الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
أحمد حمروش رئيس تحرير ثلاثة أعداد!

أحمد حمروش رئيس تحرير ثلاثة أعداد!

كانت مجلة «التحرير» هى أول مجلة تصدرها ثورة 23 يوليو سنة 1952 والتى صدر عددها الأول فى 16 سبتمبر نصف شهرية، برئاسة تحرير الأستاذ أحمد حمروش، الذى تم عزله بعد صدور ثلاثة أعداد فقط ليسند الرئيس «جمال عبدالناصر» رئاسة تحريرها إلى «د. ثروت عكاشة»!



 

قصة «التحرير» والأستاذ أحمد حمروش تستحق القراءة والتأمل خاصة من أصحابها و على رأسهم أحمد حمروش نفسه!

وفى كتابه المهم «والآن أتكلم»، يروى خالد محيى الدين جانبًا من الحكاية: «كان صاحب اقتراح إصدارها «يوسف صديق» الذى ألح، وربما بإيعاز من حدتو - التنظيم الماركسى الذى كان ينتمى إليه - بأهمية أن يكون لمجلس القيادة مجلة تعبر عن رأىه فى الأحداث وكلف «يوسف صديق» بإصدار مجلة سميت«التحرير» وتولى رئاسة تحريرها «أحمد حمروش» الذى جمع فيها العديد من الصحفيين اليساريين، وكالعادة فإن الزملاء اليساريين كانوا يعشقون الألفاظ العالية الرنين والشعارات الساخنة، وكانوا يتصورون أنهم بذلك يضعون الثورة أمام مسئولياتها، وأمام التزاماتها السابقة، وأمام برنامجها القديم ناسين أن الدنيا تغيرت وأن الضباط الثائرين على الحكم القديم أصبحوا حكامًا، وأن التأثير فيهم لا يكون بمثل هذه الحجة ولا بهذا التحدى.

والنتيجة أنه وبعد ثلاثة أعداد ساخنة للمجلة أتى عبدالناصر وقال: إن المجلة شيوعية وأنه يتعين تغيير رئيس التحرير، وأبعد حمروش واستدعى «ثروت عكاشة» قابل عبدالناصر ثروت عكاشة فى حضورى وقال له بوضوح: يا ثروت أنا عايزك تمسك مجلة التحرير، ويمكن أن يكتب بها كل من تشاء بشرط ألا يسيطر عليها الشيوعيون وتصبح مجلة شيوعية».

والآن إلى شهادة الأستاذ «أحمد حمروش» وكان واحدًا من الضباط الأحرار الذين قاموا بالثورة، وبعد إعداد نشرة التنقلات اختار أن يكون فى إدارة الشئون العامة للقوات المسلحة، وحسب قوله: «كانت تجذبنى إليها هواية الكتابة والصحافة التى مارستها 6 سنوات فى الفصول والأهرام والقصة».

وفى مذكراته «نسيج العمر» يروى أحمد حمروش: «كنت أحمل فكرة إصدار مجلة تعبر عن رأى الحركة وحملت ذلك إلى جمال عبدالناصر الذى وافق على الفكرة وناقشتها مع «أحمد أبوالفتح» فى جريدة المصرى حيث تعرفت بعدد من الكتاب والفنانين والصحفيين الذين أصبحوا لى أصدقاء خلال رحلة العمر: عبدالمنعم الصاوى، وحسن فؤاد، وعبدالرحمن الشرقاوى، وعبدالرحمن الخميسى ويوسف إدريس وعبدالرحمن صادق.. وغيرهم.

وتشكل فريق عمل كان محوره الصديق الفنان «حسن فؤاد» وانضم إلينا غير مجموعة «المصرى» عدد من الزملاء الأصدقاء صلاح حافظ وزهدى وعبدالغنى أبوالعينين وسعد التائه وغيرهم!

