
رشاد كامل
حكاية يوسف السباعى مع قصة عبدالناصر!
كان الأستاذ الأديب الكبير «يوسف السباعى» يرأس تحرير سلسلة الكتاب الفضى الذى يصدره نادى القصة عندما أصدر رواية «فى سبيل الحرية» القصة التى بدأها الرئيس جمال عبدالناصر وهو طالب بالمدارس الثانوية عن معركة رشيد سنة 1807 وأكملها الأستاذ «عبدالرحيم عجاج»!
صدر الكتاب فى أكتوبر سنة 1959 بمقدمة لوزير التربية والتعليم وقتها السيد «كمال الدين حسين» ومقدمة للأديب «محمد سعيد العريان»، وكذلك كلمة موجز ليوسف السباعى احتلت صفحة كاملة.. وقبل صدور الكتاب بشهرين كتب «يوسف السباعى» بتاريخ 3 أغسطس سنة 1959 مقالا عنوانه «كيف أكملت قصة الرئيس»، ولم يذكر اسم المجلة أو الصحيفة التى نشر بها مقاله، لكنه أعاد نشره ضمن مقالات أخرى فى كتابه «أيام عبدالناصر: خواطر ومشاعر» (مكتبة الخانجى)، والذى صدر بمناسبة مرور عام على رحيل الرئيس جمال عبدالناصر، أى فى سنة 1971 ويقع فى 456 صفحة.
فى مقدمة الكتاب يحكى «يوسف السباعى» عن معركة رشيد ويضيف قائلاً:
«إن السيد الرئيس جمال عبدالناصر كان فى مقدمة الذين تأثروا به عندما كان طالبًا بالمدارس الثانوية، إذ استلهم من أحداثه عملاً أدبيًا بدأه فى صورة قصة تحت عنوان «فى سبيل الحرية»، غير أن مجرى الحوادث بعد ذلك كان عنده أكبر من تسجيل أحاسيسه على الورق، فترك القصة قبل أن تتم واتجه نحو الأحداث يعيش فيها بواقعه.
وقد رأى المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية فى هذا العمل الأدبى الذى بدأه السيد الرئيس نواة صادقة تعبر عن أهداف أدبية ووطنية سامية، من أجل ذلك نظم المجلس مسابقة لتكملة هذا العمل الأدبى، وقد تفضل السيد الرئيس بحضور حفل توزيع الجوائز على الفائزين فى المسابقة، وكان الحفل فى نفس مكان المعركة وفى ميعاد ذكراها 19 سبتمبر 1959.
ونرجو أن تكون هذه المسابقة دعوة للكُتّاب العرب أن يفيدوا من أحداثنا التاريخية الكبرى، فهى مصدر للإلهام لكل من أراد أن ينتج فنًا أو أدبًا.
انتهت مقدمة يوسف السباعى.
التفاصيل الأكثر دهشة وإثارة رواها بالتفصيل يوسف السباعى فى مقاله «كيف أكملت قصة الرئيس»!
كتب الأستاذ «يوسف السباعى» يروى القصة قائلاً:
«انتهت اللجنة المشرفة على مسابقة قصة «الرئىس» من فحص الإنتاج المقدم والذى بلغ ما يقرب من أربعمائة محاولة لتكملة القصة!
ومنذ فترة قرأت فى جريدة الأهرام تعليقًا على المسابقة، وجاء فى نهايته التساؤل التالى:
أين الأدباء؟
ثم استرسل كاتب التعليق يقول:
«كان واضحًا أن معظم الأسماء التى اشتركت فى المسابقة لم يسمع بها أحد وترتب على ذلك أن «30 فى المائة» من القصص لم ترتفع عن مستوى إنتاج تلاميذ المدارس الابتدائية، كما قال أعضاء اللجنة!
لماذا لا يشترك الأدباء المعروفون فى مثل هذه المسابقات؟
كانت هذه الظاهرة واضحة فى مسابقات جوائز الدولة التشجيعية، لحظ أعضاء لجنة فحص القصص أن الأدباء اللامعين لم يشتركوا فى المسابقة، واقترح بعضهم أن تعطى اللجنة حق إدخال بعض الأدباء فى المسابقة حتى يرتفع المستوى، وفعلا أُدخلت كتب للشرقاوى والسحار ويوسف السباعى، ولكن يوسف السباعى كتب إلى اللجنة خطابًا قال فيه:
إن منصبه كسكرتير عام للمجلس لا يسمح له بالاشتراك فى مسابقة نظمها المجلس!
وكان هذا مبررًا معقولاً، وعلى إثر وصول هذا الخطاب استبعدت كل القصص التى أدخلت فى المسابقة وعاد المستوى ضعيفًا كما كان!
