الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
قصة بقلم الطالب جمال عبدالناصر!

قصة بقلم الطالب جمال عبدالناصر!

«فى سبيل الحرية» قصة بدأها الرئيس جمال عبدالناصر وهو طالب بالمدارس الثانوية عن معركة رشيد سنة 1807.. وحسب ما نشرته مجلة «آخر ساعة» فى عددها رقم 1250، فإن الرئيس جمال عبدالناصر بدأ يكتب الفصول الخمسة الأولى من قصته فى عشرة مايو عام 1935.



 

قبل عام واحد بالضبط وكان جمال عبدالناصر طالبًا فى مدرسة النهضة الثانوية ينشر مقالاً فى مجلة المدرسة عنوانه «فولتير رجل الحرية»، وكان أيضًا أحد أفراد هيئة تحرير المجلة! وكان فى السنة الرابعة الأدبية!

ولم يكتف الطالب جمال عبدالناصر بالكتابة، بل كان عضوًا بفرقة التمثيل المدرسية ويشارك فى مسرحية لشكسبير ويقوم بأداء دور «قيصر»!

تمضى سنوات ويقود جمال عبدالناصر ثورة 23 يوليو 1952، وازداد اقتراب الأستاذ محمد حسنين هيكل منه، وكان وقتها واحدا من نجوم مؤسسة «أخبار اليوم»، ورئيس تحرير مجلة «آخر ساعة»، التى كانت أول من نشر كتاب عبدالناصر «فلسفة الثورة» فى ثلاث حلقات، وكانت محصلة الحوار والكلام الذى دار بين عبدالناصر وهيكل!

أما حكاية «فى سبيل الحرية» فقد كشف كواليسها أيضا الأستاذ هيكل فى حواره مع الأديب والصحفي الكبير الأستاذ يوسف القعيد، الذى ضمنه كتابه «محمد حسنين هيكل يتذكر: عبدالناصر والمثقفون والثقافة» صدر عام 2003.

يقول هيكل ليوسف القعيد: كتب نصف رواية أو مشروع رواية، تجده - أى عبدالناصر - وأنت تتكلم معه ذات مرة يحكى لك أنه كتب رواية، تفاجأ بهذا الاكتشاف الذى لم يكن يعرفه أحد وهى رواية «فى سبيل الحرية».

لقد أعطاها لى مخطوطة بعد الثورة بفترة وقرأتها وعرضت عليه أن يكملها أحد الروائيين وأن نعمل مسابقة من أجل ذلك وظل هو مترددًا فترة من الوقت، وكان تردده حول فكرة أن يكملها أحد من الكتاب، ثم وافق على مضض!

ويسأله الأستاذ «يوسف القعيد»، ولكنه لم يكتب منها حوالى عشر صفحات فقط!

ويرد الأستاذ هيكل: فعلا، وعملتها موضوع مسابقة فى «آخر ساعة» مسابقة للأدباء لإكمال هذه الرواية، لكن يلفت النظر فى ذلك شىء، أمر غريب أنه كان متأثرًا فى كتابتها برواية «قصة مدينتين»، كان يتكلم فى الرواية عن معركة رشيد وعن شخصية ركز عليها كثيرًا هو بطل الرواية وهو مثل بطل رواية «قصة مدينتين» الذى كان غامضًا فى زمن الثورة الفرنسية، ويظهر فى مواقف حاسمة ينقد بعض الناس وينقلهم إلى أماكن أخرى، وهو شخص موجود فى رشيد ويقوم بدور فى مواجهة الإنجليز وينقذ أسرى مصريين.

ويمضى الأستاذ هيكل قائلا: جمال عبدالناصر لم يكمل هذه الرواية، لكن بقى مع ذلك ما يلفت النظر فى الأمر. أولاً: أنه يستطيع أن يستخدم الأدب فى تصوير مواقف مثل استخدامه لمواقف رواية قصة مدينتين.

