مهمة الأستاذة «إيمان»

عبير صلاح الدين
أعرف الأستاذة إيمان صبرى، منذ صيف 2011، حين تبنت موجهة اللغة الإنجليزية وقتها، مبادرة لتحسين اللغتين العربية والإنجليزية لنحو 50 تلميذا بثلاث مدارس ابتدائية تقع فى أحياء بسيطة الحال، كانوا قد وصلوا للصفين الثالث و الرابع الابتدائى، ولا يستطيع بعضهم كتابة اسمه أو اسم مدرسته باللغة العربية.
لم تكن التجربة سهلة، فكان عليها أن تبحث عن «راع» أو ممول للتجربة الرائدة، وأن تقنع الممول بما يمكن أن يعود عليه، وأن تقنع مدرسة بورسعيد القومية للغات بالزمالك، باستضافة التلاميذ لشهرين، هى فترة تطبيق البرنامج، وأن تقنع أهالى التلاميذ بأهمية أن يشاركوا فى البرنامج، وتعوض التلميذ العامل منهم عن»اليومية» التى كان يتحصل عليها من عمله.
«معا نصنع غدا»، تحت هذا الاسم كونت فريق عمل من معلمى اللغة العربية والإنجليزية ومشرفيين وإداريين وعاملات لمعاونتها، وتجمع التلاميذ التلاميذ من أمام المدارس الثلاثة يوميا بأتوبيسين، ليشاركوا فى النادى الصيفى بمدرسة بورسعيد بالزمالك، الذى يتضمن لعب ورحلات ومسابقات وجوائز، ووجبة طعام يوميا وكمان فلوس.
استطاعت المتطوعة إيمان صبرى، أن تقنع وقتها شركة مشهورة لبيع الأجهزة الكهربائية، لتمويل المبادرة بالكامل، فأمكنها أن تستعين بمدربة عروض مسرحية محترفة، لتدرب الأطفال على عروض مسرحية راقصة وأغانى باللغتين العربية والإنجليزية، مع ألعاب الصلصال والرسم وتكوين أشكال جميلة من المكرونة والعدس وأشياء أخرى، بجانب دروس اللغة العربية والإنجليزية.
اشترت «ميس إيمان» ملابس وأحذية جديدة، للأولاد والبنات، كان الحفل الختامى الذى دعى اليه مدير إدارة غرب القاهرة التعليمية وقتها محمد عطية، مبهرا، رقصات متقنة وأغانى، فضلا عن تمكن التلاميذ من استخدام نحو 50 كلمة إنجليزية، يعبرون بها عن أنفسهم، مع التحدث والكتابة باللغة العربية، لكن وحدهم المشروفون والأستاذة إيمان من لاحظوا مشاعر الرقى التى أصبح يتحلى بها هؤلاء الأطفال، ووعيهم وإحساسهم بأن هناك من شعر بآلامهم وأحلامهم.
مسابقة لوظيفة مثيرة
بعد هذه التجربة المثيرة، توقعت أن تسعى الاستاذة إيمان لتعميم تجربتها، لكنها خاضت مسابقة لوظيفة مدير التعليم الخاص بادارة غرب القاهرة التعليمية، وبالفعل اقتنصتها، وقبعت فترة تقرأ القوانين والقرارات المنظمة، ثم حلّقت مبدعة، وكأنها فى تحد مع مجال ليس سهلا، يخاف البعض التورط فيه ويسعى آخرون إلى جنى غنائمه.
تحب إيمان أن تثبت دائما لمن اختارها للمنصب أنها عند حسن ظنه، بل وتبهره متحدية الأزمات والصعاب، تعلمت هذا من حبها للرياضيات وتشجيع معلم الرياضيات لها بالاعدادية، كان يكتب كل يوم مسألة هندسية، يعلقها فى فناء المدرسة، لتتنافس الطالبات على حلها، وعندما تتطلب الطالبات منه الحل بعد أن ييأسن من الوصول إليه، يقول لهن»روحوا لايمان صبرى فى ثالثة/ خامس».
