الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
لمـــاذا يذبحـون الإســـلام علــى عتبات مقدسة؟!

لمـــاذا يذبحـون الإســـلام علــى عتبات مقدسة؟!

دخلت مصر بعد 2014 مرحلة غير مسبوقة من معادلات التنمية. قصدت الدولة فيها 3 محاور، بدأت بالبشر والحجر، واستعادة المكانة اعتمادًا على التاريخ.. بتحركات مدروسة على حدود الجغرافيا. 



حققت دولة يونيو مزيدًا من الانتصارات فى متواليات هندسية، فتحت بها أبواب تنمية كانت مغلقة، ومدت فيها جسورًا كبرى للبناء كانت مهدومة، لكن بقى التطرف أحد أكبر معاملات تهديد المجتمع.. واستقراره. 

يأكل التطرف المجتمعات من قلوبها، بمستوى تسارع أكبر مقارنة بما يمكن أن يأكله النمو السكانى العشوائى. 

 

 يسحق التطرف العقول، لأنه يبدأ من ضرب مشاعر الانتماء للأوطان، بحجج دينية مزيفة، وينتهى إلى رفع السلاح فى مواجهة الدولة، ويفخخ الطرق للمساجد فى طريق المصلين. 

يخطف التطرف عقول الصغار، وينزع عن النساء سمات بيولوجياتهن المركبة، قبل أن يتحول إلى قنابل محلية الصنع.. تقتل المسالمين فى الشوارع باسم الله! 

التطرف أخطبوط متعدد الأذرع.. يضفى جمودًا على الدين، لأنه يتقن التلاعب بمقاصده الحقيقية، لذلك ينتج قتلة، يمارسون الطقوس.. بينما يقتلون الناس، ويفسدون كل قرية يدخلونها. 

 

( 1 ) 

 

التطرف خلل فى الفهم، وعوار فى الاستدلال . لذلك تحول الإسلام على يد المتطرفين إلى طقوس وممارسات حركية، وتحول إلى ذقون كثيفة وجلابيب بيضاء قصيرة.. تحتها سراويل هى الأخرى بيضاء، بينما فى الأيدى سكاكين، وفى الجيوب مدافع رشاشة، تطبيقًا لشرع الله، وإحكامًا لسنة رسول الله!! 

يقال إن المؤمن الحق هو الأحرص على علاقته بالله، بينما المتطرف هو الأكثر حرصًا على علاقة خلق الله.. بالله! 

التطرف العقيدى غياب فى الوعى قبل أن يكون اضطرابًا فى محتوى التفكير. لذلك كان لابد أن تدخل دولة 30 يونيو معارك الوعى، بالتزامن مع معارك التنمية واستعادة المكانة والسيادة. 

فى معركة الوعى كان لابد أن تطفو مطالب تجديد خطاب الدين. لذلك نادت الدولة وتنادى.. وطالب رئيس الدولة ويطالب، لكن النتيجة أنه فيما نجحت الدولة فى فتح أبواب التنمية الموصدة، وفيما تخطت الدولة محطات بارزة على طريق البناء، بقيت معادلة تجديد الخطاب الدينى محلك سر. 

لماذا؟ 

لأن المؤسسات التى كان منوطًا بها المضى قدمًا.. وبسرعة فى طرح مناهج حقيقية لتجديد خطاب الدين.. ظلت محلك سر. 

 

( 2 ) 

 

لماذا نحن فى أمس الحاجة إلى خطاب دينى عصرى.. جديد.. متوازن، يقدم الإسلام على حقيقته، لا كما يراه المتطرف.. ولا كما يريده الفكر السلفى التراثى الجامد؟ 

ببساطة لأن آفة الدين فهم خاطئ لصحيحه، وتأويل باطل لمقاصده، وتطبيق شاذ لطقوسه. 

ولأن تجديد خطاب الإسلام يعنى عصرنته. ويعنى نزع غطاء السلفية عن تطبيقاته، ويعنى تطوير الوعى بمقاصد الله من دينه، دعمًا لصلاح المجتمعات.. وتطورها.. ودعما لقدرتها على علاج مشكلاتها.. والمرور من ملماتها.. ودعمًا لقدرة المجتمعات الإسلامية القديمة والحديثة على الاستقرار. 

لكن لا أحد يفهم للآن أسباب نظرة رجال الدين بريبة إلى مطالب التجديد؟ لا أحد يعلم للآن.. لماذا يعتبرون مطالب التجديد هجمات مدبرة.. وحملات ممنهجة ليست خالصة لوجه الله؟ 

لا أحد يعرف لماذا يصر رجال الدين، على أن الإسلام تراث، وعلى أن العقيدة جامدة، مهما تخطتها الأزمة والظروف، ومهما تخطاها الواقع.. وبصرف النظر عمّا مر من عصور؟ 

أنزل الله الإسلام رحمة للعالمين. لم ينزله لعصر واحد، ولا أوقفه على أشخاصٍ بذواتهم. وتجديد خطاب الدين يعنى إعادة تأويل مقاصده، وإعادة تنقية وسائط انتقاله من مرحلة النص إلى التفسير، ثم إعادة فحص الدخيل على سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم).. وصولا إلى إعادة تقييم ما أقره المسلمون الأوائل من أحكام. 