ثانيا: أنه يحاول أن يكتب رواية.

انتهت شهادة الأستاذ هيكل وكما رواها للأستاذ يوسف القعيد، ولكن للحكاية كواليس وأسرار أخرى، لم نعرفها إلا بعد صدورها فى كتاب بعد سنوات!

جمال عبدالناصر
جمال عبدالناصر

 

وصدرت «فى سبيل الحرية» ضمن سلسلة الكتاب الفضى وهى سلسلة شهرية كانت تصدر عن نادى القصة فى الخامس من كل شهر، رئيس التحرير «يوسف السباعى» والمدير العام «حسن إيرانى»، صدر الكتاب فى العدد رقم 23 من السلسلة فى أكتوبر سنة 1959، كعدد ممتاز سعره خمسة عشر قرشًا، وغلاف بديع للفنان «جمال قطب»، وعشرات الرسوم الداخلية المصاحبة لكل فصل من الرواية!

صدرت الرواية فى 236 صفحة (من القطع المتوسط - مطابع دار الكتاب العربى) مع إشارة تقول إن الرواية، فازت بالجائزة الأولى فى المسابقة التى أجراها المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآدا ب والعلوم الاجتماعية، مع إهداء من المؤلف الذى استكمل الرواية جاء فيه:

«إلى من آمنت سريرته بقصة الكفاح، فبدأ يكتبها بقلمه أسطورة، ثم أتمها بذاته تاريخًا.. إلى السيد الرئيس «جمال عبدالناصر» إلى من أحبته قلوبنا.

أهدى وحى ما بدأ.. وما أتم».

تصدر الكتاب كلمة فى ثلاث صفحات كتبها السيد «كمال الدين حسين» وزير التربية والتعليم المركزى «كنا فى زمن الوحدة مع سوريا الشقيقة وقتها » والكلمة طويلة ومهمة ومن أبرز ما جاء فيها عن مشروع رواية جمال عبدالناصر قوله: «يقوم هذا الكتاب على نص أدبى هو وثيقة تاريخية كبرى، فإننا قد عاصرنا ميلاد ثورة ذهبت بالطاغين وبالمظالم وأعادت كرامة الإنسان لكل فرد من أبناء الوطن، وفتحت آفاقًا كانت من قبل خيالاً نكتفى بالتطلع إلى وميض برقه، قد أصبح من واجب التاريخ علينا أن نتتبع منشأ هذه الثورة وكيف نبتت أصولها فى نفس راعيها وقائدها.

وثيقة قدمها التاريخ، قصة من عشر صفحات، كانت تريد أن تطول غير أنها توقفت، كانت تريد أن تستلهم التاريخ، ولكنها أصبحت تاريخًا.

 

محمد حسنين هيكل
محمد حسنين هيكل

 

أصبحت وثيقة فى أيدى المؤرخين تكشف لهم عن حياة البطل الكبير.. كيف كان يبحث فى صباه عن معلم يستكشف منه أنوار الحرية التى يريد لها أن تسود الأرض، ولما مر التاريخ من أمامه وقد توغل قرنا وربع قرن أستحلفه إن مكث، إنى رأىت قومى، رأىتهم برشيد، عرفتهم.. هذه نار قلوبهم تضىء الطريق،أيها التاريخ دعنى أقتبس من نورهم وأدفئ روحى بجذوة من قلوبهم.

ولما أذن له التاريخ.. اقتبس وأتى بالجذوة، فكانت من قبسه بداية قصة وكان من جذوته نار راحت تنمو وتنير.. كانت نار التحرير التى ذهبت بالطاغين وبالمظالم، وأعادت كرامة الإنسان لكل فرد من أبناء الوطن.

ويمضى وزير التربية والتعليم المركزى «كمال الدين حسين» قائلاً: «حادث فريد يعرف الأدباء لم كانت القصة.. وفيم استيحاء التاريخ، إنه البناء، بناء الفرد وبناء الأمة، إنه التطور الكبير، إنه الأدب دعوة الحرية.

