الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
ذكريات «على أمين» الصحفية

ذكريات «على أمين» الصحفية

للأسف الشديد لم يحظ الصحفى الكبير الأستاذ «على أمين» بنفس الشهرة والاهتمام الذى حصل عليه شقيقه التوأم الأستاذ «مصطفى أمين»!



لا أحد ينكر أن «مصطفى وعلى أمين» ظاهرة صحفية لن تتكرر، لكن الحديث دائما عن «مصطفى أمين»، رغم أن «على أمين» كان مساهمًا ومشاركًا فى كل عمل صحفى مع شقيقه! منذ البداية وحتى رحيل «على أمين» عام 1976.

وربما لا يعرف البعض أن «على أمين» هو صاحب فكرة «عيد الأم» التى لانزال نحتفل بها فى 21 مارس من كل عام، وهو صاحب باب «فكرة» الذى تولى «مصطفى أمين» كتابته حتى رحيله سنة 1997.

أصدر «على أمين» عددًا قليلاً من الكتب منها «دعاء» و«هكذا تحكم مصر» و«من فكرة إلى فكرة».. و..

وعقب إلقاء القبض على «مصطفى أمين» عام 1960 وسجنه تسع سنوات عاش «على أمين» فى لندن طوال هذه السنوات حتى عاد إلى مصر عام 1974 ويتولى رئاسة تحرير «الأهرام» ويصدر كتابه «فكرة فى المنفى»، حيث كان يكتب بانتظام «فكرة» دون أن ينشرها، وفى هذه المقالات الكثير من الحكايات الصحفية الممتعة وذات الدلالة المهنية!

فى إحدى هذه الحكايات يقول «على أمين»:

«ما من مرة هاجمت جريدة منتشرة، جريدة صغيرة حتى أثارت اهتمام الناس بها، فإن الهجوم الصحفى يثير فضول القارئ، فإذا قرأ هجومًا على جريدة اشترى الجريدة حتى يقرأ ردها على هذا الهجوم، وكثيرًا ما يعجب بالجريدة الصغيرة ويتحمس لها ويواظب على قراءتها، خصوصا إذا وجد فيها ما يميزها عن غيرها!

وفى سنة 1927 كان توزيع مجلة «روزاليوسف» ثلاثة آلاف نسخة وتوزيع مجلة «الكشكول» ثلاثين ألف نسخة، وهاجمت «روزاليوسف» «الكشكول»، فردت «الكشكول» على «روزاليوسف»!

واستمرت المعركة ستة أشهر.. وإذا بتوزيع «روزاليوسف» يرتفع إلى ثلاثين ألف نسخة وتوزيع «الكشكول» ينخفض إلى ثلاثة آلاف نسخة! فقد وجد قارئ «الكشكول» وهو يبحث عن رد «روزاليوسف» على الهجوم أنها مجلة مثيرة، جديدة فى أفكارها وتبويبها فاشتراها بانتظام بدلا من «الكشكول»!

ويضيف «على أمين» قائلا: والدرس الأول الذى أعلمه لتلاميذى فى كليات الصحافة هو: إذا كنت صاحب جريدة ناجحة لا تهاجم جريدة غير منتشرة! وإذا كانت جريدتك تتعثر حاول أن تجددها ثم ابحث بعد ذلك عن رئيس تحرير جريدة ناجحة ساذج وأقنعه بأن يهاجمك بلا رحمة! فنحن الذين نحول الأقزام إلى عمالقة!

**

وحكاية أخرى يرويها «على أمين» قائلا:

«أنا أكره الرقابة الصحفية ولا أطيقها، ولقد دخلت فى حياتى الصحفية عشرات المعارك مع الرقابة، وكانت آخر هذه المعارك مع الصديق «حسن صبرى الخولى» وكان يومها مديرا للرقابة!

ففى منتصف ليلة أحد الأيام فوجئت بالخولى يشطب صورة فكاهية لا علاقة لها بالسياسة ولا ينطبق عليها أى سبب من الأسباب التى فرضت بسببها الرقابة، ورفضت تنفيذ أمر الرقابة ونشرت الصورة!

وفى اليوم التالى استدعانى النائب العام فى القاهرة، وحقق معى لأننى خالفت أوامر الرقيب وأمر بالقبض علىّ وحبسى والإفراج عنى بكفالة مائة جنيه، ورفضت أن أدفع المائة جنيه وطلبت تنفيذ أمر الحبس!

وقال النائب العام: ولكنى لا أريد أن أحبسك!

وقلت له : وأنا لن أدفع المائة جنيه، لأغطى خطأ رقيب تجاوز حدوده!

