الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
الوردانى يرفض نكران جميل محمد التابعى!

الوردانى يرفض نكران جميل محمد التابعى!

وأخيرا انكشف سر «مى الصغيرة» الكاتبة المبدعة التى ألهبت عقول وخيال القراء، بعد أن كشف د.سعيد عبده على صفحات آخر ساعة أنه لا شىء اسمه «مى الصغيرة» بل هو إبراهيم الوردانى، خنشور مثلى ومثلك! له لحية وشارب!



ويقرر إبراهيم الوردانى أن يعتزل الحياة فى غرفته بالبنسيون فى الفجالة، ليهرب ويتوارى ويعلم من صاحب البنسيون قائمة بأسماء من يسألون عنه ومنهم سعيد عبده وهيكل الذى اتصل عدة مرات!!

ويعترف الوردانى فى مذكراته.. «فلاح فى بلاط صاحبة الجلالة» قائلا:

التليفونات كثيرة تطلبنى، وقد صممت ألا أرد على هيكل أو سعيد عبده بالذات! إننى غير راض عن مباغتة هذا الغدر منهما.. لا نصيحة لى عندهما الآن بل إنهما قد يقوداننى إلى هزل أكبر، ولكن فجأة يدق التليفون بطريقة الترنك ولندن تطلبنى على التليفون هرولت أسرع مستغربا.. ووجدت ضحكات «هيكل» وهو يقفشنى فأين أنا ؟؟

المغمى عليهن يطلبن رؤية الدون جوان الخنشور المظاهرات والزوار فأين أنت لها يا أستاذ؟!

أغضبتنى نبرة السخرية من دعابته فشخطت فيه أن يتوقف وكفى بواخا من هزار ثقيل سمج لم أعد أطيقه، واختطف «سعيد» السماعة منه وهو يطلق عالى الضحكات، فهل أنا زعلان حقا كما يقول «هيكل»؟ ومم الزعل يا أهبل وكل مصر قبلى وبحرى لا حديث لها هذا الأسبوع إلا عنك؟!

 

التابعى وعلى ومصطفى أمين
التابعى وعلى ومصطفى أمين

 

عاتبته على هذه التقدمة التى ترقص بالصاجات فى سوق الغوازى فصرخ فى وجهى زاجرا ومفوقا أن أعيش عصرى وأنفض عن نفسى أغطية الريفية والتحفظ لقد انقرض عصرها! وقل ماذا تريد الآن لتنهى زعلك؟! إذا كانت تقدمتى لك قد أغضبتك فتعال وقدم نفسك بنفسك وخذ صفحتين بل ثلاث فى العدد القادم، وليس هذا تنازلا منا أو منحة فهو النزول على رغبة القراء والتليفونات التى لم تهدأ لحظة فى آخر ساعة، وهى تسأل عنك وآخرها من «التابعى» الذى أمر بتعيينك وضمك من اليوم إلى أسرة آخر ساعة!

وعلى مقهى بور فؤاد كتب الوردانى قصة قصيرة، ويصاحبها إهداء إلى سعيد عبده، ثم وضع المقال فى ظرف باسم د.سعيد عبده يسلم له شخصيا ويدا بيد حتى لا يقع فى يد العابث هيكل!! وبعد أيام كانت القصة منشورة فى آخر ساعة أول مقال عليه توقيع إبراهيم الوردانى!

وروى إبراهيم الوردانى قصة طلب تعيين الأستاذ محمد التابعى له فيقول:

كان التابعى قد قرأ المقال المدوى الذى كشف القناع عن مى الصغيرة وهو فى ربوع أوروبا، ودق التليفون على نائبه  فى المجلة «سعيد عبده» وسأل عنى ومن أكون! ثم بعد أن سمع من سعيد أعطى أوامره بإلحاقى عضوا بأسرة المجلة بمرتب عشرة جنيهات فى الشهر، لأتبادل كتابة القصة القصيرة الأسبوعية مع نجمها المرموق «صلاح ذهنى» الذى تعين هو أيضا فى نفس اليوم وبنفس المرتب!

وعاد التابعى بعدها بأيام قليلة وظل مقيما فى بيته بالزمالك يستقبل زواره وسماره المشتاقين والمحتفين قبل أن يظهر فى المجلة، وكان فى غيبته تلك قد قرأ لى أكثر من قصة من هذا النوع الذى أحدث ضجة ودهشة وفضولا فى دوائر القراءة والكتابة الصحفية!

ويحكى الوردانى قصة أول لقاء مع الأستاذ التابعى قائلا:

استدعانى التابعى إلى غرفته المهيبة، الباهر العملاق، جليس الملوك مخيف الأحزاب والحكومات، أجلسنى أمامه متوددا ومشتتا الهيبة، شجع واستغرب حداثة أسلوبى،  شكر واستقصى عن منبع قصصى.. استلطف حيائى الريفى واندهش من قلة تجاربى فمن أين جاءت إذن تلك القصص الواقعية الصاخبة؟! صارحته بما تمكنت، ثم بعد تلك الجلسة عزمنى على بيته الإمبراطورى فى الزمالك.. و.. ثم وهو يودعنى عند الأسانسير أخرج من جيبه ورقة عقد لمدة سنة بتعيينى محررا فى آخر ساعة بمرتب 15 جنيها فى الشهر والمطلوب منى باب صحفى جديد سياسى واجتماعى وفنى ترك لى اختيار مادته وأسلوبه وعنوانه سوف يخصص له ابتداء من هذا الأسبوع الصفحة الثانية بعد الغلاف.