ولم تكن للمجلة ميزانية ولم يكن فى إدارة الشئون العامة من وسائل تسمح بإصدارها «ذهبنا إلى دار الهلال، حيث التقينا مع الأستاذ «إميل زيدان»، الذى رحب بإصدار المجلة من دار الهلال على أن يتم الحساب بعد التوزيع، وأرسل لنا «أحمد أبوالفتح» رجل الإعلان الأول فى المصرى ليكون مشرفًا ومسئولاً عن إعلانات المجلة التى لم تكن قد اخترنا اسمها بعد وهو «عبدالله عبدالبارى».

 

أحمد حمروش
أحمد حمروش

 

استقر رأينا على أن تكون المجلة باسم التحرير، وبدأنا العمل ليل نهار فريقا متجانسا لا نكاد نغادر دار الهلال إلا إلى منازلنا للنوم فقط، وفى يوم 16 سبتمبر سنة 1952 كان العدد الأول يخرج من المطبعة.

حملت العدد إلى جمال عبدالناصر فى مبنى القيادة بكوبرى القبة، وبعد أن تصفحه طلب منى أن أعرضه على زملائه الموجودين فى مجلس القيادة، وسمعت منهم آراء متباينة يؤسفنى القول بأن بعضها كان سطحيًا وغير موضوعى، فعدت إلى جمال عبدالناصر قائلا له: أرجو أن تنقذنى من زملائك!

وابتسم ابتسامة عريضة وهو يقول: «إذن غدا نشتريها من باعة الجرائد».

 

وذهبت إلى الأصدقاء الذين كانوا ينتظرون فى دار الهلال وأبلغتهم بالقرار فهللوا فى فرح حقيقى، وخرجت المجلة للتوزيع وخرجنا نأكل الكباب فى أبوشقرة!

كان ظهور المجلة حدثا صحفيا فريدا فهى أول مجلة تصدر معبرة عن الحركة وفيها تحقيقات ومقالات عن المعتقلين السياسيين الذين كانوا قد صدر قرار اعتقالهم يوم 9 سبتمبر مع تغيير وزارة «على ماهر» وتعيين اللواء «محمد نجيب» رئيسا للوزراء وصدور قانون الإصلاح الزراعى.

حطمت مجلة التحرير الأرقام القياسية لتوزيع المجلات فى ذلك الوقت، وطبعنا العدد الأول عدة مرات فتجاوز توزيعه المائة ألف، وكان مفروضا أن تصدر المجلة التى رأست تحريرها مرة كل 15 يومًا.

اتفق الزملاء على أن تصدر المجلة أسبوعيا حتى تكون هناك فرصة لإخراجها بطريقة فريدة مميزة، ومع ذلك كانت تسلب المجلة منا كل الوقت والجهد.

ولم يكن صدور مجلة التحرير بصورتها التى صدرت بها مريحة لعدد من أعضاء مجلس القيادة، كما أنها لم تكن مريحة كما علمنا فيما بعد لبعض السفارات الأجنبية وخاصة البريطانية والأمريكية!

ويروى الأستاذ «أحمد حمروش» هذه الواقعة المثيرة للدهشة فيقول: فوجئت يومًا بزيارة أنور السادات ومعه اليوزباشى جمال الليثى فى عصر أحد الأيام، وهو يقول مخفيًا حديثه بضحكة: يقولون إن المجلة حمراء؟

 

السادات
السادات

 

وأشار إلى لوحة اختارها الفنان «حسن فؤاد» وقال ضاحكًا أيضًا: وهل هذه هى حمامة السلام؟

وقلت لأنور السادات إن حمامة السلام رسمها «بيكاسو» ولكن الحمامة التى نشرناها هى حمامة زغلول، وهى نوع من الحمام المصرى المعروف!

لم تكن زيارة أنور السادات مريحة، ولكنى لم أعلق عليها كثيرًا، ولم أهتم بالحديث عنها مع جمال عبدالناصر.

ولم يقف نشاطنا فى إدارة الشئون العامة عند حد إصدار مجلة التحرير، ولكننا أصدرنا أيضا لوحتين قام بإعدادهما الفنان حسن فؤاد، الأولى تحمل صورة فلاح وتحتها هذه الكلمات «حددنا الملكية من أجل رفاهية الفلاح»، ولوحة أخرى تحمل صورة البرلمان وتحته شعار يقول: «نحن نحمى الدستور»، وهى من نص الكلمات التى وردت فى البيان الأول للثورة.

