الخميس 8 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
د.رفعت السعيد يتذكر صلاح حافظ يتزوج رغم أنف عبدالناصر!

د.رفعت السعيد يتذكر صلاح حافظ يتزوج رغم أنف عبدالناصر!

كان «د. رفعت السعيد» لايزال طالبًا فى كلية الحقوق جامعة عين شمس عندما تم تعيينه فى جريدة «الأخبار» بمكافأة شهرية ثلاثين جنيهًا بقسم الأبحاث والتى وصفها بقوله: «سمجة وغير خلاقة، بل غير مشجعة».



وبعد مرور حوالى شهر تم استدعاؤه لمقابلة رئيس مجلس الإدارة «الأستاذ خالد محيى الدين» وكانت المرة الثانية التى يقابله فيها، أما المرة الأولى فقد جاءت مصادفة وقال له ضاحكًا: الحمد لله إنك اتعينت علشان «محمود المانسترلى» - صديق خالد القديم - يبطل زن! ويحكى «رفعت السعيد» باقى ما جرى قائلاً:

«وفيما أعبر الممر ذا السجادة الحمراء إلى غرفته همس أحد الرفاق فى أذنى: خالد عايزك تبقى مدير مكتبه!

تدحرج قلبى بعيدًا ولست أدرى حتى الآن لماذا رفض القلب والعقل معًا وبسرعة خاطفة هذا الأمر، ربما خوفًا أو حتى ترفعًا أو تمسكًا بمهنة الصحافة المبهرة.. دخلت إلى الغرفة الممتدة وكأنها بلا نهاية ووقف «خالد محيى الدين» تسبقه ابتسامة حانية وآسرة معًا.. وخزنى خاطر مُلح لا تخدعك ابتسامة هؤلاء الكبار!

تحدث خالد ببساطة فأحدهم خدمه بشكل رخيص، فرغم التعليمات المشددة من «عبدالناصر» بعدم تعيين أى صحفى، كنت أنا القشة التى أثقلت الميزان، دس «هو» بين أكوام أوراق مطلوب توقيعها قرار تعيين لسيدة أذكر أن اسمها «سهير» لتعين صحفية فى غفلة من الجميع، وأسرعت الإدارة المشتاقة للإيقاع بكامل التجربة بإتمام إجراءات التعيين، ثم بتسريب الخبر إلى «عبدالناصر» الذى ثار مرتين!

الأولى لأن أوامره لم تتسم بالقدرة على إخافة الآخرين، والثانية كانت مغلفة بالتهكم على انفلات الأمور إلى درجة أن تُعيّن صحفية دون علم رئيس مجلس الإدارة!

وأبعد الرجل وجرى البحث عن شخص مؤتمن، منظم، هادئ!

يعترف «د. رفعت السعيد» بأنه أثناء مقابلته مع «خالد محيى الدين» وحسب شهادته: كنت عصبيًا بطريقة غير مهذبة ورفضت الموقع وكأننى أترفع.. عملت كصحفى وأريد أن أبقى صحفيًا، ولست أصلح للعمل كسكرتير لأحد، ثم من أكد أننى مؤتمن ومنظم وهادئ؟!

تجاوز - خالد - كل ردودى السخيفة بأن قال: فكر كويس وأشوفك بكره!

••

خرج «د. رفعت السعيد» من لقاء «خالد محيى الدين» وكان الرفاق قد سمعوا بخبر ترشيحه فأسرعوا يقولون له: التجربة ستفشل! فقال لهم لماذا لا يصعد واحد منكم إلى الدور التاسع بدلاً منى؟! أجابوا بما لم يقنعنى: هو لم يطلب أحدًا منا.. طلبك أنت!

وحتى الآن لم أعرف اسم من رشحنى له هذا الترشيح الحاسم!

وتتواصل ذكريات «د. رفعت السعيد»: فى الغد صعدت إلى الدور التاسع ولم أنزل، دخلت نحو الابتسامة الحانية، بينما كنت أبحث عن كلمات أبرر بها ترددى أو حتى رفضى، انتزع هو الكلمة الأولى وقال: أنا عندى اقتراح، نشتغل مع بعض «لاحظ نشتغل مع بعض» ونجرب بعض فترة، وبعدها تقرر زى ما انت عايز.. إيه رأيك؟!