تجديد خطاب الدين يعنى رفع (غطاء سلفى رجعى) عن إسلام تقدمى، واسع، مرن، لم يضع حدودًا للاجتهاد، ولم يرسم خطوطًا حمراء للتأويل. 

مرة أخرى، أنزل الله الإسلام لصلاح المجتمعات، وفى الاصطلاح أن الدين (معاملات تصح بها الدنيا، وعبادات تصح بها الآخرة). 

حقوق المجتمعات الإسلامية وضمان سلامتها، وتقدمها، وملاءمة عصورها هى أصول التشريع، بينما حقوق الله فى الإسلام مناط عفوه سبحانه. 

مؤكد أن الله سبحانه لم ينزل الإسلام إذكاء للفرقة بين المسلمين وبعضهم. لم ينزل الله الإسلام دعمًا لممارسة العنصرية العقيدية على غير المسلمين، ولم ينزله خروجًا على النظام، ولا عداء للمؤسسات.. ولا ترهيبًا للآمنين. 

لم ينزل الله الإسلام منزوعًا عن فضائل الانتماء للأوطان من نفوس المؤمنين، ولا متصورًا أن تكون سنة نبى كريم قد أمرت بميليشيات مسلحة، تفخخ الطرقات، وتخطف المواطنين، وتقلع أظافر الناس. 

 

( 3 ) 

 

خلق التطرف أفكار الإرهاب، فيما صنعت المعتقدات السلفية خصائص التطرف وأدلجته، وطورته، وعبأته فى أكياس.. ووزعته مختومًا بشعارات الله، وما هى من عند الله. 

والسلفية مفهوم واسع، لأنه مفهوم اصطلاحى فى الأساس. 

ليس مقصودًا هنا بالسلفية جماعات بعينها، أو تنظيمات بذاتها. السلفية اصطلاحًا هى الاعتقاد فى ضرورة إيقاف الدين وتأويلات النص على مرحلة الرسالة الأولى، وعلى جيل المسلمين الأوائل. 

والسلفية هى إيمان لا يتزعزع بأن مجتمع المسلمين فى القرن الواحد والعشرين، مطالبة وجوبا بالسير على نهج المسلمين الأوائل.. وعلى تطبيقات المسلمين الأوائل، وعلى وجوب استمرار فهم المجتمعات الاسلامية الحديثة للأحكام كما فهمها المسلمون الأوائل. 

لذلك فالسلفية فكرة رجعية، تراثية، توجب تطبيق الإسلام فى عصورنا، كما طبقه الأوائل.. وتحتم تعليق اجتهادنا فى عصورنا على اجتهادهم فى عصورهم، وفقًا لظروفهم، لا وفقًا لظروفنا، وفقًا لفهم المسلمين الأوائل لآيات الله، لا حسب ما يمكن أن نعيد نحن استخلاصه من مقاصد الله من آياته فى عصورنا. 

السلفية الدينية آفة المجتمعات الحديثة. فالسلفى يقتل باسم الله، ويذبح طاعة لسنة رسول الله. لم يحز السلفى قدرة على نقد التراث، ولا نقض المنقول من التراث. 

لم تحز التيارات السلفية، على مر التاريخ الإسلامى، جرأة الفحص.. ولا فقه التروى. لذلك، تقتل جماعات التطرف بتأويلات شاذة لآيات الله، وتذبح الأبرياء بالحديث الضعيف ومنقطع السند. 

ولذلك أيضا تظل التيارات السلفية فى معمعة صراع دائم مع مجتمعاتها، تزيد تلك المساحات كلما تقدمت المجتمعات.. ناهيك عن الصراع على السلطة. 

وضعتنا السلفية الدينية أمام عقيدة فظة، ورفعت فى وجوهنا تراثًا أغلبه مختلق، وسننًا نبوية أغلبها موضوع. ولأن الفكر السلفى احتكر حقائق الدين، ظهر منه طغاة جبابرة قتلة.. وأغبياء أيضًا. 

الغباء هو عدم القدرة على الخروج من مقدمات صحيحة، إلى نتائج منطقية واقعية. ووفق المفهوم الاصطلاحى للسلفية، يبقى الإخوان سلفيين، والجهاديون سلفيين، وداعش سلفيين، وأنصار بيت المقدس سلفيين.. وكلهم مجرمون. 

السلفية تمسك بالتراث على علاته، فى صيغ أشعلت الحرائق، وأقامت المشانق، وأسست حلبات ذبح جماعى على أعتاب مقدسة، وأشاعت اضطرابات فكرية أنتجت إرهابًا تصور صاحبه أنه يقيم حدود الله، وأنه الأقرب إلى الله، مع أنه تاجر بالله.. وهو فى واقع الأمر.. لا يعرف الله!!