أصدرنا هذه اللوحات بوحى من ضمائرنا وتطلعنا إلى مستقبلنا وكان لها تأثير كبير عند الرأى العام.

وخلال هذه الفترة الخصبة بالعمل كانت قد ظهرت نتيجة امتحانات الدورة الثالثة عشرة لكلية أركان الحرب وكنت بين الناجحين.

وفى صباح يوم من أيام شهر نوفمبر 1952 فوجئت وأنا أقرأ جريدة المصرى بخبر تعيين البكباشى أركان حرب ثروت عكاشة رئيسا لتحرير مجلة التحرير، كان الخبر مفاجأة تامة لى، ولم أحاول الاتصال بأحد من الزملاء فى مجلس القيادة.

انفعل بعض الزملاء العاملين فى المجلة وحاولوا أن يقدموا استقالاتهم، ولكنى وقفت ضد ذلك فى إصرار، فلم يكن الجو مناسبًا لذلك والقضية ليست شخصية وثروت عكاشة رجل وطنى.

ومن تجربة مجلة التحرير إلى تجربة صحفية أخرى هى مجلة «الهدف» أواخر عام 1955 مجلة شهرية ثقافية، ثم مجلة «الفجر» عام 1956 ويروى قصتها: صدر قرار بتعيينى فى دار التحرير للطبع والنشر التى كان يرأس مجلس إدارتها أنور السادات والتى صدر عنها جريدة الجمهورية، والتى كانت مجلة التحرير تصدر عنها أىضا.

استقبلنى أنور السادات بترحيب واتفق معى فى حضور محسن عبدالخالق أحد الضباط الأحرار فى المدفعية وعين مديرًا لدار التحرير.

 

حسن فؤاد
حسن فؤاد

 

اتفق معى أنور السادات على أن أصدر مجلة جديدة «تفرقع» على حد تعبيره الذى مازلت أذكره، وقال «محسن عبدالخالق» مجلة تضرب «آخر ساعة» وكان يرأس تحريرها محمد حسنين هيكل، وهنا تدخل أنور السادات قائلا: آخر ساعة إيه، احنا عاوزين مجلة ثورة، زى التحرير أول ما طلعت!

واستعدت المقابلة السابقة التى تمت بيننا فى دار الهلال ونحن نصدر مجلة التحرير وقلت فى نفسى: سبحان الله مغير الأحوال.

بدأت الاستعداد لإصدار المجلة المنتظرة التى خصص لها مكان فى دار التحرير، ولم تتح لى الظروف فرصة تجميع المجموعات التى أصدرت مجلة التحرير، كان حسن فؤاد قد انشغل فى إصدار مجلة صباح الخير، واستقر الباقون فى أعمال صحفية أخرى.. اخترت مجموعة جديدة للعمل ضمت «محمود أمين العالم» وسعد لبيب وراجى عنايت ومنير حافظ وجورج البهجورى وعبدالمنعم القصاص وبهيج نصار وصالح وسميرة الكيلانى وغيرهم!

وبدأنا نعمل بنفس روح الفريق التى عملنا بها فى مجلة التحرير، اخترنا للمجلة اسم «الفجر»، أصدرنا ثلاثة أعداد زيرو أى للتجربة.. مازلت أحتفظ بها.. ولكن المجلة لم تصدر أبدًا.. والفجر لم يشرق.. وقع العدوان الثلاثى على مصر فى أكتوبر 1956.

وشعرنا أن إيقاع إخراج مجلة أسبوعية أصبح بطيئًا بما لا يتناسب مع طبيعة العدوان، وقررنا أن نصدر نشرة يومية تحمل اسم «المعركة» وتعاون معنا فى إخراجها الفنان «حسن فؤاد».

«ظهرت بضعة أعداد من المعركة، ولكن صدرت تعليمات بوقف المعركة لم نستطع تبين مصدرها فى ذلك الوقت».

وللحكاية بقية!