أحبت الطالبة إيمان الرياضيات وتفوقت فيها، وكانت الأولى على مدرستها، ورغم هذا اختارت الدراسة بالقسم الأدبى، بعد أن كرهت مادة الكيمياء، التى لم تحب معلمتها، وهو الاختيار الذى أحزن والدها وقتها.
بعد حصولها على الثانوية العامة لم تلتحق بكلية الاعلام كما وجهها مجموعها، وفضلت الدراسة فى كلية الآداب والتربية بكلية البنات جامعة عين شمس، لحب والدها الذى كان قد توفى وقتها- للمعلمين واحترامه لدورهم، ولحبها للغة الإنجليزية التحقت بدراستها، التى أمتعتها بالفعل حتى تخرجت 1986.
لم تمض سنوات كثيرة على عملها كمعلمة لغة إنجليزية، حتى اختارها الموجه الأول للعمل فى التوجيه بالمدارس الخاصة والدولية، لتميزها فى اللغة ولاهتمامها ببناء شخصية الطلاب.
لم ترتب إيمان أن تترقى لمنصب وكيل إدارة باب الشعرية التعليمية، ثم وكيلا لادارة عابدين التعليمية، ولا أن تعود للتعليم الخاص قبل عامين، لتكون مدير الإدارة المركزية للتعليم الخاص بديوان الوزارة، لكنها فرحت باختيارها، وسعت لخلق كيان جديد لهذه الوظيفة، بنطقها المميز للإنجليزية، وشخصيتها القوية ونزاهتها، وبوقوفها على مسافة واحدة بين أولياء الأمور وأصحاب المدارس الخاصة والدولية.
تدرك جيدا أن أولياء الأمور يستثمرون فى تعليم أبنائهم، وتحرص عند قراءتها لملف كل مدرسة أن يحصل الطالب على تعليم جيد، يقابل ما يدفعه، وأن تحصل الوزارة أيضا على نسبتها القانونية من هذا النوع من التعليم، وبالفعل ارتفعت تلك الموارد بشكل لافت، لتضخ فى صندوق تمويل مشروعات المدارس الحكومية وتحسين أحوال المعلمين.
ولإيمانها أن التعليم الخاص قاطرة تساعد التعليم العام، والدولة فى حاجة إلى خريجين من مختلف أنواع التعليم، ولهذا ساهمت فى ترخيص الكثير من المدارس الخاصة، بعد حل مشاكلها والتأكد مما تقدمه من تعليم، ومن الدرجة الخلقية والعلمية للمعلمين ومؤهلاتهم وخبراتهم، ومن أن مدير المدرسة شخصية متزنة وعلى درجة تعليم مناسبة.
اهتمت إيمان بالنظر فى مناهج المدارس الدولية التى تستورد من الخارج، لتطمئن إلى مايدرسه أولادنا، وأنه يتفق مع ثقافتنا وعاداتنا، وأصدر وزير التربية قرارا بأن يدرس طلاب التعليم الدولى المصريين مناهج الهوية فى التاريخ والتربية الوطنية.
إذا كنت ولى أمر ستسمعك الأستاذة إيمان طويلا، وستفكر مليا قبل أن ترد، استمعت إلى أن اختبار الشهادة الثانوية الأمريكية محتكرا من قبل جهة وحيدة، وأحيانا يتحكم المحتكر فى حجب النتائج، أو إلغاء بعض المحاولات التى يفترض أن يستفيد منها الطالب لدخول الامتحان لأكثر من مرة، لتحسين درجاته، وكان الحل هو إلغاء هذا الاحتكار، الذى كان يتسبب أحيانا أيضا فى تسريب الامتحان.
بيزنس الزى المدرسى، وسائقو أتوبيس المدرسة، ونسب زيادة المصروفات، والتفتيش الدورى، وتوقيع الاجراءات القانونية ضد المخالفين، موضوعات لا تمل من بحث شكاواها، ومتابعتها، خاصة فى موسم الصيف والتقدم للمدارس وتقدير نسب الزيادة فى المصروفات، وصيف كورونا أكثر سخونة بالشكاوى والمطالب.