قلت: وهل ثمة رأى آخر بعد ذلك؟!

وقام بنفسه وفتح باب غرفة جميلة مشبوكة مع غرفته بباب جانبى، وقال: هذا مكتبك!

تأملت المكان الأنيق، هذا المكتب جلس عليه طويلا «على أمين» وعلى الأرفف كتب مُبهرة منها عشرات المجلدات عن تاريخ مصر، آه كم أحب أن أقرأ فى تاريخ مصر!

وتعلقت بالأرفف قبل أن أتعلق بالمكتب، وجلست، ورن التليفون: تعال، وفتحت الباب الجانبى وجلست وبدأت فى ممارسة عمل غريب، فأنا الآن مجمع أسرار كثيرة وأجلس على حافة قمة متفجرة بالأهمية والتناقضات والألغام، واتضحت أمامى ملامح كانت غائبة أو غير مرئية أو غامضة، وأفضى «خالد» بكل ما لديه، وتمثلت ولم أزل حتى الآن حكمته ومعلوماته وأسلوبه فى التعامل مع الأشياء والأصدقاء والخصوم معًا.

وكل صباح يتمدد أمامى بريد رئيس مجلس الإدارة وعضو الأمانة العامة للاتحاد الاشتراكى «التنظيم السياسى الوحيد وقتها» وهو بريد غريب، أسرار فقط تقرأ وليس مسموحًا لك أن تقول أو تهمس! ففى قمة أخبار اليوم تقليد غريب ابتدعه - ربما - «مصطفى وعلى أمين» وهو أن محرريهم وأخطبوطهم المنتشر فى مختلف الأجهزة والوزارات والإدارات وأقسام البوليس والمأذونين الشرعيين، وكل ما يخطر على البال أو لا يخطر من مصادر للمعلومات.

كان مطلوبا منهم فى حالة الحصول على معلومة سرية حتى ولو كانت شخصية صرفة، سواء كانت تمس تصرفًا سياسيًا أو ماليًا أو أخلاقيًا، أو أى شىء يمكن أن يكون محلاً للثرثرة أو مثارًا للاهتمام، تدون فى ورقة تغلق ويكتب عليها «للعلم»، وتعنى هذه الكلمة أنها ليست للنشر، وتتراكم مظاريف «للعلم» هذه أمامى لتقدم كل يوم عشرات ومئات المعلومات المثيرة للدهشة والاستغراب والتى اعتاد «مصطفى أمين» أن يتقرب بها من الرئيس «عبدالناصر»، إذ يمتعه كل صباح بأكوام من المعلومات «فلان تزوج فلانة سرًا خوفًا من زوجته»، و«فلانة شوهدت فى نادى كذا بصحبة فلان»، و«فلان اشترى أرضًا باسم زوجته»، و«فلانًا قابل فلانًا»، وعشرات أخرى من نماذج المعلومات التى قد تكون سخيفة أو شخصية صرفة، لكن «مصطفى أمين» كان يعشق أن يستجمعها عنده ليتقرب من الرئيس بها، أو يثرثر بها متباهيًا فى جلساته الخاصة!

وفى هذا الصدد يروى «د. رفعت السعيد» هذه الواقعة وبطلها الكاتب الصحفى الكبير الأستاذ «صلاح حافظ»، حيث يقول:

«لم أزل أذكر يومًا أن «خالد محيى الدين» استدعانى شاكيًا من أن لديه معلومات تقول إن «صلاح حافظ» وكان أيامها رئيسًا ناجحًا جدًا لتحرير «آخر ساعة» ينوى أن يتزوج للمرة الثالثة، وقال: هو صديقك حاول أن تنصحه خاصة أن الرئيس لا يحب أن يكون رؤساء التحرير محلاً لمثل هذه الأقاويل!

