع الحالة إلى الدرجة القصوى انتظارًا لأوامر بالهجوم قد تأتى فى أى وقت مسألة شديدة الصعوبة خصوصًا لو طالت المدة.. وطالت فترة الاستعداد.

يضاف إلى الحسابات الأمريكية، تغيرات المناخ فى الأراضى الأوكرانية المنتظرة خلال فترة وجيزة من الآن، إذ لابد لتلك التغيرات أن تؤثر على أداء الجنود الروس وعلى سهولة سير أرتال المركبات العسكرية والسيارات المجنزرة.

حسابات روسيا فى مواجهة الحسابات الأمريكية متكافئة.. أى أن خطط القطبين فى المواجهة لا يخصم أحدهما من رصيد الآخر من النواحى العسكرية.. لكن تبقى حسابات السياسة والاقتصاد، وآثار التصرفات غير المحسوبة العامل الأكبر فى حسم ذلك النوع من المواجهات.

أقرب الحلول، حتى كتابة هذه السطور، أن تكتفى موسكو بضربات صاروخية على بعض الأهداف الأوكرانية، ترد عليها أسلحة كييف ردودًا ضعيفة، ثم تهدأ الأمور مقابل أن يعيد الغرب حساباته لفترة طويلة مقبلة فيما يتعلق بضم أوكرانيا للناتو.

وقتها ستكون الفرصة سانحة لتجنيب بعض كروت اللعب، وإحلال أخرى على رأسها دفع الولايات المتحدة إلى الاستمرار بجدية فى مباحثات مع روسيا حول مستقبل هندسة «الأمن الأوروبي».

(3)

انعكست أزمة أوكرانيا بشدة على موارد الغاز الروسى لأوروبا، وسط مخاوف من أن استمرار الأزمة يدفع تجاه مزيد من الارتفاع فى أسعار الطاقة فى الغرب.

فى معادلات الطاقة المعقدة، تعتمد ألمانيا (أكبر قوة اقتصادية فى أوروبا) على الغاز الروسى.

العــام الماضى، وصلت إيرادات ألمانيا من غاز روسيا ما يزيد على 55 ٪ من إجمالى وارداتها.

تدفق الغاز الروسى لألمانيا ظل فى منحنى متصاعد ومنظم ويكفى الإشارة على انتظامه أن إجمالى واردات ألمانيا من نفس الغاز لم يتعدى 40 ٪ عام 2012!

تعارض ألمانيا بشدة، نوايا بعض باقى دول أوروبا والولايات المتحدة فى فرض عقوبات على روسيا، فى أزمة المواجهة فى أوكرانيا.

يشكل الغاز أكثر من 26 ٪ من إجمالى الطاقة المستهلكة فى المدن والمستشاريات الألمانية، أى عقوبات على موسكو، سوف تؤثر بالضرورة على تدفقات الغاز الروسى للمنازل الألمانية.. الضربة ستكون مؤثرة.. وتصل حدودها للكارثة.

خلال الأزمة الأخيرة، حذرت الخارجية الألمانية من أن خط أنابيب «نورد ستريم» الذى يصل بين روسيا وألمانيا عبر البلطيق، سيكون جزءا من حزمة العقوبات إذا تحركت روسيا تحركًا غير مقبول على الحدود الأوكرانية.

رغم التحذيرات الألمانية، فإن برلين متأكدة من أن الغاز الروسى، داعم أساسى لبرلين فى سعيها الواجب نحو التحول للطاقة النظيفة.

رغم التحذيرات الألمانية، فإن برلين، ومن بعدها أوروبا يدركون كيف يمثل خط «نورد ستريم» للغاز سلاحًا جيوسياسيا رهيبًا فى أيدى موسكو. ومهما كانت التحذيرات، فإن برلين لن يكون من السهل عليها الاستغناء عن الغاز الروسى.