وتكررت هذه الظاهرة فى المسابقة الأخيرة! هل يخشى الأدباء ألا يفوزوا بالجوائز فى هذه المسابقات؟
هل يرفضون أن يقوم أعمالهم زملاؤهم؟ أم ماذا؟!
وأخيرًا قذف صاحب التعليق الكرة للأدباء بقوله:
- الجواب عند هؤلاء الأدباء دون غيرهم!
وأصبح على الأدباء دون غيرهم أن يلتقطوا الكرة ويلقوا الجواب!
ويستطرد الأستاذ يوسف السباعى فى نفس مقاله ويكشف عن أسرار يذيعها لأول مرة تتعلق به هو شخصيا كأديب فيقول:
«يبدو لى أننى أحد هؤلاء الأدباء المتوقع منهم أن يجيبوا.. لماذا لا يشتركون فى المسابقات العامة؟
وأستطيع أن أجيب إجابتين:
إجابة عامة عن الأدباء.
وإجابة خاصة عن نفسى.
أما عن الإجابة العامة فأنا أعرف أن الفنان يكره التسابق.. إنه يحب أن يقدر على عمل أنتجه فى هدوء، ودون أن يشعر أنه يعدو به فى مسابقة!
إن إحساسه بأنه ينتج من أجل امتحان أو منافسة يعرضه للقلق والخشية ويخرجه من الانفعال الطبيعى الذى يستحوذ عليه خلال الإنتاج، والذى يمنح إنتاجه الصدق والحرارة إلى افتعال الإجادة واصطناع التحسين!
وهو فى كرهه الطبيعى للتسابق والمنافسة، يخشى عدم الفوز، ويكره أن يعرض نفسه للامتحان، ويرفض أن يقوم زملاؤه أعماله.. تمامًا كما تساءل صاحب مقال الأهرام».
وهو على حق فى خشيته لأن الأديب لا يقوم بإنتاج واحد، بل بمجموعة إنتاجه، وجائز جدًا أن يدخل توفيق الحكيم مسابقة للقصة ولا يفوز!
ولا يعنى هذا أن الفائز أفضل من توفيق الحكيم، ومع ذلك يكره توفيق الحكيم أن يعرض نفسه لتجربة الإخفاق، كما يكره أن ينتج من أجل الفوز فى مسابقة!
تلك هى الأسباب العامة التى تجعل الفنان يعرض عن المسابقة العامة.
أقولها، وأرجو أن أكون قد عبرت عن رأى الفنانين، ومع ذلك فهناك أسباب خاصة حملتنى على رفض الدخول فى مسابقة الدولة للجوائز التشجيعية، فضلا عن الأسباب العامة التى ذكرتها، والتى تجعل الأديب أو الفنان يكره الدخول فى مسابقة!
ويمضى يوسف السباعى فى اعترافاته المثيرة قائلاً:
إننى لم أفز فى حياتى فى أى مسابقة من أى نوع، ولم يسمع منى أحد منذ بدء اشتغالى بالكتابة أنى فزت بجائزة من جوائز المجتمع أو الوزارة أو الدولة، وكان يحتمل أن تدخل إحدى اللجان أحد مؤلفاتى للمسابقة دون أن أتقدم بها، والقانون يمنح لجان مسابقات جوائز الدولة هذا الحق، ولكنها لم تفعل أبدًا!
وكان لى كتب تستحق منها نظرة.. كان لى «أرض النفاق» الذى كتبته 1948 و«السقا مات» الذى كتبته 1953 و«رد قلبى» الذى كتبته 1955.
ومع ذلك لم يسأل عنى أحد ولم يعبرنى أحد، وإذا ما تحولت جوائز الدولة إلى مجلس الفنون وأصبح هو مسئولاً عنها، وأنا كسكرتير عام مسئول عنه ذكرت مؤلفاتى وقدمت إلى المسابقة!
والنتيجة، ماذا سيقول الناس إذا فزت؟
يقولون: طبعًا، مش سكرتير المجلس.. ليه ما يفوزش؟!
وإذا لم أفز، فإنهم يقولون: تصوروا سكرتير عام المجلس، وسكرتير نادى القصة وسكرتير اتحاد الأدباء، وعامللى كاتب كبير ولا فازش فى المسابقة!
وقلت لنفسى: يا أخى بناقص مسابقة.. اللى خلاك قعدت السنين دى كلها ما تكسبش.. خليها بجملة!
وهكذا كفيت خيرى شرى، ورجوت من اللجنة أن تسحب الكتاب وأن تعفينى من شر التجربة!
أما قصة الرئيس فكان لها قصة!
ويمضى يوسف السباعى - رحمه الله - فى رواية ما جرى بعد ذلك!
وللحكاية بقية!