كلمت «صلاح» وانتظرنى حتى انتهيت من متابعتى للطبعة الأولى كى ترسل للرئيس! وبعدها بساعة أو أكثر قليلاً أبقى متوترًا منتظرًا لأى تليفون من مكتبه يحمل تعليمات أو تعديلات أو حتى تأنيبًا، وفى الواحدة مساء خرجنا معًا - «د. رفعت وصلاح»، تمشينا على كورنيش النيل، نقلت له رسالة خالد وحاولت أن أنقل له مشاعرى أو آرائى، وبقى صامتًا ومحتفظًا بابتسامته المتربعة دومًا على وجهه الذى يشبه وجه طفل جميل وبرىء، وبينما نسير ونسير أخذ يقتادنى نحو شارع فؤاد وهناك وكنا قرابة الساعة الثالثة فجرًا، سلّم علىّ بحماس مفعم بصداقة قديمة ولم يقل شيئًا!

وفى الصباح كنت فى الأسانسير فى الساعة التاسعة مؤملاً ألا أتأخر عن اجتماع مجلس التحرير، وبينما  أندفع كان بالأسانسير «مصطفى أمين»، قلت: صباح الخير، فأجاب باسمًا: مبروك! لم أفهم مبروك على ماذا ولم أجب! فقال: شربت الشربات؟! قلت: شربات مين؟! قال: صلاح وهالة! قلت: صلاح مين؟! أجاب: صلاح حافظ! وعلمت منه أنه تركنى ليتوجه مع «هالة» إلى المأذون ليتزوجا فى الفجر!

وظللت لفترة مندهشًا حتى علمت أن من بين أذرع الأخطبوط الإخبارى لأخبار اليوم «المأذونون الشرعيون». كانت أخبار اليوم تهدى كلا منهم اشتراكًا مجانيًا فى كل صحفها، وبعضهم مثل مأذونى الزمالك وجاردن سيتى ومختلف الأحياء الراقية يتلقى راتبًا شهريًا بسيطًا، والمقابل أن يبلغ «مصطفى أمين» شخصيًا بالزيجات المهمة التى يعقدها. وعلمت أنه بهذا الأسلوب كان «مصطفى أمين» أول من عرف بزواج المشير «عبدالحكيم عامر» وأول من همس به فى أذن الرئيس!

••

باختصار - مازال الكلام للدكتور «رفعت السعيد»: لم تمضِ على إقامتى فى الدور التاسع سوى بضعة أيام حتى أصبحت مخزن أسرار متحركًا ودون أى قدرة على الهمس.. لكننى كنت أعانى كثيرًا من قلة الخبرة ولم تكن لى أية خبرة إدارية، ولم تكن لى دراية بفنون التعامل مع هذه الديناصورات التى تتربع فى المستوى الأوسط من المؤسسة والذين كان أكثرهم يكرهنا ويتآمر ضدنا!

وربما بسبب ذلك كنت أتعامل مع الجميع ببساطة وأدب، وهم لم يعتادوا على ذلك.. وبدأت أنغمس فى هذه الحياة الجديدة، ولم أزل أذكر تحذيرات «خالد»: «حذارِ، فالجميع سيحاولون استدراجك أو الإيقاع بك، لن يستطيعوا الإيقاع بى ولهذا سيركزون عليك»، واعتدت أن أستمع بحذر وأتعامل بحذر، فخالد يحرسه موقعه وماضيه وعلاقته المباشرة بالرئيس، أما أنا فمن السهل الإيقاع بى، وبى يمكن الإيقاع به!

ويمتلئ مكتبى بصحفيين مرموقين، وكبار الكُتَّاب يسكبون ماء وجوههم تملقًا للفتى الساذج أو المتظاهر بالسذاجة، يتقربون، يفتعلون صداقات! ينثرون إعجابهم بما أفعل وبما أكتب، ثم يدسون عبارة أو عبارتين عن أمل فى ترقية إلى موقع نائب رئيس تحرير أو رئيس تحرير، أو يدسون ضد كاتب آخر، أو.. أو.. وأنا صامت وحتى لا أصدر أى إشعاع يوحى بالتفهم أو التقبل أو المشاركة». وللحكاية بقية!