وكان الرئيس «جمال عبدالناصر» كريمًا فأمر بأن يدفع أخى المبلغ من وراء ظهرى وأن يرد له المبلغ فى اليوم التالى!

وتحت عنوان «السر الخطير» يروى «على أمين» هذه الحكاية قائلا:

فى قلبى سر عمره أربعون سنة! لما عرفته فكرت فى إذاعته على الفور، ثم ترددت! فقد كان السر يمس شخصية ضخمة تتربع اليوم فى صفحات التاريخ!

فقد كنت يومها محررا صغيرا فى مجلة «روزاليوسف» وكان جارى هو محرر المواويل والقصة القصيرة، وكان هذا الجار تلميذا بليدا فى كلية الطب لأنه كان يعشق الأدب ولا يطيق امتحانات الطب!

وكان زميلى التلميذ يهرب من المحاضرات ويجلس فى مكتبه يؤلف مسرحية أو على الأصح يحاول تحويل تسع قصائد إلى رواية مسرحية!

فقد كان زميلى من عشاق الشاعر العظيم «أحمد شوقى»، وألح عليه أن يؤلف مسرحية عن «كليوباترا» وبعد عام سلم «شوقى» زميلى تسع قصائد طويلة وهو يقول: هذه هى المسرحية التى طلبتها!

وأمسك زميلى التلميذ بالمقص وراح يقص القصائد ويحولها إلى حوار وحبكة مسرحية! واضطر أن ينظم بنفسه بعض الحوار حتى تتكامل المسرحية وقد نقح شوقى بعض ما نظمه زميلى التلميذ وترك الباقى كما هو!

وما حدث فى مسرحية «كليوباترا» ومارك أنطونيو تكرر فى رواية «مجنون ليلى»!

ونسى الشاعر العظيم أن يذكر اسم الجندى المجهول فى الروايتين!

ورفض المؤلف الشاب أن يكشف عن دوره الكبير فى تأليف الروايتين الخالدتين!

إن اسم الجندى المجهول هو الدكتور «سعيد عبده» الطبيب المصرى المعروف والأستاذ السابق فى كلية طب القاهرة والشاعر الرقيق الذى كان الجيل الماضى يحفظ مواويله السياسية الساخرة عن ظهر قلب، ويرددها كما يردد اليوم أغانى فيروز وأم كلثوم!

كان «محمد محمود» رئيس الوزراء يحفظ معظم مواويله ويرددها فى مجالسه، وكان النقراشى يتغنى بها، وكان كل ساسة مصر ينتظرون ظهوره بفارغ الصبر!

* وتحت عنوان «كرامة الصعاليك» يروى «على أمين» هذه الواقعة لكل من يمسك بالورقة والقلم ويتصور أنه نابغة زمانه فيقول:

«أرسل الكاتب «جورج برنارد شو» خطابا إلى رئيس تحرير جريدة «الديلى نيوز» وطلب نشره كاملا رغم أنه يستغرق عمودين كاملين من الجريدة.

وفى اليوم التالى تلقى «برنارد شو» خطابه مع رسالة من رئيس التحرير يطلب فيها من الكاتب أن يختصر خطابه إلى ربع مساحته أى يختصر عمودا أو نصف عمود!

ولم يغضب «برنارد شو» لم يتهم رئيس التحرير بالجهل والغباء، لم يقل له إن كلامه لا يحتمل الاختصار، لأن كل كلمة يكتبها تعبر عن فكرة واتجاه!

لقد جلس «برنارد شو» إلى مكتبه 12 ساعة وأعاد كتابة رسالته 11 مرة حتى استطاع أن يركز الرسالة فى نصف عمود، ثم أرسلها إلى رئيس التحرير مع رسالة شكر لأن تركيز الرسالة ساعد على رفع مستواه وأنه سيحاول منذ اليوم أن يركز أفكاره بعد أن اكتشف أن التركيز يبرزها ويدعمها ويزيد بريقها.

كتب برنارد شو هذه الرسالة عام 1904 وكان يومها كاتبا لامعًا ومع ذلك تقبل النقد بصدر رحب ولم يتصور أن إعادة كتابة مقال تمس كرامته!

وهذا هو الفرق بين النوابغ والصعاليك، الصعلوك يتصور أن كل نقد يوجه إلى عمله هو مجرد غيرة وحسد من الناقد والنابغة يعرف أن النقد يبنى ولا يهدم وأن الرجل الناجح هو الذى يستمع إلى الرأى الآخر ويحاول الاستفادة منه.

كتاب على أمين الممتع صدر عن دار المعارف سنة 1975 وأدعو صديقى العزيز «سعيد عبده» رئيس مجلس إدارة دار المعارف لإعادة طبعه ثانية فهو جديربالقراءة! وللحكاية بقية!