وثيقة صغيرة ترينا حقيقة خطيرة تطلعنا على أمر لا نحفل به فى الأدب ونتلقاه كأنه النظريات التى لا تغنى فى الفن شيئًا، تعرفنا عنصر الصدق فى الأدب، كيف أنه ضرورة للفن الأصيل، للفن الخالق البانى الذى يريد أن يطور الحياة.

دخلت هذه القصة من باب الأدب الخالد لأنها دعوة إلى الحرية، دعوة صادقة حقيقية لم نكتشفها من قبل لأن التاريخ هو الذى كشف لنا عن صدق عنصرها.

وإذا كان علينا ألا نفرق بين الأديب وأدبه، فإن الأديب الصغير حين انصرف عن إتمام قصته، لم يفصل ذلك إلا حين شعر أن ذاته قد صارت أدبًا، وأنه قد صار بفكره وجسمه وسلوكه دعوة صادقة إلى الحرية.

وجاء المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية يريد أن يكشف للأدباء عن مهمة الأدب الحقيقية فى تحرير البشرية من كل طاغٍ يبغى انتزاع الحق من أهله ومن كل فكرة خبيثة توشك أن تبث سمًا فى العقول، يريد من الأدباء أن يكشفوا للعالم عن أسرار الوجود وانطباعات الكون فى نفوس الأحرار، فكان من أبدع ما قدم المجلس قصة بدأها فى صباه الرئيس المحبوب جمال عبدالناصر فطلب المجلس من الأدباء أن يسابقوا لإتمامها. وأخيرًا يقول: «وإن المجلس ليرجو أن تكون هذه البداية التى كتبها الرئيس قد فتحت الباب لكل أديب يريد أن يجعل من كتابته سبيلا إلى الحرية».

 

وفى الكتاب نفسه يكتب الأديب الكبير «محمد سعيد العريان» مقدمة تاريخية عن «معركة رشيد» فى خمس صفحات، ثم مقدمة للمؤلف الذى أكمل القصة الأستاذ «عبدالرحيم عجاج» أوضح فيها بعض الأمور فقال:

حاولت هذه القصة أن تلتزم باتباع نقط معينة رأيت أن أعرضها سلفًا توضيحًا لبعض الحقائق ولكن فى غير كشف لشىء من أحداث الرواية.

وعن تكملة قصة جمال عبدالناصر كتب يقول: «التزمت القصة جميع الشخصيات التى وضعها السيد الرئيس، كما أضافت بعض الشخصيات الحقيقية والخيالية بالقدر اللازم لتحريك حوادث القصة وتطويرها فى الاتجاه المرسوم لها، ورغم أن هذه القصة احتوت على جميع الفصول والكلمات والشخصيات التى خطها السيد الرئيس بقلمه، إلا أن الفصول الخمسة الأولى للقصة الأصلية لن ترد فى هذه الرواية بالترتيب نفسه الذى جاءت به، بل سترد مجزأة ومتداخلة ضمن نسيج القصة الجديدة، وكان ذلك بقصدر إظهار بعض الوقائع التاريخية السابقة لعام 1807 وتمشيها مع تطور القصة.

وبعد، فإنى آمل أن تصور هذه القصة بعضًا من الروح الوطنية الفياضة التى ملكت قلوب «الرشايدة» قلوب المصريين.. قلوب العرب فى هذه الحقبة من التاريخ التى كادت تتباعد عن أذهاننا بعزها ونصرها، والتى امتد إليها قلم الرئيس - محمودًا - ليقيم صلات كريمة دقيقة بين مجد خالد وبين مجد حاضر»!

أما ما كتبه الأديب الكبير يوسف السباعى فهو رواية مدهشة وتستحق القراءة!

وللحكاية بقية!