دخت سعدت تماسكت، استعدته عن نوعية ما سوف أكتب فى هذا الباب؟ فقال أنت حر استعدته راجيا مرة أخرى فكرر كلمة أنت حر!

ثم عندما لاحظ حيرتى قال لماذا لا تجرب أسلوبك القصصى الجديد فى النقد واللذع والتعليق على أحداث الأسبوع. وأمسك الوردانى بالقلم والأوراق وكتب بالفعل خمس صفحات فلوسكاب تعليقات على أحداث الأسبوع الداخلية والخارجية فقرات قصيرة نحن فى عصر السندوتش، وذهب بالمقال إلى آخر ساعة ويقول:

أصعد السلالم الباب الجديد فى رجفة ورهبة لقد نفذت توصية التابعى  أنت حر ـ فى مبالغة مفرطة باهظة ترى ماذا يكون وقعها.. دخلت إلى صالة التحرير مشحونة وصاخبة كلهم أصدقائى أخى وصديقى الحميم الدكتور سعيد عبده بضحكته الناحلة، وصلاح عبدالجيد سكرتير التحرير بلسانه المفلوت ومساعده محمد حسنين هيكل بمشيته الزاحفة المختالة كطائر البطريق! 

كانوا فى انتظارى مع تعليمات التابعى وبسرعة خطفوا منى ورقات المقال ثم تجمعوا حول مكتب سعيد عبده الذى فرش الورقات أمامه، واتكأ صلاح على كتفه مستلطفا معه، أما هيكل فقد أخذ الانحناء قارئا من وراء ظهره، أرعبنى منظرهم، بدأوا القراءة والاستطلاع، أغمض عينى وأتماسك، وشعورى أننى أجتاز الاختبار الخطير، والأخطر والأرعب منه هو اختبار التابعى،  لم أتحمل انتظارهم وانصرفت متسللا!

لم أعد إلا ثانى يوم الفجر ـ هكذا يقول الوردانى  أحضر مبكرا قبل وقت حضورهم، ترى ما رأى سعيد وهيكل، ترى ماذا قال التابعي؟؟ هل قرأ التابعى إما أدرانى أن يكون قد وضعها فى سلة الزبالة؟

دخلت لمحت صاروخان وحده وريشته تمرح وتقفز فوق الورق، ألقيت عليه تحية الصباح مقتربا من مائدة الرسم ثم تسمرت عيناى على منظر ورقاتى الخمس مجموعة بأحرف المطبعة فى سلخات، فسألت ما هذا؟ فقال موتيفات لصفحة حضرتك الجديدة، اختطفت السلخات من أمامه وعينى تجرى وراء ما يكون التابعى قد حذف أو شطب أوعدل من فقرات الباب، ويا رباه أبدا، لا حذف ولا شطب ولا تعديل.. ثم جحظت عيناى على العنوان المكتوب وكنت قد تركته لاستشارة آخر لحظة، ووجدته مكتوبا بخط «سعيد عبده» الذى أعرفه وكان «صواريخ»!

وقبل أن ألتفت لأفكر فى وقعه على أعماقى ومشاعرى المرتجة ظهر سعيد عبده داخلا ليرمق منظرى وفى يدى السلخات فقابلنى ضاحكا ومعانقا بحرارة وأبلغنى أن التابعى أعجب بالباب وأصدر أمرا بأن لا حرف يتغير مما كتبت أو سوف أكتب ولا أحد يتطفل بالتعديل أو التغيير فى الأسلوب!

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

 

 

كنت شاردا أردد فى تردد وحيرة عنوان «صواريخ» فقال إنه اقتبس العنوان من فقرة فى الباب كنت أعلق فيها على ما حدث الأسبوع الدولى والذى هو إطلاق أول صاروخ أمريكى بداية دخول البشر لعصر الصواريخ!

ويفجر الوردانى أكثر من مفاجأة صحفية فيقول:

بعد ثلاثة أشهر فجر التابعى زلزالا فى البورصة الصحفية عندما أعلن أنه رفع عقد الكاتب الناشئ الذى هو أنا إلى أربعين جنيها فى الشهر بأعلى مما يتقاضى كبار وعواجيز الكتاب.. خبر صحفى تناقلته وكالات الأنباء ورددته الصحف فى دهشة واستغراب!

وبعد ذلك تلقيت دعوة لقاء عاجل ومهم من صاحبى أخبار اليوم «مصطفى وعلى أمين» فى شقة الأسطح من شارع قصر النيل، وعندما ذهبت إليهما أغلقا باب حجرتهما وأنا معهما واتفقا معى على الانضمام إلى أخبار اليوم كمحرر رئيسى وكاتب  متميز بمرتب سبعين جنيها فى الشهر.

وقبل أن أنطق بكلمة استدعيا مدير الإدارة الأستاذ «عيد» ليقيد التحاقى ابتداء من اليوم، وفى هذا اللقاء المدوخ المثير خجلت أن أرد بلا أو نعم!

ولكننى بمجرد أن انصرفت من عندهما جلست على مائدة أول مقهى وكتبت لهما خطابا عاطفيا مشحونا بأشد الأسف والاعتذار، فلن يرضيهما طبعا أن تكون بداية مسيرتى الصحفية هو نكران الجميل لأستاذنا «التابعى»!!

وللحكاية بقية فى شارع الصحافة.